المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: لَا يَصِحُّ اَقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ، كَمُجْتَهِدَيْنٍ - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: لَا يَصِحُّ اَقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ، كَمُجْتَهِدَيْنٍ

‌فَصْلٌ:

لَا يَصِحُّ اَقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ، كَمُجْتَهِدَيْنٍ أَخْتَلَفَا فِي اَلْقَبْلَةِ أَوْ إِنَاءَينِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ اَلْطَّاهِرُ .. فَالأَصَحُّ: اَلْصِّحَّةُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إَنَاُء اَلإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ،

ــ

قال: (فصل:

لا يصح اقتداؤه من يعلم بطلانه صلاته)؛ لأنها غير مقبولة فلا يرتبط بها غيرها، وذلك بأن يعلم حدثه أو كفره، أو يعلم أن به نجاسة غير معفو عنها.

قال: (أو يعتقده).

مرادهم بـ (الاعتقاد) هنا: الظن الغالب لا المصطلح عليه عند الأصوليين وهو: الجازم لدليل.

قال: (كمجتهدين اختلفا في القبلة أو إناءين) أي: بغير زيادة، فلا يجوز لأحدهما أن يقتدي بالآخر، لأن كلاً منهما يعتقد بطلان صلاة الآخر.

ولو اجتهد في القبلة أكثر من اثنين كأربعة أدى اجتهاد كل منهم إلى جهة .. كان الحكم فيهم كالاثنين أيضًا.

وهكذا في الأواني إذا كان الطاهر منها واحدًا.

وقد صرح بالمسألتين في (المحرر)، وأشار إليه المصنف بكاف التشبيه.

قال: (فإن تعدد الطاهر .. فالأصح: الصحة ما لم يتعين إناء الإمام للنجاسة)

مثاله: كانت الأواني ثلاثة: أحدها نجس، والطاهر اثنان، واعتقد طهارة إنائه خاصة، ولم يغلب على ظنه شيء من حال الآخرين .. فالأصح: جواز اقتدائه بمن شاء منهما؛ لأن الأصل عدم وصول المنجس إلى الإناء.

والثاني - وبه قال صاحب (التلخيص) -: لا يجوز له الاقتداء بواحد من صاحبيه؛ لأنه متردد في مستعمل النجس منهما.

والثالث: يصح الاقتداء الأول إن اقتصر عليه، فإن اقتدى ثانيًا .. لزمه إعادتهما؛ للاشتباه، وهو قول أبي إسحاق.

ص: 345

فَإِنْ ظَنَّ طَهَارَةَ إِنَاءِ غَيْرِهِ .. اَفْتَدَى بِهِ قَطْعًا، فَلَوِ اَشْتَبَهَ خَمْسَةٌ فِيهَا نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةٍ، فَظَنَّ كُلِّ طَهَارَةَ إِنَاءٍ فَتوَضَّأَ بِهِ، وَأَمَّ كُلُّ فِي صَلَاةٍ .. فَفِي اَلأَصَحِّ: يُعِيدُونَ اَلْعِشَاءَ إِلَاّ إِمَامَهَا فَيُعِيدُ اَلْمَغْرِبَ. وَلَوِ اَقْتَدَى شَافِعِيِّ بِحَنَفِيَّ مَسَّ فَرْجَهُ أَوْ اَقْتَصَدَ .. فَالأَصَحُّ: اَلصِّحَّةُ فِي اَلْفَصْدِ دُونَ اَلْمَسِّ؛ اَعْتِبَارًا بْنِيَّةِ اَلْمُقْتَدِي

ــ

فإن اقتدى بهما في صلاتين .. فالأصح: يعيد الأخيرة فقط، وقيل: يعيدهما؛ للاشتباه.

قال: (فإن ظن طهارة إناء غيره .. اقتدى به قطعًا)، كما يجوز له أن يصلي إذا ظن طهارة إناء نفسه.

وفهم منه: إنه إذا ظن نجاسة إناء غيره .. لا يقتدي به ولا خلاف في ذلك؛ لأنه مكلف بما غلب على ظنه.

قال: (فلو اشتبه خمسة فيها نجس على خمسة، فظن كل طهارة إناء فتوضًا به، وأم كل في صلاة) - أي: بالباقين - وابتدؤوا بصلاة الصبح.

قال: (

ففي الأصح) أي: الذي سبق (يعيدون العشاء)؛ لأن النجاسة قد انحصرت في حق إمامها فيما يزعمون.

قال: (إلا إمامها فيعيد المغرب)؛ لأنه يعتقد انحصار النجاسة في إمامها، وضابطه: أن كل واحد يعيد ما كان مأمومًا فيه أخرًا.

وعند صاحب (التلخيص) وأبي إسحاق: يعيد كل منهم الأربع التي كان مأمومًا فيها.

ومدركهما مختلف كما تقدم.

ولو سمع صوت حدث بين خمسة وتناكروه .. فعلى الأوجه في الأواني.

قال: (ولو اقتدى شافعي بحنفي مس فرجه أو اقتصد .. فالأصح: الصحة في الفصد دون المس؛ اعتبارًا بنية المقتدي)، كما لو اختلف اجتهاد رجلين في القبلة أو الأواني. لا يقتدي أحدهما بالآخر.

ص: 346

وَلَا تَصِحُّ قُدْوَهٌ بِمُقْتَدِ،

ــ

والثاني: عكسه اعتبارًا بنية الإمام؛ لأن صلاته في هذه الحالة صحيحة في نفسه، وخطؤه غير مقطوع به، وإلى هذا ذهب القفال، وهو المنصوص وعليه الجمهور وعمل الناس في الأعصار مع الخلاف بينهم، فلم تزل الصحابة وغيرهم يصلون خلف المخالف وإن ترك واجبًا عندهم، وقد صلى معاوية بأهل المدينة فلم يبسمل، فلما سلم ذكروا له ذلك، فلما صلى بهم ثانيًا قرأها، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أعاد تلك الصلاة.

والثالث: إن اقتدى بولي الأمر أو نائبه .. صح مع تركه لبعض الواجبات؛ إخمادًا للفتنة، وإلا .. لم يصح، قاله الحليمي والأودني، واستحسنه الرافعي.

وكذلك الحكم لو ترك الاعتدال في الركوع والسجود.

وقد تقدم في (الوضوء): أن الماء الذي توضأ به الحنفي مستعمل على الأصح، وتقدم الفرق هناك.

وقول المصنف: (اعتبارًا بنية المقتدي) من زياداته على (المحرر)، وكان الصواب أن يقول: اعتبارًا باعتقاد المتقدي؛ إذ لا معنى للنية هنا.

وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: لا يصح اقتداؤه به ولو حافظ على جميع الواجبات؛ لأنه لم يأت بها على اعتقاد الوجوب.

قال الشيخ: وما قاله لازم على قول الأصحاب: أنه ذا أتى بفروض الصلاة على اعتقاد أنها نفل .. لم تصح، قال: ولا يترجح إلا قول الأستاذ، وإلا .. فقول القفال.

فإن اقتدى بالمخالف ولم يعلم أنه أتى بمناف .. فالأصح: الصحة.

قال: (ولا تصح قدوة بمقتد) أي: في حالة قوته؛ لأنه تابع لغيره يلحقه سهو ذلك الغير، ومنصب الإمام يقتضي الاستقلال وأن يتحمل هو سهو غيره، و (أما اقتداء الناس بأبي بكر خلف النبي صلي الله عليه وسلم) .. فإنهم كانوا مقتدين بالنبي صلي الله عليه وسلم وأبو بكر يسمعهم التكبير.

ص: 347

وَلَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ إِعَادَةٌ كَمُقِيمِ تَيَمَّمَ، وَلَا قَاِرئٍ بَأُمِّيِّ فِي اَلْجَدِيدِ -

ــ

فلو رأى صفًا فنوى الاقتداء بالإمام ولم يعلمه. لم يصح.

وإن التبس الأمر على القوم، فاعتقد كل منهم أنه مأموم. بطلت صلاتهم؛ لأن كل واحد منهم اقتدى بمن ليس بإمام. فإن اعتقد كل منهم أنه إمام. صحت صلاة الجميع؛ لأن كل واحد منهم يصلي لنفسه.

قال: (ولا بمن تلزمه إعادة كمقيم تيمم)؛ ومثله من لم يجد ماء ولا ترابًا على الجديد؛ لأن صلاته غير معتد بها لوجوب إعادتها.

وقيل: يجوز لمن هو في مثل حاله أن يقتدي به.

قال: (ولا قارئ بأمي في الجديد)؛ لأن الإمام بصدد تحمل القراءة عن المأموم، فإذا لم يحسنها .. لا يصح تحمله، كالإمام الأعظم إذا عجز عن تحمل أعباء الرعية.

والمراد بـ (الأمي) عندنا: من لا يحسن (الفاتحة) أو بعضها، و (القارئ): الذي يحسنها.

وعند أصحاب أبي حنيفة: الأمي: من لا يحسن من القرآن ما يصلي به.

و (الأمي): نسبة إلى الأم، كأنه على الحالة التي ولدته أمه عليها.

وحقيقته في اللغة: الذي لا يكتب، ثم استعمل فيما ذكر هنا مجازًا.

فإذا خالف واقتدى به بطلت صلاة القارئ دون الأمي.

وقال أبو حنيفة: تبطل صلاتهما؛ لأنه ألزمه تحمل القراءة وليس أهلاً لذلك، فكأنه ترك ركنًا من صلاته فبطلت وبطل بها صلاة المأموم.

وفي القديم: إن كانت الصلاة سرية .. صح الاقتداء، وإلا .. فلا بناء على أنه يتحمل عنه القراءة في الجهرية.

وذهب المزني إلى صحة الاقتداء به سرية كانت أو جهرية.

ولا فرق في جريان الخلاف بين أن يعلم أنه أمي أم لا على الأصح، وقيل: إن علمه أميًا .. لم تصح قطعًا.

ومحل الخلاف: فيمن لم يطاوعه لسانه، أو طاوعه ولم يمض زمن يمكن فيه

ص: 348

وَهُوَ: مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنَ (اَلْفَاتِحَةِ)، وَمِنْهُ: أَرَتُ يُدْعِمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَاَلْثَغُ: يُبْدِلُ حَرْفًا -

ــ

التعلم، فأما إذا مضي وقصر بترك التعلم .. فلا يصح اقتداؤه به بلا خلاف.

قال: (وهو: من يخل بحرف أو تشديدة من (الفاتحة)) هذا تفسير الأمي، ونبه به على أن من لا يحسنها من طريق أولى.

والمراد: من يخل به عجزًا لا اختيارًا، ولهذا عبر في (المحرر) بقوله: لا يطاوعه لسانه.

وإنما يبطل الاقتداء إذا حصل بعد الإخلال المذكور.

ومن يحسن سبع آيات من غير الفاتحة بالنسبة إلى من لا يحسن إلا الذكر .. كالقارئ مع الأمي.

قال: (ومنه: أرت يدغم في غير موضعه)؛ لنقصه.

وقيل: هو من يبدل الراء بالياء.

وعن الشافعي هو: من في لسانه رخاوة.

وهو بالتاء المثناة المشددة، يقال: في لسانه رتة بضم الراء.

قال: (والثغ: يبدل حرفًا)؛ لأنه أمي.

وفي قول آخر: يجوز أن يقتدى بالأرت والألثغ؛ لأنه ركن من أركان الصلاة فجاز للقادر عليه أن يأتم بالعاجز عنه، كالقائم خلف القاعد.

والذي ذكره المصنف هو موضع الخلاف، فلو كانت اللثغة لا تمنعه أن يأتي بالحرفز. فقارئ وهو: من يأتي بالحرف غير صاف كما قاله القاضي أبو الطيب.

وحكى في (البحر) عن الشيخ أبي إسحاق الإسفراييني عن الداركي عن أبي غانم ملقي أبي العباس قال: انتهى ابن سريج إلى هذه المسألة فقال: لا تجوز إمامة

ص: 349

وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ. وَتُكْرَهُ بِالتَّمْتَامِ، وَالْفَافَاءِ، وَاللَاّحِنِ،

ــ

الألثغ، وكانت لثغته يسيرة وبي مثلها، فاحتشمت أن أقول: هل تصح إمامتك؟ فقلت: أيها الشيخ هل تصح إمامتي؟ قال: نعم، وإمامتي أيضًا.

و (اللثغة) بالثاء المثلثة وضم اللام: أن يصير الراء غينًا أو لامًان والسين ثاء، وقد لثغ بالكسر يلثغ لثغًا فهو ألثغ وامرأة لثغاء.

قال: (وتصح بمثله) يدخل فيه الأمي بالامي والألثغ والأرت بالأرت، لاستوائهما في النقصان، لا من يحسن بعض (الفاتحة) بمن يحسن بعضًا آخر، ومن هذا النوع اقتداء الأرت بالألثغ.

قال: (وتكره بالتمتام، والفأفاء)؛ لما فيه من التطويل فإنهما يزيدان على الكلمة ما ليس منها.

و (التمتام): من يكرر التاء.

و (الفأفاء) من يكرر الفاء، وهو بهمزتين والمد، ويجوز قصره.

وسائر الحروف في تكرارها بمثابة التاء والفاء في الكراهة للمعنى السابق، ولهذا قال صاحب (البيان): تكره إمامة الوأواء وهو: الذي يكرر الواو.

وصلاة هؤلاء صحيحة؛ لأنهم يأتون بالحرف على التمام والزيادة مغلوب عليها.

قال: (واللاحن) أي: في القراءة، وهو أحسن من قول (المحرر): لحان؛ لأن اللحان: من أكثر من ذلك ولا يشترط.

والمراد هنا: لحن لا يغير معنى، كرفع الهاء من:{أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ ورَسُولُهُ} بجر اللام .. فإنه مبطل.

كل هذا إذا كان قادرًا عليه عامدًا، أما مع العجز أو الجهل أو النسيان: فإن كان في غير (الفاتحة) .. لم يضر، وإن كان فيها .. ضرَّ، لأنها ركن.

ولذلك قال الشافعي: الاختيار في الإمام: أن يكون فصيح اللسان حسن البيان مرتلاً للقرآن.

ص: 350

فَإِنْ غَيَّرَ مَعْنَىّ كَـ (أَنْعَمْتُ) بِضَمَّ أَوْ كَسْرٍ .. أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ اَلْتَّعَلُّمُ، فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ، أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إِمْكَانِ تَعَلُّمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي (اَلْفَاتِحَةِ) .. فَكَأُّمَّيَّ، وَإِلَا .. فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ، وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجْلٍ وَلَا خُنْثَى بِاَمْرَأَةَ وَلَا خُنْثَى

ــ

و (اللحن): الخطأ في الإعراب. واللحن بالتحريك: الفطنة، وفي الحديث:(ولعل بعضكم ألحن بحجته) أي: أفظن بها، قال مالك بن أسماء [م الخفيف]:

وحديث ألذه وهو مما

ينعت الناعتون يوزن وزنًا

منطق رائع وتلحن أيحا

نًا وخير الحديث ما كان لحنًا

يريد أنها تزيل الكلام عن موضعه لذكائها وفطنتها، كما قال تعالى:{ولَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ واللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} أي: في فحواه ومعناه.

قال: (فإن غير معنى كـ (أنعمت) بضم أو كسر .. أبطل صلاة من أمكنه التعلم)؛ لأنه ليس بقرآن.

وقال الروياني وغيره: تكره إمامة من ينطق بالحرف بين الحرفين، كالعربي الذي يعقد القاف فينطق بها بينها وبين الكاف.

قال في (شرح المهذب): وفي الصحة نظر؛ لأنه لم يأت بالحرف الأصلي.

قال: (فإن عجز لسانه، أو لم يمض زمن إمكان تعلمه، فإن كان في (الفاتحة) .. فكأمي). فعلى هذا: تصح صلاته وحده دون القدوة به.

قال: (وإلا .. فتصح صلاته والقدوة به)، لأن ترك السورة لا يبطل الصلاة، ولا يمنع الاقتداء.

قال: (ولا تصح قدوة رجل ولا خشى بامرأة ولا خنثى).

أما امتناع قدوة الرجل بالمرأة .. فلقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} ، ولقوله صلي الله عليه وسلم:(لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري [4425].

ص: 351

وَتَصِحُّ لِلْمُتَوَضِّئِ بِاَلْمُتَيَمِّمِ وَبِمَاسِحِ اَلْخُفِّ،

ــ

وإن صح ما رواه ابن ماجه [1081] أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (لا تؤمن امرأة رجلاً) .. كان صريحًا فيه.

وقد قيل: إن ذلك مذهب الفقهاء السبعة م التابعين فمن بعدهم، خلافًا لأبي ثور والمزني وابن جرير، فإنهم جوزوا لها أن تؤم الرجال في التراويح بشرط أن لا يكون ثم قارئ غيرهان وأنها تقف خلفهم مستدلين بقوله صلي الله عليه وسلم:(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله).

جوابه: أن القوم خاص بالرجال؛ لقوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} الآية.

وإذا امتنع اقتداء الرجل بالمرأة .. امتنع اقتداؤه بالخنثى، واقتداء الخنثى بالمرأة والخنثى، للاحتمال

والمراد بـ (الخنثى): المشكل، لكن قال في (الحاوي): إذا زال إشكاله وتبين أنه امرأة .. كرهنًا له أن يأتم بامرأة، وإن بان رجلاً .. كرهنا للرجال الائتمام به.

ولو عبر المصنف بالذكر بدل الرجل .. لعم الصبي وكان حسن؛ فإن الحكم فيه كالرجل.

ويجوز اقتداء النسوة بالخنثى اتفاقًان ولا يقف وسطهن بل أمامهن، ولا يجوز أن يصلي بهن إلا أن يكون ثم محرم لإحداهن، فإن كثرن، فهل تحرم الخلوة بهن؟ وجهان:

ونص الشافعي على أنه: لا يجوز للرجل أن يؤم نسوة منفردات إلا أن تكون إحداهن محرمًا له.

قال: 0وتصح للمتوضي بالمتيمم) الذي لا يجب عليه القضاء؛ لأنه أتى عن طهارته ببدل.

قال: (وبماسح الخف)؛ لأنها مغنية عن القضاء. وكذا المستنجي بالماء المستجمر بالأحجار.

ص: 352

وَلِلْقَائِمِ بِاَلْقَاعِدِ وَاَلْمُضْطَجِعِ، وَلِلْكَامِلِ بِاَلصَّبيِّ

ــ

قال: (وللقائم بالقاعد) خلافًا لابن المنذر؛ فإنه أوجب القعود.

لنا: ما روى الشيخان [خ 664 - م 418] عن عائشة: (أن النبي صلي اله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعدًا وأبو بكر والناس قيامًا).

قال البيهقي: وكان ذلك في صلاة الظهر يوم السبت والأحد، وتوفي صلي الله ليه وسلم ضحى يوم الاثنين، فكان ذلك ناسخًا لما في (الصحيحين)[خ 722 - م 414] عن أبي هريرة من قوله صلي الله عليه وسلمك (وإذا صلى جالسًا .. فصلوا جلوسًا أجمعون).

قال: (والمضطجع) أي: يصح اقتداء كل من القائم والقاعد بالمضطجع، قياسًا على قدوة القائم بالقاعد.

وكان الأحسن أن يقول: والقائم بغيره؛ ليشمل المستلقي.

وهذا فيمن يأتي بالركن ولو موميًا، فأما من يشير إليه بجفنه أو يجري أفعال الصلاة على قلبه .. فالظاهر: أنه لا تصح القدوة به.

قال: (وللكامل بالصبي)؛ لما روى البخاري [4302] أن عمرو بن سلمة بكسر اللام كان يؤم قومه على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو ابن ست أو سبع سنين.

وعمرو المذكور اختلف في سماعه من النبي صلي الله عليه وسلم ورؤيته إياه، والمشهور: أنه لم يسمعه ولم يره، لكن كانت الركبان تمر بهم فيحفظ عنهم ما سمعوه من النبي صلي الله عليه وسلم وكان أحفظ قومه، فلذلك قدموه فصلى بهم، ولا خلاف عندنا في صحة إمامته في غير الجمعة.

والمراد بـ (الصبي): المميز الذي يعقل أفعال الصلاة، ولا كراهة في إمامته عندنا.

وقال أبو حنيفة: تجوز إمامته في النقل دون الفرض.

ومنعها داوود في الفرض والنقل.

ومنعها داوود في الفرض والنفل.

وفي (فضائل الأوقات) للبيهقي عن ابن عباس قال: قالت عائشة: كنا نأخذ

ص: 353

وَاَلْعَبْدِ، وَالأَعْمَى وَاَلْبَصِيرُ سَوَاءٌ عَلَى اَلْنَّصِّ

ــ

الصبيان من المكتب فيصلون بنا التراويح، وكنا نعمل لهم القليلة والخشكنان.

قال: (والعبد) أي: يصح اقتداء الكامل بالعبد؛ لأنه من أهل الفرض؛ لأن ذكوان مولى عائشة كان يؤمها، رواه البخاري.

وفيه: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة). ورواه الفقهاء بزيادة: (ما أقام فيكم الصلاة).

ولا كراهة في ذلك خلافًا لابن خيران، لكن الحر أولى منه، والعبد البالغ أولى من الحر الصبي.

وفي العبد الفقيه والحر غير الفقيه ثلاثة أوجه، أصحها: أنهما سواء.

قال الشيخ: وعندي أن العبد الفقيه أولى؛ فقد كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين في مسجد قباء وفيهم عمر وغيره؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا، وهو وإن كان معتقًا في ذلك الوقت، إلا أنه مولى وقدم على حر الأصل لكثرة قرآنه.

والظاهر: أن المبعض أولى من كامل الرق.

قال: (والأعمى والبصير سواء على النص)؛ لأن في البصير اجتناب النجاسة، وفي الأمى الخشوع فاستويا، ويقابل النص وجهان:

أحدهما: الأعمى أولى، وبه قال أبو إسحاق المروزي، وصححه ابن أبي عصرون والمصنف في (مختصر التذنيب)، واختار في باقي كتبه: أنهما سواء، وكره ابن سيرين ومالك وأبو حنيفة إمامته.

والثاني: البصير أولى، وهو ظاهر؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم إنما كان يستخلف ابن أم مكتوم؛ لأنه تخلف عن الغزو لعذر، فأراد النبي صلي الله عليه

ص: 354

وَاَلأَصَحُّ: صِحَّةُ قُدْوَةٍ اَلْسَّلِيمِ بِاَلْسَّلِسِ، وَالَطَّاهِرِ بِاَلْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ اَلْمُتَحَيِّرَةِ.

ــ

وسلم أن يجبره بذلك، ولأن أهل الإمامة كانوا لا يتأخرون عن الغزو مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأما عتبان بن مالك .. فلعله لم يكن في قومه من يصلح للإمامة سواه.

واتفق أصحابنا على أن إمامته لا تكره.

والحر الضرير أولى من العبد البصير؛ لأن الرق نقص.

وقال شارح (التعجيز): الأصم في هذا كالأعمى.

وفي (رحلة ابن الصلاح) عن أبي نصر بن الصباغ: تكره إمامة الأقلف بعد البلوغ لا قبله.

قال: (والأصح: صحة قدوة السليم بالسلس، والطاهر بالمستحاضة غير المتحيرة)؛ لأن صلاة الإمام مغنية عن القضاء، فصحت قياسًا على من على ثوبه أو بدنه نجاسة معفو عنها.

والثاني: لا تصح؛ لحملها النجاسة، وإنما صحت صلاتهما في نفسهما، للضرورة.

أما المتحيرة .. فلا يصح الاقتداء بها جزمًا لوجوب القضاء عليها وفاء بالقاعدة المتقدمة.

ومن هنا يؤخذ من الكتاب أن المتحيرة تقضي ما صلته؛ إذ لا معنى لمنع الاقتداء بها إلا ذلك، وقد تقدم هذا في (باب الحيض)، وأن المنصوص: عدم القضاء.

وصحح الشيخان وجوبه؛ ذهولاً عن النص.

وعلى هذا: فالظاهر: جواز اقتداء الطاهرة بها.

وعبارة الكتاب تقتضي: جواز اقتداء كل منهما بمثله، وهو قياس ما تقدم في

ص: 355

وَلَوْ بَانَ إِمَامُةُ اَمْرَأَةَ، أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا، قِيلَ: أَوْ مَخْفِيًا .. وَجَبَتِ اَلإِعَادَةُ، لَا جُنُبًا، وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةِ .....

ــ

الأمي بمثله، لكن الصحيح في زوائد (الروضة) في (باب الحيض): أنه لا تصح صلاة المتحيرة خلف مثلها.

و (السلس) هنا بكسر اللام: اسم للشخص، وأما الفتح: فهو المصدر.

قال: (ولو بان إمامه امرأة، أو كافرا معلنًا، قيل: أو مخفيًا .. وجبت الإعادة)؛ لأنه مقصر بترك البحث عن حال إمامه، ولأن الإمارة على ذلك ظاهرة.

والمراد بـ (الكافر المعلن): كاليهودي والنصراني، و (المخفي): كالزنديق والمرتد والدهري.

وقال المزني: لا تجب الإعادة فيهما قياسًا على ما لو بان محدثًا أو جنبًا.

والفرق: أن الجنب يصح أن يكون إمامًا في حالة وهو: إذا تيمم عند عدم الماء، والكافر لا يصح أن يكون إمامًا بحال.

وجواب المزني: أن التيمم عنده يرفع الحدث.

فرع:

تبين أن إمامة خنثى .. وجب القضاء عند الأكثرين؛ لأن أمره لا يخفي غالبًا، لما جبلت عليه النفوس من التحدث بالأعاجيب.

قال: (لا جنبًا، وذا نجاسة خفية)؛ إذ لا أمارة عليهما فلا تقصير من جهته، وكذلك المحدث كما قاله في (المحرر)، فلو عبر المصنف به .. كان أشمل.

وتقييده بـ (الخفية) يفهم: وجوب القضاء في الظاهرة، لكنه صحح في (التحقيق) عدمها.

وهذا في غير الجمعة، أو فيهتا وهو زائد على الأربعين كما سيأتي في بابها.

فرع:

صلاة المأموم إذا تبين حدث إمامة أو كونه جنبًا، هل هي جماعة أو فرادى؟

وجهان:

ص: 356

قُلْتُ: اَلأَصَحُّ اَلْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ اَلْجُمْهُورِ: أَنَّ مُخْفِيَ اَلْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

أصحهما: أنها جماعة.

وأقواها عند الشيخ: أنها فرادى؛ لأن الذين قالوا: إنها جماعة تمسكوا بحديث رواه ابن ماجه [1220] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وكبر، ثم أشار إليهم فمكثوا، ثم أنطلق فاغتسل، ثم أتى فصلى بهم وقال:(كنت خرجت إليكم جنبًا وإني نسيت حتى قمت إلى الصلاة) وهو حديث ضعيف، والصحيح ما رواه البخاري [639] عن أبي هريرة:(أن النبي صلي الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف، حتى إذا قام في مصلاة انتظرناه أن يكبر فانصرف وقال: (مكانكم)، فمكثنا على هيئتنا ثم خرج إينا ينظف رأسه ماء وقد اغتسل).

ولا دليل فيه على حصول الجماعة للمصلى خلف المحدث، بل صحة الصلاة خلف المحدث مختلف فيها، ومذهبنا: صحتها.

وحكى صاحب (التلخيص) قولاً: أن الإمام الجنب أو المحدث إن كان عالمًا بحدثه .. وجب على المأموم القضاء، وإلا

فلا.

وقيل: إن هذا النقل غلط وإن الشافعي إنما حكاه عن مالك.

قال: (قلت: الأصح المنصوص وقول الجمهور: أن مخفي الكفر هنا كمعلنة والله أعلم) لأن على كفره أما رأت من الغيار وغيره، ولأنه من أهل الصلاة، بخلاف المسلم المحدث فإنه من أهلها في الجملة.

ولم يتعرض المصنف لطريق بيان ذلك هل يكتفي فيه بقول الكافر أو لا؟

ونص في (الأم) على أنه: يقبل قوله في كونه كافرًا في (باب صلاة الرجل بالقوم لا يعرفونه)، ولولا هذا النص .. لكان يظهر أن يقال: لا يقبل قوله إلا أن يسلم بعد ذلك، ويخبر بالحالة التي تقدمت منه، فحينئذ يقبل قوله؛ لأن ذلك من باب الخبر.

ص: 357

وَاَلأُمِّيُّ كَاَلْمَرْأَةِ فِي اَلأَصَحِّ. وَلَوِ اَقْتَدَى بِخُنْثَى فَبَانَ رَجُلاً .. لَمْ يَسْقُطِ اَلْقَضَاءُ فِي اَلأَظْهَرِ

ــ

فرع:

إذا صلى الكافر في دار الإسلام، ولو يظهر التشهد بحيث يسمع منه .. لا يحكم بإسلامه سواء صلى في المسجد أو في غيره، وسواء كان إمامًا أو مأمومًا؛ لأن الصلاة من فروع الإيمان فلا يصير بها مسلمًا، كما لو صام رمضان وزكى، لكنه يعزر.

وإن كان في دار الحرب .. لم يحكم بإسلامه أيضًا على الأصح.

وقال القاضيان أبو الطيب والحسين: يحكم بإسلامه؛ لأنه لا قوة للمسلمين في دار الحرب.

قال: (والأمي كالمرأة في الأصح)، فيعيد إذا بان إمامه أميًا على قولنا: لا يصلي القارئ خلف الأمي.

والثاني: لا يعيد كما لو بان جنبًا.

والفرق على الأول: أن الحدث ليس نقصًا في الشخص، بخلاف الأمية.

فإن لم يتبين حاله هل هو قارئ أو أمي؟ فإن كانت صلاة سرية .. استحبت الإعادة، ولا تجب تحسينًا للظن بالإمام. وإن كانت جهرية فلم يجهر .. وجب على المأموم الإعادة؛ لأن الظاهر أنه لو كان قارئًا لجهر. فلو سلم وقال: أسررت ونسيت الجهر .. استحب له أن يعيد، ولا يجب على النص.

قال: (ولو اقتدى بخنثى فبان رجلاً. لم يسقط القضاء في الأظهر)؛ لتردده في النية.

والثاني: يسقط؛ لأنه تبين كونه رجلاً.

وكذلك الحكم فيما لو اقتدى خنثى بامرأة ثم بان امرأة، أو اقتدى خنثى فباتا رجلين أو امرأتين أو الإمام رجلاً أو المأموم امرأة.

ص: 358

وَاَلْعَدْلُ أَوْلَى مِنَ اَلْفَاسِقِ

ــ

والخلاف ينبني على أن: (العبرة بما في نس الأمر)، أو (بما ظنه المكلف)، وله نظائر:

منها: ما تقدم في المستحاضة إذا امتد انقطاع دمها .. تبين بطلان طهارتها، ويجب القضاء اعتبارًا بما في نفس الأمر.

ومنها: لو صلوا السواد ظنوه عدوًا، فبان غيره .. قضوا في الأظهر.

ومنها: المغصوب إذا استناب من يحج عنه، ثم برئ .. فالأصح: عدم الإجزاء.

ومنها: لو باع مال أبيه على ظن حياته، فبان ميتًا .. صح في الأظهر.

ومنها: إذا وكل وكيلاً في شراء شيء، ثم باع ذلك الشيء ظانًا أن وكيله لم يشتره بعد وكان قد اشتراه .. صح في الأصح.

ومنها: لو زوج أمة أبيه ظانًا حياته وكانه ميتًا .. فالأصح: الصحة.

ومنها: لو تزوج خنثى بامرأة، ثم بان رجلاً .. لم يصح.

ولو تزوج الرجل بمن يشك في كونها محرمة عليه .. لم يصح وهي تشكل بما قبلها.

ومنها: إذا أعتق من لا يجزئ في الكفارة، ثم صار بصفة الإجزاء .. صح في الأصح عند الإمام.

ومنها: لو تصرف في مرض مخوف فبرئ .. نفذ قطعًا.

قال: (والعدل أولى من الفاسق) وإن جمع الفاسق جميع الخصال من فقه وقراءة وغيرهما؛ لأنه لا يوثق به، وتكره الصلاة خلفه. وإنما جوزنا القدوة به لصحة صلاته في نفسه.

وروى الدارقطني [2/ 56] أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (صلوا خلف من قال لا إله إلا الله) لكنه ضعيف.

وروى هو [2/ 87] والحاكم [3/ 222] أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إن سركم

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن تقبل صلاتكم .. فاجلعوا أئمتكم؛ فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم).

وفي (الصحيحين): صلى ابن عمر خلف الحجاج، قال الشافعي: وكفى به فاسقًا.

وفي (تاريخ البخاري)[6/ 90]: صلى عشرة من الصحابة خلف أئمة الجور.

فإن كان الإمام متوليًا من السلطان أو نائبه .. فقال الماوردي: لا يجوز أن يكون فاسقًا كسائر الولايات الشرعية وإن صحت الصلاة خلفه.

وتكره الصلاة خلف الروافض والمبتدعة والخوارج.

وقال مالك: الفاسق بغير تأويل لا تجوز الصلاة خلفه، ولذلك انقطع رضي الله

ص: 360

وَاَلأَصَحُّ: أَنَّ اَلأَفْقَهَ أَوْلَى مِنَ اَلأَقْرَأِ

ــ

عنه عن الجماعة والجمعة بالمدينة على ساكنها سيدنا محمد أفضل الصلاة السلام، وكان يقول: للناس أعذار، فسئل عن ذلك فقال: ما كل ما يعلم يقال.

قال: (والأصح: أن الافقة) أي: في دين الله (أولى من الأقرأ)؛ لأن الحاجة إلى الفقه أهم، إذ الحوادث في الصلاة لا تنحصر، والواجب فيها من القراءة محصور.

ولأن النبي صلي الله عليه وسلم قدم أبا بكر وغيره أحفظ منه، ففي (البخاري) عن أنسن [3810]:(جمع القرآن على عهد النبي صلي الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد)، وفيه عنه أيضًا [5004]:(مات النبي صلي الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة)، وذكر ما تقدم، لكنه أبدل أبيًا بأبي الدرداء.

والثاني: انهما سواء؛ لتقابل الفضيلتين، وهما قولان منصوصان فكان الصواب التعبير بالأظهر.

والثالث: الأقرأ أولى، واختاره ابن المنذر؛ لما روى مسلم [672] عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:(إذا كانوا ثلاثة .. فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم).

وأجاب عنه الشافعي بأن أهل العصر الأول كانوا يتفقهون في معاني الآية قبل حفظها، فلاي وجد منهم قارئ إلا وهو فقيه. قال ابن مسعود: (ما كنا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها.

قال الإمام: ومراد الشافعي بذلك: الأغلب، فإن عمر لم يحفظه وهو مفضل على عثمان وعلي مع حفظهما.

قال ابن الرفعة: ويحتمل أنه عام إذا قلنا: المراد: الأصح قراءة، فيحتمل أن

ص: 361

وَالأَوْرَعِ. وَيُقَدَّمُ الأَفْقَهُ وَالأَقْرَأُ عَلَى الأَسَنِّ النَّسِيبِ،

ــ

عمر كان أصح قراءة منهما، ولهذا صحح ابن الرفعة والشيخ أنه مراد الفقهاء بقولهم الأقرأ.

وصحح الرافعي: أنه الذي يقرأ القرآن كله وهو قليل الفقه، والأفقه: الذي لا يحفظ غير (الفاتحة)، لكن عنده فقه كثير في أبواب الصلاة، فالأفقه فيها مقدم على أفقه منه في باقي أبواب الفقه وغيره من العلوم إذا كان يقرأ ما يكفيه في الصلاة.

قال: (والأورع) أي: الأصح: أن الأفقه أولى من الأورع؛ لما تقدم م احتياج الصلاة إلى الفقه أكثر من غيره.

والثاني: عكسه؛ لأن مقصود الصلاة الخشوع والخضوع والتدبر ورجاء إجابة الدعاء، والأورع أقرب إلى ذلك منهما؛ لأنه أكرم عند الله.

ولا يؤخذ من كلام المصنف معرفة المقدم من الأقرأ، والأورع، والجمهور على تقديم الأقرأ.

و (الورع) في اللغة: الكف، وفي الشرع: ترك الشبهات خوفًا من الله تعالى.

والمراد: حسن الطريقة لا مجرد العدالة المسوغة لقبول الشهادة. وفي الحديث: (ملاك الدين الورع).

و (الزهد): ترك ما زاد على الحاجة.

قال: (ويقدم الأفقه والأقرأ على الأسن النسيب)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء .. فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في القراءة سواء .. فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء .. فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء .. فأقدمهم سنًا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) رواه مسلم.

ونص في (الجنائر) على تقديم الأسن على الأفقه والأقرأ، فخرج بعضهم منه إلى

ص: 362

وَاَلْجَدِيدُ: تَقْدِيمُ اَلأَسَنِّ عَلَى اَلْنَّسِيبِ

ــ

هنا قولاً، لما في (الصحيحين) [خ 6008 - م 674] عن مالك بن الحوبرث:(ليؤمكم أكبركم).

والجواب: أن هذا خطاب المشافهة لمالك ورفقته؛ فإنهم كانوا في الفقه والقراءة سواء؛ لأنهم جماعة هاجروا سواء، وأقاموا عند النبي صلي الله عليه وسلم نحوًا من عشرين ليلة، وسافروا جملةز

قال: (والجديد: تقديم الأسن على النسيب)؛ لحديث مالك المذكور، فيقدم شيخ غير قرشي على شاب قرشي.

والقديم: عكسه، ورجحه جماعة؛ لقوله صلي الله عليه وسلم:(قدموا قريشًا ولا تقدموها)، وسيأتي في (قسم الفيء والغنيمة).

والمعتبر سن مضى في الإسلام، فيقدم الشاب الناشئ في الإسلام على شيخ حديث الإسلام.

والصحيح: أنه لا تعتبر الشيخوخة، بل النظر إلى تفاوت السن.

والمراد بـ (النسب): ما يعتبر في كفاءة النكاح، كالانتساب إلى العلماء والصلحاء.

وقيل: المعتبر نسب قريش فقط.

فروع:

اتفقوا على أن الهجرة معتبرة؛ لأنها موروثة، وقال الله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ

ص: 363

فَإِنِ اَسْتَوَيَا، فَنَظَافَةُ اَلْثَّوْبِ وَاَلْبَدَنِ، وَحُسْنُ اَلْصَّوْتِ، وَطِيبُ اَلْصَّنْعَةِ وَنَحْوُهَا.

ــ

أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقَاتَلَ}، ولحديث مالك بن الحويرث، وقال الحسن: لا يجعل الله عز وجل عبدًا أسرع إليه كعبد أبطأ عنه.

فمن هاجر إلى النبي صلي الله عليه وسلم، أو هاجر إلينا من دار الحرب مقدم على من لهم يهاجر، أو تأخرت هجرته عن هجرته، وكذا الحكم في أولادهم، واختلفوا في محل اعتبارها على أقوال:

أحدها: أنها مقدمة على السن والنسب، وهو الصحيح في (التحقيق)، والمختار في (شرح المهذب).

والثاني: أنها مؤخرة عنهما.

والثالث: متوسطة، فيعتبر بعد السن وقبل النسب، وقيل: بالعكس.

وليس في (الشرحين) ولا في (الروضة) تصريح بترجيح.

والمقيم أولى من المسافر، والبالغ أولى من الصبي وإن كان أفقه وأقرأن لأنه مجمع على صحة الاقتداء به، فإن أورد على هذا إمامة عمرو بن سلمة بقومه .. فالجواب: أنه كان أكثرهم قرآنًا.

وإمام المسجد أحق من غيره، وباني المسجد لا يكون أحق بإمامته والتأذين فيه خلافًا لأبي حنيفة.

قال: (فإن استويا) أي: في جميع الصفات المذكورة (.... فنظافة الثوب والبدن، وحسن الصوت، وطيب الصنعة ونحوها) أي: من الفضائل كحسن الوجه والسمنت والذكر بين الناس؛ لأنها تقتضي استمالة القلوب وكثرة الجمع.

وفي (الشرح المهذب) أحسنهم ذكرًا ثم صوتًا ثم هيئة؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) رواه أبو داوود [1463] والنسائي [2/ 179] وروي: (حسنوا) قيل: معناه: زينوا أصواتكم بالقرآن.

ص: 364

وَمُسْتَحِقُّ اَلْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ وَنَحوِهِ أَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً

ــ

وروى مسلم: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن).

أي: يحسن صوته به.

فإذا استويا من كل وجه وتشاحًا .. أقرع بينهما لطع النزاع.

قال: (ومستحق المنفعة بملك ونحوه أولى) أيك إذا كان أهلاً للإمامة، سواء كان غيره أكمل منه أم لا؛ لما تقدم من قوله صلي الله عليه وسلم:(لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه).

وفي رواية صحيحة ذكرها البغوي في (شرح السنة): (لا يؤمن رجل رجلاً في بيته).

ومراده بـ (الملك): ملك المنفعة، سواء كان مالكًا للرقبة أم لم يكن، كالمستأجر والموقوف عليه والموصى له بها.

قال الشيخ: واقتضى منطوق كلام المصنف .. أن المستأجر مقد على المالك.

وهو أصح الوجهين.

واقتضى منطوه ومفهومه معًا .. أن المعير مقدم على المستغير؛ فإنه يستحق الانتفاع لا المنفعة .. وهو الأصح عند الرافعي.

والثاني: أن المستعير أولى، وهو الذي رجع إليه القفال آخرًا، واقتصر عليه صاحب (التهذيب)، وهو المختار.

قال: وجمهور العماء على أنه إذا أذن .. فلا بأس؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إلا أن يأذن له).

ويلزم الرافعي إن جمل البيت في الحديث على الملك .. تقديم المؤجر ولم يقل به، وأن حمله على المسكن .. تقديم المستعير ولم يقل به.

قال: (فإن لم يكن أهلاً) أي: لإمامة الحاضرين كامرأة أو خنثى لرجال، أو لم يكن أهلاً للصلاة مطلقًا كالكافر.

ص: 365

فَلَهُ اَلْتَّقْدِيمُ، وَيُقَدَّمُ عَلَى عَبْدِهِ اَلْسَّاكِنِ، لَا مُكَاتَبِهِ فِي مِلْكِهِ. وَاَلأَصَحُّ: تَقْدِيمُ اَلْمُكْتَرِي عَلَى اَلْمُكْرِي، وَاَلْمُعِيرِ عَلَى اَلْمُسْتَعِيرِ. وَاَلْوَالِي فِي مَحَلِّ وَلَايَتِهِ أَوْلَى مِنَ اَلأَفْقَهِ وَاَلْمَالِكِ

ــ

فال: (.. فله التقديم) أي: لا لغيره؛ لأنه محل سطانه. فإن كان صبيًا أو مجنوبًا .. استؤذن ويه.

قال: (ويقدم على عبده الساكن)؛ لأن العبد والمسكن له، وهذا لا خلاف فيه سواء كان العبد مأذونًا أو غير مأذون.

وصورة المسألة: أن يكون العبد ساكنًا في ملك السيد، فلرو كان ساكنًا في غير ملك السيد .. فالمتجه: تقديم السيد أيضًا.

ومفهوم كلام المصنف: أن المبغض مقدم على السيد فيما ملكه ببعضه الحر، وهو ظاهر.

قال: (لا مكاتبه في ملكه) أي: في ملك المكاتب؛ لاجتماع المسكن والملك المكاتب، وإن كان في ملك المكاتب وجه بعيد.

قال: (والأصح: تقديم المكتري على المكري)؛ لآنه مستحق المنفعة.

والثاني: المالك؛ لأنه مالك الرقبة وملكها أقوى من ملك المنفعة.

والخلاف جار في الموصى له بالمنفعة مع مالك الرقبة، وفي الموقوف عليه مع الواقف إذا ملكنا الواقف.

ومراد المصنف: المكتري لنفسه، فلو اكترى لغيره .. لم يقدم بلا خلاف؛ لأنه في هذه الحالة لا يملك المنفعة.

قال: (والمعير على المستعير)؛ لأنه قادر على منع المستعير من الانتفاع.

والثاني: المستعير؛ لأن السكنى له في الحال.

قال: (والوالي في محل ولايته أولى من الأفقه والمالك)؛ للحديث المتقدم. ويلزم من تقديمه عليها تقديمه على غيرهما. فإن لم يتقدم .. قدم من شاء ممن يصلح للإمامه وإن كان غيره أصلح منه؛ لأن الحق فيها له فاختص بالتقديم.

ص: 366

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويراعى في الولاء تفاوت الدرجة، فيكون الأعلى فالأعلى منهم أولى.

وفي قوله غريب: أن المالك أولى من الإمام الأعظم.

فرع:

لا يكره أن يؤم من فيهم أبوه أو أخوه الأكبر؛ لأن الزبير كان يصلي خلف ابنه عبد الله، وأنس كان يصلي خلف ابنه، و (أمر النبي صلي الله عليه وسلم عمرو بن سلمة أن يصلي بقومه وفيهم أبوه).

فرع:

إمامة ولد الزنا ومن لا يعرف أبوه خلاف الأولى، وأطلق جماعة أنها مكروهة، وما قالوه من الكراهة صورته: أن يكون ذلك في ابتداء الصلاة ولم يساوه المأموم، فإن ساواه أو وجده قد أحرم فاقتدى به .. فلا بأس.

تتمة:

يكره أن يؤم الرجل قومًا وأكثرهم له كارهون؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون) رواه الترمذي [360] وقال: حسن غريب، وروى البيهقي في (الشعب): أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تقبل صلاتهم: رجل أمن قومًا وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارًا، ورجل باع محررًا).

وجزم الشيخان في (الشهادات) بتحريم ذلك وهو المنصوص، أما إذا كرهه أقلهم أو نصفهم .. فلا كراهة.

والاعتبار في الكراهة بأهل الدين، حتى قال في (الإحياء) [1/ 173]: لو كان الأقلون أهل الدين .. فالاعتبار بهم. هذا إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعًا كظلمه، أو

ص: 367