الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
إِنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ، وَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ
ــ
تتمة:
إذا أحرم بصلاة مكروهة في هذا الأوقات .. ففي الانعقاد وجهان، أصحهما عند الشيخين والأكثرين: عدم الانعقاد، وينبني عليهما ما لو نذر أن يصلي في هذه الأوقات، هل تصح؟ فإن قلنا: تنعقد .. صح ويصليها فيها، والأولى أن يصليها في غيرها، كمن نذر أن يضحي بشاة بسكين مغصوبة .. يصح نذره ويذبحها بغير مغصوبة، فإن ذبحها بها .. عصى وأجزأه.
والثاني: لا يصح.
أما لو نذر صلاة مطلقة .. فله أن يصليها في هذه الأوقات قطعًا.
قال: (فصل:
إنما تجب الصلاة على كل مسلم)، فالكافر الأصلي لا يطالب بها في الدنيا- وإن قلنا: إنه مكلف بفروع الشريعة على الأصح؛ لتضعيف العقاب عليه في الآخرة- وإن كان في الدنيا مخاطبًا بإيجاب الحدود، والمؤاخذات كالطلاق والظهار والكفارات.
قال: (بالغ عاقل)؛ لرفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق. رفعه أبو داوود [4398] وغيره بإسناد صحيح.
قال: (طاهر)، فلا تجب على حائض ونفساء بالإجماع، كما سبق في (باب الحيض).
قال: (ولا قضاء على كافر) المراد: من كان كافرًا وأسلم؛ لقوله تعالي: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} . ولأن في وجوب القضاء عليهم تنفيرًا عن الإسلام ومشقة شديدة، وإذا أسلم .. أثيب على ما كان يعمله من القرب التي لا تحتاج إلى النية، كالعتق والصدقة والصلة ونحو ذلك.
إِلَاّ الْمُرْتَدَّ. وَلَا الصَّبِيِّ، وَيْؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ.
ــ
قال: (إلا المرتد)، فإنه يلزمه قضاء ما فات في الردة؛ لأنه اعتقد وجوبها، وقدر على التسبب إليه، فهو كالمحدث.
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وداوود: لا يلزم المرتد إذا أسلم قضاء ما فات في الردة، ولا في الإسلام قبلها، وجعلوه كالكافر الأصلي يسقط عنه بالإسلام ما سلف؛ لقوله تعالى:{قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} .
فرعان:
الأول: لو صلى المسلم ثم ارتد، ثم أسلم ووقت الصلاة باق. لم تجب إعادتها.
الثاني: المرتدة لا تقضي زمن الحيض ونحوه، بخلاف الجنون ونحوه؛ لأن إسقاط الصلاة عن الحائض عزيمة، وعن المجنون رخصة والمرتد ليس من أهلها.
والواقع في (شرح المهذب) من أنها: لا تقضي زمن الجنون .. سهو.
قال: (ولا الصبي)؛ لرفع القلم عنه كما تقدم.
قال: (ويؤمر بها لسبع، ويضرب عليها) أي: على تركها (لعشر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه أبو داوود [496] والترمذي [407] وابن خزيمة [1002] والحاكم [1/ 197].
ولا فرق بين الصبي والصبية، فيجب على الآباء وإن علوا وعلى الأمهات والأوصياء والقوام تعليم الأطفال الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع، كتحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة والنميمة، والوظائف الدينية كحضور الجماعات وأن يضربوهم على تركها بعد العشر.
وَلَا ذِي حَيْضٍ،
ــ
وعلى السيد أن يعلم رقيقه البالغ ما لا تصح الصلاة إلا به، أو يخليه ليتعلم.
وإنما قدر بسبع؛ لأن التمييز غالبًا يحصل عندها.
ولا يقتصر في ذلك على صيغة الأمر، بل لابد من التهديد، قاله المحب الطبري.
وخص الضرب بالعشر؛ لأنه مظنة البلوغ، ولأنه حينئذ قوي واحتمل.
والمراد بالسبع والعشر استكمالها، وقيل: ابتداؤهما.
و (المميز): من يأكل وحده، ويشرب وحده، ويستنجي وحده.
وفي (أبي داوود)[498] أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: متى يصلي الصبي؟ قال: (إذا عرف شماله من يمينه)، والمراد: عرف ما يضره وما ينفعه.
فروع:
مقتضى كلام (الروضة) في (باب التعزير): أن الزوج ليس له ضرب زوجته على ترك الصلاة، لكن في (فتاوى ابن البرزي): أنه يجب عليه أمرها بالصلاة في أوقاتها وضربها عليها.
ويؤمر الصبي بقضاء الصلوات كما يؤمر بأدائها ما لم يبلغ، فإذا بلغ .. لم يؤمر بها، قاله الشيخ عز الدين في (مختصر النهاية) في (باب اللعان).
وأجرة تعليم الفرائض في مال الصبي، فإن لم يكن .. فعلى من تلزمه نفقته. والأصح في زوائد (الروضة): أنه يجوز أن يصرف من ماله أجرة ما سوى الفرائض من القرآن والآداب.
قال: (ولا ذي حيض) بالإجماع، وكذلك النفساء ولو كانت مرتدة كما تقدم.
وقيل: إن تسببت في إلقاء الولد .. قضت، وهذه تقدمت في (باب الحيض).
أَوْ جُنُونٍ، أَوْ إِغْمَاءٍ، بِخِلَافِ الشُّكْرِ. وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الأَسْبَابُ وَبَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ تَكْبِيرَةٌ .. وَجَبَتِ الصَّلَاةُ،
وَلَا ذِي حَيْضٍ،
ــ
قال: (أو جنون، أو إغماء)؛ لورود النص في المجنون، وقيس عليه كل من زال عقله بسبب يعذر فيه.
وإنما وجب قضاء الصوم على من أغمي عليه جميع اليوم؛ لأن الصلوات الفائتة بالإغماء قد تكثر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم، لكن يستثنى ما إذا طرأ الجنون على الردة .. فإنه يجب قضاء أيام الجنون الواقعة في الردة كما تقدم.
وأما إذا طرأ الجنون على السكر العاصي به .. فإنه يجب قضاء المدة التي ينتهي إليها سكره.
قال: (بخلاف السكر) أي: إذا كان مختارًا عالمًا بكونه مسكرًا؛ فإنه لا تصح صلاته في تلك الحالة، فإذا عاد عقله .. لزمه القضاء.
فلو أكره عليه أو جهل كونه مسكرًا .. فلا قضاء.
قال المصنف: وهذه الحشيشة المعروفة حكمها حكم الخمر في وجوب قضاء الصلوات.
فإن قيل: لو ألقى نفسه من شاهق فانكسرت رجله وصلى قاعدًا .. لا قضاء عليه مع عصيانه .. فالجواب: أنه بسقوطه انتهت معصيته، فهو غير عاص في دوام القعود، وليس كذلك شارب المسكر.
قال: (ولو زالت هذه الأسباب) أي: الكفر الأصلي والصبا والجنون والحيض والنفاس، وهي أحسن من قول (المحرر): هذه الموانع؛ لأن من جملتها الصبا، وليس بمانع من الفعل، وإنما هو سبب لعدم الوجوب.
قال: (وبقي من الوقت تكبيرة .. وجبت الصلاة)؛ لأن الإدراك الذي يتعلق به الإيجاب يستوي فيه قدر الركعة ودونها، كما أن المسافر إذا اقتدى بمقيم في جزء يسير من الصلاة .. لزمه الإتمام.
وتردد الشيخ أبو محمد في إدراك بعض تكبيرة.
وَفِي قوْلٍ: تُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ. وَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ آخِرَ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ آخِرَ الْعِشَاءِ. وَلَوْ بَلَغَ فِيهَا .. أَتَمَّهَا وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ،
ــ
قال: (وفي قول: تشترط ركعة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة .. فقد أدركها) متفق عليه [خ580 - م607]. فمفهومه: أن ما دون الركعة بخلافه.
والمعتبر في الركعة أخف ما يمكن، وعن الشيخ أبي محمد ركعة مسبوق.
والمصنف أطلق الوجوب، وشرطه بلا خلاف: أن تمتد السلامة من الموانع قدر إمكان تلك الصلاة والطهارة، فلو عاد المانع قبل ذلك .. لم تجب.
قال: (والأظهر: وجوب الظهر بإدراك تكبيرة آخر العصر، والمغرب آخر العشاء)؛ لاشتراكهما في الوقت في حال العذر، ففي حال الضرورة أولى، وهذا هو الجديد، وأحد قولي القديم، ونقله البيهقي عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف، والفقهاء السبعة.
والثاني- وهو القديم-: لا يجب الظهر مع العصر إلا بإدراك أربع ركعات زائدة على ما تجب به العصر، ولا المغرب إلا بإدراك ثلاث زائدة على ما تجب به العشاء، ومجموعة ما في المسألة اثنان وثلاثون قولًا ووجهًا.
واحترز المصنف عن الصلاة التي لا تجمع مع ما قبلها، وهي الصبح والظهر والمغرب، فإذا زال العذر في آخرها .. وجب فقط؛ لانتفاء العلة السابقة وهي: الاشتراك في الوقت.
قال: (ولو بلغ) إما بالسن كما قاله في (المحرر)، أو بسبق المني على قولنا: سبق الحديث لا يبطل.
قال: (.. أتمها) أي: وجوبًا؛ لأنه مضروب على تركها.
قال: (وأجزأته على الصحيح)؛ لأنه أدى الواجب بشرطه، كالعبد إذا عتق في أثناء ظهره قبل فوات الجمعة، لكن يندب أن يعيد.
أَوْ بَعْدَهَا .. فَلَا إِعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ .. وَجَبَتْ تِلْكَ إِنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الْفَرْضِ،
ــ
فإن قيل: كيف يجزئ وأول الفعل سنة وآخره واجب؟ قلنا: لا منع من ذلك كما لو دخل في صوم نفل أو صلاته ثم نذر الإتمام.
ويقابل الصحيح: يتمها ندبًا ويعيدهما حتمًا.
وقيل: إن بقي من الوقت ما يسعها .. أعادها حتمًا، وإلا .. فلا.
قال: (أو بعدها) أي: في الوقت (.. فلا إعادة على الصحيح)؛ لأنه شرع في وظيفة الوقت بشرائطها، فأجزأته وإن تغير حاله إلى الكمال، كالأمة إذا صلت مكشوفة الرأس ثم عتقت في الوقت.
والثاني: تجب الإعادة- وهو مذهب الأئمة الثلاثة- لأن المؤدى في الصغر واقع في حال النقصان، فأشبه ما إذا حج ثم بلغ.
وأجاب الأول بأن الصبي مأمور بالصلاة مضروب عليها بخلاف الحج، ولأنه لما كان وجوبه مرة في العمر .. اشترطنا وقوعه في حال الكمال بخلاف الصلاة.
والثالث: إن بقي من الوقت ما يسع تلك الصلاة .. وجبت إعادتها، وإلا .. فلا.
والرابع: إن كان المفعول ظهرًا في يوم الجمعة، ثم بلغ والجمعة غير فائتة .. وجبت إعادتها؛ لأن الظهر لا تجزئ عن الجمعة بخلاف سائر الصلوات، وإلى هذا ذهب ابن الحداد، وعلى المذهب .. تستحب له الإعادة.
قال: (ولو حاضت أو جن أول الوقت .. وجبت تلك إن أدرك قدر الفرض)؛ لأنه أدرك من الوقت ما يمكن فيه فعله، فلا يسقط بما يطرأ بعده، كما لو هلك النصاب بعد الحول وإمكان الأداء .. فإن الزكاة لا تسقط، وكذا حكم النفاس والإغماء.
وخرج ابن سريج قولًا: أنه لا تجب إلا إذا أدركت جميع الوقت.
وحكم الإدراك في وسط الوقت حكم ما لو وقع في أوله.
والمعتبر: أخف ما يمكن من الصلاة، حتى لو طولت صلاتها فحاضت فيها، وقد مضى من الوقت ما يسعها لو خففتها .. وجب القضاء.