الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ
ــ
باب صلاة الخوف
نسأل الله الأمن من أعدائه وعذابه وعقابه.
الخوف والخيفة: ضد الأمن، وليس المراد: أن للخوف صلاة كالعيد ونحوه، وغنما المراد: أن الخوف يقتضي احتمال أمور في الصلاة لا تحتمل عند انتفائه، ولا يؤثر في قدرها.
وعن محمد بن نصر المروزي: أن الصبح تصلى في الخوف ركعة؛ لما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها، وتقدم جوابه.
وهي مشروعة في حقنا إلى يوم القيامة.
وقال أبو يوسف وغيره: إنها مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى:} وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة {الآية، والمراد بها: صلاة الخوف إجماعا.
ودليلنا: أنها إذا ثبتت في حقه صلى الله عليه وسلم
…
ثبتت في حقنا؛ لقوله تعالى:} فاتبعوه {، وقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهو قد يخاطب بالشيء وتشركه فيه أمته؛ لقوله تعالى:} خذ من أموالهم صدقة {وغيره مثله في ذلك اتفاقا.
وروى البيهقي] 3/ 252 [: أن سعيد بن العاصي صلاها بطبرستان، وأبا موسى ببعض بلاد فارس، وعليا بصفين ليلة الهرير ولم ينكره أحد.
: أن سعيد بن العاصي صلاها بطبرستان، وأبا موسى ببعض بلاد فارس، وعليا بصفين ليلة الهرير ولم ينكره أحد.
هِيَ أَنْوَاعٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ، فَيُرَتِّبَ الإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ وَيُصَلِّي بَهِمْ، فّإِذَا سَجَدَ .. سَجَدَ مَعَهُ صَفٌ سَجْدَتَيْهِ، وَحَرَسَ صَفٌ، فَإِذَا قَامُوا .. سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَلَحَقُوهُ، وَسَجَدَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوْلاً، وَحَرَسَ الآَخَرُونَ، فَإِذَا جَلَسَ .. سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَتَشَهَّدَ بِالصَّفَّيْنِ وَسِلَّمَ، وَهَذِهِ صَلَاة رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ،
ــ
و (ليلة الهرير): حرب كانت بينه وبين الخوارج، وكان بعضهم يهر على بعض فسميت بذلك. وقيل: هي ليلة صفين بين علي ومعاوية.
وقال المزني: إنها نسخت؛ فإنه صلى الله عليه وسلم أخر يوم الخندق أربع صلوات، ولم يصل صلاة الخوف.
وجوابه: أن ذلك كان قبل مشروعيتها، كما جاء مبينا في رواياتهم، و (أنه صلى الله عليه وسلم صلاها بذات الرقاع)، وهي بعد الخندق.
قال: (هي أنواع) ذكر المصنف منها ثلاثة، وعد ابن حبان منها تسعة، ومجموعها ستة عشر نوعا، بعضها في (صحيح مسلم)، ومعظمها في (سنن أبي داوود)، واختار الشافعي منها الثلاثة الأنواع المذكورة في الكتاب.
وتجوز عندنا في الحضر خلافا لمالك.
وفي جعل المصنف هذه الأحوال أنواعا نظر، إنما أنواعها الصلاة المفعولة في هذه الأحوال التي تفعل فيها هذه الصلاة.
قال: (الأول: أن يكون العدو في جهة القبلة، فيرتب الإمام القوم صفين ويصلي بهم، فإذا سجد .. سجد مع صف سجدتيه، وحرس صف، فإذا قاموا .. سجد من حرس ولحقوه، وسجد معه في الثانية من حرس أولا، وحرس الآخرون، فإذا جلس
…
سجد من حرس وتشهد بالصفين وسلم، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و (عسفان): بين مكة والمدينة، كانت قرية جامعة، بينها وبين مكة أربعة برد، سميت بذلك لعسف السيول فيها.
وهذه الصلاة رواها أبو عياش الزرقي: أحد الصحابة، أخرج حديثه أبو داوود] 1229 [والنسائي] 3/ 176 [وغيرهما وهو حسن.
وروى مسلم] 840 [عن جابر نحوه، لكن فيه:(أن الصف الأول سجد معه في الركعة الأولى، والثاني في الثانية)، وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه في (المختصر) عكس ذلك، وكلاهما جائز، والأفضل ما ثبت في السنة.
وإنما تستحب هذه الصلاة بثلاثة شروط:
أن يكون العدو في جهة القبلة.
وأن يشاهد المسلمون عدوهم في الصلاة ليأمنوا كيدهم.
وأن يكون في المسلمين كثرة، بحيث تسجد طائفة وتحرس طائفة أخرى.
وفي هذه الصلاة يتخلف المأموم عن الإمام بثلاثة أركان: السجدتين والجلسة بينهما، وإنما احتمل للحاجة، فلو كان في حالة الأمن .. لم يجز؛ لأنه تخلف بغير عذر.
ولفظ المصنف محتمل لثلاث كيفيات:
إحداها: (أنه في الركعة الأولى يسجد الصف المقدم ثم المؤخر، وفي الركعة الثانية يتأخر الصف المقدم ويتقدم المؤخر، ثم يسجد المقدم الذي كان مؤخرا، ثم المؤخر الذي كان متقدما)، والحديث كذلك في (صحيح مسلم)] 840 [و (أبي داوود)] 1230 [.
والثانية: أن يثبت كل صف في مكانه، ويتقدم الصف الأول بالسجود في الأولى ويتأخر في الثانية.
والثالثة: أن يسجد الصف المؤخر أولا في الركعة الأولى ويحرس المقدم، وفي الثانية بالعكس.
وَلَوْ حَرَسٍ فِيهِمَا فِرْقَتَا صَفٍّ .. جَازَ، وّكَذَا فِرْقَةٌ فِي الأَصَحِّ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِهَا، فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ، كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ، وَهّذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَطْنِ نَخْلٍ
ــ
والكيفيات الثلاثة جائزة، وأفضلها ما جاء في الحديث، وحكمته: تفضيل الصف الأول بتقديمه في السجود، ويشترط أن لا يزيدوا على خطوتين.
والحراسة مختصة بالسجود؛ لأن الراكع يمكنه المشاهدة.
وقيل: يحرسون في الركوع أيضا، وفي بعض الروايات ما يدل له.
قال: (ولو حرس فيهما فرقتا صف .. جاز)؛ لحصول المقصود، وهو الحراسة.
قال: (وكذا فرقة في الأصح)؛ لأنه قد لا يتأهل للحراسة غيرهم.
والثاني: إذا حرست طائفة واحدة في الركعتين .. لم تصح الصلاة؛ لأن الخبر ورد في ذلك القدر من التخلف، فلا يحتمل الزيادة عليه.
ويجوز أيضا جعلهم صفوفا كثيرة، ويحرس في كل مرة منها صفان فصاعدا.
قال: (الثاني: أن يكون في غيرها، فيصلي مرتين، كل مرة بفرقة، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة) وهي: موضع من نجد، ونخل من أرض غطفان، غير نخلة الموضع الذي بقرب مكة:(الذي جاء صلى الله عليه وسلم إليه فيه وفد الجن)، وهذه الكيفية رواها الشيخان] خ 4137 - م 843 [، ولفظهما:(أنه صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان، وهو محمول على ما قلناه وكانت الصلاة مقصورة).
وإنما تندب هذه الصلاة بثلاثة شروط:
أن يكون العدو في غير جهة القبلة.
وان يكون في المسلمين كثرة والعدو قليل.
وأن يخافوا هجوم العدو عليهم في الصلاة.
أَوْ تَقِفَ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ وَيُصَلِّي بّفِرْقَةٍ رَكْعَةً، فَإِذَا قَامَ لِلثَّانِيَةِ
…
فَارَقَتْهُ وَأَتَمَّتْ وّذَهَبَتْ إِلَى وَجْهِهِ، وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ فَاقْتَدُوْا بِهِ فَصَلَّى بِهِمُ الثَّانِيَةَ، فّإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ .. قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ الرِّقَاعِ،
ــ
قال الرافعي: وهذه الأمور ليست شروطا للصحة، بل الصلاة على هذا الوجه تجوز بغير خوف.
واعترضه في (المهمات) بأن المستحب للمفترض أن لا يصلي خلف المتنفل، وفيما قاله نظر.
قال: (أو تقف فرقة في وجهه ويصلي بفرقة ركعة، فإذا قام للثانية .. فارقته وأتمت وذهبت إلى وجهه، وجاء الواقفون فاقتدوا به فصلى بهم الثانية، فإذا جلس للتشهد .. قاموا فأتموا ثانيتهم ولحقوه وسلم بهم، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع).
هذه الكيفية في (الصحيحين)] خ 4131 - م 841 [من حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
و (ذات الرقاع) أيضا من أرض غطفان، قيل: سميت بذلك؛ لأنهم رقعوا فيها راياتهم، وقيل: شجرة تعرف بذات الرقاع، وقيل: لترقيع صلاتهم فيها.
قال ابن الرفعة: والأصح ما ثبت في (الصحيحين)] خ 4128 - م 1816 [عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال فيها: (نَقِبَتْ أقدامنا- أي: تقرحت وتقطعت جلودها- فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع بذلك).
قال الدمياطي: وفيه نظر؛ لأن أبا موسى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر مع أصحاب السفينتين، فكيف حضر هذه الغزاة، وهي قبل خيبر بثلاث سنين؟!.
وَالأَصَحُّ: أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ بَطْنِ نَخْلٍ،
ــ
وفي (صحيح مسلم)] 843 [عن جابر رضي الله عنه: (حتى إذا كنا بذات الرقاع)، فلذلك قال بعضهم من أجل هذا: الأصح: أنه اسم موضع.
وجمع ابن الصلاح بينهما بأن البقعة سميت بذات الرقاع؛ لما قاله أبو موسى.
ووقع في (الوسيط): أن ذات الرقاع آخر الغزوات وهو غير صحيح، بل آخرها تبوك.
وما ذكره المصنف من الكيفية هو الأولى، ويجوز لها أن تفارقه بعد رفع رأسه من السجود.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وأكره أن تصلى هذه الأنواع بأقل من ثلاثة، ويقف في وجه العدو ثلاثة؛ لقوله تعالى:} وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم {.
وفي قول: تفارقه الطائفة الثانية بعد التشهد.
ولفظ الحديث محتمل للقولين.
وفي القديم: قول بعد السلام كالمسبوق، وهو مخالف للحديث.
قال: (والأصح: أنها أفضل من بطن نخل)؛ لأنها أخف وأعدل بين الطائفتين، ولا يأتي فيها الخلاف في صلاة المفترض خلف المتنفل.
وقال أبو إسحاق: صلاة بطن نخل أفضل؛ ليحصل لكل فضيلة جماعة تامة.
وَيَقْرَأُ الإِمَامُ فِي انْتِظَارِهِ الثَّانِيَةَ وَيَتَشَهَّدُ، وَفِي قَوْلٍ: يُؤَخِّرُ لِتَلْحَقَهُ. فَإِنْ صَلَّى مَغْرِبًا .. فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ فِي الأَظْهَرِ،
ــ
قال: (ويقرأ الإمام في انتظاره الثانية ويتشهد) أي: يقرأ في انتظاره فراغ الأولى ومجيء الثانية.
أما القيام .. فلأنه ركن تجب فيه القراءة، فلا يجوز فيه السكوت ولا الاشتغال بذكر آخر. وأما التشهد .. ففيه طريقان.
إحداهما: فيه القولان كالقراءة.
والثانية: يتشهد قطعا وهي الأصح؛ لئلا تختص الثانية بالتشهد.
والخلاف في الصورتين في الاستحباب قطعا.
وعلى الأصح: يقرأ (الفاتحة) وسورة طويلة يطيل فيها القراءة حتى تجيء الطائفة الثانية، فيقرأ من السورة بقدر (الفاتحة) وسورة قصيرة؛ لتحصل لهم القراءة.
ودليله: أن الصلاة مبنية على أن لا سكوت فيها، والقيام لا يشرع فيه إلا القراءة.
قال: (وفي قول: يؤخر لتلحقه)؛ لأنه قرأ مع الأولى (الفاتحة) فينبغي أن يقرأها أيضا مع الثانية، ولا يشرع غير (الفاتحة) قبلها فيشتغل بالذكر والتسبيح حتى يأتوا؛ طلبا للتسوية.
قال: (فإن صلى مغربا .. فبفرقة ركعتين، وبالثانية ركعة)؛ لأنه لا يمكن فيها التسوية بين الطائفتين فيما يصلونه مع الإمام، فجاز أن يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة، وبالعكس، وفي الأولى منهما طرق أشار إليها المصنف فقال:
(وهو أفضل من عكسه في الأظهر)؛ لأن الأولى امتازت بحق السبق، فخصت بركعتين معه، ولأنه أقرب إلى المساواة، إذ كل منهما يتشهد تشهدين، ولأنه لو عكس .. لزاد في صلاة الطائفة الثانية تشهدا غير محسوب لها؛ لوقوعه في ركعتها الأولى، واللائق بالحال التخفيف دون التطويل.
والقول الثاني- وهو نصه في (الإملاء) -: يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين؛
وَيَنْتَظِرُ فِي تَشَهُّدِهِ، أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ أفْضَلُ فِي الأَصَحِّ. أَوْ رُبَاعِيَّةٌ .. فَبِكُلَّ رَكْعَتَيْنِ، فَلَوْ صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً .. صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فِي الأَظْهَرِ،
ــ
لأن عليا رضي الله عنه كذا صلاها ليلة الهرير، لكنه أثر ضعيف.
وعلى هذا: يكون الانتظار في قيام الثانية.
قال: (وينتظر في تشهده، أو قيام الثالثة وهو أفضل في الأصح) هذا تفريع على الأظهر، فينتظر الثانية في تشهده الأول، أو في قيامه للركعة الثالثة؛ لحصول المقصود بكل منهما، لكن انتظارهم في القيام أفضل في الأصح؛ لأنه محل التطويل، والتشهد الأول مبني على التخفيف.
والثاني: في التشهد أولى ليدركوا معه الركعة من أولها.
والخلاف في (الشرح) و (الروضة) وغيرهما قولان، فكان الصواب التعبير بالأظهر.
قال: (أو رباعية .. فبكل ركعتين)؛ طلبا للمساواة، ويتشهد بكل طائفة تشهدا قطعا، وهذا إذا قضى في السفر رباعية، أو وقع الخوف في الحضر، وفيما دون ثلاثة أيام؛ لأن الإتمام أفضل، وإلا .. فالقصر أفضل لا سيما وهو أليق بحالة الخوف، وهل يستحب انتظار الثانية جالسا أو قائما؟ .. فيه القولان.
قال: (فلو صلى بكل فرقة ركعة) أي: وفارقته وصلت لنفسها ثلاثا، وهو ينتظر فراغها ومجيء الأخرى، وانتظر الرابعة في التشهد حتى أتموا وسلم بهم.
قال: (.. صحت صلاة الجميع في الأظهر)؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، بأن يكون المسلمون مثلا أربع مئة، والعدو ست مئة، فيحتاج أن يقف بإزاء العدو ثلاث مئة، ويصلي بمئة مئة، ولأن الانتظار الثالث والرابع بالقيام والقراءة وذلك لا يبطل الصلاة.
وتفصيل الخلاف: أن في الإمام قولين:
وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ،
ــ
أصحهما: صحة صلاته؛ لأن المخالفة هنا بتطويل قيامه وتشهده وذلك لا يضر، ولأن انتظار الداخل في الركوع لا يبطل فكذلك هنا.
وعلى هذا: في المأمومين قولان:
أصحهما: صحة صلاتهم.
والثاني: تصح صلاة الفرقة الرابعة فقط، وتبطل صلاة الباقين لأجل المفارقة.
والقول الثاني في الإمام: بطلان صلاته؛ لأن الرخصة وردت بانتظارين فلا يزاد عليهما، كما أن العمل القليل لا يبطل الصلاة ويبطلها الكثير.
فعلى هذا: تصح صلاة الطائفة الأولى والثانية؛ لانهم فارقوه قبل بطلان صلاته، كذا جزم به الرافعي.
وقال المصنف: فيهم قولا المفارقة بغير عذر، وتبطل صلة الفرقة الرابعة إن عملت بطلان صلاته، وكذا الثالثة في الأصح بناء على أن صلاة الإمام بطلت بالانتظار في الثالثة.
ويشترط في جواز هذه الصلاة الحاجة إلى ذلك كما جزم به في (المحرر)، وحذف المصنف هنا؛ لأنه صحح في (شرح المهذب) عدمها.
ولو فرقهم فرقتين فصلى بفرقة ركعة وبفرقة ثلاثا، أو عكسه .. فالصواب الذي نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه والجمهور: أن صلاة الجميع صحيحة.
ولو فرقهم في المغرب ثلاث فرق .. صحت صلاتهم على المنصوص.
قال: (وسهو كل فرقة) أي: من فرق هذه الصلاة، وهي صلاة (ذات الرقاع) إذا فرقهم فرقتين، كما صرح به في (المحرر).
قال: (محمول في أولاهم)؛ لأنهم فيها مقتدون.
وَكَذّا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ فِي الأَصَحِّ، لَا ثَانِيَةُ الأُولَى. وَسَهْوُهُ فِي الأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الأَوَّلِينِ. وَيُسَنُّ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي هَذِهِ الأَنْوَاعِ، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ
ــ
قال: (وكذا ثانية الثانية في الأصح)؛ لان حكم القدوة مستمر في حقهم.
والثاني: لا؛ لأنهم منفردون حسا.
قال: (لا ثانية الأولى): لانفرادهم حسا وحكما، وهذا لا خلاف فيه.
أما إذا فرقهم أربع فرق وقلنا بالصحة .. فسهو كل فرقة محمول في أولاهم فيصح أن يدرج في كلامه: وكذا باقي الرابعة في الأصح لا باقي البواقي.
قال: (وسهوه في الأولى يلحق الجميع)، فيسجد المفارقون عند تمام صلاتهم للنقصان الحاصل في صلاة الإمام، سواء كان قبل اقتدائهم أو حال القدوة.
قال: (وفي الثانية لا يلحق الأولين)؛ لأنهم فارقوه قبل السهو، وتسجد الثانية معه آخر صلاته، ولو سها في حال انتظارهم .. لحقهم في الأصح.
وهذه الأنواع الأربعة جائزة في الجمعة على الأصح إلا صلاة بطن نخل؛ إذ لا جمعة بعد جمعة.
قال: (ويسن حمل السلاح في هذه الأنواع)؛ لأن وضعه لا يفسد الصلاة، فلا يجب كسائر ما لا يفسد تركه.
قال: (وفي قول: يجب)؛ لقوله تعالى:} وليأخذوا أسلحتهم {.
وقيل: ما يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين .. يجب حمله، وما يدفع به عن غيره كالرمح والقوس .. لا يجب حمله.
قال الإمام: ولو غلب على ظنه الهلاك بتركه .. وجب قطعا- قال- ووضعه بين يديه إذا سهل تناوله كالحمل.
الرَّابِعُ: أَنْ يَلْتَحِمَ القِتَالُ أَوْ يَشْتَدَّ الخَوْفُ فَيُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَ رَاكِبَاً وَمَاشِياً، وَيَعْذَرُ فِي تَرْكِ الْقِبْلَةِ،
ــ
والخلاف له شروط:
أحدها: أن يكون السلاح طاهرا، فإن كان نجسا .. حرم حمله قطعا.
الثاني: أن لا يكون مانعا لبعض الأركان، كالبيضة المانعة من السجود.
ومحل هذين الشرطين: إذا لم يخف ضررا من تركهما.
الثالث: أن لا يتأذى به الغير، فإن تأذى به كالرمح في وسط الصف .. كره حمله، كذا قاله الرافعي والمصنف.
والصواب: أنه يحرم إذا تحقق ذلك، أو غلب على ظنه.
قال: (الرابع: أن يلتحم القتال أو يشتد الخوف)، وذلك بأن يلتحم القتال فلم يأمنوا أن يتركوهم إذا انقسموا فرقتين.
و (التحام القتال): أن يقطع بعضهم لحم بعض، و (الملحمة): المقتلة.
و (اشتد الخوف): من الشدة، يقال: عن الشدة إذا تتابعت .. انفرجت، وإذا توالت .. تولت، وفي الحديث:(اشتدي أزمة انفرجي).
قال: (فيصلي كيف أمكن راكبا وماشيا)؛ لقوله تعالى:} فإن خفتم فرجالا أو ركبانا {، قال ابن عمر رضي الله عنهما:(مستقبلي القبلة وغير مستقبليها) رواه البخاري] 4535 [.
وفي هذه الحالة يجوز اقتداء بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين في جوف الكعبة، والجماعة في هذه الحالة أفضل من الانفراد.
وقال أبو حنيفة ومالك/ لا تصح صلاتهم في هذه الحالة جماعة، بل قال أبو حنيفة: إذا التحم القتال .. جاز تأخير الصلاة.
قال: (ويعذر في ترك القبلة)؛ للضرورة وللحديث. وإنما يعفى عن ترك
وَكَذَا الأَعْمَالُ الكَثِيرَةُ لِحَاجَةٍ فِي الأَصَحِّ، لَا صِيَاحٌ، وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دَمِيَ، فَإِنْ عَجَزَ .. أَمْسَكَهُ، وَلَا قّضَاءَ فِي الأَظْهَرِ،
ــ
الاستقبال إذا كان بسبب القتال، فلو انحرف عنها لجماع الدابة وطال الزمان .. بطلت صلاته.
قال: (وكذا الأعمال الكثيرة لحاجة في الأصح)، وذلك كالضربات المتوالية، والركوب في أثناء الصلاة.
والثاني: لا يعذر؛ لأن النص ورد في هذين فيبقى ما عداهما على الأصل، وهو المنصوص في (الأم).
والثالث: يعذر في أشخاص لا في شخص واحد؛ لندرة الاحتياج إليها.
أما لغير الحاجة .. فلا يعذر قطعا.
قال: (لا صياح)؛ لعدم الحاجة إليه؛ لأن الساكت أهيب.
قال: (ويلقى السلاح إذا دمي) محافظة على صحة الصلاة، قال الإمام: أو يرده سريعا إلى قرابه ويجعله تحت ركابه، وخالفه الروياني.
قال: (فإن عجز .. أمسكه)؛ للمشقة، ولو عبر بقوله: فإن احتاج .. كان أولى.
قال: (ولا قضاء في الأظهر)؛ لأن ذلك عذر عام في المقاتل، فأشبه المستحاضة.
والثاني: يجب القضاء لندوره، وهذا هو المنصوص في (البويطي)، وظاهر كلام جمهور الأصحاب .. القطع به، وهو المفتى به، وبه صرح الرافعي في (باب التيمم)، وحاصل كلامه هنا، وفي (شرح المهذب): ترجيح الأول كما في الكتاب.
فرع:
لو شردت فرسه فتبعها إلى صوب القبلة شيئا يسيرا .. لم تبطل صلاته، وإن تبعها كثيرا .. فسدت، وإن تبعها إلى غير القبلة .. بطلت مطلقا.
فإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ .. أَوْمَأَ وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ. وَلَهُ ذَا النَّوعُ فِي كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ، وَهَرَبِ مِنْ حَرِيقٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ سَبْعٍ، وَغَرِيمٍ عِنْدَ إِعْسَارٍ وَخَوْفٍ حَبْسٍ، وَالأَصَحُّ: مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ،
ــ
قال: (فإن عجز عن ركوع أو سجود .. أومأ)؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما بعد أن وصف صلاة الخوف التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا كان خوف أكثر من ذلك .. يصلي راكبا أو قائما يومئ إيماءً)، رواه مسلم] 839 [.
قال: (والسجود أخفض)؛ ليتميز بذلك عن الركوع.
قال: (وله ذا النوع) - أي: صلاة شدة الخوف- للواحد والجمع بلا إعادة أيضا على المشهور.
قال: (في كل قتال وهزيمة مباحين)، فلا يجوز في القتال المحرم بالإجماع.
والمراد ب (المباح) هنا: ما لا إثم فيه ولو كان واجبا كقتال البغاة والكفار وقطاع الطريق، ولا يجوز ذلك للبغاة والقطاع، ويجوز في هزيمة مسلم عن أكثر من كافرين.
قال: (وهرب من حريق أو سيل) إذا لم يجد سبيلا غير ذلك.
قال: (أو سبع) وكذلك الحية- إذا لم يمكنه التحصين بشيء- لدفع الضرر، ولأن الخوف في الجملة عذر عام وإن كان سببه غير معهود، كما أن المرض يبيح الصلاة قاعدا ويبيح الفطر وإن كان من الأمراض ما هو نادر.
قال: (وغريم عند إعسار وخوف حبس)، أما إذا كان معه مال .. فلا يباح له ذلك.
وإذا جوزنا صلاة شدة الخوف لغير القتال .. فالأظهر: لا إعادة، وفي قول مخرج: نعم؛ لندور ذلك.
قال: (والأصح: منعه لمحرم خاف فوت الحج).
صورتها: أن يقرب المحرم من عرفات ولم يبق للفجر إلا قدر الصلاة، وإن سار
وَلَوْ صَلَّوْا لِسَوَادٍ ظَنُّوهُ عَدُوّا فَبَانَ غَيْرُهُ .. قَضَوْا فِي الأَظَهَرِ
ــ
فيه إلى عرفات فاتته الصلاة .. فالأصح: أنه لا يجوز له أن يصلي صلاة شدة الخوف؛ لأن الصلاة أفضل من الحج، ولأن وقتها مضيق ووقت الحج موسع.
والثاني: يجوز أن يصليها، ورجحه ابن عبد السلام في (قواعده)؛ لأن الضرر الذي يلحقه بفوات الحج قد يعظم على ضرر الحبس أياما في حق المعسر.
وإذا قلنا بالأول .. ففي جواز تأخير العشاء وجهان:
رجح الرافعي: المنع.
والثاني- وصوبه المصنف- يؤخرها.
وإذا قلنا بهذا .. فهل التأخير على سبيل الإيجاب أو الجواز؟ صرح في (الكفاية) في أوائل (الصلاة) بأنه على سبيل الوجوب. والوجهان الأخيران يقربان من الوجهين الآتيين فيمن أصبح صائما وفي فيه طرف خيط، هل يحافظ على الصلاة أو الصوم؟ ونقل ابن الصلاح في (رحلته) قولا رابعا: أنه إن كان آفاقيا .. قدم الحج، أو مكيا .. قدم الصلاة، لكنه نسبه إلى أصحاب مالك رضي الله عنه.
قال: (ولو صلوا لسواد ظنوه عدوا فبان غيره) أي: ظهر السواد (.. قضوا في الأظهر)؛ لعدم الخوف في نفس الأمر.
والثاني: لا؛ لوجود الخوف في نفس الأمر.
والثالث: إن كانوا في دار الحرب .. لم يجب لغلبة الخوف، وإلا .. وجب.
والرابع: إن استند الظن إلى إخبار ثقة فتبين غلطه .. لم يجب، وإلا .. وجب.
وقيد في (المحرر) المسألة بصلاة شدة الخوف.
فإن صلوا صلاة الخوف .. فلا قضاء قطعا وبه صرح الماوردي؛ لأنهم لم يسقطوا فرضا ولا غيروا ركنا.
ويجري القولان الأولان فيما إذا هربوا ظنا منهم أن في العدو كثرة ثم تبين أنهم