الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
شُرُوطُ الصَّلَاةِ خَمْسَةٌ: مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ. وَالاِسْتِقْبَالُ. وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ،
ــ
قال رحمه الله:
(باب) أي: هذا باب معقود لشروط الصلاة.
ثم إن المصنف لما فرغ من الشروط .. أفرد للمناهي فصلًا؛ لأن الأصح عنده: أنها ليست شروطًا. والرافعي جعلها تبعًا للغزالي شروطًا، فزاد الإمساك عن الكلام والأفعال والأكل.
قال الشيخ: والصواب: أنها لا تسمى شروطًا إلا على سبيل المجاز.
قال: (شروط الصلاة خمسة) تقدم أول الكتاب أن الشرط في اللغة: العلامة، ومنه: أشراط الساعة.
وفي الإصطلاح: ما يلزم من عدمه عدم الصحة، ولا يلزم من وجوده وجودها.
وتقدم في أول صفة الصلاة الفرق بين أركان الصلاة وشروطها.
ومراد المصنف: أن للصلاة شروطًا خمسة غير الإسلام والتمييز؛ لأنهما شرطان لكل عبادة، لكنه أهمل شرطًا سادسًا جزم به في (التحقيق) وغيره وفاقًا للبغوي وهو: تمييز فرضها من سنتها، فلو اعتقد جميع أفعالها سنة، أو بعضها فرضًا وبعضها سنة ولم يميز .. لم يصح، أو كلها فرضًا .. صحت في الأصح، وفي (فتاوى الغزالي): إذا لم يميز العامي فرضًا من سنة .. صحت إن لم يقصد التنفل بفرض، قال في (الروضة): وهذا هو الظاهر الذي تقتضيه أحوال السلف. وقد تقدم بعض هذا في أول الباب قبله.
قال: (معرفة الوقت) أي: علمًا، أو ظنًا بالاجتهاد.
قال: (والاستقبال) كما سبق إلا ما استثنى، وقد أبعد ابن القاص والقفال فجعلاه ركنًا.
قال: (وستر العورة) أي: عند القدرة ولو كان خاليًا في ظلمة؛ لقوله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} . قال ابن عباس: (هي السترة في الصلاة)،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأفاد التقييد بـ (الصلاة) شرطيته فيها؛ إذ هو واجب في غيرها.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) حسنه الترمذي [377] وصححه الحاكم [1/ 251]، والمراد: من بلغت سن الحيض.
وكون ستر العورة شرطًا قال به جمهور العلماء، فمتى انكشف شيء من العورة قل أو كثر، في حضرة الناس أو في خلوة .. فات.
وأما وجوبه .. فبالإجماع وبقوله تعالى: {وإذا فعلوا فحشة قالوا وجدنا عليها ءاباءنا} . قال ابن عباس: (كانوا يطوفون بالبيت عراة وهي فاحشة).
وكذلك يجب في غير الصلاة في حضرة الناس بالإجماع، وفي الخلوة على الأصح؛ لإطلاق الأمر بالستر، ولما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله؛ عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال عليه الصلاة والسلام: (احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك)، قال: قلت: يا رسول الله؛ إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال عليه الصلاة والسلام: (الله أحق أن يستحيا منه من الناس) حديث حسن رواه أصحاب السنن.
فإن قيل: الستر لا يحجب عن الله؛ لأنه تعالى يرى المستور كما يرى المكشوف .. فالجواب: أنه يرى المكشوف تاركًا للأدب، والمستور متأدبًا.
وما ذكره من الشرطية محله: عند القدرة، فإن عجز .. وجب عليه أن يصلي عاريًا.
والأصح: أنه يتم الركوع والسجود ولا يعيد.
وقيل: يومئ بهما ويعيد.
وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ: مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ،
ــ
وقيل: يتخير بين الإتمام ولإيماء.
ويستثنى من وجوب الستر في الخلوة: إذا دعت الحاجة إلى الكشف، كالاغتسال ونحوه.
ولا يجب ستر العورة عن نفسه، لكن يكره نظره إليها.
و (العورة): سوأة الإنسان وكل ما يستحيا منه، والجمع: عورات. سميت بذلك؛ لقبح ظهورها. والعورة: الكلمة القبيحة.
وأصلها في اللغة: النقص والخلل.
وفي الشرع: ما يجب ستره من البدن.
قال: (وعورة الرجل: ما بين سرته وركبته)؛ لما روى الحارث بن أبي أسامة [143] عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عورة المؤمن ما بين سرته إلى ركبته). وروى الدارقطني [1/ 231] عن أبي الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل السرة من العورة)، لكن ضعفه البيهقي، وقال صلى الله عليه وسلم لجرهد:(غط فخذك؛ فإن الفخذ عورة) رواه أحمد [3/ 479] وأبو داوود [4010]، وحسنه الترمذي [2798]. فالسرة والركبة ليسا من العورة.
وقيل: منها.
وقيل: الركبة دون السرة.
وقيل: عكسه.
وقيل: السوأتان فقط- وبه قال مالك وجماعة- لما روى مسلم [2401] عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مكشوف الفخذ، فدخل أبو بكر وعمر فلم يستره، ودخل عثمان فستره وقال:(ألا أستحي ممن استحت منه الملائكة).
والجواب: أن المكشوف حصل الشك فيه في (مسلم) هل هو الساق أو الفخذ؟ فلا يلزم منه الجزم بجواز كشف الفخذ.
وَكَذَا الأَمَةُ فِي الأَصَحِّ،
ــ
ولا فرق فيما ذكره بين الحر والعبد، والمسلم والذمي.
وأما الصبي .. فأطلق في (شرح المهذب): أنه كالبالغ، وقال الصيمري: عورته قبل سبع القبل والدبر، ثم تتغلظ بعد السبع، ثم بعد العشر يكون كالبالغين؛ لأنه زمان يمكن فيه البلوغ. واستسحنه الشيخ؛ لأن المنع من النظر إلى عورة الطفل يشق.
وقال صاحب (الحاوي) و (البيان): الأطفال لا حكم لعوراتهم قبل السبع، وحكهم حكم البالغين بعد إمكان البلوغ، وفيما بينهما يحرم النظر إلى الفرج خاصة.
وسيأتي في النكاح قول المصنف: (وإلى صغيرة إلا الفرج).
ومقتضى إطلاقهم .. أنه لا فرق في تحريم النظر لذلك بين أمه وغيرها، وفيه بعد، وينبغي الجواز اللازم في زمان التربية والرضاع لمكان الضرورة. وقد ذكره ابن القطان في (أحكام النظر).
ومن فوائد [ذلك] معرفة عورة الصغير- إذا طاف به وليه في الحج والعمرة- في القدر الذي يجب ستره.
و (السرة): الموضع الذي يقطع من المولود. والسر: ما يقطع من سرته.
يقال: عرفت هذا الأمر قبل أن يقطع سرك، ولا تقل: سرتك؛ لأن السرة لا تقطع وجمع السرة: سرر وسرات.
و (الركبة): موصل ما بين أطراف الفخذ وأعالي الساق، والجمع: ركب. وكل ذي أربع ركبتاه في يديه، وعرقوباه في رجليه.
قال: (وكذا الأمة في الأصح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زوج أحدكم خادمة أو عبده أو أجيره .. فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة) رواه أبو داوود [4111].
وأجمعوا على أن رأسها غير عورة، فإن عمر ضرب أمة لآل أنس رآها مقنعة وقال:(اكشفي رأسك، ولا تتشبهين بالحرائر)، ولم ينكر ذلك أحد. وما روي
وَالْحُرَّةِ: مَا سِوَى الْوَجْهِ والَكفَّيْنِ
ــ
من أن الحسن البصري يقول بوجوب لبس الخمار إذا تزوجت، أو اتخذها سيدها لنفسه .. متأخر عن ذلك.
وجميع ما في الأمة ثمانية أوجه:
الأربعة دون الخامس.
والخامس: جميع بدنها إلا ما يبدو في المهنة، وهو: الرأس والرقبة والساعد وطرف الساق، فليس بعورة.
والسادس: هي كالحر إلا رأسها.
والسابع: جميع بدنها إلا وجهها وكفيها.
والثامن: جميعه إلا وجهها وكفيها ورأسها.
وسواء في هذا القنة والمدبرة والمكاتبة والمبعضة على الأصح، وصحح الماوردي وابن أبي عصرون والشاشي في (الحلية): أنها كالحرة؛ لما في ذلك من الاحتياط في الأحكام.
فلو قال المصنف: وكذا غير الحرة .. كان أشمل.
والخنثى كالأنثى رقًا وحرية، فإن اقتصر على ما يستر الرجل .. ففي صحة صلاته وجهان أصحهما في (الروضة) و (شرح المهذب): عدم الصحة. والأصح في (التحقيق): الصحة.
قال: (والحرة: ما سوى الوجه والكفين) ظهرًا وبطنًا من رؤوس الأصابع إلى الكوعين؛ لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} . قال ابن عباس وعائشة: (هو الوجه والكفان). ولأنهما لو كان عورة .. لما وجب كشفهما في الإحرام.
وفي قول أو وجه: أن باطن قدميها ليس بعورة.
وَشَرْطُهُ: مَا مَنَعَ إِدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ، وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ
ــ
وقال المزني: ليس القدمان عورة.
والذي يجب ستره من الحرة في الخلو ما يجب ستره من الرجل.
وكلامهم هنا محمول على العورة في الصلاة، فللحرة ثلاث عورات: عورة في الصلاة وهي ما ذكره هنا، وفي النظر جميع بدنها، وفي الخلوة كالرجل، صرح به الإمام والرافعي وغيرهما في (كتاب النكاح).
أما صوتها .. فالأصح: أنه ليس بعورة، وستأتي المسألة ونظائرها في (الإقرار) عند قوله:(ولو قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو)، وفي أول (كتاب النكاح).
قال: (وشرطه: ما منع إدراك لون البشرة) من سائر أنواع الثياب والجلود والرقوق والخرق والورق والليف والمصبوغ والمخلوق، فلا يكفي الثوب الرقيق، والغليظ المهلهل النسج، والماء الصافي، والزجاج ونحو ذلك؛ لأن مقصود الستر لا يحصل به.
وفي (الحاوي) وجه: أن الصلاة تصح في الثوب الحاكي للون.
نعم؛ يرد على إطلاقه .. الظلمة؛ فإنها مانعة من الإدراك وهي غير كافية جزمًا، فلو ستر اللون ووصف الحجم .. صح على الصحيح، ويكره ذلك للمرأة، وهو خلاف الأولى للرجل.
قال: (ولو طين وماء كدر)؛ لأنهما يمنعان الإدراك. وقيل: لا يكفيان؛ لأنهما غير معتادين. وقيل: يكفي الطين عند عدم الثوب ونحوه.
وحكم الماء الصافي المتراكم بخضرة ونحوها كالكدر.
وصورة الصلاة في الماء الكدر: أن يصلي على جنازة أو يمكنه السجود فيه.
ولم يلم يوجد الستر على الوجه المعتبر، بأن صلى في خيمة صغيرة مكشوفًا .. لم يصح.
ولو وقف في خابية وصلى على جنازة، فإن كانت واسعة الرأس تظهر منها العورة .. لم يجز، وإن كانت ضيقة الرأس .. فوجهان أصحهما في (الروضة): الجواز، والأشبه في (الشرح الصغير): عدمه، ولو حفر حفرة ووقف فيها، فإن رد
وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ. وَيَجِبُ: سَتْرُ: سَتْرُ أَعْلَاهُ وَجَوَانِبِهِ لَا أَسْفَلِهِ، فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ .. لَمْ يَكْفِ، فَلْيَزُرُّهُ أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ،
ــ
التراب بحيث يستر العورة .. جاز، وإلا .. فكالجب.
وكان الصواب أن يقول: ولو طينًا وماء كدرًا على حذف كان واسمها، كقوله عليه الصلاة والسلام:(ولو خاتمًا من حديد)، لكن المصنف يستعمل ذلك كثيرًا، كقوله في أول (الظهار):(ولو ذمي وخصي).
قال: (والأصح: وجوب التطين على فاقد الثوب)؛ لأنه قادر على الستر بما يعد ساترًا.
والثاني: لا؛ لما فيه من المشقة والتلويث.
ويجريان في وجوب الستر بالماء الكدر. ولو لم يجد من الطين ما يستر العورة، ووجد ما يغير لونها .. لا يجب، لكن يستحب، قاله الماوردي.
قال: (ويجب: ستر أعلاه وجوانبه لا أسفله)؛ لأنه الستر المعهود. فلو وقف على طرف سطح وكان من تحته يرى عورته .. فالأصح: صحة صلاته، بخلاف لابس الخف فإن الستر يعتبر فيه من الجوانب والأسفل دون العلو؛ لأن الخف يتخذ للبس الأسف، فاعتبر الستر به بخلاف القميص.
والثاني: لا يصح؛ لأن ذلك لا يعد سترًا. وتوقف الإمام والشاشي في ذلك، ومالا إلى بطلان الصلاة به.
وفي (تاريخ أصبهان)[722] عن مالك بن عتاهية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الأرض تستغفر للمصلي بالسراويل).
قال: (فلو رئيت عورته من جيبه في ركوع أو غيره .. لم يكف)؛ لعدم الشرط.
قال: (فليرزه أو يشد وسطه)؛ ليستدام الصحة.
روى الحاكم [1/ 250] وابن خزيمة [778] وأبو داوود [632] والنسائي [2/ 270] عن سلمة
وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ كَافِي سَوْأَتَيْهِ .. تَعَيَّنَ لَهُمَا،
ــ
ابن الأكوع أنه قال: قلت: يا رسول الله إنا نصيد، أفنصلي في الثوب الواحد؟ قال:(نعم، وازرره ولو بشوكة).
وأشار المصنف إلى أنه إذا لم يفعل شيئًا من ذلك .. تنعقد الصلاة ثم تبطل عند الانحناء، وهذا هو الأصح.
وقيل: لا تنعقد أصلاً. وهما احتمالان للإمام، وفائدتهما تظهر فيما لو اقتدى به غيره قبل الركوع.
و (الجيب): المنفذ الذي يدخل فيه الرأس.
وقوله: (فليزره) الأحسن في لامه الإسكان، والراء مضمومة.
وقوله: (أو يشد) هو مثلث الدال.
و (الوسط) بفتح السين هنا على المشهور.
يقال: زر الثوب إذا جعل زره في عروته. وفي المثل: ألزم من زر العروة.
قال: (وله ستر بعضها بيده في الأصح)؛ لحصول المقصود. وكذا بلحيته وشعر رأسه.
والثاني: لا يصح- وبه جزم الماوردي وغيره- لاتحاد الساتر والمستور.
وهذه تقدمت في حكم السواك مع نظائرها. ولا خلاف أنه لو جمع الثوب المخرق وأمسكه بيده .. أن صلاته تصح؛ لانتفاء علة المنع. ولو سترها غيره بيده .. أجزأ قطعًا وإن فعل محرمًا، كما لو ستره بقطعة حرير.
قال: (فإن وجب كافي سوأتيه .. تعين لهما) وجوبًا؛ لأنهما أغلظ وأفحش وهذا مما لا خلاف فيه؛ لأن: (الميسور لا يسقط بالمعسور).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر .. فأتوا منه ما استطعتم).
وخالف من وجد بعض الماء .. فإنه يتيمم في قول؛ لأنه ينتقل إلى بدل بخلاف هذا.
أَوْ أَحَدِهِمَا .. فَقُبُلَهُ، وَقِيلَ: دُبُرَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ
ــ
و (السوأتان): القبل والدبر. سميتا بذلك؛ لأن كشفهما يسوء صاحبهما، قال الله تعالى:{فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما} أي: ظهرت لهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما، ولا أحدهما من الآخر، كما قالت عائشة:(ما رأيت منه صلى الله عليه وسلم، ولا رأى مني).
قال: (أو أحدهما .. فقبله)؛ لأنه يستقبل به القبلة، والدبر تستره ألياه، سواء في ذلك الرجل والمرأة. وإذا قلنا بهذا .. فيجب على الخنثى ستر القبلين معًا، فإن كفى أحدهما .. تخير، والأولى ستر آلة الرجال إن كان هناك امرأة، وآلة النساء إن كان هنا رجل.
قال: (وقيل: دبره)؛ لأنه أفحش في الركوع والسجود.
قال: (وقيل: يتخير)؛ لتعارض المعنيين. وقيل: تستر المرأة القبل، والرجل الدبر، وسها ابن الرفعة فعكسه.
و (القبل والدبر) بضم الباء منهما، ويجوز إسكانه.
فروع:
قال لأمته: إن صليت صلاة صحيحة فأنت حرة قبلها، فصلت مكشوفة الرأس، فإن كانت عاجزة عن سترها .. صحت صلاتها وعتقت، وإن كانت قادرة .. صحت ولم تعتق.
ويجوز كشف العورة لقضاء الحاجة ونحوها، وكذا الختان والمداواة- وضبطه الغزالي بمعالجة مرض يخاف منه فوات العضو وطول الضنا- والحاجة في السوأتين.
وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ،
ــ
أشد، وضابطها: أن لا يعد الكشف لها هتكًا للمروءة.
وليس للعاري أخذ الثوب من مالكه قهرًا، فلو أعير منه .. لزمه القبول، ولو وهب له .. فلا في الأصح؛ لأنه لا منة في العارية.
نعم؛ يتجه في هبة الطين والماء الكدر وجوب القبول، كالماء للتيمم.
ولو لم يجد الرجل إلا بثوب حرير .. لزمه التستر به على الأصح.
ومحل الخلاف: إذا لم يضطر إليه بحر أو برد أو حكة، فإن كان كذلك .. فالوجه: الجزم باللزوم؛ لأنه مباح له في هذه الحالة.
ولو أوصى بثوب لأولى الناس به في ذلك الموضع .. قدمت المرأة، ثم الخنثى، ثم الرجل.
والمستحب أن يصلي الرجل في ثوبين: قميص ورداء، فإن اقتصر على ستر العورة .. جاز، إلا أن المستحب أن يطرح على عاتقه شيئًا. ويستحب أن يصلي في أحسن ما يجد.
ويكره أن يصلي الرجل متلثمًا، والمرأة متنقبة، وأن يغطي فاه إلا إذا تثاءب؛ فإن السنة حينئذ: أن يضع يده على فيه.
ويستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب، وأن تكثف جلبابها.
قال: (وطهارة الحدث) هذا هو الشرط الرابع، واستدلوا له بقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يقبل الله صلاة بغير طهور) رواه مسلم [224].
وأجمعوا على ذلك، إلا ما يحكى عن الشعبي في صلاة الجنازة، وغلط من نسبه إلى الشافعي، وقد سبق بيان (الطهارة).
فلو لم يكن عند الشروع في الصلاة متطهرًا .. لم تنعقد سواء كان عمدًا أو ساهيًا اتفاقًا؛ لكنه يثاب على قصده دون فعله إذا كان ناسيًا، إلا القراءة ونحوها مما لا يتوقف على الوضوء فإنه يثاب على فعله أيضًا.
فَإِنْ سَبَقَهُ .. بَطَلَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ: يَنْبِي،
ــ
فإن شرع فيها ثم أحدث، فإن كان باختياره .. بطلت صلاته بالإجماع، سواء كان عمدًا أو سهوًا، علم أنه في صلاة أم لا.
قال: (فإن سبقه .. بطلت) أي: صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في صلاته .. فلينصرف وليتوضأ، وليعد صلاته) رواه أبو داوود [207]، وحسنه الترمذي [1164]. وهذا في غير المستحاضة ونحوها، أما هي وشبهها .. فلا يضر حدثه الطارئ ولا المقارن كما بين في موضعه.
قال: (وفي القديم: يبني) أي: يتطهر ويبني- وإن كان حدثًا أكبر- لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قاء أو رعف أو أمذى في صلاته .. فلينصرف وليتوضأ، وليبن على صلاته ما لم يتكلم) رواه ابن ماجه [1221] والدارقطني [1/ 152 - 153].
وليس المراد حالة العمد بالإجماع، فتعين أن يكون السبق مرادًا، سواء كان حدثه أكبر أم أصغر؛ لأنه غير مقصر في ذلك، وبهذا قال مالك وأحمد. وأجاب الجمهور بأن الحديث متفق على ضعفه.
وإذا قلنا بهذا .. فشرطه قرب الفصل بين حدثه وطهارته، كما قاله الماوردي والمصنف.
وقال الإمام: لا يشترط حتى لو كان بينهما فرسخ .. لا يضر.
ولا يلزمه العدو على خلاف مشيه المعتاد بل يقتصد، لكن يلزمه أن يقصد أقرب الطرق، فلو كان للمسجد بابان فسلك الأبعد .. بطلت صلاته.
وله استقاء الماء من البئر، وليس له بعد طهارته أن يعود إلى المكان الذي كان فيه إلا أن يكون إمامًا لم يستخلف، أو مأمومًا ليحوز فضيلة الجماعة، كذا جزمًا به في (الشرح) و (الروضة).
والصواب- كما جزم به في (الحقيق) -: أن الجماعة عذر مطلقًا.
ويشترط أن لا يتكلم إلا أن يحتاج إليه في تحصيل الماء.
فلو أخرج تمام الحدث الأول متعمدًا .. لم يمتنع البناء على المنصوص في القديم، وقال إمام الحرمين والغزالي: يمتنع.
وَيَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ عَرَضَ بِلَا تَقْصِيرٍ، وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ فَسَتَرَ فِي الْحَالِ .. لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قَصَّرَ بِإَنْ فَرَغَتْ مُدَّةُ خُفٍّ فِيهَا .. بَطَلَتْ
ــ
ولو أحدث حدثًا آخر .. ففي منع البناء وجهان.
قال: (ويجريان في كل مناقض عرض بلا تقصير، وتعذر دفعه في الحال) كما لو تنجس بدنه أو ثوبه واحتاج إلى غسله، أو أبعدت الريح ثوبه أو أخذه آخذ، أو أكره على الحدث، أو تقطع الخف في الصلاة على الأصح.
قال: (فإن أمكن) أي: الدفع في الحال (بأن كشفته ريح فستر في الحال .. لم تبطل) بالاتفاق؛ لانتفاء المحذور. وكذا لو وقع على ثوبه نجاسة رطبة فألقى الثوب في الحال، أو يابسة فنفض ثوبه في الحال.
قال: (وإن قصر بأن فرغت مدة) مسح (خف فيها .. بطلت) جزمًا من غير تخريج على القولين؛ لأنه بإيقاع الصلاة في الوقت الذي تنقضي مدة المسح في أثنائه يشبه المختار للحدث.
قال الشيخ والأصحاب: أطلقوا هذا الحكم وله صورتان:
إحداهما: أن لا يكون عالمًا حين الدخول في الصلاة بالحال.
والثانية: أن يكون عالمًا بأن المدة تنقضي في أثنائها.
وما ذكروه في الصورة الأولى لا إشكال فيه، وأما في الثانية فيشبه .. أن يقال: إن الصلاة لا تنعقد؛ لأن انعقادها- مع القطع بأن البطلان يعرض لها- بعيد، وليس كما تقدم فيما لو كانت عورته تنكشف في الركوع حيث يحكم بالانعقاد على الصحيح؛ لأن هناك لا يقطع بالبطلان بل الصحة ممكنة بأن يسترها عند الركوع بشيء، وأما هنا .. فكيف تنعقد صلاته مع القطع بعد استمرار صحتها؟ وكيف تتحقق نيتها؟
والرافعي ذكر المسألة على إطلاقها ثم قال: وقضية هذا أن يقال: لو شرع في الصلاة على مدافعة الأخبثين وهو يعلم أنه لا تبقى له قوة التماسك في أثنائها، ووقع ما علمه .. تبطل صلاته لا محالة ولا يخرج على القولين، وتبعه المصنف فجزم بالمسألة في (الروضة) و (شرح المهذب) فقال: لا يجوز البناء قولاً واحدًا.
وَطَهَارَةُ النَّجِسِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ،
ــ
والذي ينبغي أن يقال: إن الدخول في الصلاة مع مدافعة الأخبثين له صورتان- كما ذكرناه في ماسح الخف- فإن كان يقطع بأنه لا يتماسك .. يتجه أنها لا تنعقد، وإن كانت مترددًا .. انعقدت، ثم إذا عرض الحدث .. جزم بالبطلان لتقصيره.
قال: (وطهارة النجس في الثوب والبدن والمكان) هذا هو الشرط الخامس. فأما وجوبها في الثوب .. فلقوله تعالى: {وثيابك فطهر} .
وأما في البدن .. فلقوله صلى الله عليه وسلم: (تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه).
وفي موضع الصلاة .. لنهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في المقبرة والمجزرة ونحوهما، ولا علة إلا النجاسة، ولعموم قوله تعالى:{والرجز فاهجر} .
وأما الشرطية .. فلأنه يثبت الأمر باجتنابها ولا يجب ذلك في غير الصلاة، فتعين أن يكون الأمر بها، (والأمر بالشيء نهي عن ضده)، و (النهي في العبادات يقتضي الفساد)، فإن وقعت عليه نجاسة يابسة فنحاها في الحال، بأن نفض ثوبه فسقطت .. لم تبطل.
ثم لا يخفى أن داخل الفم هنا كظاهر البدن، فلو أكل نجسًا .. لم تصح صلاته ما لم يغسله. وفي وجوب إيصال الماء إليه في غسل الجنابة خلاف، إن لم نوجبه .. فهو كالباطن، والفرق بين البابين غامض.
فرع:
لو رأينا في ثوب من يريد الصلاة نجاسة لم يعلم بها .. لزمنا إعلامه بها؛ لأن الأمر
وَلَوِ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ .. اجْتَهَدَ، وَلَوْ نَجَسَ بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ وَجُهِلَ .. وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ،
ــ
بالمعروف لا يتوقف على العصيان- قاله الشيخ عز الدين، وبه أفتى الحناطي- كما لو رأينا صبيًا يزني بصبية .. فإنه يجب علينا المنع وإن لم يكن عصيانًا.
قال: (ولو اشتبه طاهر ونجس .. اجتهد) كالأواني، وكذا لو أمكنه طاهر بيقين على الأصح، فلو تحير وأمكن غسل واحد .. لزمه على الصحيح.
ولو ظن طهارة أحد الثوبين وصلى فيه، ثم تغير اجتهاده .. عمل بالاجتهاد الثاني على الأصح كالقبلة، ولا تجب إعادة الاجتهاد على الأصح، كذا في (شرح المهذب) و (التحقيق)، ولم تذكر المسألة في غيرهما، والرافعي لم يذكرها في كتبه.
ووقع في (الكفاية): أن الرافعي والمصنف صححا وجوب إعادة الاجتهاد، وهو معدود من أوهامه.
والمصنف أطلق وجوب الاجتهاد، وحكمه الجواز عند القدرة على طاهر متيقن، والوجوب عند فقده وضيق الوقت.
ولو تلف أحدهما قبل الاجتهاد .. لم يجتهد في الباقي على الأصح عند المصنف. وقياس تصحيح الرافعي: أنه يجتهد. ولفظه عام في الثوب والبدن والمكان، وهو أحسن من تعبير (المحرر) بقوله: ولو اشتبه ثوب طاهر بثوب نجس .. اجتهد.
قال: (ولو نجس بعض ثوب أو بدن وجهل .. وجب غسل كله).
صورة هذه المسالة: أن تجوز النجاسة في كل جزء منه، فيجب غسل الجميع؛ لأن الأصل بقاء النجاسة ما بقي جزء بغير غسل.
وشذ ابن سريج فقال: إذا غسل بعضه .. كفاه؛ لأنه يشك بعد ذلك في نجاسته والأصل طهارته.
فلو شق هذا الثوب نصفين .. لم يجز التحري فيهما، ولو أصاب بيده المبلولة بعض هذا الثوب .. لم تنجس يده، ولو أصاب شيء رطب طرفًا منه .. لم ينجس الرطب؛ لأنه لم يتيقن نجاسة موضع الإصابة.
فَلَوْ ظَنَّ طَرَفًا .. لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ غَسَلَ نِصْفَ نَجِسٍ ثُمَّ بَاقِيهُ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيهِ مُجَاوِرَةُ .. طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِلَاّ .. فَغَيْرُ الْمُنْتَصَفِ.
ــ
وقوله (نجس) يجوز فيه فتح جيمه وكسرها.
قال: (فلو ظن طرفًا .. لم يكف غسله على الصحيح).
صورته: أن تقع النجاسة في أحد موضعين متميزين من الثوب كأحد كمية ويشكل عليه، فيؤدي اجتهاده إلى نجاسة أحد الكمين فغسله وصلى فيه .. ففي صحة صلاته وجهان:
أصحهما عند معظم الأصحاب: لا يكفي ذلك، ولا تصح الصلاة؛ لأن الثوب واحد قد تيقن نجاسته ولم يتيقن الطهارة فيستصحب اليقين، وصار كما لو خفي عليه موضع النجاسة ولم ينحصر في بعضه المواضع.
والوجه الثاني- وهو قول ابن سريج-: يجتهد وتصح الصلاة لحصول غلبة الظن بالطهارة؛ لأنهما عينان متميزتان فهما كالثوبين.
فلو فصل أحد الكمين من الثوب واجتهد فيهما .. فهما كالثوبين، إن غسل ما ظنه نجسًا وصلى فيه .. جاز.
وإن صلى فيما ظنه طاهرًا .. جاز أيضًا؛ لأنه لم يتيقن نجاسته أصلاً، فاجتهاده متأيد باستصحاب أصل الطهارة، بخلاف ما قبل الفصل.
ويجري الوجهان فيما إذا نجس إحدى يديه أو إحدى أصابعه، وغسل النجس عنده وصلى.
قال: (ولو غسل نصف نجس ثم باقيه .. فالأصح: أنه إن غسل مع باقيه مجاوره .. طهر كله، وإلا .. فغير المنتصف) بفتح الصاد؛ لأنه رطب ملاق لنجس.
والثاني- وصححه في (شرح المهذب) دون باقي كتبه-: أنه لا يطهر مطلقًا حتى يغسل الجميع دفعة واحدة؛ لأن الرطوبة تسري. وهذا ينبني على أن الثوب الرطب إذا وقعت عليه نجاسة هل ينجس جميعه، أو موضع الإصابة فقط؟ على وجهين.
وفي مسألة الكتاب وجهان آخران في (الكفاية):
أحدهما: أن يطهر مطلقًا.
وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ بَعْضُ لِبَاسِهِ نَجَاسَةً وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلَا قَابِضٍ طَرَفَ شَيْءٍ عَلَى نَجِسٍ إِنْ تَحَرَّكَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ فِي الأَصَحِّ،
ــ
والثاني: إن علق الثوب وصب الماء من أعلاه إلى النصف، ثم صب على النصف الثاني .. طهر؛ لأن الماء لا يتراد إلى الأعلى. وإن لم يكن كذلك .. لم يطهر.
وإذا خفى موضع النجاسة من أرض، فإن كانت واسعة كالصحراء .. صلى حيث شاء منها بلا اجتهاد، وإن كانت ضيقة أو كان بيتًا .. فأوجه:
أصحها: يجب غسل كله كالثوب.
والثاني: يصلي فيه حيث شاء.
والثالث: يجتهد ويصلي فيما ظن طهارته.
قال: (ولا تصح صلاة ملاق بعض لباسه نجاسة) سواء كان ذلك في قيامه أو قعوده، أو ركوعه أو سجوده؛ لما سبق.
ويؤخذ من اشتراط ذلك في الثوب اشتراطه في البدن من باب أولى.
قال: (وإن لم يتحرك بحركته)؛ لأنه منسوب إليه كذؤابة العمامة الطويلة؛ لأن الشرط أن لا يكون ثوبه المنسوب إليه نجسًا ولا ملاقيًا للنجاسة، بخلاف السجود على ما لا يتحرك بحركته؛ فإن المعتبر فيه أن يسجد على قرار وهو حاصل فيما لا يتحرك بحركته.
قال الشيخ: هكذا ذكره الأصحاب واتفقوا عليه، وجعلوا حمله لما يلاقي النجاسة مبطلًا، وهو يحتاج إلى دليل.
قال: (ولا قابض طرف شيء على نجس إن تحرك) بحركته؛ لأنه حامل للشيء النجس، كمن قبض طرف حبل أو ثوب، أو شده في رجله أو يده أو وسطه، وطرفه الآخر نجس أو متصل بنجاسة.
قال: (وكذا إن لم يتحرك في الأصح) كالعمامة.
والثاني: يصح؛ لأن الطرف الملاقي للنجاسة ليس محمولًا له.
فَلَوْ جَعَلَهُ تَحْتَ رِجْلِهِ .. صَحَّتْ مُطْلَقًا، وَلَا يَضُرُّ نَجِسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّحِيحِ
ــ
قال في (الشرح الصغير): وهذا أوجه الوجهين.
والثالث: إن كان الطرف الآخر نجسًا، أو متصلاً بعين النجاسة كما لو كان في عنق كلب .. لم يصح. وإن كان متصلًا بطاهر، وذلك الطاهر متصل بالنجاسة، كما لو كان مشدودًا في ساجور أو خرقة وهما في عنق كلب، أو عنق دابة تحمل نجاسة .. فلا بأس.
والأوجه جارية سواء تحرك بحركته أم لا على الأصح، هذه طريقة الإمام.
وقال أكثر الأصحاب: إن كان كلبًا صغيرًا أو ميتًا .. بطلت قطعًا، أو كبيرًا حيًا .. فكذا في الأصح.
ولو كان الحبل مشدودًا بباب دار فيها نجاسة .. لم تبطل بلا خلاف.
قال: (فلو جعله تحت رجله .. صحت مطلقًا) سواء تحرك بحركته أم لا، كالمصلي على بساط طرفه الآخر نجس؛ لأنه ليس بحامل للنجس ولا المتصل به.
قال: (ولا يضر نجس يحاذي صدره في الركوع والسجود على الصحيح)؛ لعدم الحمل والملاقاة.
والثاني: يضر؛ لأن القدر الذي يوازيه منسوب إليه لكونه مكان صلاته.
وقوله: (صدره) مثال، والمراد: شيء من بدنه كبطنه وغير ذلك.
ومن صور ذلك: أن يصلي على ثوب مهلهل النسج مبسوط على نجاسة، فإن حصلت له مماسة النجاسة من الفرج .. بطلت صلاته، وإن لم تحصل وحصلت الماحاذاة .. فعلى الوجهين، الأصح: لا تبطل.
ولو صلى على سرير قوائمه على نجاسة .. صحت صلاته وإن تحرك بحركته.
ولو نجس طرف ثوبه ولم يجد ماء يغسله به، فإن كان أرش قطعه كأجرة مثل السترة .. لزمه قطعه، وإن كان أكثر .. فلا.
وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ بِنَجِسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ .. فَمَعْذُورٌ، وَإِلَاّ .. وَجَبَ نَزْعُهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا- قِيلَ: وَإِنْ خَافَ-
ــ
قال: (ولو وصل عظمه) أي: عند احتياجه إليه لكسر ونحوه (بنجس لفقد الطاهر .. فمعذور)؛ للضرورة، فلا يعطي ولا يلزمه نزعه.
قال الشيخ: هكذا أطلقه الرافعي والمصنف، وهو محمول على ما إذا كان يخاف من نزعه. أما عند عدم الخوف .. فالمفهوم من إطلاق غيرهما- كصاحب (التنبيه) وغيره- وجوب النزع، وبه جزم الإمام والمتولي وابن الرفعة.
وإطلاقه: (فقد الطاهر) يفهم جواز الوصل بعظم الآدمي، وليس بمراد؛ لأن العظم المحترم يحرم الوصل به مطلقًا، أما عظم الحربي والمرتد فمقتضى إطلاقهم أيضًا .. أنه لا يجوز.
قال: (وإلا) أي: وإن لم يحتج إلى الوصل، أو احتاج ولكن وجد طاهرًا يقوم مقامه (.. وجب نزعه) سواء اكتسى اللحم أم لا.
قال: (إن لم يخف ضررًا ظاهرًا) كهلاك أو تلف عضو من أعضائه، أو شيء من المحذورات المذكورة في التيمم؛ لأنها نجاسة غير معفو عنها أوصلها إلى موضع يلحقه حكم التطهير لا يخاف التلف من إزالتها، فأشبه ما إذا وصلت المرأة شعرها بشعر نجس. فإن لم يفعل .. أجبره السلطان عليه. فإن امتنع .. لزم السلطان قلعه؛ لأنه تدخله النيابة كرد المغصوب.
ولا تصح صلاة معه سواء اكتسى اللحم أم لا، وقيل: إن اكتسى اللحم .. لم ينزع.
قال: (قيل: وإن خاف) أي: الهلاك أو تلف منفعة العضو؛ لأنه حصل بفعله وعدوانه، كما لو غصب مالًا ولم يمكن انتزاعه منه إلا بضرب يخاف منه التلف.
والصحيح: أنه لا يجب؛ لأن النجاسة يسقط حكمها عند خوف التلف، كما يحل أكل الميتة.
فَإِنْ مَاتَ .. لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ
ــ
قال: (فإن مات) أي: بعد وجوب النزع .. (.. لم ينزع على الصحيح)؛ لأن النزع لأجل الصلاة وقد سقط التكليف بالموت، ولما فيه من المثلة وهتك الحرمة.
وقال ابن سريج: ينزع؛ حتى لا يلقى الله عز وجل حاملًا للنجاسة.
وعلى هذا الوجه .. الأصح: أن النزع مستحب، وقيل: واجب.
وأما على المذهب .. فالتعليل الأول يقتضي: عدم الوجوب، والثاني يقتضي التحريم.
فروع:
لو داوى جرحه بدواء نجس، أو خاطه بخيط نجس، أو شق موضعًا من بدنه وجعل فيه دمًا .. فحكمه حكم الوصل بالعظم النجس، وكذا الوشم على الأصح.
وعن (تعليق الفراء): أنه يزال الوشم بالعلاج، فإن لم يمكن إلا بالجرح .. لم يجرح ولا إثم عليه بعد التوبة.
و (الوشم): أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بالعظلم- وهو النيل- فيزرق أثره أو يخضر، وتصحف العظلم على المصنف فعبر في (الروضة) بالعظام.
ووصل المرأة شعرها بشعر نجس، أو شعر آدمي حرام قطعًا؛ لأنه يحرم الانتفاع به لكرامته، بل يدفن شعره وغيره. وسواء في هذين المزوجة وغيرها.
وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي، فإن لم تكن ذات زوج ولا سيد .. حرم الوصل به على الصحيح، وإن كانت ذات زوج أو سيد .. فثلاثة أوجه:
أصحها: إن وصلت بإذنه .. جاز، وإلا .. حرم.
والثاني: يحرم مطلقًا.
والثالث: لا يحرم ولا يكره مطلقًا.
وأما تحمير الوجه، والخضاب بالسواد، وتطريف الأصابع به .. فحرام على الخلية، وعلى غيرها بغير إذن أما بالحناء وحده .. فجائز.
وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ، وَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا .. بَطَلَتْ فِي الأَصَحِّ
ــ
ولو صلى على جنازة ورجله في مداسه النجس .. لم يصح، ولو جعله تحت قدميه .. جاز.
ولو نزع أصابعه منه، إن كان شيء من رجله بحذاء ظهر المداس .. لم يجز، وإلا .. جاز، قاله القاضي أبو الطيب والمتولي، قالا: وكثيرًا ما تبول الأبقار على الغلة عند الدياس وتروث، فإن اتخذه خبزًا من غير غسل الحنطة .. فهو طاهر لا يجب غسله منه؛ لعدم التحقق. والاحتياط غسل الفم.
قال: (ويعفى عن محل استجماره)؛ لجواز الاقتصار على الحجر، فلو عرق وتلوث بمحل النجو غيره .. فالأصح: العفو أيضًا؛ لعسر الاحتراز.
قال: (ولو حمل مستجمرًا .. بطلت في الأصح)؛ لأن المصلي غير محتاج إلى حمل غيره.
والثاني: تصح؛ لأن ذلك الأثر معفو عنه. ويجري الوجهان في حمل من على ثوبه نجاسة معفو عنها.
فروع:
لو وقع المستجمر في ماء قليل .. نجسه على الأصح.
ولو حمل بيضة استحالة دمًا، أو عنقودًا استحال خمرًا .. فالأصح: البطلان. وكذا لو حمل قارورة مصمتة الرأس برصاص ونحوه فيها نجس، فإن كانت مصمتة بخرقة ونحوها .. بطلت قطعًا.
واللحم المنتن طاهر، وأسقطه من (الروضة).
ولو حمل طيرًا أو حيوانًا آخر لا نجاسة عليه .. صحت صلاته، ولا نظر إلى
وَطِينُ الشَّرِعِ الْمُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ يُعْفَى مِنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا،
ــ
ما في بطنه من النجاسة؛ لأنها في معدنها الخلقي فلا تعطي حكم النجاسة، كما في جوف المصلي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل أمامه بنت بنته زينب وهو يصلي.
هذا إذا كان الحيوان المحمول طاهر المنفذ، فإن لم يكن .. فوجهان:
أظهرهما عند الغزالي: الصحة ولا مبالاة بذلك القدر اليسير.
والأصح: أنه لا يصح كغيره من الأماكن المتنجسة.
ولو حمل حيوانًا مذبوحًا بعد غسل الدم عن موضع الذبح وغيره .. لم يصح قطعًا.
قال: (وطين الشارع المتيقن نجاسته يعفى منه عمًا يتعذر الاحتراز منه غالبًا)؛ لأن الناس لابد لهم من التردد والانتشار في حوائجهم، وكثيرًا منهم لا يجد إلا ثوبًا واحدًا، فلو أمروا بالغسل كلما أصابهم ذلك .. لعظمت المشقة.
واحترز المصنف بـ (المتيقن النجاسة) عما يغلب على الظن اختلاطه بها كغالب الشوارع .. ففيه قولان- كثياب القصابين والأطفال والكفار ومدمني الخمر- أظهرهما: الطهارة؛ تغليبًا للأصل على الظاهر.
وَيخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَمَوْضِعِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ. وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ
ــ
قال: (ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن)، فقد يتعذر الاحتراز عنه في زمن الشتاء عن مقدار لا يتعذر الاحتراز عنه في زمن الصيف. ويعفى في الرجل وذيل القميص عما لا يعفى عنه في اليد والكم.
و (المعفو عنه): ما لا ينسب صاحبه إلى سقطة أو كبوة أو قلة تحفظ، فإن نسب إلى ذلك .. لم يعف عنه.
والأصح في جميع ذلك: ترجيح الأصل كما سيأتي في آخر (صلاة الخوف).
فروع:
ماء الميزاب الذي تظن نجاسته ولم تتيقن طهارته فيه الخلاف في طين الشارع، واختار المصنف الجزم بطهارته.
وسئل ابن الصلاح عن الجوخ الذي اشتهر على ألسنة الناس أن فيه شحم خنزير فقال: لا نحكم بنجاسته إلا بتحقق النجاسة.
وسئل عن الأوراق التي تعمل، وتبسط وهي رطبة على الحيطان المعمولة برماد نجس فقال: لا نحكم بنجاستها.
وسئل عن قليل من قمح بقي في سفل هري وقد عمت البلوى بزبل الفأر في أمثال ذلك، فقال: لا نحكم بنجاسته، إلا أن نعلم نجاسته في هذا الحب المعين.
قال: (وعن قليل دم البراغيث) وكذا القمل؛ لعموم البلوى به وعسر الاحتراز. ولا خلاف في العفو عن ذلك، إلا ما حصل بفعله كما إذا قتل برغوثًا أو قملة ونحو ذلك في ثوبه أو بدنه، فإن كان كثيرًا .. لم يعف عنه قطعًا، وإلا .. فوجهان. ولا فرق في العفو بين الثوب والبدن، وكذلك كل ما ليس له نفس سائلة كالبعوض وشبهه.
و (القليل) جمعه: قلل، مثل: سرير وسرر.
وَوَنِيمِ الذُّبَابِ، وَالأَصَحُّ: لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيِرهِ، وَلَا قَلِيلٍ انتْشَرَ بِعَرقٍ، وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ بِالعَادَةِ
ــ
و (البراغيث) جمع: برغوث بالضم، والفتح قليل. ويقال له: طامر بن طامر.
روى أحمد [2/ 178] والبزار [كشف 2042]، والبخاري في (الأدب)[1237]، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يسب برغوثًا فقال:(لا تسبه؛ فإنه أيقظ نبيًا لصلاة الفجر).
قال: (وونيم الذباب) هو بفتح الواو وكسر النون- وهو روثها- للعلة المذكورة.
و (الذباب) مفرد، وجمعه: ذباب بالكسر وأذبة. ولا يقال: ذبابة بنون قبل الهاء قاله الجوهري. وألحقوا بذلك بول الخفاش.
قال: (والأصح: لا يعفى عن كثيره، ولا قليل انتشر بعرق)؛ لأن البلوى لا تعم به.
والثاني: يعفى عنهما؛ لأن الغالب في هذا الجنس عسر الاحتراز، فيلحق غير الغالب منه بالغالب.
ولو حمل الثوب الذي أصابه الدم المعفو عنه في كمه أو فرشه وصلى عليه، فإن كان كثيرًا .. لم يعف عنه، وإلا .. عفي.
وقال القاضي: لو لبس ثوبًا زائدًا على تمام لبوس بدنه وعليه دم البراغيث .. لم تصح صلاته؛ لأنه غير مضطر إليه.
قال: (وتعرف الكثرة بالعادة)، فما يقع التلطيخ به غالبًا ويعسر الاحتراز منه .. فهو قليل، وما ليس كذلك .. فهو كثير، وعلى هذا: يختلف بالبلاد والأوقات.
قال الإمام: والذي أقطع به: أنه لابد من اعتبار عادة الناس في غسل الثياب.
والوجه الثاني المقابل لما في الكتاب: أنه لا تعتبر العادة بل الكثير: ما يظهر للناظر من غير تأمل وإمعان طلب، والقليل دونه. وهذان الوجهان على الجديد.
قُلْتُ: الأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ: الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَدَمُ الْبَثَرَاتِ كَالْبَرَاغِيثِ، وَقِيلَ: إِنْ عَصَرَهُ .. فَلَا
ــ
وفي قول قديم: القليل: قدر دينار، وفي آخر: ما دون الكف.
ولو كانت النجاسة متفرقة، ولو جمعت لبلغت قدرًا لا يعفى عنه، أو شك في كونها قليلًا أو كثيرًا .. ففيهما احتمالان للإمام، وميله إلى العفو فيهما، وكلام (التتمة) يقتضي: الجزم، بخلافه في الصورة الأولى.
قال: (قلت: الأصح عند المحققين: العفو مطلقًا والله أعلم) سواء قل أو كثر، انتشر بعرض أم لا؛ لأنه مما يشق الاحتراز منه غالبًا، فألحق نادره بغالبه. أما إذا اجتمعت الكثرة والانتشار بالعرق .. فظاهر إطلاق المصنف العفو عنه، وفيه نظر.
قال: (ودم البثرات كالبراغيث) بالاتفاق؛ لأن الإنسان قل ما يخلو عنها، فلو وجب الغسل لكل مرة .. لشق، فيعفى عن قليله قطعًا، وعن كثيره على المرجح.
ولأن دم البراغيث رشحات يمصها البرغوث من بدن الإنسان ثم يمجها، وليس للبرغوث دم في نفسه، ولذلك يعد مما ليس له نفس سائلة.
و (البثرات) جمع بثرة- بفتح الباء وإسكان الثاء المثلثة- خراج صغار. وخص بعضهم به الوجه، والمشهور: أنه يعم الوجه وسائر البدن.
روى ابن السني [635] والنسائي في (عمل اليوم والليلة)[1031] عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج في إصبعي بثرة فقال: (عندك ذريرة)؟ قلت: نعم، فوضعها عليها وقال:(قولي: اللهم؛ مصغر الكبير، ومكبر الصغير، صغر ما بي) فطفئت.
قال: (وقيل: إن عصره .. فلا)؛ للاستغناء عنه. والأصح فيما إذا كان قليلًا: العفو عنه؛ لما روى البخاري بغير إسناد، والبيهقي [1/ 141] مسندًا:(أن ابن عمر عصر بثرة على وجهه، وذلك بين إصبعيه بما خرج منها، وصلى ولم يغسله).
قال: الإمام: لعل يده جرت عليها في غفلة منه.
وَالدَّمَامِيلُ وَالْقُرُوحُ وَمَوْضِعُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ .. قِيلَ: كَالْبَثَرَاتِ، وَالأَصَحُّ: إِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَدُومُ غَالِبًا .. فَكَالاِسْتِحَاضَةِ، وَإِلَاّ .. فَكَدَمِ الأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: أَنَّهَا كَالْبَثَرَاتِ،
ــ
قال ابن الرفعة: ولعل ما خرج منه مما لا رائحة له .. فيكون طاهرًا على المذهب، كما سيأتي.
والمصنف أطلق الخلاف ومحله- كما قال في (شرح المهذب) - إذا كان الخارج دمًا قليلًا، فإن كان كثيرًا .. ضر جزمًا.
قال: (والدماميل والقروح وموضع الفصد والحجامة .. قيل: كالبثرات)؛ لأنه- وإن لم تكن غالبة- فليست بنادرة، وإذا وجدت .. دامت ويعسر الاحتراز عن لطخها، وهذا رأى ابن سريج، وهو قضية كلام الأكثرين، وصححه المصنف هنا وفي (الروضة).
قال: (والأصح: إن كان مثله يدوم غالبًا .. فكالاستحاضة) فيحتاط له بقدر الإمكان، ويعفى عما يتعذر أو يشق من غير جريان خلاف.
والحاصل في دم الاستحاضة أوجه: العفو عنه وعكسه، والفرق بين قليله وكثيره.
قال: (وإلا .. فكدم الأجنبي)؛ لأنها تندر بخلاف البثرات.
قال: (فلا يعفى) عنه- أي: عن دم الأجنبي- لانتفاء المشقة فيه.
قال: (وقيل: يعفى عن قليله) وهو: ما يعده الناس يسيرًا؛ لأن جنس الدم يتطرق إليه العفو، فيقع القليل منه في محل المسامحة.
قال: (قلت: الأصح: أنها كالبثرت) وهو كما قال؛ فقد ذكر الرافعي: أنه قضية كلام الأكثرين، إلا أنه رجح الوجه الثاني بحثًا.
وقد جزم المصنف في آخر (التيمم) بعدم العفو في قوله: (إلا أن يكون بجرحه دم كثير) - والجرح هو القرح- وصحح هنا: أن دم القروح كالبثرات، والبثرات
وَالأَظْهَرُ: الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الأَجْنَبِيِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ، وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوح وَالْمُتَنَفِّطُ الَّذِي لَهُ رِيحٌ، وَكَذَا بِلَا رِيحٍ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْمَذْهَبُ: طَهَارَتُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ
ــ
كالبراغيث، وصحح في دم البراغيث: العفو عن كثيره، فانتهى الأمر إلى أنه إذا كان بجرحه دم كثير .. يعفى عنه لا قضاء.
قال: (والأظهر: العفو عن قليل دم الأجنبي والله أعلم) هو الذي ذهب إليه الأكثرون وأطلقوا الخلاف، وقيده صاحب (البيان) بغير دم الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما، فلا يعفى من شيء من ذلك بلا خلاف لغلظ حكمه، ووافقه على ذلك الشيخ نصر المقدسي، وإن كان المصنف قال في (التحقيق): إنه لم يوافقه عليه أحد.
فرع:
قال القاضي: الجدري إذا تورم واجتمعت فيه المادة .. تجوز الصلاة معه ما لم يخرج منه شيء، فإذا يبس وصارت تلك الجلدة كالميتة بحيث لا يتألم لقطعها .. صحت الصلاة معها كاليد الشلاء.
قال: (والقيح والصديد كالدم)؛ لأنهما دمان مستحيلان إلى نتن وفساد.
قال الجوهري: (الصديد): ماء رقيق مختلط بدم. وقال ابن فارس: دم مختلط بقيح.
وحكمهما في الانقسام- إلى خارج منه، أو من أجنبي- كالدم.
قال: (وكذا ماء القروح والمتنفط الذي له ريح)؛ قياسًا على القيح والصديد.
قال: (وكذا بلا ريح في الأظهر) قياسًا على الصديد الذي لا رائحة له.
قال: (قلت: المذهب: طهارته والله أعلم)؛ تشبيهًا بالعراق، لعدم استقذاره. ورجح في (شرح المهذب) القطع، ثم قال: وحيث نجسناه .. فهو كالبثرات.
والرافعي استدل لقول النجاسة بالقياس على الصديد الذي لا رائحة له. فإن كان الحكم فيه مسلمًا .. فيحتاج المصنف إلى الفرق بينهما؛ فإن عدم النتن في الموضعين.
وَلَوْ صَلَّى بِنَجِسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ،
ــ
وكذلك يعفى عما يلحق البدن والثوب من عبار المزابل والمواضع النجسة حسب العادة.
وفي دخان النجاسة وجهان:
أصحهما: أنه نجس؛ لأنه أجزاء متحللة منها.
والثاني: ليس بنجس؛ لأنه بخار نجاسة، فهو كالبخار الذي يخرج من الجوف.
فإن قلنا بالنجاسة .. فالصواب: أنه لا ينجس الثوب اليابس ولا البدن اليابس، وكذا الرطب منهما على الصحيح.
قال: (ولو صلى بنجس) أي: غير معفو عنه (لم يعلمه .. وجب القضاء في الجديد) سواء في ذلك البدن والثوب والمكان؛ لأنها طهارة واجبة، فلا تسقط بالجهل كطهارة الحدث.
والقديم: لا يجب، ونقله ابن المنذر عن خلائق، واختاره هو والمصنف في (شرح المهذب)؛ لما روى الحاكم [1/ 139] وأبو داوود [650]- بإسناد صحيح- عن
وَإِنْ عَلِمَ ثَمَّ نَسِيَ .. وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ
ــ
أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه .. إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى القوم ذلك .. ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله عليه وسلم صلاته .. قال:(ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟) قالوا: يا رسول الله؛ رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا). وفي رواية لأبي داوود [651]: (خبثاً) عوضًا عن (قذرًا)، وفي رواية [مي 1418]:(أذى)، وفي رواية [قط 1/ 399]:(دم حلمة).
ووجه الدلالة: أنه عليه الصلاة والسلام لم يستأنف الصلاة، ولو كان مبطلًا .. لاستأنفها.
وجوابه: أن المراد بـ (القذر): الشيء المستقذر. وبـ (دم الحلمة): الشيء اليسير المعفو عنه. وإنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ تنزهًا.
و (الحلمة) بالتحريك: القرادة الكبيرة، والجمع: حلم.
قال: (وإن علم ثم نسي .. وجب القضاء على المذهب)؛ لتقصيره بتركها.
وقيل: على القولين في الجاهل.
وجعل الغزالي مثار الخلاف في حالتي الجهل والنسيان .. أن اجتناب النجاسة في الصلاة هل هو من قبيل المنهيات وخطاب التكليف، فيسقط بالجهل والنسيان كما يسقط الإثم؟ أو اجتنابها من باب الشروط وخطاب الوضع، فلا يؤثر فيه الجهل والنسيان كضمان المتلفات؟
تتمة:
حيث أوجبنا الإعادة .. فإنما تجب إعادة كل صلاة تيقن فعلها مع النجاسة، فإن احتمل حدوثها بعد الصلاة .. فلا شيء عليه؛ لأن:(الأصل في كل حادث تقدير وجوده في أقرب زمن، والأصل عدم وجوده قبل ذلك).
وقال المتولي: لا يلزمه إلا إعادة صلاة واحدة، سواء كانت النجاسة يابسة أو رطبة، سواء كان في الصيف أو الشتاء.