المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: يَجُوزُ اَلْجَمْعُ بَيْنَ اَلْظُّهْرِ وَاَلعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَاخِيرًا - وَاَلْمَغْرِبِ وَاَلْعِشَاِء - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: يَجُوزُ اَلْجَمْعُ بَيْنَ اَلْظُّهْرِ وَاَلعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَاخِيرًا - وَاَلْمَغْرِبِ وَاَلْعِشَاِء

‌فَصْلٌ:

يَجُوزُ اَلْجَمْعُ بَيْنَ اَلْظُّهْرِ وَاَلعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَاخِيرًا - وَاَلْمَغْرِبِ وَاَلْعِشَاِء كَذَلِكَ

ــ

وهو الأكثر من فعل النبي صلي الله عليه وسلم.

هذا إذا لم يشك في جواز الفطر، أو يكره الأخذ به، أو رغب عن الرخصة، أو كان ممن يقتدي به .. فالفطر له أفضل كما تقدم.

وقيل: الفطر أفضل مطلقًا؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (ليس من البر الصوم في السفر) رواه الشيخان (خ 1946 - م 1115] من حديث جابر، وهو محمول على من أجهده الصوم.

وأما أمره صلي الله عليه وسلم بالفطر في غزوة الفتح، وقوله في الصائمين في ذلك اليوم:(أولئك العصاة) .. فذلك لأجل ملاقاة العدو، ولهذا:(كانت الصحابة بعد ذلك يصومون مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في السفر)، كما رواه مسلم في (صحيحه).

تتمة:

الرخص ثلاثة أقسام:

أحدها: ما يجب فعله وهو: إساغة اللقمة بالخمر إذا لم يجد غيرها وأكل الميتة عند خوف الهلاك على الصحيح.

والثاني: تركها أفضل وهي: المسح على الخف، والجمع بين الصلاتين، والتيمم لمن لم يجد الماء إلا بأكثر من قيمته وهو قادر عليه، وإتيان الجماعة والجمعة مع العذر، والصوم في السفر لمن لم يتضرر به.

الثالث: رخصة فعلها أفضل، كالإبراد بالظهر في الحر، والقصر والإتمام على ما تقرر فيه من الخلاف والتفصيل، وقد تقدم في (باب مسح الخف) عد رخص السفر الطويل والقصير.

قال: (فصل:

يجوز الجمع بين الظهر والعصر تقديمًا وتأخيرًا، والمغرب والعشاء كذلك)؛ لما روى الشيخان [خ 111 - م 704] عن أنس: (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا

ص: 431

فِي اَلْسَّفَرِ اَلْطَوِيلِ،

ــ

ارتحل قبل أن تزيغ الشمس .. أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما).

وعنه عن النبي صلي الله عليه وسلم: (أنه كان إذا عجل عليه السفر .. يؤخر الظهر إلى وقت العصر، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق).

وروى أبو داوود [1201] والترمذي [553] عن معاذ: (أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يجمع في سفره إلى تبوك تقديمًا وتأخيرًا)، حسنه الترمذي، وصححه البيهقي [3/ 163].

وأشار بقوله: (يجوز) إلى أن الأفضل ترك الجمع، ويصلي كل صلاة في وقتها خروجًا على الخلاف، ولأن من جمع .. أخلى وقت العبادة منها.

لكن يستثنى من ذلك: الجمع بجمع؛ فإذنه أفضل خروجًا من خلاف أبي حنيفة والمزني، والمتحيرة؛ فإنه لا يجوز لها تقديمًا كما تقدم، والراغب عن الرخصة، والكاره لها كما تقدم، ومن لو جمع .. لصلى في جماعة ولو ترك .. لانفراد، وكذا دائم الحدث إذا كان بحيث لو جمع تقديمًا أو تأخيرًا .. تخلى عن خروج الحدث، ولو تركه لجرى في وقت إحداهما، وكذا لو خاف فوت الوقوف بعرفة، أو فوت استنفاذ الأسير ونحو ذلك لو ترك الجمع.

وعلم بقوله: (الظهر والعصر والمغرب والعشاء) منع الجمع بين الصبح وغيرها، وبين العصر والمغرب، وذلك إجماع.

وأشار بقوله: (كذلك) إلى التقديم والتأخير.

قال: (في السفر الطويل)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يجمع إلا فيه، وبالقياس على القصر المتفق عليه.

ص: 432

وَكَذَا اَلْقَصِيرُ فِي قَوْلٍ. فإَنِ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ اَلْأوَلَى. فَتَاخِيرُهَا أَفْضَلُ، وَإِلَاّ .. فّعَكْسُهُ. وَشُرُوطُ اَلْتَقْدِيِم ثَلَاثَةٌ: اَلْبُدَاءَةُ بِاَلأُولَى، فَلَوْ صَلَاّهُمَا قَبَانَ فسَاَدهُاَ .. فَسَدَتِ اَلْثَّانِيَةُ. وَنِيَّةُ اَلْجَمْعِ، وَمَحَلَّهَا: أَوَّلُ اَلأُوَلَى، وَتُجوٌز فِي أَثْنَائِهَا فِي اَلأَظْهَرِ

ــ

قالب: (وكذا القصير في قول)؛ قياسًا على التنقل على الراحلة، والصحيح عند الجهور: الأول كالقصر.

قال: (فإن كان سائرًا وقت الأولى .. فتأخيرها أفضل، وإلا .. فعكسه)؛ اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم، ولأنه أرفق بالمسافر.

قال: (وشروط التقديم ثلاثة: البداءة بالأولى)؛ لأن ذلك هو المأثور، ولأن وقت الثانية لم يدخل، وإنما تفعل تبعًا للأول والتابع لا يتقدم على متبوعة.

قال: (فلو صلاهما فبان فسادها .. فسدت الثانية)؛ لفوات الشرط. وإطلاق فساد الثانية وقع أيضًا في (الشرحين) و (الروضة). والمراد: بطلان كونها عصرًا أو عشاء لا أصل الصلاة، بل تنعقد نافلة على الصحيح كما إذا أحرم بالفرض قبل وقته جاهلاً بالحال.

قال: (ونية الجمع)؛ لتتميز عن تقديمها سهوًا.

وجوز المزني وبعض الأصحاب أن يأتي بالثانية عقب الأولى من غير نية الجمع؛ لأن الجمع بفعله قد حصل.

قال: (ومحلها: أول الأولى) أي: مع التحرم قياسًا على نية القصر بجامع: أنهما رخصتا سفر.

قال: (وتجوز في أثنائها في الأظهر)؛ لأن الجمع: ضم الثانية إلى الأولى، فيحصل الغرض بتقديم النية على حالة الضم.

والثاني: يشترط عند التحريم كنية القصر.

وفي قول مخرج وقيل منصوص: أنه يجوز بعد الفراغ من الأولى وقبل الشروع في الثانية، وقواه في (شرح المهذب).

ص: 433

وَالَمُوَالَاةُ بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ، فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ .. وَجَبَ تَاخِيرُ اَلْثَّانِيَةِ إِلَى وَقْتِهَا، وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ، وَيُعْرَفُ طوُلُهُ بِاَلْعُرْفِ. وَلِلْمُتَيَمِّمِ اَلْجَمْعُ عَلَى اَلصَّحِيحِ،

ــ

فلو نوى الجمع ثم نوى تركه في أثناء الأولى، ثم نوى لجمع ثانيًا .. ففيه القولان.

و (الأثناء) جمع ثني وهو: ما بين الطرفين.

قال: (والموالاة بأن لا يطول بينهما فصل)؛ لأنه المأثور عن النبي صلي الله عليه وسلم، ولهذا:(ترك الرواتب بينهما).

وفي وجه: يجوز الجمع وإن طال الفصل ما لم يخرج وقت الأولى.

وفي (الكفاية) عن الاصطخري: جواز الفصل بالنافلة، والأحاديث الصحيحة ترد عليه.

قال: (فإن طال ولو بعذر) كالسهو والإغماء (.. وجب تأخير الثانية إلى وقتنها)؛ لفوات شرط الجمع.

قال: (ولا يضر فصل يسير)؛ ففي (الصحيحين)[خ 139 - م 1280/ 276] عن أسامة: (أن النبي صلي الله عليه وسلم لما جمع بنمرة .. أقام بينهما).

قال: (ويعرف طوله بالعرف)؛ لأنه لا ضابط له في الشرع، ولا في اللغة، فما عده العرف تفرقه .. ضر، وإلا .. فلا.

وضبطه القاضي حسين بقدر ماي تخلل بين الإيجاب والقبول، وبين الإقامة والصلاة، وبين الخطبتين.

وقيل: ما زاد على قدر الإقامة.

وقيل: لا تجب الموالاة أصلاً.

قال: (وللمجتمع الجمع على الصحيح) كالمتوضئ.

ص: 434

وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ طَلَبٍ خَفِيفٍ. وَلَوْ جَمَعَ ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ رُكْنٍ مِنَ الأُولَى .. بَطَلَتَا وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا، أَوْ مِنَ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ .. تَدَارَكَ، وَإِلَاّ .. فَبَاطِلَةٌ وَلَا جَمْعَ، وَلَوْ جَهِلَ .. أَعَادَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا

ــ

وقال أبو إسحاق: لا يجوز؛ لأنه يحتاج إلى اطلب.

قال: (ولا يضر تخلل طلب خفيف) أشار به إلى خلاف أبي إسحاق، لأنه من مصلحة الصلاة فأشبه الإقامة، بل أولى؛ لأنه شرط دونها.

ولا يضر الفصل بالوضوء قطعًا.

قال: (ولو جمع ثم علم ترك ركن من الأولى. وبطلتا) أما الأولى .. فلترك الركن وتعذر التدارك؛ لطول الفصل بالصلاة التي أبطلناها، وأما الثانية .. فلأن شرط صحتها تقدم الأولى والأولى باطلة، وهذه تقدمت في قوله:(فلو صلاهما فبان فسادها .. فسدت الثانية).

ويعتذر عنه بأنه ذكرها أولاً، لبيان الترتيب، وثانيًا، لبيان الموالاة، وتوطئة لقوله عقبه:(أو من الثانية).

قال: (ويعديهما جامعًا)؛ لأنه لم يصل.

هذا إذا كان العلم بعد الفراغ كما أشار إليه بـ (ثم)، فأما إذا كان في أثناء الثانية .. فحكمه كذلك إن طال الفصل، وإن لم يطل .. لم يصح إحرامه بالثانية ويبني على الأولى.

قال: (أو من الثانية، فإن لم يطل .. تدارك) وحينئذ تمضي الصلاتان على الصحة.

قال: (وإلا .. فباطلة ولا جمع)؛ لحصول الفصل الطويل، فيعيد الصلاة الثانية في وقتها.

قال: (ولو جهل .. أعادهما لوقتيهما)؛ لاحتمال أن يكون المتروك من الأولى، ولا يجوز الجمع لاحتمال كونه من الثانية .. فتقضيان في وقتيهما.

وقيل: له الجمع كما لو أقيمت الجمعتان في بلد ولم تعرف السابقة منهما .. فإنه تجوز إعادة الجمعة في قول.

ص: 435

وَإِذَا أَخَّرَ اَلأُولَى .. لَمْ يَجِبِ اَلْتَرْتِيبُ وَاَلْمُوَالَاةُ ونِيَةٌ اَلْجَمْعِ عَلَى اَلْصَّحِيحِ، وَيَجِبُ كَوْنَ اَلْتَاخِيرِ بِنِيَّةِ اَلْجَمْعِ، وَإِلَاّ .. فَيَعْصِىِ وَتَكُوُن قَضَاءً

ــ

قال: (وإذا أخر وجوب الترتيب .. فلأن الوقت للثانية فلا تجعل تابعة.

وأما عدم وجوب الموالاة .. فلما روى الشيخان (خ 139 - م 1280/ 276] عن أسامة: (أن النبي صلي الله عليه وسلم لما دفع من عرفة إلى المزدلفة .. نزل فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم صلى العشاء).

وأما نية الجمع .. فالخلاف فيها مبني على الخلاف في اشتراط الموالاة.

وفي وجه: يجب ذلك في الجمع تأخيرًا كما لو جمع تقديمًا.

والمصنف صحح في المسائل الثلاث عدم الاشتراط كما صححه في (الروضة) وهو الصواب.

وجزم في (المحرر) باشتراط نية الجمع، وهو سهو تبعه علهي في (الحاوي الصغير).

ونبه عليه في (الدقائق) فقال لم يقل بما في (المحرر) أحد، بل في المسألة وجهان:

الصحيح: أن الثلاث سنة.

والثاني: أن الثلاث كلها واجبة.

قال: (ويجب كون التأخير بنية الجمع)، تمييزًا له عن التأخير تعديًا.

قال: (وإلا .. فيعصي وتكون قضاء)، لإخراجه الصلاة عن وقتها بغير نية. وتوقف الشيخ في عصيانه؛ لأن الوقتين للجامع كالوقت الواحد، ولم ينقل أن النبي صلي الله عليه وسلم أمرهم ليلة مزدلفة ينووا التأخير للجمع، وقد كان معه من يخفي عليه ذلك بلا شك وهو إشكال قوي.

واقتضت عبارة المصنف .. أنه يجوز أن يؤخر هذه النية إلى أن يبقى من الوقت

ص: 436

وَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا، فَصَارَ بَيْنَ اَلْصَّلَاتَيْنِ مُقِيمًا .. بَطَلَ اَلْجَمْعُ، وَفِي اَلثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا .. لَا يَبْطُلُ فِي اَلأَصَحِّ،

ــ

مقدار يسع ركعة فينوي إذ ذاك، وبه صرح في (الروضة) تبعًا لـ (أصلها).

وجواز التأخير إلى هذا الحد ممنوع، فإنهما صرحا في (باب المواقيت) بأنه لا يجوز التأخير إلى هذا الوقت.

والصواب: أنه لا يجوز تأخيرها عن الوقت الذي يسعها، وبه جزم في شرحي (المهذب) و (مسلم)، والشيخ في (التنبيه) وأقره عليه في (تصحيحه).

وفي (الكفاية) وجه: أنه يجوز التأخير إلى مقدار تكبيره.

وقال في (الإحياء): لو نسى النية حتى خرج الوقت .. لم يبطل الجمع؛ لأنه معذور.

قال: (ولو جمع تقديمًا، فصار بين الصلاتين مقيمًا .. بطل الجمع)؛ لزوال سببه، فيتعين تأخير الثانية إلى وقتها، وأما الأولى

فلا تأثير بذلك.

وعلم من كلامه أنه إذا صار مقيمًا في أثناء الليلة .. كان ببطلان الجمع أولى.

ولا يخفي أن الشك في صيرورته مقيمًا .. حكمه حكم نية الإقامة.

قال: (وفي الثانية وبعدها .. لا يبطل في الأصح) أشار إلى مسألتين:

الأول: إذا أقام في أثناء الصلاة الثانية .. فإن الجمع لا يبطل في الأصح؛ لأن أولهما قد اقترن بالعذر، فاكتفى بذلك صيانة لفرضه عن البطلان.

والثاني: يبطل قياسًا على القصر.

وعلى هذا: إن كان عالمًا .. بطلت، وإلا .. انقلبت نقلاً.

الثانية: إذا صار مقيمًا بعد الفراغ من الثانية .. فإن الجمع لا يبطل أيضًا على الأصح؛ لأن الرخصة قد تمت، فأشبه ما إذا قصر ثم طرأت الإقامة .. فإنه لا يلزمه الإتمام.

والوجه الثاني: يبطل؛ لأنها مقدمة على وقتها، فإذا زال المقتضى وأدرك وقتها .. وجبت الإعادة كما لو عجل الزكاة فخرج الفقير قبل الحول عن الشرط المعتبر.

ص: 437

أَوْ تَاخِيرًا، فَأَقَامَ بعَدْ فَرَاغِهِمَا .. لَمْ يُؤَثِّرْ، وَقَبْلَهُ .. يَجْعَلُ اَلُأولَى قَضَاءً .. وَيَجُوزُ اَلجَمْعُ بِاَلْمَطَرِ

ــ

وقيل: تقدح الإقامة فليها، ولا تقدح فيما بعدها.

قال: (أو تأخيرًا، فأقام بعد فراغهما .. لم يؤثر) بالإجماع.

قال: (وقبله) أي: قبل فراغهما، وحينئذ فيدخل فيه أثناء الثانية.

قال: (

يجعل الأولى قضاء)؛ لأنها تبع للثانية هنا، فاعتبر وجود السبب في جميعها كذا علله الرافعي.

قال الشيخ: (وهذا التعليل منطبق على تقديم الأولى، فلو عكس وأقام في أثناء الظهر .. فقد وجد السبب في جميع المتبوعة وأول التابعة، فقياس ما سبق في جمع التقديم: أنها أداء في الأصح، قال: وحينئذ ترد هذه الصورة على لفظ الكتاب وعلى الرافعي أ. هـ.

والذي في (شرح المهذب): إن أقام بعد فراغ الأولى .. صارت قضاء، أو في أثناء الثانية .. فينبغي أن تكون الأولى أداء بلا خلاف .. أهـ.

وهذا مخالف لما تقدم من ظاهر كلام (المنهاج) و (الروضة) و (أصليهما).

قال: (ويجوز الجمع بالمطر) أي: بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وكذا بين الجمعة والعصر، بالشروط السابقة؛ لما روى أبو داوود [1203] عن ابن عباس أنه قال:(صلى رسول الله صلي الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، من غير خوف ولا سفر)، قال مالك: أرى ذلك كان في المطر، رواه مسلم [705] بدون كلام مالك.

ووقع في (الوسيط): أن الشافعي قال ذلك.

والمشهور: أن الشافعي نقله عن مالك واستأنس بقوله كما استأنس بقوله ابن جريج في تحديد القلتين.

ومنع أبو حنيفة الجمع بالمطر مطلقًا.

ص: 438

تَقْدِيمًا، وَاَلْجَدِيدُ: مَنْعُهُ تَاخِيرًا. وَشَرْطُ اَلْتَقْدِيمِ: وُجُودُهُ أَوَّلَهُمَا، وَاَلأَصَحٌ: اَشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلَامِ اَلأَولَى

ــ

وفي قول غري ضعيف: اختصاص الجمع بالمغرب مع العشاء؛ لأجل الظلمة وإليه ذهب أحمد.

والمذهب: جوزاه في الجمع.

والتعليل بـ (الظلمة) يبطل بجوازه في الليلة المقمرة.

والمراد بـ (المطر): ما يبل الثوب؛ لأن الشافعي قال: ويجمع من قليل المطر وكثيرة.

واشترط القاضي حسين والمتولي: أن يكون المطر وابلاً بحيث يبل الثوب من الأعلى والنعل من الأسفل، ويحصل به الوحل في الطريق.

قال: (تقديمًا) أي: مطلقًا؛ إتباعًا لما ورد، وفي (الإبانة) حكاية خلاف فيه، وغلطة الأصحاب.

قال: (والجديد: منعه تأخيرًا)؛ لأن المطر قد ينقطع فيؤدي إلى الجمع بغير وجود عذر.

والقديم - وهو منصوص في الجديد أيضًا -: الجواز قياسًا على الجمع بعذر السفر.

قال: (وشرط التقديم: وجوده أولهما) أي: أولى الصلاتين، ليتحقق الجمع مع العذر، ولا يضر انقطاعه فيما عدا ذلك.

قال: (والأصح: اشتراطه عند سلام الأولى)؛ ليتحقق اتصال آخر الأولى بأول الثانية في حال العذر.

والثاني: لا يشترط، ونقله في (النهاية) عن معظم الأصحاب، كما في الركوع والسجود.

وقيل: إن افتتح الأولى، ولا مطر، فطرَأ في أثنائها .. ففيه القولان في نية الجمع في أثناء الأولى.

ص: 439

وَاَلثَّلْجُ وَاَلْبَرَدُ كَمَطَرِ إِنْ ذَابَا، وَالأَظْهَرُ: تَخْصِيصُ اَلْرُّخْصَةِ بِمُصَلَّ جَمَاعَةّ بِمَسْجِدِ بَعِيِدٍ يَتَأَذَّىَ بِاَلْمَطَرِ فِي طَرِيِقِهِ

ــ

قال الشيخ: وهو قوي مع غرابته.

ولو قال لشخص بعد سلامة من الأولى: انظر هل انقطع المطر أو لا؟ .. بطل الجمع؛ لشكه في سببه.

قال: (والثلج والبرد كمطر إن ذابا)؛ لتضمنهما العذر المبيح وهو: ما يبل الثوب، فإن لم يذوبا .. فالأصح: أنهما لا يبيحان؛ لأن الرخصة متعلقة بالمطر دون الثلج والبرد، اللهم إلا أن يكون البرد قطعًا كبارًا .. فإنه يجوز الجمع بذلك كما قاله في (الشامل)، وانعكس النقل على الرافعي في ذلك.

وقيل: إن الثلج والبرد لا يرخصان؛ لأن السنة إنما وردت في المطر، وهو خارج عن القياس فلا يقاس عليه.

والشفان - بفتح الشين وتشديد الفاء: ريح باردة فيها نداوة، فإذا بل الثوب .. جاز الجمع به، وكان له حكم المطر؛ لتضمنه القدر المبيح.

وقول الرافعي: إن الشفان مطر وزيادة أنكره عليه المصنف وقال: إنه ليس بمطر فضلاً عن كونه وزيادة.

قال: (والأظهر: تخصيص الرخصة بمصل جماعة بمسجد بعيد يتأذى بالمطر في طريقه)؛ لأن الجمع إنما جوز للمشقة وهي موجودة، فإن صلى في بيته منفردًا أو في جماعة، أو صلى في مسجد منفردًا، أو كان المسجد على باب داره، أو بعد وكان يمشي في كن .. فلا جمع على الأصح لانتفاء المشقة.

والثاني: لا يختص بذلك بل يجمع مطلقًا؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يجمع وبيوت زوجاته في المسجد.

ص: 440

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ورجح في (الروضة) كون الخلاف وجهين، وفي (شرح المهذب) كونهما قولين.

لكن يستثنى من إطلاقه من خرج إلى المسجد ولا مطر فحصل المطر وهو فيه .. قال الشيخ محب الدين الطبري: الظاهر القطع فيه بجواز الجمع؛ لأنه لم يجمع .. لاحتاج إلى صلاة العصر أيضًا في الجماعة وفيه مشقة؛ إما في رجوعه إلى بيته ثم عوده إلى المسجد، وإما في الإقامة في المسجد.

تتمة:

المذهب: امتناع الجمع بغير ما ذكر، فلا يجمع بمرض ووحل وخوف لا تقديمًا ولا تأخيرًا.

وأدعى الإمام الإجماع على امتناعه بالمرض، واختار القاضي والمتولي جوازه بالخوف والمرض، وجوزه الخطابي بالوحل المرض، واستحسنه الروياني، واختاره المصنف في المرض للحديث الصحيح:(أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر)، وسيأتي في (باب حد الخمر) شيء يتعلق به.

وروى أحمد [6/ 381 - 382] والبيهقي في (المعرفة)[2191]: (أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر حمنة بنت جحش، وسهلة بنت سهيل بن عمرو بالجمع بين الصلاتين لأجل الاستحاضة)، وهو نوع مرض واختاره ابن المنذر.

وأجاز أحمد بعذر الوحل كما تسقط به الجمعة. والفرق: أن تارك الجمعة يصلي بدلها الظهر، وترك الوقت للجمع لا بدل له.

* * *

ص: 441

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتمة

إذا جمع الظهر والعصر .. قال الرافعي: صلى سنة الظهر ثم سنة العصر، ثم يأتي بالفريضتين، وفي المغرب والعشاء بالعكس.

وضعف المصنف ما قاله في الظهر والعصر وقال: الصواب: أنه يصلي سنة الظهر التي قبلها، ثم يجمع الفريضتين ثم يصلي سنة الظهر التي بعدها، ثم سنة العصر؛ لأن سنة الظهر المتأخرة لا تصلي قبل فعل الظهر، وكذا سنة العصر لعدم دخول وقتها.

* * *

ص: 442