المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة المسافر - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[الدميري]

الفصل: ‌باب صلاة المسافر

‌بابُ صَلَاةِ اَلْمُسَافِرِ

ــ

باب صلاة المسافر

خص الله تعالى المسافر في إقامة الصلوات الخمس بنوعين من التخفيف: القصر والجمع، وأهمهما القصر، وهو مجمع عليه، فلذلك بدأ به المصنف.

و (المسافر): الملتبس بالسفر وهو: قطع المسافة، وجمعه: أسفار، سمي سفرًا، لأنه يسفر عن أخلاق الرجال أي: يكشفها، من قولهم: سفرت المرأة عن وجهها إذا أظهرته.

والأصل في القصر قوله تعالى: {وإذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} الآية، فأباحه بشرط الخوف، وبينت السنة جوازه عند الأمن:

روى مسلم [686] عن يعلي بن أمية أنه قال لعمر: ما لنا نقصر وقد أمنا، وقد شرط الله تعلى الخوف؟! فقال: عجبت مما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال:(صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته).

وروى ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (خيار أمتي من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والذين إذا أحسنوا .. استبشروا، وإذا اساؤوا .. استغفروا، وإذا سافروا .. قصروا وأفطروا).

و (كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقصر في أسفاره غازيًا وحاجًا ومعتمرًا).

وفي (الصحيحين)[خ 1084 - م695] عن ابن مسعد قال: (صليت مع النبي صلي الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين).

وقال ابن عمر: (سافرت مع النبي صلي الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين).

ولا خلاف بين المسلمين في جوازه.

ص: 408

إَنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ مُؤَداَّةٌ فِي اَلْسَّفَرِ اَلطَّوِيلِ اَلْمُبَاحِ،

ــ

قال: (إنما تقصر ربعاية مؤداة في السفر الطويل المباح) أما جواز قصر الرباعية .. فبالإجماع.

واحترز بذلك عن المغرب والصبح .. فلا تقصران؛ لأن الصبح لو قصرت .. لم تكن شفعًا؛ فتخرج عن موضوعها، والمغرب لا يمكن قصرها إلى شطرها، ولا أن تكمل الثانية فلا تكون وترًا، ولا الاقتصار على ركعة لخروجها بذلك عن باقي الصلوات.

وحكي عن محمد بن نصر المروزي: أنه جوز قصر الصبح في الخوف إلى ركعة، وهو مذهب ابن عباس، وفي (صحيح مسلم) [687]:(فرض الله تعالى الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة).

وأجيب عنه بأنه يصلي في الخوف مع الإمام ركعة وينفرد بأخرى .. وبقية القيود شرحها المصنف.

ونقل صاحب (البيان) والحناطي قولاً: أنه يجوز القصر في السفر القصير بشرط الخوف، هكذا نقله الشيخان في هذا الباب هنا، ثم نفاه في (شرح المهذب) في (كتاب الحج) فقال: لا يجوز القصر إلا في السفر الطويل عندنا بلا خلاف.

ومراده بـ (المباح): ما نفي عنه الحرج، كما هو اصطلاح المتقدمين من الأصوليين، فيندرج في ذلك الواجب كسفر الحجر، والمندوب كزيارة قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وحج التطوع ولطلب العلم وزيادة الوالدين، والمستوى الطرفين صلي الله عليه وسلم وحج التطوع ولطلب العلم وزيارة الوالدين، والمستوى الطرفين كالتجارة والنزاهة؛ لأنه صلي الله عليه وسلم وأصحابه قصروا في العود إلى المدينة، وهو مباح.

ص: 409

لَا فَائِتَةُ اَلْحَضَرِ. وَلَوْ قَضَي فَائِتَةَ اَلْسَّفَرِ. فَالأَظْهَرُ: قَصْرُهُ فِي اَلْسَّفَرِ دُونَ اَلْحَضَرِ

ــ

والمكروه كسفر المنفرد عن رفيق والسفر يوم الجمعة إذا لم نقل بتحريمه، ولا يخرج عنه إلا سفر المعصية وهو كذلك على الصحيح.

لكن يرد عليه ما إذا نذر أن يصلي أربع ركعات في وقت الظهر مثلاً .. فإن قصرها لا يجوز مع أنها صلاة رباعية مؤداة، وكذا جمعها مع منذورة مثلها أو فرض أصلي ..

ولو قال قائل: إنهما جائزان بناء على أن المنذور يسلك به مسلك الواجب .. لكان محتملاً.

نعم؛ يرد على حصره ما ذكره بعد هذا من جواز قصر فائتة السفر في السفر.

قال: (لا فائتة الحضر)؛ لأنها ترتبت في ذمته أربعًا.

وجوز المزني قصرها فيه اعتبارًا بوقت الفعل، كما لو فاتته وهو صحيح فقضاها وهو مريض قاعدًا.

ولو شك: هل فاتت في السفر أو الحضر؟ .. لم يقصر؛ لأن الأصل الإتمام.

ولو سافر وقد بقي من الوقت ما لا يسع الصلاة، فإن قلنا: إنها أو بعضها قضاء .. لم يقصر، وإلا .. قصر.

قال: (ولو قضى فائتة السفر .. فالأظهر: قصره في السفر دون الحضر)؛ نظرًا إلى قيام العذر المرخص.

والثاني: يقصر فيهما؛ لأنه إنما يلزمه في القضاء ما كان يلزمه في الأداء.

والثالث: يتم فيهما؛ لأنها صلاة ردت إلى ركعتين فإذا فاتت .. أتى بأربع كالجمعة.

ص: 410

وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ .. فَأَوَّلُ سَفَرِهِ: مُجَاوَزَةُ سُورِهَا، فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ .. اشَترِطَ مُجَاوَزَتُهَا فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: اَلأَصَحُّ: لَا يُشْتَرَطُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُورٌ .. فَأَوَّلُهُ: مُجَاوَزَةُ اَلْعُمْرَانِ، لَا اَلْخَرَابِ

ــ

والرابع: إن قضى في ذلك السفر .. قصر، وإن قضى في سفره أخرى .. أتم.

قال: (ومن سافر من بلدة) هو منون لا مضاف، والبلدة والبلد واحد البلاد والبلدان.

قال: (.. فأول سفره: مجاوزة سورها)؛ لأن جميع ما أحاط به السور معدود منها.

والمراد: السور العامر المخصوص بها، فالمستهدم كالعدم.

ولوكان لها سور من بعض الجهات، فإن كان في جهة مقصده .. أعتبر مجاوزته، وإلا .. فما اتصل بالعمران.

قال: (فإن كان وراءه عمارة .. اشترط مجاوزتها في الأصح)؛ لأنها من مواضع الإقامة المعدودة من توابع البلد ومضافاتها حكمًا.

قال: (قلت: الأصح: لا يشترط والله أعلم) لأن تلك الأبنية لا تعد من البلد، ألا تراهم يقولون: موضع كذا خارج البلد.

لكن المصنف وافق الرافعي في الصوم على اعتبار العمران فيما إذا نوى المقيم ليلاً، ثم سافر وفارق العمران

قبل الفجر .. فإنه يفطر، وإلا .. فلا.

ولو كان خارج السور نهر أو رباط أو منازل متفرقة أو قنطرة .. اشترط مفارقتها.

ولا يشترط مجاوزة المقابر المتصلة بالبلد عند الجمهور، ولا مفارقة الخندق المحيط بالبلد.

قال: (فإن لم يكن سور .. فأوله: مجاوزة العمران)؛ ليفارق مواضع الإقامة.

قال: (لا الخراب)؛ لأنه لا يفصد للسكنى، كذا أطلقه هنا، وهو المنقول عن البغوي والغزالي، والموافق للنص.

وصحح في (شرح المهذب) - تبعًا العراقيين والجويني -: أن حيطان الخراب إن

ص: 411

وَاَلْبَسَاتِينِ، وَاَلْقَرْيَةُ كَبَلْدَةٍ. وَأَوَّلُ سَفَرِ سَاكِنِ اَلْخِيَامِ: مُجَاوَزَةُ اَلْحِلَّةِ

ــ

كانت قائمة .. فلابد من مجاوزتها؛ لأنه يعد من البلد، أما إذا اندرس الخراب ولم يبق له أثر .. فلا يشترط مجاوزته قطعًا.

ومحل الخلاف: إذا لم يكن وراء الخراب عمارة معدودة من البلد، فإن كانت .. فهو من البلد، كالنهر المتخلل بين جانبيها، فيجب مجاوزة منتهى العمارة اتفاقًا.

قال: (والبساتين)؛ لأنها ليست للإقامة والسكنى.

وزاد في (المحرر) المزارع، وحذفه المصنف؛ لأنه يؤخذ من البساتين من باب أولى.

وقيل: لابد من مجاوزتها.

وسواء في البساتين المحوط وغيره خلافًا للغزالي.

قال الرافعي: إلا إذا كان فيها قصورًا أو دور يسكنها ملاكها، في بعض الفصول أو دائمًا .. فلابد من مجاوزتها، وتبعه في (الروضة).

وقال في (شرح المهذب): الظاهر أنه لا يشترط.

قال: (والقرية كبلدة) في جميع ما ذكر، فلا يشترط مجاوزة خرابها ومزارعها والبساتين والقرى المتصلة .. كالقرية خلافًا لابن سريج.

و (القرية): المصر، والجمع: قرى على غير قياس.

قال: (وأول سفر ساكن الخيام: مجاوزة الحلة) وهي بكسر الحاء: بيوت مجتمعة؛ لأنها كدور البلد. وإن كانت تعد حلتين .. كفت مفارقة حلته كالقريتين.

وضابط الحلة الواحدة: أن يجمعهم ناد واحد، ويستعير بعضهم من بعض.

وفي وجه: لا تشترط مفارقة الخيام، وتكفي مفارقة خيمته والموضع المختص به.

وإنما قال: (الحلة) ولم يقل الخيام؛ ليشمل المرافق كمطرح الرماد وملعب

ص: 412

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصبيان والنادي ومعاطن الإبل ومرتكض الخيل، فكل هذه تشترط مجاوزتها؛ فلا معدودة من الحلة.

وإن كان في ربوة .. لابد أن ينزل، أو وهدة .. فلابد أن يصعد.

فلو كان لا خيمة له بل يأوي إلى بقعة من البئر .. اشترطت مجاوزة ذلك الموضع نص عليه.

ولو سافر في البحر والساحل متصل بالبلد .. قال البغوي: لم يقصر حتى تجري به السفينة.

ولو كانت السفينة كبيرة لا تتصل بالساحل وينقل المتاع إليها بالزوارق .. قصر في الزورق.

فائدة:

الخيمة عند العرب بيت تبنيه من أربعة أعواد من الشجر وتسقفه بالثمام ونحوه، واشتقاقها: من الخيم بكسر الخاء وهو: الأصل؛ لأنها صارت كالمنزل الأصلي، وجمعها: خيم كتمرة وتمر، ثم جمعوا الخيم على خيام ككلب وكلاب، فالخيام جمع الجمع، كذا قاله المصنف والواحدي والأزهري وابن الأعرابي.

قالوا: والمتخذ من ثياب أو شعر أو صوف لا يقال له: خيمة إلا على جهة التجوز.

وقال سيبويه: الخيام جمع كثرة، وخيمات جمع قلة.

وقال ابن سيده: الخيمات والخيام جمع خيمة.

ص: 413

وَإِذَا رَجَعَ .. اَنْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ اَبْتِدَاءَ

ــ

وقال ابن عطية وأبو حيان: الخيام جمع خيمة، وتكون من الخشب والثياب، وخيام الجنة اللؤلؤ.

وفي (البخاري)[4880]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون مثلاً، في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمنون".

وفي الحديث: (الشهيد في خيمة الله تحت العرش) أستعارها لظل رحمة الله وروضوانه وأمنه.

قال: (وإذا رجع .. انتهى سفره ببلوغه ما شرط مجاوزته ابتداء) من سورة أو بنيان أو حلة، فينقطع الترخيص بمجرد ذلك. هذا إذا رجع من مسافة القصر إلى وطنه، أو إلى غير وطنه بنية الإقامة، فإن رجع مما دونها: فإن كان بنية الإقامة .. انقطع سفره بمجرد رجوعه، وإن كان لحاجة كأخذ شيء نسيه وتجديد طهارة ونحوها: فإن كان البلد الذي رجع إليه وطنه .. فليس لهالترخيص في رجوعه إلا على وجه شاذ، وإن لم يكن .. فله الترخيص في الأصح.

وشملت عبارة المصنف إذا مر المسافر بوطنه قاصدًا الخروج منه إلى غيره .. فإنه ينقطع سفره على الصحيح لحصوله فيه.

وعلى هذا: إذا أنشأ سفرًا من مكان إلى مسافة يومين ووطنه فيما بينهما قاصدًا المرور .. لم يترخص، ولا يلحق بالوطن البدل الذي له بها أهل وعشيرة على الأصح.

وحيث حكمنا بأنه إذا عاد لا يترخص، فنوى العود ولم يعد .. لم يترخص وصار بالنية مقيمًا.

ص: 414

وَلَوْ نَوَى إِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِمّوْضِعِ .. اَنْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمًا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ عَلَى اَلْصَّحِيحِ

ــ

قال: (ولو نوى إقامة أربعة أيام بموضع .. انقطع سفره بوصوله)؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (يمكث) المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا)، رواه مسلم [1352].

وكانت الإقامة قبل فتحها حرامًا على المهاجرين، فدل على أن نية الثلاثة لا تصيره مقيمًا.

و (قد أقام النبي صلي الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج).

ومنع عمر أهل الذمة من الإقامة بالحجاز، وجوز للمجتازين ثلاثة أيام.

ثم لا فرق على الأصح - في الموضع الذي نوى الإقامة فيه - بين أن يصلح للإقامة أم لا كالمفازة.

والذي أطلقه المصنف له شرطان:

أحدهما: أن يكون ماكثًا، فإن نوى إلغاء المسافة وهو سائر .. لم يؤثر على المشهور.

الثاني: أن يكون الناوي مستقلاً بنفسه، فلو نوى العبد أو الزوجة أو الجيش ولم ينو السيد ولا الزوج ولا الأمير .. ففي لزوم الاتمام وجهان أقواهما: أن لهم القصر؛ لأنهم غير مستقلين فنيتهم كالعدم.

قال: (ولا يحسب منها يومًا دخوله وخروجه على الصحيح)؛ لأنه فيهما مشغول بأسباب الحط والترحال، وهما من أشغال السفر.

والثاني: يقصر المقاتل وإن نوى إقامة الأربعة؛ لأنه يضطر إلى الارتحال، فلا يكون له قصد جازم.

ص: 415

وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إِذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ .. قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا

ــ

وقال المزني: لا يصير المسافر مقيمًا إلا إذا نوى خمسة عشر يومًا.

واختار الشيخ مذهب أحمد وابن المنذر: أن الرخصة لا تتعلق بعدد الأيام، بل بعدد الصلوات، فتتعلق بإحدى وعشرين صلاة مكتوبة؛ لأنه المحقق من فعل النبي صلي الله عليه وسلم؛ فإنه قدم مكة يوم الأحد لصبح رابعة من ذوي الحجة، وأقام بها إلى أن صلى الصبح يوم الخميس بالأبطح،

والأيام المغتفرة يغتفر معها لياليها، ولو دخل ليلاً .. لم تحسب بقية الليلة.

قال: (ولو أقام ببلد بنية أن يرحل إذا حصلت حاجة يتوقعها كل وقت .. قصر ثمانية عشر يومًا)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم أقام في حرب هوازن ثمانية عشر يومًا يقصر الصلاة ينتظر انجلاء الحرب، رواه أبو داوود [1222] والبيهقي [3/ 157] عن عمران بن حصين. قال ابن عباس: فمن أقام ذلك .. قصر، ومن زاد عليه .. أتم.

وفي (البخاري)[1080](أنه أقام يقصر تسعة عشر يومًا).

وفي (أبي داوود)[1228] عن جابر: (أنه عليه الصلاة السلام أقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة)، وصححه ابن حبان [2749] في رواية لهما [د 1225 - حب 2750]:(سبع عشرة)، وفي رواية لأبي داوود [1224] وابن ماجه [1076]:(خمسة عشر ليلة).

وما رجحوه من القصر إلى ثمانية عشر يومًا يحتمل اطراده في باقي الرخص كالفطر وغيره، ويدل له تعبير (الوجيز) بالترخص، ويحتمل اختصاصه بالقصر؛ لأنهم إذا منعوه فيما زاد على الثمانية عشر لعدم وروده مع أن أصله قد ورد .. فالمنع فيما لم يرد بالكلية بطريق أولى، وهذا أقوى.

ص: 416

وَقِيلَ: أَرْبَعَةً، وَفِي قَوْلٍ: أَبَدًا،

ــ

قال: (وقيل: أربعة)، وهو قول أبي إسحاق؛ لأن الترخيص إذا امتنع بنية إقامتها فإقامتها .. أولى، ثم يعود على هذا الوجه ما تقدم في كيفية احتساب الأربعة، وغليه أشار في (المحرر) بقوله: كما وصفنا، أي: فلا يحسب يومًا الدخول والخروج، كذا شرحه الشيخ.

واعترض شيخنا على المصنف في حكاية هذا الوجه بأمرين:

أحدهما: تحديده بالأربعة، وكان حقه أن يقول: دون الأربعة.

والثاني: جعله إياه وجهًا، وإنما هو قول كما صرح به في (الشرح) و (الروضة) أهـ

والذي دل عليه كلام الرافعي .. أن له القصر في الأربعة بلا خلاف، وأن الخلاف فيما فوقها، لكن القطع في الأربعة بالجواز غير صحيح من جهة أن الإمام حكى قولاً: أنه يقصر ثلاثة أيام، فإن أقام بعدها .. أتم، وكذلك حكاه الفوراني.

وهذا هو الوجه الذي حمل عليه شيخنا كلام (المنهاج)، لكن لم يحكه الرافعي ولا المصنف.

وحكى ابن الرفعة في (الكفاية) القول بالأربعة عن الشيخ أبي إسحاق، وهو منطبق على كلام (المنهاج) وبذلك شرحه الشيخ.

قال: (وفي قول: أبدًا) نص عليه في (الإملاء)، وهو من زيادات الكتاب على (المحرر) وعللوه بأن الظاهر: أنه لو زادت الحاجة .. لدام رسول الله صلي الله عليه وسلم على القصر.

قال الإمام: وهذا يقرب من القطعيات.

وروى البيهقي [3/ 152] بإسناد صحيح - أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة ويقول: (اليوم أخرج غدًا أخرج).

وأقام أنس بنيسابور سنة أو سنتين يقصر.

ص: 417

وَقِيلَ: اَلْخِلَافُ فِي خَائِفِ اَلْقِتَالَ، لَا اَلْتَّاجِرِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ عَلِمَ بَقَاءَهَا مُدَّةً طَوِيلَةَ .. فَلَا قَصْرَ عَلَى اَلْمَذْهَبِ .....

ــ

وأقام علقمة بخوارزم ستين يقصر.

وفي حديث صحيح: (أن الصحابة أقاموا برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة)، فدل فعلهم مع النكير على أنه جماع.

وأجاب الجمهور بأن الصحابة كانوا ينتقلون من بلد إلى بلد، وبأنه معارض بقول ابن عباس.

وقيل: يجوز سبعة عشر، وقيل: تسعة عشر، وقيل: عشرين؛ للروايات السابقة.

قال: (وقيل: الخلاف في خائف القتال، ولا التاجر ونحوه)، فلا يقصر التاجر ونحوه، ويقصر خائف القتال؛ لأنه أحوج إلى الترخيص من غيره.

وأجاب الأول بأن القتال ليس هو المرخص، وإنما المرخص وصف السفر، وهو وغيره فيه سواء.

قال: (ولو علم) أي: المحارب وغيره (بقاءها مدة طويلة .. فلا قصر على المذهب)؛ لأنه مطمئن ساكن بعيد عن هيئة المسافرين.

وقيل: يجري فيه الخلاف كغيره، للأحاديث المتقدمة.

تتمة:

إذا خرجوا من البلد وأقاموا في موضع ينتظرون الرفقة: فإن قصدوا أنهم إن خرجوا سافروا كلهم وإلا رجعوا .. لم يقصروا، إن قصدوا أن ينتظروهم يومين أو ثلاثة فإن لم يخرجوا سافروا وتركوهم .. فلهم القصر.

وقال في (البحر): لو أقام في المراسي في المواضع التي تحبس فيها السفن .. فهو كالمقام في البر ولا يختلف، فإن أزمع أربعة أيام .. أتم، وإن لم يزمع، قصر، فإن حبسه الريح وأقام ينتظره .. قصر أربعة أيام، فإذا مضت الأربع .. أتم.

ص: 418