المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: طَوِيلُ اَلْسَّفَرِ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً هَاشِمِيَّةَ ــ قال: (فصل: طويل السفر: ثمانية وأربعون - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: طَوِيلُ اَلْسَّفَرِ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً هَاشِمِيَّةَ ــ قال: (فصل: طويل السفر: ثمانية وأربعون

‌فَصْلٌ:

طَوِيلُ اَلْسَّفَرِ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلاً هَاشِمِيَّةَ

ــ

قال: (فصل:

طويل السفر: ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية)؛ لما روي البيهقي [3/ 173]- بسند صحيح - عن ابن عباس أنه سئل: أقصر إلى عرفة؟ قال: (لا، ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف)، وهذه الأمكنة كل واحد منها بينه وبين مكة أربعة برد، وروى [3/ 137] بإسناده عن عطاء بن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوقها.

وذكر هذا البخاري في (صحيحه) تعليقًا بصيغة جزم، ومثل ذلك لا يقال إلا بتوقيف.

وقيل: إنه رفعه إلى النبي صلي الله عليه وسلم، فيكون ذلك مخصصًا لعموم الآية.

وقال الليث بعد سعد: هذا الذي عليه الناس.

واستحب الشافعي أن لا يقتصر في أقل من ثلاثة أيام للخروج من خلاف أبي حنيفة.

ونقل في (الحاوي) عنه في (كتاب النكاح): أنه كره في أقل من الثلاث، وجزم به أيضًا في (كتاب الرضاع).

و (الميل): اسم لمسافة معلومة متسعة، لا يكاد بصر الرجل يلحق آخره،

ص: 419

قُلْتُ: وَهِيَ مَرْحَلَتَانِ بِسَيْرِ اَلأَثْقَالِ،

ــ

وهو: أربعة آلاف خطوة، كل خطوة ثلاثة أقدام. وهو: ستة آلاف ذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضات، كل إصبع ست شعيرات معترضات.

وهذهالمدة معتبرة ذهابًا، وفي وجه ضعيف: ذهابًا وإيابًا.

والأصح: أن ذلك تحديد.

ووقع في (رؤوس المسائل): أنه تقريب.

والفرق على لا أصح بينه وبين القلتين: أن تقدير الأميال ثابت عن الصحابة بخلاف تقدير القلتين؛ فإنه لا توقيف في تقديرهما بالأرطال، فلذلك كان الأصح فيهما التقريب.

ونسب الرافعي وابن الرفع الأميال الهاشمية إلى هاشم جد النبي صلي الله عليه وسلم؛ لأنه قدرًا أميال البادية.

والصواب: أنها منسوبة إلى بني هاشم؛ فإنهم فعلوا ذلك حين أفضت الخلافة إليهم، فإن بني سبقوهم إلى تقديرها بأميال هي أكثر من هذه فغيروا ذلك التقدير، نبه عليه ابن الصلاح وغيره.

و (البريد) على المشهور: أربعة فراسخ، و (الفرسخ): ثلاثة أميال هاشمية.

وحد الشافعي في (البويطي) المسافة بما ذكره المصنف، وفي (المختصر) بستة وأربعين، وفي القديم بأربعين، وقال في موضع: مسيرة يوم، وفي موضع: مسيرة يومين، وفي موضع: مسيرة ليلتين، وفي موضع: مسيرة يوم وليلة، وفي موضع: بأربعة برد، وكل هذا واحد:

فالستة والأربعون لم يعتبر فيها الميل الذي يبدأ به ولا الذي ينتهي إليه.

والأربعون أموية ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية؛ لأن كل خمسة منها ستة.

وحيث قال: يومًا أراد بليلته، وحيث قال: يومين أراد بلا ليلة، وحيث قال: ليلتين أي: بلا يوم، وحيث قال: يومًا وليلة أرادهما.

قال: (قلت: وهي مرحلتان بسير الأثقال)، وكلك دبيب الأقدام؛ لأن بذلك ضبطه الأولون، كذا نص عليه واتفقوا عليه.

ص: 420

واَلَبْحْرُ كَاَلْبَرِّ، فَلَوْ قَطَعَ اَلأَمْيَالَ فِيهِ فَي سَاعَةٍ. قَصَرَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعِ مُعَيَّنِ أَوَّلاً، فَلا قَصْر لِلْهَائِمِ وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ،

ــ

قال: (والبحر كالبر، فلو قطع الأميال فيه في ساعة .. قصر والله أعلم)؛ لأنها مسافة صالحة للقصر، فلا يؤثر قطعها في زمن يسير كما لو قطعها في البر على فرس جواد في بعض يوم.

وفي وجه: أنه لا يجوز القصر للملاح إذا كان أهله وماله معه، والأصح: أنه يقصر.

فلو شك في المسافة .. فالنص: لا قصر، وقال الأصحاب: يجتهد فإن لم يظهر له أنها القدر المعتبر .. لم يقصر، وحملوا النص على ذلك.

وسمى البحر بحرًا؛ لعمقه واتساعه، والجميع: أبحر وبحار وبحور، وكل نهر عظيم بحر.

قال: (ويشترط قصد موضع معين أولاً) وينبغي أن يزاد: لغرض مباح مقصود؛ فإنهم قالوا: لو سافر لا لغرض لم يقصر.

ويشترط: أن لا ينوي الإقامة - في كل مرحلة - مدة تقطع الترخيص.

قال: (فلا قصر للهائم) وهو: المتحير الذي ركب البر بلا قصد معلوم، مع أنه لا يرجع بل يمضي على وجهه.

وقد جمع الغزالي بين الهائم وراكب التعاسيف.

قال أبو الفتوح العجلي: هما عبارة عن شيء واحد وليس كما قال، بل الهائم: الخارج على وجه لا يدري أين يتوجه وأنسلك طريقًا مسلوكًا، وراكب التعاسيف لا يسلك طريقًا، فهما مشتركان في أنهما لا يقصدان موضعًا معلومًا وإن اختلفا فيما ذكرناه.

قال: (وإن طال تردده) كألف فرسخ؛ لأنه لا يدري: أسفره طويل أم لا؟

وفي وجه: أنه إذا بلغ مسافة القصر .. يقصر، وهو شاذ منكر.

ص: 421

وَلَا طَالِبِ غَرِيمٍ وَابِقٍ يَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ. وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ، فَسَلَكَ اَلْطَّوِيلَ لِغَرَضٍ كَسُهُولَةٍ أَوْ أَمْنٍ .. قَصَرَ،

ــ

وقوله: (أولاً) أي: في ابتداء سفره.

وقيل: ذلك لا يضر.

ولو قصد أولاً مقصدًا معينًا، ثم نوى أنه إن وجد غريمه رجع، فإن حدث له هذا القصد قبل مفارقة العمران .. لم يقصر.

أما المنتج وهو: من يطلب الكلأ وقصده الإقامة إذا وجده .. فإنه لا يقصر وإن طال سفره.

فرع:

لو نوى الكافر أو الصبي السفر إلى مسافة القصر، ثم أسلم وبلغ في أثناء الطريق .. فلهما القصر في بقيته، هكذا في زيادات (الروضة).

وفي (فتناوي البغوي): أن الصبي يقصر دون من أسلم.

قال: (ولا طالب غريم وآبق يرجع متى وجده ولا يعلم موضعه)؛ لأنه في معنى الهائم إذ لا يتحقق طول السفر وهو شرط.

قال: (ولو كان لمقصده طريقان: طويل وقصير، فسلك الطويل لغرض كسهولة أو أمن .. قصر)؛ لأنه غرض معتبر شرعًا، وكذا إذا قصد زيارة صديق في مروره ونحو ذلك

وهل التنزه من الأغراض حتى يقصر أولاً؟ فيه وجهان، أصحهما: نعم.

و (المقصد) بكسر الصاد كما ضبطه المصنف بخطه.

والمراد بـ (الطويل): مسافة القصر فأكثر، وبـ (القصير): دون ذلك.

أما إذا كان كل منهما مسافة القصر، وأحدهما أطول .. فإنه يقصر جزمًا، وفيه نظر؛ لأن إتعاب النفس بلا غرض حرام.

ص: 422

وَإِلَاّ .. فَلَا فِي اَلأَظْهَرِ .. وَلَوْ تَبعَ اَلْعَبْدُ أَوِ اَلْزَّوْجَةُ أَوِ اَلْجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ فِي اَلْسَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُ مَقْصَدَهُ .. فَلَا قَصْرَ، فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ اَلْقَصْرِ .. قَصَرَ اَلْجُنْدِيُ دُونَهُمَا.

ــ

قال: (وإلا .. فلا في الأظهر) يعني: إذا لمي كن له غرض في سلوك الطويل .. لا يقصر؛ لأنه طول الطريق على نفسه من غير غرض فصار كما لو سلك القصير وجعل يذهب يمينًا وشمالاً مطولاً على نفسه حتى بلغت المسافة مرحلتين، فإنه لا يقصر بالاتفاق.

والثاني: يقصر؛ لأنه سفر مباح تقصر الصلاة في مثله، فأشبه ما إذا لم يكن له سواه، وقصد الترخيص غرض صحيح؛ فإن اله يحب أن تؤتي رخصة كما يحب أن تؤتي عزائمه.

والأول أصح، وقول الثاني: إنه سفر مباح ممنوع بل هو محرم؛ لأن الله تعالى يبغض المشائين في الأرض من غير إرب، ولأن تعذيب الدابة يركضها لغير غرض حرام، فتعذيب نفسه أولى بالتحريم.

ولا خلاف أنه إذا سلك الأقرب .. لا يقتصر.

ونظير الخلاف في المسألة: ما إذا سلك الجنب في خروجه من المسجد الطريق الأبعد من غير غرض، والأصح من زوائد (الروضة): لا يكره.

قال: (ولو تبع العبد أو الزوجة أو الجندي مالك أمره في السفر ولا يعرف مقصده .. فلا قصر)؛ لفقد الشرط وهو تحقيق السفر الطويل.

هذا قبل مرحلتين، فإذا ساروا مرحلتين .. قصروا وإن لم يعرفوا القصد، نبه عليه في (شرح المهذب)، كما لو أسر الكفار رجلاً فساروا به ولم يعلم أين يذهبون به .. فإنه لا يقتصر إلا إذا سار معهم يومين، نص عليه.

وأفهمت العبارة .. أنهم إذا عرفوا المقصد، وكان مسافة القصر، ونووا .. فلهم القصر وهو كذلك.

قال: (فلو نووا مسافة القصر .. قصر الجندي دونهما)؛ لأنه ليس تحت يد الأمير وقهره، كذا قاله البغوي والرافعي والمصنف في (الروضة) هنا.

ص: 423

وَمَنْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلاً فَسَارَ ثُمَّ نَوَى رُجُوعًا .. اَنْقَطَعَ، فَإنْ سَارَ .. فَسَفَرٌ جَدِيدٌ. وَلَا يَتَرَخَّصُ اَلْعَاصِيِ بِسَفَرِهِ كَابِقِ وَنَاشِزَهِ،

ــ

وقال فيها قبل ذلك في (زياداته): لو نوى العبد إقامة أربعة أيام أو الزوجة أو الجيش، ولم ينو السيد ولا الزوج ولا الأمير .. ففي لزوم الإتمام في حقهم وجهان، الأقوى: أن لهم القصر؛ لأنهم لا يستقلون فنيتهم كالعدم. وظاهره في الجيش مخالف لما ذكره هنا في الجندي.

قال الشيخ: والذي يقتضيه الفقه: أن الجندي إن تبع في سفر تجب طاعته فيه كالقتال .. فكالعبد، وإلا .. فهو مستقل ورفيق طريق .. فيحمل كلام المصنف هنا على القسم الثاني ورفيق طريق. فيحمل كلام المصنف هنا على القسم الأول.

قال: (ومن قصد سفرًا طويلاً فسار ثم نوى رجوعًا. .. انقطع) سفره، فلا يترخص ما دام في ذلك الموضع.

قال: (فإن سار .. فسفر جديد) فيعتبر في جواز القصر أن يقصد مرحلتين سواء رجع، أو يطل عزمه وسار إلى مقصده الأول، أو توجه إلى غيرهما.

قال: (ولا يترخص العاصي بسفره كآبق وناشزة)، والمسافر لقطع الطريق، والغريم يهرب وهو قادر على الوفاء؛ لأن القصر رخصة شرعت إعانة للمسافر على مقاصده والعاصي لا يعان، و (لا تناط رخصة بمعصية)، ففي الحديث:(لا ينال ما عند الله بالمعاصي).

وخالف المزني فقال: يقصر؛ لعموم الآية.

وألحق به الصيدلاني السفر لا لغرض؛ لقوله تعالى: {ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا} .

قال الجويني: من الأغراض الفاسدة سفر الصوفية لنظر البلاد؛ فإنهم هائمون على وجوههم ليس لهم غرض في مقصد معين، بل يسافرون طعمة طيبة فإن وجدوها بموضع. أقاموا به. واختار الإمام: أنهم لا يترخصون بذلك.

ص: 424

فَلَوْ أَنْشَأَ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةَ .. فَلَا تَرْخُّصَ فِي اَلأَصَحِّ، وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ .. فَمَنْشَأُ اَلْسَّفَرِ مِنْ حِينِ اَلْتَّوْبَةِ. وَلَوِ اَقْتَدَى بِمًتِمَّ لَحْظَةَ .. لَزِمَهُ اَلإِتْمَامُ

ــ

ولو ارتكب في السفر المباح المعاصي .. فله القصر؛ لأن مصيعته ليست هي المرخصة.

قال: (فلو أنشأ مباحًا) أي: كسفر التجارة (ثم جعله معصية .. فلا ترخص في الأصح)، كمال وأنشأه بنية المعصية.

والثاني: يترخص؛ مراعاة لأول الأمرين.

قال: (ولو أنشأه عاصيًا ثم تاب .. فمنشأ السفر من حين التوبة)، فإن كان منه إلى مقصده مسافة القصر .. قصر، وإلا .. فلا.

وقيل: بطرد القولين.

لكن يستثنى من إطلاق المصنف إذا عصى بسفره يوم الجمعة .. فإنه لا يجوز له الترخيص ما لم تفت الجمعة، ومن قوت فواتها يكون ابتداء سفره، كذا في (شرح المهذب) عن القاضي حسين التوبة، بل من حين فوات الجمعة.

قال: (ولو اقتدى بمتم لحظة .. لزمه الإتمام)؛ لما روى أحمد [1/ 216]- بسند صحيح - عن ابن عباس أنه سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد، وأربعًا إذا أئتم بمقيم؟ فقال:(تلك السنة).

وسواء أدرك معه ركعة أم لا.

وقال مالك: إن أدرك معه ركعة فاكثر .. لزمه الاهتمام، وإلا .. فله القصر.

والتعبير بـ (المتم) يدخل فيه المسافر المقيم، وهو أحسن من تعبير (التنبيه) وغيره بالمقيم، لكن يرد عليه ما إذا اقتدى بالمقيم في نافلة .. فإنه يتم.

قال ابن الرفعة: لكنه يخرج مصلى الظهر خلف مقيم يصلي الجمعة، فإنه يتم المنصوص، ولا يقال له: متم. ولو اقتدى بمن يصلي مسافرًا كان أو

ص: 425

وَلَوْ رَعَفَ اَلإِمَامُ اَلْمُسَافِرُ وَاَسْتَخْلَفَ مُتِمًا .. أَتَمَّ اَلْمُقْتَدُونَ،

ــ

مقيمًا .. فإنه يتم في الأصح؛ لأنها تامة في نفسها.

والثاني: يقصر؛ لتوافق الصلاتين في العدد.

وقوله: (لحظة) أي: في جزء من صلاته؛ إما آخرها بأن كان مسبوقًا، أو أولها بأن أحدث الإمام بعد اقتدائه.

قال: (ولو رعف الإمام المسافر واستخلف متمًا .. أتم المقتدون)؛ لأنهم مقتدون بمتم، سواء نووا الاقتداء به، أم لم ينووا وقلنا بالمذهب: إن نية الاقتداء بالخليفة لا تجب؛ لأنهم بمجرد الاستخلاف صاروا مقتدين به، حتى لو نووا مفارقته عقب الاستخلاف .. لم يجز القصر.

فائدة:

(الرعاف): الدم الذي يسبق من الأنف.

و (رعف) مثلث العين، والأفصح: فتح عينه، والضم ضعيف، والكسر أضعفها.

وفي (مشكل الوسيبط): أن هذه الكلمة كانت سبب لزوم سيبويه الخليل بن أحمد في طلب علم العربية، بعد أنكان يطلب علم الحديث والتفسير، وذلك أنه سأل يومًا حماد بن سلمة فقال له: أحدثك هشام بن عروة عن أبيه عن رجل رعف في الصلاة؟

وضم العين - فقال له: أخطأت، إنما هو رعف بفتحها، فانصرف إلى الخليل ولزمه.

وقيل: كان سببه أنه أتى إلى حماد لكتابة الحديث فاستملى منه قوله صلي الله عليه وسلم: (ليس من أصحابي أحد إلا ولو شئت لأخذت عليه أبا الدرداء)، فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء، فصاح به حماد: لحنت يا سيبويه! إنما هو استثناء، فقال: والله لأطلبن علمًا لا يلحنني معه أحد، ثم مضى ولزم الأخفش الأكبر وغيره. وكان الخليل إذا رآه قال: مرحبًا بزائر لا يمل.

ص: 426

وَكَذَا لَوْ عَادَ الإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ. وَلَوْ لَزِمَ الإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إِمَامِهِ، أَوْ بَانَ إِمَامُهُ مُحْدِثًا .. أَتَمَّ. وَلَوِ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُقِيمًا، أَوْ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ .. أَتَمَّ، وَلَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ .. قَصَرَ، وَلَوْ شَكَّ فِيهَا فَقَالَ: إِنْ قَصَرَ قَصَرْتُ وَإِلَاّ أَتْمَمْتُ .. قَصَرَ فِي الأَصَحِّ

ــ

وسيبويه: لقب فارسي معناه بالعربي: رائحة التفاح، قيل له ذلك؛ لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحتان، وكان في غاية الجمال رحمه الله.

قال: (وكذا لو عادة الإمام واقتدى به) .. فيلزمه الإتمام، لأنه اقتديا بمتم في جزء من صلاته.

وقيل: يجب عليه الإتمام سواء اقتدى به أم لا؛ لأن الخليفة فرع له ولا يجوز أن تكون صلاة الأصل أنقص من صلاة الفرع.

قال: (ولو لزم الإتمام مقتديًا ففسدت صلاته أو صلاة إمامه، أو بأن إمامه محدثًا .. أتم)؛ لأنها صلاة تعين علهي إتمامها، فلم يجز بعده قصرها كما لو فاتته في الحضر ثم سافر.

وأفهم قوله: (ففسدت صلاته) أنه لو بان فسادها بأن تذكر أنه محدث .. أنه يقصر وهو الصحيح.

قال: (ولو اقتدى بمن ظنه مسافرًا فبان مقيمًا، أو بمن جهل سفره .. أتم)؛ لأنه الأصل مع ظهور شعار الإقامة والسفر.

قال: (ولو علمه مسافرًا) أي: سفرًا تقصر فيه الصلاة (وشك في نيته قصر)؛ لأن الظاهر من حال المسافر القصر، وليس للنية شعار تعرف به.

قال: (ولو شك فيها فقال: إن قصر قصرت وإلا أتممت .. قصر في الأصح)؛ لأن الظاهر من حال المسافر القصر، لكن يشترط أن يظهر ما يدل عليه.

والثاني: لا يجوز القصر؛ للشك.

ص: 427

وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَتُهُ فِي اَلإِحْرَامِ، وَاَلْتَحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا دَوَامًا، وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَوْ يَتِمُّ، أَوْ فِي أَنَّهُ نَوَى اَلْقَصْرَ، أَوْ قَامَ إِمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ: هَلْ هُوَ مُتِمٌ أَمْ سَاهٍ؟

أَتَمَّ

ــ

فلو فسدت صلاة الإمام واستمر التردد في أنه كان نوى القصر أو لا؟ .. لزم الإتمام في الأصح.

قال: (ويشترط للقصر نيته)؛ لأن الإحرام المطلق ينصرف إلى الإتمام لكونه الأصل.

قال: (في الإحرام) كسائر النيات.

وقال المزني: تكفي في جزء من الصلاة، حتى لو نوى الإتمام ثم نوى القصر .. جاز.

قال: (والتحرز عن منافيها دوامًا) بأن لا يقطعها ولا يتردد فيه، والذي بعد هذا تفسير له فكان الإتيان فيه بـ (الفاء) أحسن كما في (المحرر)، والذي في نسخة المصنف بـ (الواو).

قال: (ولو أحرم قاصرًا ثم في أنه يقصر أو يتم، أو في أنه نوى القصر، أو قام إمامه لثالثة فشك: هل هو متمم أم ساه؟ .. أتم).

أما الأول: فلفوات الجزم بالنية.

ص: 428

وَلَوْ قَامَ اَلْقَاصَرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبِ لِلإِتْمَامِ .. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا .. عَادَ وَسَجَدَ لَهُ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ .. عَادَ ثَّم نَهَضَ مُتِمًّا. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ نَوَى اَلإِقَامَةَ فِيهَا، أَوْ بَلَغَتْ سَفِيَنُتُه دَارَ إِقَامَتِهِ .. أَتَمَّ. وَاَلْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنَ اَلإِتْمامِ عَلَى اَلْمَشهُورِ إِذَا بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ،

ــ

وأما الثانية وهي التردد في نية القصر .. فلأن الأصل عدم النية، ولا فرق فيها بين أن يتذكر عن قرب أم لا.

وأما الثالثة وهي الشك عند قيام الإمام .. فلأن القيام مشعر بالإتمام.

قال: (ولو قام القاصر لثالثة عمدًا بلا موجب للإتمام .. بطلت صلاته)، كما لو قام المتمم إلى ركعة خامسة، أو قام المتنقل إلى ركعة زائدة قبل تغيير النية. فإن حدث ما يوجب الإتمام وقام لذلك .. لم تبطل؛ لأنه فعل واجب عليه.

قال: (وإن كان سهوًا .. عاد وسجد له وسلم) كغيره مما يبطل عمده.

قال: (فإن أراد أن يتم .. عاد ثم نهض متمًا)؛ لأن القيام الأول غير محسوب.

وقوله: (عاد) أي: وجوبًا، وقيل: لا، بل له أن يمضي في قيامه.

قال: (ويشترط كونه مسافرًا في جميع صلاته، فلو نوى الإقامة فيها، أو بلغت سفينته دار إقامته .. أتم)؛ لزوال سبب الرخصة، كما لو كان يصلي قائمًا فمرض فزال المرض .. يجب عليه أن يقوم.

ويشترط أيضًا: العلم بجواز القصر، فلو جهله .. لم تصح صلابة بلا خاف.

فشروط القصر أربعة: نيته، وعدم الاقتداء بمتم، ودوام السفر، والعلم بجوازه.

قال: (والقصر أفضل من الإتمام على المشهور إذا بلغ ثلاث مراحل)؛ خروجًا من خلاف من يوجب القصر، ولأنه المأثور من فعله صلي الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.

وقال صلي الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتي رخصة كما يحب أن تؤتي عزائمه) رواه ابن حبان وصححه [354].

ص: 429

وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْفِطْرِ إِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ

ــ

وتقدم عن (صحيح مسلم)[686] أنه صلى الله عليه وسلم قال في القصر: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته).

وأما جواز الإتمام .. فلما روى أبو داوود وغيره أن عائشة قالت: يا رسول الله؛ قصرت وأتممت، قال عليه الصلاة والسلام:(أحسنت).

والثاني: الإتمام أفضل واختاره المزني؛ لأنه أكثر عملاً فأشبه غسل الرجل مع المسح على الخف.

وفي وجه: هما سواء لتعارض الأدلة.

نعم؛ يستحب الإتمام في مسائل:

إحداها: من يدوم سفره بأهله وولده كالملامح ونحوه .. فالإتمام له أفضل قاله الشافعي والأصحاب خروجًا من خلال أحمد؛ فإنه لم يجوز له القصر، وجوزه للجمال وهو حجة لنا عليه.

وقال صاحب (الفروع): يستحب الإتمام لمن عادته السفر دائمًا.

ولك أن تقول: لم روعي خلاف أحمد في هاتين المسألتين، ولم يراع فيهما خلاف أبي حنيفة؟

الثانية: من لا وطن ل وعادته السير دائمًا.

الثالثة: إذا قدم من سفر طويل وبقي بينه وبين مقصده دون ثلاثة أيام .. فإن الإتمام له أفضل قاله المحب الطبري، وفيما قاله نظر؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم لما رجع من حجة الوداع .. لم يزل يقصر حتى أتى المدينة.

أما الذي يجد من نفسه كراهة القصر .. فيستحب له تعاطيه بالاتفاق، وكذلك الحكم في جميع الرخص.

قال: (والصوم أفضل من الفطر إن لم يتضرر به)؛ لقوله تعالى {وأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ، ولما فيه من براءة الذمة، والمحافظة على فضيلة الوقت،

ص: 430