المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الاستسقاء - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[الدميري]

الفصل: ‌باب صلاة الاستسقاء

‌بَابُ صَلَاةِ الاِسْتِسْقَاءِ

هِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ،

ــ

باب صلاة الاستسقاء

(الاستسقاء): طلب السقيا من الله عند الحاجة إليها تقول: استعطى واستخرج أي: طلب العطاء والخراج.

وسقى وأسقى بمعنى، قال تعالى:{وسقاهم ربهم شرابًا طهورا} ، وقال تعالى:{لأسقيناهم ماء غدقا} ، ويقال: سقى إذا ناوله ماء ليشرب، وأسقى إذا أعد له سقيًا، ويقال: سقيته لنفسه وأسقيته لماشيته وأرضه.

والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: {وإذا استسقى موسى لقومه} الآية، و (استسقى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأئمة من بعده، ومن السنة أحاديث يأتي بعضها في الباب، وله أنواع:

أدناها: مجرد الدعاء.

وأوسطها: الدعاء خلف الصلاة، وفي خطبة الجمعة ونحو ذلك.

وأفضلها: الاستسقاء بركعتين وخطبتين كما سيأتي.

قال: (هي سنة)؛ لما روى الشيخان [خ1012 - م894] عن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى، واستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين)، زاد البخاري [1024]:(جهر فيهما بالقراءة).

وحكى الماوردي وجهًا: أنها فرض كفاية.

ولا فرق في الاستحباب بين أهل القرى والبوادي، ولا بين المقيمين والمسافرين، وإذا نذرت .. وجبت كسائر القرب، وسيأتي في (باب النذر) حكم الإمام وغيره إذا نذره. قال:(عند الحاجة)؛ لأنه المأثور من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن

ص: 569

وَتُعَادُ ثَانِيًا وَثَالِثًا إِنْ لَمْ يُسْقَوْا

ــ

بعده، وذلك إذا أجدبت العيون أو انقطع الغيث أو عارت العيون المحتاج إليها.

وعارت بالعين المهملة تعير؛ أي: ذهبت في الأرض، قاله الجوهري.

وكذلك لو ملح الماء فامتنع شربه، وقلة الماء في النهر كانقطاع المطر.

قال أصبع: استسقى أهل مصر للنيل خمسة وعشرين يومًا متوالية، وحضره ابن وهب وابن القاسم.

واحترز المصنف عما إذا انقطعت المياه ولم يكن ثم حاجة، فإنها لا تشرع، لكن عبارته تفهم .. أنها لا تشرع للاستزادة وهو وجه، والأصح: مشروعيتها عند ذلك.

وإطلاقه: (الحاجة) يشمل ما إذا احتاجت طائفة من المسلمين، فإنه يستحب لغيرهم أن يصلوا ويستسقوا لهم.

قال: (وتعاد ثانيًا وثالثًا إن لم يسقوا)، وكذلك أكثر من ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله يحب الملحين في الدعاء) رواه ابن عدي [7/ 163] والعقيلي [4/ 452] عن عائشة وضعفاه.

وفي (الصحيحين)[خ6340 - م2735]: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي).

وفيهما [خ240 - م1794] عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا .. دعا ثلاثًا، وإذا سأل .. سأل ثلاثًا)، والذي يستحب إعادته هو الصلاة، وكذا الخطبة صرح به ابن الرفعة وغيره، وأما الصوم .. فنص في القديم و (الأم) على إعادته، ونص في (المختصر) على أنهم يخرجون من الغد، فقال بعضهم: فيه قولان، وقال الجمهور- كما نص المصنف في (شرح المهذب): إنهما محمولان على حالين:

فالأول: محمول على ما إذا شق على الناس الخروج من الغد واقتضى الحال التأخير أيامًا فحينئذ يصومون قبل الخروج.

ص: 570

فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا .. اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَامُرُهُمُ الإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلاً، وَالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ،

ــ

وأما الثاني .. محمول على ما إذا لم يشق على الناس الخروج من الغد.

وتعبير المصنف يوهم تقييد الإعادة بالصلاة فقط مع أنها لا تتقيد بذلك كما صرح به في (شرح المهذب)، وإذا قلنا بالخروج في الغد وفي الذي يليه .. فيكون وجهًا كما جزم به في (الكفاية).

قال: (فإن تأهبوا للصلاة فسقوا قبلها .. اجتمعوا للشكر والدعاء).

قال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} ، وقال صلى الله عليه وسلم:(من ألهم الشكر .. لم يحرم المزيد).

والمراد بـ (الشكر): الثناء على الله تعالى والتحميد والتمجيد.

و (الدعاء) أي: اطلب المزيد إذا لم يتضرروا بكثرة المطر.

قال: (ويصلون على الصحيح)، كما يجتمعون للدعاء ونحوه.

والثاني: لا؛ لأنها لم تفعل إلا عند الحاجة، وصححه ابن الصلاح في (مشكله).

وسكت المصنف عن الخطبة، وكلام الرافعي مشعر بأنها تفعل.

قال: (ويأمرهم الإمام بصيام ثلاثة أيام أولًا)؛ لأن ذلك معين على رياضة النفس وخشوع القلب.

وهذا الصوم صرح المصنف في (فتاويه) بوجوب؛ لقوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} .

وصرح الرافعي في (باب قتال البغاة) بأن ذلك يتعدى إلى كل ما يأمر به الإمام من الطاعات.

وهذه الأيام الثلاثة: قبل يوم الاستسقاء، ويخرجون في الرابع صيامًا كما سيأتي.

قال: (والتوبة والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر، والخروج من المظالم)؛

ص: 571

وَيَخْرُجُونَ إِلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا

ــ

لأن ذلك أرجى للإجابة، فقد يكون منع الغيث بسبب هذه الأمور.

قال عبد الله بن مسعود: (إذا بخس الناس المكيال .. منعوا القطر من السماء).

وقال مجاهد في قوله تعالى: {ويلعنهم اللاعنون} هم: دواب الأرض تعلنهم يقولون: منعنا القطر بخطاياهم.

ويأمرهم بالصلح بين المتشاحنين.

والخروج من المظالم من جملة التوبة، ولكن المصنف ذكرها لعظم شأنها قال الله تعالى:{إلا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي} الآية، وكان من توبتهم أن ردوا المظالم، فدفع الله عنهم البلاء والعذاب.

قال في (شرح المهذب): (المظالم): حقوق العباد، و (المعاصي): حقوق الله تعالى. وهذا المراد هنا.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: يستحب لكل أن يذكر في نفسه ما فعله من خير فيعرضه على ربه سراً، ثم يسأل الحاجة كما روي في خبر الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فمثل ذلك يستحب في الشدائد، ورفع الحوائج إلى الله تعالى.

قال: (ويخرجون إلى الصحراء)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إليها في الاستسقاء، ولأن الناس يكثرون فلا يسعهم المسجد.

واستثنى صاحب (الخصال) ما إذا كانوا بمكة أو بيت المقدس لشرف البقعة وسعتها، وما قاله عليه عمل السلف والخلف.

قال: (في الرابع صيامًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة المظلوم، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر) رواه البيهقي [هب 3595]، وصححه ابن حبان [3428].

ورواه الترمذي [3598] بلفظ: (الإمام العادل، والمظلوم، والصائم حتى يفطر).

ص: 572

فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ، وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ،

ــ

وإنما استحب الصوم فيها مع الدعاء، ولم يستحب في يوم عرفة؛ لأن هذه الصلاة في أول النهار، وعرفة في آخره مع تعب الحج والسفر.

ويأمرهم بالصدقة مع ذلك؛ لأنها تطفئ غضب الرب، والدعاء يرد البلاء.

قال: (في ثياب بذلة وتخشع)؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعًا متبدلًا متخشعًا) رواه أحمد [1/ 269] والأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح.

ولا يتزينون ولا يتنظفون إلا بالغسل، والسواك، وقطع الرائحة الكريهة.

ويستحب أيضًا تواضعهم في كلامهم ومشيهم وجلوسهم.

و (البذلة) بكسر الباء وسكون الذال المعجمة: ثياب المهنة التي تلبس في حالة الشغل، وملابسة الخدمة، والتصرف في المنزل.

و (التخشع): التذلل.

وينبغي للخارج أن يخفف غذاءه وشرابه تلك الليلة ما أمكن.

ولو خرجوا حفاة مكشوفة رؤوسهم .. لم يكره كما قاله المتولي.

وينبغي أن لا يركبوا إلا لضعف، واستبعده الشاشي.

قال: (ويخرجون الصبيان والشيوخ) وكذلك العجائز؛ لأن الشيوخ أرق قلبًا، والصبيان لا ذنب لهم، فدعاؤهم أسرع إلى الإجابة.

وفي (البخاري)[2896] من حديث سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم).

وفي (سنن البيهقي)[3/ 345]: (مهلًا عن الله، مهلًا؛ فإنه لولا شباب خشع،

ص: 573

وَكَذَا الْبَهَائِمُ فِي الأصَحِّ،

ــ

وبهائم رتع، وشيوخ ركع، وأطفال رضع .. لصب عليكم العذاب صبًا).

والمراد بـ (الركع): الذين انحنت ظهورهم من الكبر، وقيل: العباد ويؤيده أنه جاء: (وعباد ركع).

و (الشيخ): من جاور الأربعين.

قال في (الأم): وأحب أن تخرج كبار السن، ومن لا هيئة لها منهن.

والخنثى القبيح المنظر يشبه أن يلحق بالعجائز.

قال: (وكذا البهائم في الأصح)؛ لأن الجدب أصابها وضمن الله رزقها، وصحح الحاكم [1/ 325] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خرج نبي من الأنبياء يستسقي، فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل شأن النملة).

والنبي المذكور: سليمان بن داوود عليهما الصلاة والسلام.

وعلى هذا: توقف معزولة عن الناس.

والثاني: لا يستحب ولا يكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا نهى عنه.

والثالث: يكره؛ لأن فيه إتعابها، وربما شوشت على الناس بأصواتها، وبهذا قال الطبري الشيخ أبو محمد والصميري وأبو علي البندنيجي والمحاملي والدارمي وأبو خلف الطبري وسليم والقاضي أبو الطيب وصاحب (المهذب) وابن الصباغ والمتولي وصاحب (العدة) والروياني والشاشي والجرجاني والخوارزمي والعمراني والشيخ نصر.

والذي صححه المصنف والرافعي خلاف المعروف في المذهب.

والمسألة ذات قولين شهيرين، فالتعبير بـ (الأصح) وهم أيضًا.

ص: 574

وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ، وَلَا يَخْتَلِطُونَ بِنَا

ــ

قال: (ولا يمنع أهل الذمة الحضور)؛ لأنهم يشاركون المسلمين في طلب الرزق وفضل الله واسع، وقد يجيبهم استدراجًا.

قال: (ولا يختلطون بنا)؛ لأنهم ملعونون فتنزل اللعنة عليهم وقال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} ، وربما كانوا سبب القحط واحتباس الغيث.

وحكى الماوردي والروياني وجهًا: أنهم يمنعون في يومنا وإن امتازوا.

وقال بعض أصحاب مالك: يمنعون من الانفراد بيوم؛ لأنه قد يصادف الإجابة فيفتتن العوام بذلك وهو حسن.

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: لا أكره من إخراج صبيانهم ما أكره من إخراج كبارهم؛ فإن ذنوبهم أخف والعلماء مختلفون في حكمهم إذا ماتوا، ولكن يكره لكفرهم.

فائدة:

قال في (البحر) في (كتاب الصلاة): لا يجوز أن يؤمن على دعاء الكافر؛ لأن دعاءه غير مقبول قال الله تعالى: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلل} .

قال ابن عباس: (أصواتهم محجوبة عن الله تعالى فلا يسمع دعاءهم).

وروى أصحاب (السنن)، والحاكم [1/ 491] بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الدعاء هو العبادة)، والعبادة لا تصح من الكافر.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، أو يدخر له من الأجر مثلها) رواه مالك [1/ 217] والحاكم [1/ 493] والترمذي [3381] بإسناد صحيح.

ص: 575

وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَالْعِيدِ لَكِنْ قِيلَ: يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا). وَلَا تَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْعِيدِ فِي الأَصَحِّ. وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ،

ــ

وقال آخرون: وقد يستجاب للكافر كما استجيب لإبليس في الإنظار، وأجابوا- عن الآية- بأن المراد بالدعاء: العبادة.

قال: (وهي ركعتان كالعيد)، فيكبر بعد الاستفتاح وقبل التعوذ في الأولى سبعًا، وفي الثانية خمسًا، ويرفع يديه، ويقف بين كل تكبيرتين، ويجهر بالقراءة، وينادي لها: الصلاة جامعة.

قال: (لكن قيل: يقرأ في الثانية (إنا أرسلنا نوحًا)) أي: وفي الأولى (ق)؛ لأن فيها ذكر الاستسقاء.

والمنصوص: أنه يقرأ كما يقرأ في العيد.

قال: (ولا تختص بوقت العيد في الأصح)؛ لأنها صلاة ذات سبب فدارت مع سببها كصلاة الكسوف، فيفعلها متى شاء ليلًا أو نهارًا حتى في وقت الكراهة في الأصح.

والثاني: تختص به؛ لقوله في الحديث السابق: (أنه عليه الصلاة والسلام صلى ركعتين كما يصلي العيد).

والثالث: تمتد بعده إلى صلاة العصر. وكلا الوجهين لا دليل له.

قال: (ويخطب كالعيد)؛ لما روى أبو داوود [1166]- وغيره بإسناد صحيح- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى).

ص: 576

لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ. وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الأُولَى: (اللَّهُمَّ؛ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا مَرِيئًا، مُرِيعًا غَدَقًا، مُجَلِّلاً سَحّاً، طَبَقًا دَائِمًا. الَّهُمَّ؛ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ. اللَّهُمَّ؛ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا

ــ

وفي (ابن ماجه)[1268]: (فصلى ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا).

وقوله: (كالعيد) عام في جميع ما تقدم وفاقًا وخلافًا إلا في ثلاثة أشياء سنذكرها، لكن عبارته تقتضي: أن السنة لا تحصل إلا بخطبتين، وذكر ابن الرفعة: أنه لو اقتصر على خطبة واحدة .. جاز.

قال: (لكن يستغفر الله تعالى بدل التكبير)؛ لأنه أليق بالحال فيقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه؛ فإن الله تعالى وعد بإرسال المطر عند الاستغفار.

وفي وجه: أنه يكبر كالعيد، وهو ظاهر نص (الأم).

ويستحب أن يختم كلامه بالاستغفار، وأن يكثر منه في الخطبة ومن قوله تعالى:{استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} الآية.

وروى أبو داوود [1513] والحاكم [4/ 262] وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لزم الاستغفار .. جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب).

قال: (ويدعو في الخطبة الأولى: (اللهم؛ اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، مريعًا غدقًا، مجللًا سحًا، طبقًا دائمًا، اللهم؛ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم؛ إنها نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا)) كذا رواه الإمام الشافعي رحمه الله [أم 1/ 251] عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به في الاستسقاء)، وزاد فيه بعد قوله:(من القانطين): (اللهم؛ إن بالعباد والبلاد والخلق من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك، اللهم؛

ص: 577

وَيَسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ،

ــ

أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض، اللهم؛ إنا نستغفرك

) إلى آخره، وهذه الزيادة في (المحرر) فكان ينبغي للمصنف أن يذكرها.

وزاد في الحديث أيضًا بعد لفظ (الأرض) وقبل قوله (اللهم؛ إنا نستغفرك) زيادة لم يذكرها في (المحرر)، وذكرها الشيخ في (التنبيه) والمصنف في (الروضة) وهي: اللهم؛ ارفع عنا الجهد والجوع والغلاء، واكشف عنا في البلاء ما لا يكشفه غيرك.

وقوله: (اسقنا) يجوز فيه قطع الهمزة ووصلها.

و (الغيث): المطر، و (المغيث): المنقذ من الشدة.

و (المريء) بفتح الميم: المحمود العاقب.

و (الهنيء): الطيب الذي لا ينغصه شيء.

و (المريع) بميم مضمومة: الذي يأتي بالريع وهو: الزيادة والنماء، ويجوز فتح ميمه وكسر رائه.

و (الغدق) بفتح الغين- أي: المعجمة- والدال: الكثير الماء، وقيل: الذي قطره كبار.

و (المجلل) بكسر اللام: الذي يعم البلاد نفعه.

و (السح): الشديد الوقع على الأرض.

و (الطبق) بفتح الطاء والباء: الذي يطبق البلاد كالطبق عليها.

و (السماء) هنا: السحاب.

قال: (ويستقبل القبلة بعد صدر الخطبة الثانية) قال في (الدقائق): إنه نحو ثلثها، وفي (الكافي) للزبيري: عند بلوغ نصفها.

ودليل الاستقبال: حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المتقدم في أول الباب.

ص: 578

وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرّاً وَجَهْراً، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ

ــ

وعبارته تقتضي: أنه يستقبل القبلة إلى فراغ الخطبة، والمجزوم به في (المحرر): أنه إذا فرغ من الدعاء الآتي .. استقبل الناس، وأتى بباقي الخطبة، وقال: أستغفر الله لي ولكم.

قال: (ويبالغ في الدعاء سرًا وجهرًا)؛ لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية} ، فإذا أسر .. دعا الناس سرًا، وإذا جهر .. أمنوا، وهكذا السنة في كل دعاء لرفع بلاء.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وينبغي أن يقول في دعائه في هذه الحالة: اللهم إنك أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالإجابة، وأنت لا تخلف الميعاد، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا.

ويستحب رفع اليد في هذا الدعاء؛ لما روى الشيخان [خ3565 - م895] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا عند الاستسقاء، فإنه كان يرفع يده حتى يبدو بياض إبطيه).

والسنة في هذا الرفع: أن يجعلوا ظهور أكفهم إلى السماء، وهكذا السنة في كل دعاء لرفع البلاء، فإذا سأل الله شيئاً .. عكس.

قال: (ويحول رداءه عند استقباله)؛ لما ثبت في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في (الصحيحين)[خ1012 - م894]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة وحول رداءه).

ص: 579

فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ وَعَكْسَهُ، وَيُنَكِّسُهُ- عَلَى الْجَدِيدِ- فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ،

ــ

قال السهيلي: وكان طول ردائه أربع أذرع، وعرضه ذراعان وشبر.

والحكمة في تحويله: التفاؤل بتحويل الحال من الضيق إلى السعة.

وفي (الدارقطني)[2/ 66]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وحول رداءه؛ ليتحول القحط)، و (كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن).

وقال المتولي: إنما استحب ذلك؛ لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فيغيروا بواطنهم بالتوبة، وظواهرهم بتحويل الرداء لعل الله تعالى يغير ما بهم.

وقال الماوردي: يستحب أن يكون التحويل قبل الاستغفار.

قال: (فيجعل يمينه يساره وعكسه) كذا رواه أبو داوود [1156] عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن.

قال: (وينكسه- على الجديد- فيجعل أعلاه أسفله وعكسه)؛ لما روى الحاكم [1/ 327] وأبو داوود [1157] والنسائي [1/ 157]: (أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت عليه .. قلبها على عاتقه)، فرأى الإمام الشافعي رضي الله عنه إتباعه فيما أراده عليه الصلاة والسلام وهم به.

قال الرافعي: ومتى جعل الطرف الأسف الذي على شقه الأيسر على عاتقه الأيمن، والطرف الأسفل الذي على شقه الأيمن على عاتقه الأيسر .. حصل التحويل والتنكيس جميعًا.

ومحل الخلاف بين القديم والجديد: في الرداء المربع، فإن كان مدورًا .. لم يستحب التنكيس، بل يقتصر على التحويل بالاتفاق.

ص: 580

وَيُحَوِّلُ النَّاسُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: وَيُتْرَكُ مُحَوَّلاً حَتَّى يَنْزِعَ الثِّيَابَ، وَلَوْ تَرَكَ الإِمَامُ الاِسْتِسْقَاءَ .. فَعَلَهُ النَّاسُ، وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ .. جَازَ،

ــ

قال: (ويحول الناس مثله) أي: مثل تحويل الإمام؛ لمشاركتهم له في المعنى، وقد روى أحمد في (مسنده) [4/ 41]: (أن الناس حولوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (قلت: ويترك محولاً حتى ينزع الثياب)؛ لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم غيرها بعد التحويل.

قال: (ولو ترك الإمام الاستسقاء .. فعله الناس) كغيره من السنن، ولأنهم أشد حاجة من الإمام، ولأن الناس قدموا أبا بكر رضي الله عنه حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني عمرو بن عوف، و (قدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في غزوة تبوك حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة).

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وإذا كان ذلك في المكتوبة .. فغيرها أولى.

والمصنف أطلق المسألة، والذي نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه: أنهم عند وجود الوالي في المصر لا يستحب لهم فعل ذلك؛ لما فيه من خوف الفتنة.

وقد سبق: أنهم في العيد في مثل هذه الحالة يصلون بلا خطبة.

قال: (ولو خطب قبل الصلاة .. جاز) وكان تاركًا للأكمل؛ لأن أكثر العلماء على استحباب التأخير، واستدلوا لجواز التقديم بحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال:(خرج رسول الله صلى الله عليه سلم إلى المصلى فاستسقى، وحول رداءه حين استقبل القبلة، ثم صلى) رواه البخاري [1012] ومسلم [894].

وفي (سنن أبي داوود)[1166]- بإسناد صحيح- عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الخطبة).

ص: 581

وَيُسَنُّ أَنْ يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ، وَيَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ. وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ. وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ

ــ

قال: (ويسن أن يبرز لأول مطر السنة، ويكشف غير عورته ليصيبه)؛ لما روى مسلم [898] عن أنس رضي الله عنه قال: أصبنا مطر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحسر صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ فقال: (إنه حديث عهد بربه) أي: حديث عهد بتكوينه وإنزاله.

واتفقوا على أن ذلك إنما يكون في أول مطر السنة كما قاله المصنف.

قال: (وأن يغتسل أو يتوضأ في السيل)؛ لما روى الإمام الشافعي رضي الله عنه [أم 1/ 253]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل .. قال: (اخرجوا إلى هذا الذي جعله الله طهورًا؛ نتطهر منه ونحمد الله عليه).

وتعبير المصنف بـ (أو) موافق لعبارة (الروضة)، وعبر في (شرح المهذب) بـ (الواو) ثم قال: فإن لم يجمعهما .. توضأ.

قال: (ويسبح عند الرعد والبرق)؛ لما روى مالك [2/ 992] عن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع الرعد .. ترك الحديث وقال: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته).

وأما استحباب التسبيح عند البرق .. فذكره الشيخ في (التنبيه)، وتابعه عليه في الكتاب وفي (الروضة)، ولم يذكره في (المهذب) ولا في (شرحه).

قال: (ولا يتبع بصره البرق)؛ لما روى الإمام الشافعي رضي الله عنه [شم 1/ 82] عمن لا يتهم عن عروة بن الزبير قال: (إذا رأى أحدكم البرق .. فلا يشير إليه).

وكان السلف يكرهون ذلك ويقولون عنده: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبوح قدوس.

ونقل الإمام الشافعي رضي الله عنه في (الأم)[1/ 254] عن الثقة عن مجاهد: أن الرعد ملك، والبرق أجنحته، يسوق السحاب، ثم قال: وما أشبه ما قاله بظاهر القرآن وهو قوله سبحانه وتعالى: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} .

ص: 582

وَيَقُولَ عِنْدَ الْمَطَرِ: (اللَّهُمَّ؛ صَيِّباً نَافِعًا)، وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ، وَبَعْدَهُ:(مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ). وَيُكْرَهُ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا،

ــ

وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (بعث الله السحاب فنطقت أحسن النطق، وضحكت أحسن الضحك، فالرعد نطقها، والبرق ضحكها).

وأما الصواعق .. فيستعاذ بالله منها؛ لأنها ربما أهلكت.

قال: (ويقول عند المطر: (اللهم؛ صيبًا نافعًا))؛ لما روى البخاري [1032] عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال ذلك.

و (صيبًا) بفتح الصاد المهملة، وتشديد الياء المكسورة.

وفي (سنن ابن ماجه)[3889]: (اللهم؛ سيبًا) بالسين، فيستحب الجمع بينهما.

روى الإمام الشافعي رضي الله عنه في (الأم)[1/ 254] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها، يصرفه الله حيث يشاء).

قال: (ويدعو بما شاء)؛ لأنه وقت يستجاب فيه الدعاء.

روى البيهقي [3/ 360]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة).

وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه [أم 1/ 253]: حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة.

قال: (وبعده: (مطرنا بفضل الله ورحمته)، ويكره: مطرنا بنوء كذا)؛ لما روى الشيخان [خ846 - م7] عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف .. أقبل على الناس قال:(أتدرون ماذا قال ربكم؟) قالوا: الله ورسوله

ص: 583

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أعلم، قال:(قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته .. فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا .. فذلك كافر بي مؤمن: الكوكب) متفق عليه.

وأفاد الحافظ الدمياطي: أن قوله ذلك كان في السنة السادسة من الهجرة، ومحل هذه الكراهة: إن اعتقد أن هذه الأنواء لا فعل لها في المطر، وإنما أجرى الله عادته بإنزاله في هذا الوقت، أما إذا اعتقد أنها فعالة .. فهو كفر.

وفي (الموطأ)[1/ 192] قال: بلغني أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: (إذا أصبح وقد مطر الناس .. مطرنا بنوء الفتح، ثم يقرأ:{ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} الآية.

و (الأنواء) هي: منازل البروج، وهي ثمانية وعشرون نجمًا يطلع كل ثلاثة عشر يومًا واحد منها، ويغيب مقابلة، ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لا يتقاصر عنه على تقدير مستو ولا يتفاوت، ويسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين، ثم يستتر ليلتين، أو ليلة إذا نقص الشهر.

وهذه المنازل هي مواقع النجوم، وهي: الشرطان، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والحرثان، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزبانا، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، والفرغ المقدم، والفرغ المؤخر- بالغين المعجمة- وبطن الحوت

ص: 584

وَسَبُّ الرِّيحِ،

ــ

وإنما سميت أنواء؛ لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب .. ناء الطالع بالمشرق أي: نهض وطلع.

وكانت العرب تنسب إليها المطر وربما أخلفت كما قال الأول [من البسيط]:

لا تعجبن لخير زل عن يده .... فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانًا

قال: (وسب الريح)؛ لأنه خلق من خلق الله تعالى، وجند من أجناده.

وفي (سنن أبي داوود)[5056] و (النسائي)[سي 931] و (المستدرك)[4/ 285] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها .. فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا به من شرها).

قوله: (من روح الله) - بفتح الراء- معناه: من رحمة الله بعباده.

وفي (أبي داوود)[4872] و (شعب البيهقي)[5236]- بإسناد جيد- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا نازعته الريح رداءه فلعنها، فقال عليه الصلاة والسلام:(لا تلعنها فإنها مأمورة، ومن لعن شيئًا ليس له بأهل .. رجعت اللعنة عليه).

والرياح أربع: التي من تجاه الكعبة: الصبا، ومن ورائها: الدبور، ومن جهة يمينها: الجنوب، ومن جهة شمالها: الشمال بفتح الشين وفيها خمس لغات.

ولكل من هذه الرياح طبع ونفع كفصول السنة، فـ (الصبا): حارة يابسة،

ص: 585

وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ .. فَالسُّنَّةُ: أَنْ يَسْأَلُوا اللهَ تَعَالَى رَفْعَهُ: (اللَّهُمَّ؛ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا)،

ــ

و (الدبور): رطبة باردة، و (الجنوب): حارة رطبة وهي (الأزيب)، وفي الحديث:(اسمها عند الله: الأزيب، وعندكم الجنوب)، وأهل مكة يستعملون هذا الاسم كثيرًا، و (الشمال): باردة يابسة، وهي: ريح الجنة التي تهب عليهم.

روى مسلم [2833] عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لسوقًا يؤتى كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالًا).

وهذه الريح هي المثيرة؛ لأنها تثير في وجوههم نضرة النعيم.

روى الإمام الشافعي رضي الله عنه [أم 1/ 253] أن رجلاً شكا للنبي صلى الله عليه وسلم الفقر، فقال:(لعلك تسب الريح؟).

وكأن السبب في ذلك: أنها لما كانت سبب المطر والمطر سبب الرزق، فمن سبها .. منع الرزق بذلك.

قال: (ولو تضرروا بكثرة المطر .. فالسنة: أن يسألوا الله تعالى رفعه: (اللهم؛ حوالينا ولا علينا) كما رواه الشيخان [خ933 - م897] عن أنس رضي الله عنه.

وقال السهيلي: لم يقل عليه الصلاة والسلام في رفع المطر: اللهم؛ ارفعه عنا، وذلك من حسن الأدب في الدعاء؛ لأنها رحمة الله ونعمته المطلوبة منه، فكيف يطلب رفعها؟ وإنما يسأل كشف البلاء والمزيد من النعماء.

و (الكثرة): ضد القلة، وهي بفتح الكاف وكسرها، حكاهما في (التحرير)، وحكى ابن سيده فيها الضم أيضًا.

ص: 586

وَلَا يُصَلِّى لِذَلِكَ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

قال: (ولا يصلى لذلك والله أعلم)؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤثر فيه غير الدعاء. وذلك يسمى: الاستصحاء.

تتمة:

يستحب الاستسقاء بأهل الفضل؛ لما روى البخاري [1010] عن عمر رضي الله عنه أنه استسقى عام الرمادة بالعباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال له كعب الأحبار: يا أمير المؤمنين؛ إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا .. استسقوا بعصبة الأنبياء، فصعد عمر رضي الله عنه المنبر ومعه العباس فقال:(اللهم؛ إنا توجهنا إليك بعم نبينا وصفوته، فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين)، ثم قال:(يا أبا الفضل؛ قم فادع)، فقام العباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (اللهم؛ إنك لا تنزل بلاء إلا بذنب، ولا تكشفه إلا بتوبة، وقد توجهوا بي إليك، اللهم؛ فاسقنا الغيث، اللهم؛ شفعنا في أنفسنا وأهلينا، اللهم؛ إنا شفعاء عمن لا ينطق من بهائمنا وأنعامنا، اللهم؛ لا نرجو إلا إياك، اللهم؛ إليك نشكوا جوع كل جائع، وعري كل عار، وخوف كل خائف، وضعف كل ضعيف

) في دعاء كثير فسقوا.

وروى الطبراني [24/ 260] وابن سعد [1/ 90]: (أن عبد المطلب استسقى بالنبي صلى الله عليه وسلم حين تتابعت عليهم سنون أهلكتهم، فسمعوا قائلًا يقول: يا معشر قريش؛ إن فيكم نبيًا آن أوان خروجه، به يأتيكم الحيا والخصب، فاخرجوا به إلى جبل أبي قبيس، فتقدم عبد المطلب ومعه النبي صلى الله عليه وسلم قد أيفع، فرفع يديه يدعو ويطلب الغيث بوجه النبي صلى الله عليه وسلم .. فسقوا)، ولذلك يقول فيه عبد المطلب [من الطويل]:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه .... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ص: 587

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واستسقى معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي، وكان أدرك الجاهلية والإسلام وسكن الشام واشتهر بالصلاح، فقال معاوية:(اللهم؛ إنا نستسقي إليك بخيرنا وأفضلنا، اللهم؛ إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ورفع الناس أياديهم، فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس فسقوا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم).

وروى البيهقي في (الشعب)[6975] عن أبي زرعة قال: خرج الضحاك بن قيس يستسقى بالناس فلم يمطروا ولم يروا سحابًا، فقال ليزيد بن الأسود:(قم فاستسق لنا إلى الله تعالى، فقام فعطف رأسه على منكبه وحسر عن ذراعيه وقال: اللهم؛ إن عبادك هؤلاء استسقوا بي إليك، فما دعا إلا ثلاثًا حتى مطروا مطرًا شديدًا، فلما رأى ذلك قال: اللهم؛ إنك شهرتني بهذا فأرحني منه، فما لبث بعد ذلك إلا جمعة حتى مات رحمه الله عليه).

* * *

خاتمة

روى البيهقي في (الشعب)[1098] عن محمد بن حاتم قال: قلت لأبي بكر الوراق: علمني شيئاً يقربني إلى الله ويقربني من الناس، فقال: أما الذي يقربك إلى الله .. فمسألته، وأما الذي يقربك من الناس .. فترك مسألتهم.

ثم روى [هب 1099 و 1100] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يسأل الله .. يغضب عليه)، ثم أنشد [من الكامل]:

الله يغضب إن تركت سؤاله .... وبني آدم حين يسأل يغضب

* * *

ص: 588