المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 864] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٦

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 855]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 856]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌ذكر سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 858]

- ‌ذكر أعيان مباشرى الدولة من المتعممين

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 859]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 860]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 861]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 862]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 863]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 864]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 865]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 858]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 859]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 860]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 861]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 862]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 863]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 864]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 865]

- ‌ذكر نكبة الملك المؤيد أحمد ابن الملك الأشرف إينال وخلعه من الملك

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 866]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 867]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 868]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 869]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 870]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 871]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 872]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 865]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 866]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 867]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 868]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 869]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 870]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 871]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 872]

- ‌ذكر خلع الملك الظاهر يلباى من سلطنة مصر

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد تمربغا الظاهرى على مصر

- ‌ذكر الوقعة التي خلع فيها السلطان الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا من الملك

- ‌ذكر سلطنة الملك الأشرف قايتباى المحمودى على مصر

- ‌فهرس

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا حكم مصر

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الأعلام التي ترجم لها المؤلف في الوفيات

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التي كانت مستعملة في عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 855- 871 ه

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 864]

أنه جمع من هذا المال الخبيث جملة كبيرة خرجت منه بالمصادرة والنّهب والحريق، وما ربّك بظلام للعبيد.

ثم في يوم الاثنين خامس ذى القعدة سافر تغرى بردى الطيّارى الخاصكى قاصدا قبرس، ليخبر أهلها أن السلطان يريد ولاية جاكم هذا على قبرس مكان والده، وعزل أخته، ويلومهم على عدم ولاية جاكم هذا وتقديم أخته عليه.

وفي يوم الثلاثاء ثامن ذى الحجة مات الأمير بايزيد التّمربغاوى أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، وأنعم السلطان بتقدمته وإقطاعه على الأمير سودون الإينالى المؤيدى [قراقاش]«1» رأس نوبة ثان، بمال بذله سودون في ذلك «2» ، وأنعم بإقطاع سودون المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الأمير خشكلدى القوامى الناصرى.

[ما وقع من الحوادث سنة 864]

واستهلت سنة أربع وستين وثمانمائة بيوم الأحد.

وفي يوم الثلاثاء سابع عشر المحرم من السنة المذكورة وصلت الغزاة المتوجهة قبل تاريخه إلى بلاد الجون ببرّ التركيّة لإحضار الأخشاب «3» ، وكان مقدّم هذا العسكر أربعة من الأمراء العشرات، وهم:

قانى باى قراسقل المؤيّدى.

والأمير جانبك الإسماعيلى المؤيدى المعروف بكوهية.

والأمير معلباى طاز المؤيدى.

والأمير بردبك اليشبكى المشطوب «4» .

ص: 134

وفي يوم سابع عشرينه- الموافق لسادس عشر هاتور- لبس السلطان القماش الصوف الملون، وألبس الأمراء على العادة في كل سنة.

وفي هذا الشهر عظم الطاعون بمدينة غزّة، وأباد الموت أهلها «1» .

وفي يوم السبت ثانى عشر صفر خلع السلطان على فارس مملوك الطواشى فيروز الرّكنى باستقراره وزيرا بعد تسحّب على بن الأهناسى، فلم يحسن فارس المذكور المباشرة سوى يوم واحد، وعجز وكاد أن يهلك، وكان لولايته أسباب منها: أنه كان يبرق ويرعد ويوسع في الكلام في نوع المباشرة وغيرها، فحسب السامع أن في السويداء رجالا، واستسمن ورمه فولّاه، فما هو إلا أن أرمى الخلعة على «2» أكتافه [حتى]«3» ظهر عليه العجز الفاضح في الحال، وضاق عليه فضاء الدنيا، وخسر في اليوم المذكور جملا مستكثرة، واستعفى، وترامى على أكابر الدّولة، وكاد أن يهلك لولا أعفى وعزل «4» ، بعد أن ألزم بشىء له جرم على ما قيل، وولى الصاحب شمس الدين منصور الوزر عنه.

قلت: ما أحسن الأشياء في محلها، وحينئذ أعطى القوس لراميه.

وفي يوم الخميس سابع عشر صفر ورد الخبر من الشام بموت الأمير علّان شلق المؤيّدى أتابك دمشق.

وفي يوم ثامن شهر ربيع الأول استقرّ الحاج محمد الأهناسى البرددار وزيرا بعد عزل الصاحب شمس الدين منصور من غير عجز بل لمعنى من المعانى، والحاج محمد هذا هو والد على بن الأهناسى المقدم ذكره في الوزر والأستادارية، وولى الوزر قبل أن

ص: 135

تسبق له رئاسة في نوع من الأنواع؛ لأن كلا الوالد والولد عار عن الكتابة ومعرفة قلم الديونة، ولم يكن لهما صنعة غير الرّسليّة والبردداريّة لا غير، فباشر الحاج محمد هذا الوزر أحد عشر يوما وعزل، وأعيد الصاحب شمس الدين منصور للوزر ثانيا.

وفي يوم الاثنين ثانى عشر شهر ربيع الأول استقر الأمير تغرى بردى الأشرفى أحد أمراء العشرات نائب الكرك، وأنعم بإقطاعه على ابن الأمير بردبك الدّوادار الثانى والمنعم عليه هو ابن بنت السلطان.

ثم في يوم الخميس ثانى عشرينه استقر الأمير تمرباى ططر الناصرى أحد أمراء العشرات أمير حاج المحمل.

ثم في يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الأول المذكور عمل السلطان المولد النبوى بالحوش السلطانى على العادة في كل سنة، وأحضر السلطان جاكم الفرنجى ابن صاحب قبرس، وأجلسه عند أعيان مباشرى الدّولة، فعظم ذلك على الناس قاطبة.

قلت: ولعلّ السلطان ما أحضره في هذا المجلس إلا ليريه عزّ الإسلام وذلّ الكفر.

ثم في أول شهر ربيع الآخر ظهر الطاعون بمدينة بلبيس وخانقاه سرياقوس من ضواحى القاهرة.

وكان أول الشهر يوم الجمعة الموافق لأول طوبة من شهور القبط. فتخوّف كلّ أحد من مجىء الطاعون إلى القاهرة، هذا مع ما الناس فيه من جهد البلاء من غلوّ الأسعار وظلم المماليك الأجلاب الذي خرج عن الحد، وعدم الأمن، وكثرة المخاوف فى الأزقّة والشوارع، بحيث إن الشخص صار لا يقدر على خروجه من داره بعد أذان عشاء الآخرة، حتى ولا لصلاة الجماعة، ولو كان جار المسجد، وإن أذّن مؤذن العشاء والشخص خارج عن داره هرول في مشيه وأسرع لئلا تغلق عليه الدروب التي عمرتها رؤساء كلّ حارة؛ خوفا على بيوتهم من المناسر والحرامية، لأن والى القاهرة خيربك القصروى حطّ عنه أمور الناس «1» ، وانعكف على ما هو عليه من المفاسد، وسببه

ص: 136

أنه علم أن الذي يتعبث على الناس أو يسرق إنما هو من المماليك الأجلاب أو من أتباعهم، وعلم مع ذلك ميل السلطان إلى الأجلاب، واتفق بعد ذلك كثرة السّراق، وفتح البيوت، وهجم المناسر على الحارات، وكلّمه السلطان- فى ذلك- بكلام خشن، ووبّخه في الملأ، وكاد أن يفتك به، فأوهم الوالى السلطان- بالتلويح في كلامه- أن الذي يفعل ذلك إنما هو من المماليك الأجلاب، وكان الذي لوّحه الوالى إلى السلطان قوله:

«يا مولانا السلطان أنا مالى شغل ولا حكم على من يلبس طاقية- يعنى المماليك- وما حكمى إلا على العوام والحرامية» ، فسكت السلطان، ولم يكلمه بعد ذلك إلا في غير هذا المعنى، فوجد الوالى بذلك مندوحة لسائر أغراضه، وحطّ عنه واستراح، وانحل النظام، وضاعت حقوق الناس، وأخذ كل مفسد يتزيا بزى الجند، ويفعل ما أراده، وصار الوالى هو كبير الحراميّة، ولا قوة إلا بالله.

وفي يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر اختفى الصاحب شمس الدين منصور، وتعطّل- بسبب غيابه- رواتب المماليك السلطانية، فاستغاثوا المماليك الأجلاب، ومنعوا الأمراء يوم الأربعاء من طلوع القلعة، وامتنعوا من طلوع الخدمة يوم الخميس أيضا رابع عشره، وطلع الأمير يونس الدّوادار إلى القلعة بغير قماش الخدمة، فلما وصل إلى باب القلعة احتاطت به المماليك الأجلاب، وسألوه أن يكلم السلطان في أمرهم، فدخل الأمير يونس المذكور إلى السلطان، وذكر له ذلك، ثم ترددت الرّسل بين السلطان وبينهم إلى أن آل الأمر إلى طلب سعد الدين فرج بن النحّال، واستقرّ وزيرا على عادته أولا على شروط، ونزل من وقته، وباشر الوزر، وسكن الأمر، وقد ذكر لى الصاحب شمس الدين: أنه لم يختف إلا بإذن السلطان.

وفي هذه الأيام فشا الطاعون بالقاهرة، وكان عدّة من ورد اسمه الديوان من الأموات فى يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الآخر المذكور- الموافق لسابع عشر أمشير، وهو يوم تنتقل الشمس إلى برج الحوت- خمسة وثلاثين نفرا، ولها تفصيل، وذلك خارج عن البيمارستان المنصورى والأوقاف والقرافتين والصحراء وبولاق ومصر القديمة.

ص: 137

وأمّا ضواحى القاهرة وإقليم الشرقية والغربية من الوجه البحرى فقد تزايد الطاعون فيها حتى خرج عن الحد، وهو إلى الآن في زيادة.

وكان أمر الطاعون في القرى أنه إذا وقع بقرية يفنى غالب من بها، ثم ينتقل إلى غيرها وربما اجتاز ببعض القرى ولم يدخلها، فسبحانه يفعل في ملكه ما يريد.

وفي يوم الخميس حادى عشرينه ضرب المماليك الأجلاب الأمير زين الدين الأستادار بسبب عليق الخيول ضربا مبرحا، وانقطع بسبب ذلك عن الخدمة أياما كثيرة.

وفي يوم السبت ثالث عشرينه وقع من بعض المماليك الأجلاب إخراق في حق الأمير يونس الدّوادار، والشخص المذكور يسمى قانصوه، وكان ذلك في الملأ من الناس، ونزل الأمير يونس إلى داره وهو في غاية ما يكون من الغضب، فما كفى قانصوه المذكور ما وقع منه في القلعة في حق الأمير يونس، حتى نزل إليه بداره وأساء عليه ثانيا بحضرة مماليكه وحواشيه، فلم يسع الأمير يونس المذكور إلا أن قام من مجلسه وعزل نفسه عن الدّوادارية، ودخل إلى داره من وقته، وأقام بها من يومه.

ثم في الغد لم يقع من السلطان على قانصوه المذكور- بسبب ما وقع منه في حق الأمير يونس- كبير أمر، ولا كلّمه الكلام العرفى، غير أن ابن السلطان الشهابى أحمد أرسل سأل الأمير يونس في الطلوع إلى القلعة وحضور الخدمة.

ثم إنّ بعض الأمراء أخذ قانصوه المذكور وأتى به إلى الأمير يونس حتى قبّل يده، ولا زال ذلك الأمير وغيره بالأمير يونس حتى رضى عنه بعد أن أوسعه سبّا وتوبيخا، وذلك حيث لم يجد يونس له ناصرا ولا معينا.

وأغرب من هذا أنه بلغنى أن قانصوه لما أفحش في أمر الأمير يونس أولا ربما أضاف إليه السلطان في بعض الإساءة، والسلطان يسمع كلامه.

قلت: إن صح هذا فهو مما يهوّن على الأمير يونس ما وقع في حقه من قانصوه.

ص: 138

وفي يوم الاثنين خامس عشرينه عجز الأمير زين الدين الأستادار عن القيام بجامكية المماليك السلطانية، فقام إلى السلطان شخص من الخاصكية الأجلاب يسمى جانبيه المجنون، وقال للسلطان:

«الملوك التي كانت قبلك كانوا ينفقون الجوامك، لأى شىء أنت ما تعطى مثلهم؟» .

فغضب السلطان من كلامه، وطلب العصى ليضربه، فخرج جماعة من الأجلاب من خچداشيته، وجذبوه من بين يدى السلطان، وتوجهوا به إلى الطبقة، ولم يتكلم السلطان بكلمة واحدة.

هذا والطاعون أمره في زيادة، فلما استهلّ جمادى الأولى الموافق لتاسع عشرين أمشير كان فيه التعريف: أعنى عدة من يرد اسمه الديوان من الأموات ستين نفرا، وهذا خلاف الأماكن المقدم ذكرها من البيمارستان والطرحى والقرافتين والصحراء ومصر وبولاق، وأما نواحى أرياف الوجه البحرى ففى زيادة، حتى قيل إنه كان يموت من خانقاه سريا قوس في اليوم ما يزيد على مائتى نفر، ووصل في هذه الأيام عدة من يموت بالمحلة الكبرى- إحدى قرى القاهرة «1» - كل يوم زيادة على مائتين وخمسين إنسانا، وهذا أمر كبير؛ كون أن المحلة وإن كانت مدينة هى قرية من القرى، ومثلها كثير من أعمال الديار المصرية.

غير أن ذلك كان نهاية الطاعون بها وابتداءه بالقاهرة؛ فإن الطاعون كان وقع بالأرياف قبل القاهرة بمدّة، فلما أخذ الطاعون في انحطاط من الأرياف أخذ في الزيادة بالقاهرة ومصر وضواحيها، كما هى عادة الطاعون وانتقاله من بلد إلى أخرى.

وفي يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى من سنة أربع وستين المذكورة أنعم السلطان

ص: 139

على سودون الأفرم الظاهرى الواصل قبل تاريخه من البلاد الشامية بإمرة عشرة بعد موت الأمير أسندمر الجقمقى.

وفي هذا اليوم أيضا كان عدة من ورد التعريف «1» بهم من الأموات بالقاهرة فقط مائة وعشرة نفر ولها تفصيل- ما بين رجال ونساء وصبيان وموال- وليس لذكر التفصيل هنا محل.

وكان من شأن هذا الطاعون أنه ينقص في اليوم نقصا قليلا عن أمسه، ثم يزيد في الغد كثيرا إلى أن انتهى ونقص وهو على هذه الصفة.

وفي هذه الأيام بلغ عدة من يموت في اليوم بخانقاه سرياقوس أكثر من ثلاثمائة نفر، ويقول المكثر أربعمائة، وبالمحلة ثلاثمائة، وفي مدينة منف في يوم واحد نحوا من مائتين، وقس على هذا في سائر القرى، وهذا نهاية النهاية الآن.

وفي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى- يوم تنتقل الشمس فيه إلى برج الحمل- كان فيه عدة من ورد اسمه التعريف «2» مائة وسبعين نفرا، وجاء في هذا اليوم عدة من صلى عليه من الأموات بمصلاة باب النصر على حدتها مائة نفر، فكيف يكون التعريف كله مائة وسبعين، وبالقاهرة مصلوات كثيرة نذكرها بعد ذلك في محلها.

وأبلغ من هذا أن الأمير زين الدين الأستادار ندب جماعة من الناس بأجرة معينة إلى ضبط جميع مصلوات القاهرة وظواهرها، وكان ما حرروه ممن صلى عليه في اليوم ستمائة إنسان، فعلى هذا لا عبرة بذكر التعريف المكتتب من ديوان المواريث، غير أن فائدة ذكر التعريف تكون لمعرفة زيادة الوباء ونقصه لا غير، ففى ذكره فائدة ما.

وفي يوم الجمعة عشرين جمادى الأولى كان فيه التعريف مائتين وتسعة نفر.

ثم في يوم السبت حادى عشرينه أنعم السلطان على قانى باى الأشرفى المعروف بأخى قانصوه النّوروزى بإمرة عشرة بعد موت الأمير يشبك الظاهرى.

ص: 140

ثم في يوم الخميس سادس عشرينه استقر الأمير برسباى البجاسى حاجب الحجاب أمير آخور كبيرا بعد موت يونس العلائى بالطاعون، واستقر سودون الإينالى المؤيدى المعروف بقراقاش في حجوبية الحجاب عوضا عن برسباى البجاسى المقدم ذكره.

وفيه أيضا أنعم السلطان بإقطاع يونس العلائى على الأمير جرباش المحمدى أمير مجلس، وأنعم بإقطاع جرباش المذكور على الأمير جانبك الظاهرى نائب بندر جدّة، وصار جانبك من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، وذلك زيادة على ما بيده من التحدث على بندر جدّة، بل على جميع الأقطار الحجازية، والإقطاع الذي استولى عليه الأمير جرباش، والذي خرج عنه كلاهما تقدمة ألف، لكن متحصل خراجهما يتفاوت.

وفي يوم الخميس هذا كان عدة من ورد اسمه الديوان من الأموات نحوا من مائتين وخمسة وثلاثين نفرا، وكان عدة المضبوط بالمصلاة ألفا ومائة وثلاثة وخمسين نفرا، وذلك خارج عما ذكرنا من مصر وبولاق والقرافتين والصحراء والأوقاف وزاوية الخدّام خارج الحسينية.

وفي يوم السبت ثامن عشرين جمادى الأولى المقدم ذكرها أستقرّ الشهابى أحمد بن قليب «1» أستادار السلطان بمدينة طرابلس في حجوبية حجاب طرابلس، زيادة على ما بيده من الأستادارية وغيرها، وكانت ولايته للحجوبية بعد موت خشقدم الأرنبغاوى «2» دوادار قانى باى الحمزاوى:

ثم استهل جمادى الآخرة- أولها يوم الثلاثاء- وقد كثر الوباء بالديار المصرية، وانتشر بها وبظواهرها، هذا مع الغلاء المفرط في الأسعار وظلم المماليك الأجلاب، فصارت الناس بين ثلاثة أمور عظيمة: الطاعون، والغلاء، والظلم، وهذا من النوادر- وقوع الوباء والغلاء معا في وقت واحد- فوقع ذلك وزيد ظلم الأجلاب، ولله الأمر.

ص: 141

وكان التعريف في هذا اليوم ثلاثمائة وستة عشر نفرا، وكان الذي حرروه في السبع عشرة مصلاة ألف إنسان وتسعمائة إنسان وعشرة، وأنكر ذلك غير واحد من الناس استقلالا، بل قال بعضهم وبالغ: بأن عدة من يموت في اليوم بالقاهرة أكثر من ثلاثة آلاف نفر، واعتل بقوله إن الذين ندبوا لضبط المصلوات اشتغل كل منهم بنفسه وبمن عنده وبغلمانه «1» ،

قلت: الصواب بل الأصح مقالة الثانى لما شاهدناه من كثرة الجنائز، وازدحام الناس بكل مصلاة- والله أعلم.

وأما أمر الغلاء ففى هذا الشهر أبيع فيه القمح كل إردب بستمائة درهم، والبطة من الدقيق العلامة بمائة وسبعين درهما، والرطل الخبز بأربعة دراهم، وهو عزيز الوجود بالحوانيت في كثير من الأوقات، والشعير والفول وكلاهما بأربعمائة درهم الإردب، وهما في قلة إلى الغاية والنهاية، والحمل التبن بأربعمائة درهم ولا بدّ له من حارس من الأجناد يحرسه من المماليك الأجلاب، هذا والموت فيهم بالجريف «2» - وصلوات الله على سيدنا عزرائيل- وما سوى ذلك من المأكل فسعره متحسن، لا كسعر الشعير والتبن والقمح والفول؛ كون هذه الأشياء يحتاج إليها الأجلاب، فيأخذونها بأبخس الأثمان، فترك الناس بيع هذه الأصناف إلا المحتاج، فعز وجودها لذلك.

ووقع للأجلاب في هذا الوباء أمور عجيبة؛ فإنهم لما فرغوا من أخذ بضائع الناس ظهر منهم في أيام الوباء أخذ إقطاعات الأجناد، فصاروا إذا رأوا شخصا على حانوت عطار أخذوه، وقالوا له: لعل الضعيف يكون له إقطاع، فإن كان له إقطاع عرفهم به؛ وإن لم يكن للضعيف إقطاع طال أمره معهم إلّا أن يخلصه منهم أحد من الأعيان.

ثم بدا لهم بعد ذلك أن كل من سمعوا له إقطاعا من أولاد الناس أو الأجناد القرانيص أخذوا إقطاعه، فإن كان صحيحا يرتجون مرضه، وإن كان ضعيفا ينتظرون

ص: 142

موته، فعلى هذا الحكم خرج إقطاع غالب الناس- الحى والميت- حتى إنهم فعلوا ذلك بعضهم مع بعض، فصار السلطان والناس في شغل شاغل، لأن الأجلاب صاروا يزدحمون عليه لأخذهم إقطاعات الناس، وعند ما يتفرغ من المماليك الأجلاب يتظلم كل أحد إليه ممن خرج إقطاعه وهو في قيد الحياة، فلم يسعه إلا ردّه عليه، فصار الإقطاع يخرج اليوم ويردّ إلى صاحبه في الغد، فصار يكتب في اليوم الواحد عدة مناشير ما بين إخراج وردّ، واستمر الناس على ذلك من أوّل الفصل إلى آخره.

وأغرب من هذا أن بعض الأجلاب اجتاز في عظم أيّام الوباء بالصحراء، فحازى جنازة امرأة على نعشها طرحة زركش، فاختطفها وساق فرسه فلم يوقف له على أثر.

ووقع لبعض الأجلاب أيضا أنه صدف في بعض الطرقات جنازة وهو سكران، فأمره المدير بالوقوف لتمر الجنازة عليه، فحنق منه، وأراد ضرب المدير، فهرب منه، فضرب الميت على رأسه، وقد شاهد ذلك جماعة كثيرة من الناس.

وفيما حكيناه كفاية عن فعل هؤلاء الظّلمة- ألا لعنة الله على الظالمين.

وفي يوم الثلاثاء مستهل جمادى الآخرة وصل إلى القاهرة تغرى بردى الطيّارى الخاصكى المتوجه في الرّسلية إلى جزيرة قبرس، وصحبته جماعة كثيرة من ملوك الفرنج وأهل قبرس.

والقادمون من الفرنج على قسمين: فرقة تسأل إيقاء ملك قبرس على الملكة المتولية، وفرقة تسأل عزلها وتولية أخيها جاكم الفرنجى الذي قدم إلى القاهرة قبل تاريخه، فلم يبت السلطان الأمر من ولاية ولا عزل في هذا اليوم، وأحال الأمر إلى ما سيأتى ذكره.

وفي يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة المذكورة عظم الطاعون بالقاهرة وظواهرها، واختلفت كلمة الحسّاب؛ لاشتغال كل أحد بنفسه وبمن عنده، فمنهم من قال: يموت في اليوم أربعة آلاف إنسان، ومنهم من قال: ثلاثة آلاف وخمسمائة، وقاس

ص: 143

صاحب القول الثانى على عدّة من صلّى عليه في هذا اليوم المذكور بمصلاة باب النصر، وقال: إن كل مائة ميت بمصلاة باب النصر بثلاثمائة وستين ميتا، وجاءت مصلاة المؤمنى في هذا اليوم أربعمائة وسبعة عشر ميتا، وهذا كله تقريبا لا تحريرا على الأوضاع.

ثم في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الآخرة عمل السلطان الموكب بالحوش السلطانى لأجل قصّاد الفرنج، وحضرت الفرنج وقبلوا الأرض ونزلوا أيضا على غير طائل.

وفي يوم الجمعة حادى عشره كان فيه التعريف مائتين وثمانين، وجاءت مصلاة باب النصر على حدتها خمسمائة وسبعين.

وفيه ضربت المماليك الأجلاب الوزير سعد الدين فرج بن النحّال ضربا مبرحا؛ لكونه لم يزد راتب لحمهم.

وفي يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة كان فيه التعريف نحو ثلاثمائة إنسان، منهم مماليك خمسة وسبعون، منهم خمسة وثلاثون من مماليك الأمراء وغيرهم، ومن بقى سلطانية، وأما الذي ضبط في هذا اليوم ممن صلى عليه من الأموات باثنتى عشرة مصلاة أربعة آلاف إنسان، وفي ذلك نظر؛ لأن مصلاة باب النصر وحدها جاءت في هذا اليوم خمسمائة وسبعين، ومصلاة البياطرة أربعمائة وسبعين، وجامع الأزهر ثلاثمائة وستة وتسعين، فمجموع هذه المصليات الثلاث من جملة سبع عشرة مصلاة أو أكثر ألف وأربعمائة وستة نفر، فعلى هذا كيف يكون جميع من مات في هذا اليوم أربعة آلاف؟! فهذا محال، وهذا خارج عن القرافتين والحسينية والصحراء وبولاق ومصر القديمة، إلا أن غالب من يموت صغار وعبيد وجوار.

غير أن هذا الطاعون كان أمره غريبا، وهو أن الذي يطعن فيه قلّ أن يسلم، حتى قال بعضهم: لعل إن من كل مائة مريض يسلم واحد، فأنكر ذلك غيره وقال: ولا كل ألف- مبالغة.

ص: 144

وفي يوم الأربعاء سادس عشره- الموافق لرابع عشر برمودة- ارتفع الوباء من بولاق، وكان الذي مات بها في اليوم «1» ثلاثة نفر، وقيل سبعة وقيل عشرة.

هذا بعد أن كان يموت في اليوم «2» ثلاثمائة وأربعمائة، ويقول المكثر خمسمائة- فسبحانه وتعالى فاعلا مختارا يفعل في ملكه ما يشاء.

وأخذ الطاعون في هذه الأيّام يخف من ظواهر القاهرة، مثل الحسينيّة وغيرها، وعظم في القاهرة وما حولها من جهة الصّليبة والقلعة وقناطر السّباع، وكان الذي مات من المماليك الأجلاب الإيناليّة في هذا الطاعون- إلى يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة- ستمائة مملوك وثلاثين مملوكا. إلى لعنة الله وسقر، إلى حيث ألقت.

ومما وقع لى من أوائل هذا الفصل قولى على سبيل المجاز: [السريع]

قد جاءنا الفصل على بغتة

مستجلبا حلّ مجدّ الطلب

من كثرة البغى وظلم بدا

يخصه الله بمن كان جلب

وفي يوم الاثنين حادى عشرين جمادى الآخرة- الموافق لتاسع عشر برمودة، وهو أول خمسين «3» النصارى- فيه ظهر نقص الطاعون بالقاهرة، وكان ابتداء النقص من يومى الخميس والجمعة.

وفي يوم الاثنين هذا كان عدة من صلى عليه بمصلاة باب النصر ثلاثمائة وخمسين إنسانا، وبجامع الأزهر ستمائة إنسان، وهو أكثر ما وصل إليه العدة بالجامع المذكور، لأن غالب الطاعون الآن هو بالقاهرة، وكان عدّة من صلى عليه بمصلاة البياطرة مائتين وأربعة، وهو بحكم النصف مما كان صلى عليه بها قبل ذلك، وكان عدّة من صلى عليه بمصلاة المؤمنى مائتين وثمانين نفرا، وهو أقل من النصف أولا، ونحن نذكر- إن شاء الله تعالى- عدة هذه المصلوات في يوم الاثنين القابل؛ ليعلم الناظر في هذا الكتاب كيفية انحطاط الطاعون عند زواله من اليوم إلى مثله.

ص: 145

فلما كان يوم الخميس ثامن عشرينه الموعود بذكره كان فيه عدّة من صلى عليه بمصلاة باب النصر مائة وتسعين، وبالجامع الأزهر زيادة على مائة وثلاثين، وبمصلاة البياطرة مائة وأربعة عشر، وبمصلاة المؤمنى مائة وسبعة وثلاثين، ونذكر- إن شاء الله تعالى- فى يوم الاثنين الآتى عدّة ذلك أيضا.

وفي يوم الأربعاء تاسع شهر رجب فيه فشا نقص «1» الطاعون، وانحط سعر الغلال، وظهر الشعير والتين والدريس لموت تلك الجبابرة الأجلاب.

وفيه طعن جامعه «2» ، ثمّ منّ الله تعالى بالعافية بعد أمور، ولله الحمد على المهلة.

وفي يوم الجمعة ثالث شهر رجب المذكور- الموافق لسلخ برمودة- لبس السلطان القماش الأبيض البعلبكى المعتد لبسه لأيام الصيف.

ثم في يوم الاثنين سادسه كان فيه عدّة من صلى عليه من الأموات بمصلاة باب النصر مائة، وقيل تسعين، وبمصلاة البياطرة زيادة على الخمسين، وبمصلاة المؤمنى زيادة على التسعين:

ثم في يوم السبت حادى عشره استقر الأمير أرغون شاه الأشرفى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أستادار الصحبة السلطانية، بعد موت يشبك الأشرفى الأشقر.

ثم في يوم الاثنين ثالث عشر شهر رجب كان فيه عدّة من صلى عليه من الأموات بمصلاة باب النصر نحوا من خمسة وعشرين نفرا، وبمصلاة البياطرة ثلاثة وعشرين، وبالجامع الأزهر خمسة نفر، وبمصلاة المؤمنى نيفا وثلاثين نفرا، هذا والعلة موجودة في الأكابر والأعيان إلى آخر رجب.

ثم في يوم الثلاثاء رابع عشره استقر القاضى تقي الدين بن نصر الله ناظر ديوان المفرد عوضا عن الصاحب شمس الدين منصور [بن الصفى]«3» .

ص: 146

وفيه استقر الشيخ سراج الدين [عمر]«1» العبادى الشافعى ناظر الأحباس بعد موت القاضى زين الدين عبد الرحيم العينىّ:

واستهل شعبان يوم الخميس وقد خفّ الطاعون من الديار المصرية بالكلية، فكان عدّة من مات في هذا الطاعون من المماليك الأجلاب الإينالية فقط ألفا وأربعمائة نفر- فالله يلحق بهم من بقى منهم- وهذا خلاف من مات في هذا الطاعون من المماليك السلطانية الذين هم من سائر الطوائف «2» .

ثم في يوم الثلاثاء سادس شعبان المذكور من سنة أربع وستين وقع في المملكة «3» أمر شنيع؛ وهو أن السلطان جمع أعيان الفرنج القبارسة في الملأ بالحوش السلطانى، وأراد بقاء الملكة صاحبة قبرس على عادتها، وخلع على قصادها أعيان الفرنج، واستقر تغرى بردى الطيّارىّ مسفرها، وعلى يده تقليدها وخلعتها.

وكان الفرنجى جاكم أخوها حاضر الموكب، وقد جلس تحت مقدمى الألوف، فعزّ عليه ولاية أخته وإبقاؤها على ملك الأفقسية من جزيرة قبرس مع وجوده، فقام على قدميه واستغاث، وتكلم بكلام معناه أنه قد جاء إلى مصر، والتجأ إلى السلطان، ودخل تحت كنفه، وله عنده هذه المدّة الطويلة، وأنه أحقّ بالملك من أخته وبكى، فلم يسمع السلطان له وصمم على ولاية أخته، وأمره بالنزول إلى حيث هو سكنه، فما هو إلا أن قام جاكم المذكور وخرج من باب الحوش الأوسط ثم خرج بعده أخصامه حواشى أخته، وعليهم الخلع السلطانية مدّت الأجلاب أيديها إلى أخصام جاكم من الفرنج، وتناولوهم بالضرب

ص: 147

والإخراق، وتمزيق الخلع، واستغاثوا بكلمة واحدة، أنهم لا يريدون إلا تولية جاكم هذا مكان والده، وعظمت الغوعاء، فلم يسع السلطان إلا أن أذعن في الحال بعزل الملكة وتولية جاكم، فتولى جاكم على رغم السلطان بعد أن أمعنوا المماليك الأجلاب في سب الأمير بردبك الدّوادار الثانى، وقالوا له:«أنت إفرنجى «1» وتحامى للفرنج» فاستغاث بردبك المذكور، ورمى وظيفة الدّوادارية، وطلب الإقالة من المشى في الخدمة السلطانية، فلم يسمع له السلطان، وفي الحال خلع على جاكم، ورسم بخروج تجريدة من الأمراء إلى غزو قبرس، تتوجّه مع جاكم المذكور إلى قبرس، حسبما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى في وقته.

وفي يوم الاثنين ثانى عشره رسم السلطان باستقرار الأمير قراجا الظاهرى الخازندار حاجب الحجّاب- كان- أتابك عساكر دمشق بعد موت الأمير علّان المؤيّدى بمال وعد به نحو عشرة آلاف دينار.

وفي يوم السبت سابع عشره استقرّ القاضى ولى الدين أحمد ابن القاضى تقي الدين محمد البلقينى «2» قاضى قضاة دمشق الشّافعيّة بعد عزل القاضى جمال الدين يوسف الباعونى «3» .

وفيه استقرّ القاضى زين الدين أبو بكر بن مزهر ناظر الجيوش المنصورة بعد عزل القاضى برهان الدين إبراهيم الدّيرى.

وفي يوم الأحد ثامن عشره عرض السلطان المماليك السلطانية بالحوش، وعيّن منهم جماعة للجهاد: أعنى للسفر صحبة جاكم الفرنجى إلى قبرس، وقد تعيّن من يسافر إلى قبرس من الأمراء قبل ذلك.

ص: 148

وفيه ورد الخبر من مكّة المشرّفة بموت الأمير برشباى الإينالى المؤيدى رأس المماليك المجاورين بها، فأنعم السلطان بإقطاعه في يوم الثلاثاء على دولات باى «1» الأشرفى السّاقى، وعلى خيربك من حديد الأشرفى الدّوادار، نصفين بالسّويّة، لكل منهما إمرة عشرة.

واستهلّ شهر رمضان- أوله الجمعة- فى يوم السبت ثانيه خلع السلطان على الأمير جانبك الظاهرى أحد أمراء مقدمى الألوف بسفره إلى بندر جدّة على عادته في كل سنة، وخرج من الغد متوجها إلى جدّة في غاية التجمل والحرمة.

وفي يوم الثلاثاء خامس شهر رمضان المذكور عيّن السلطان الأمير خشقدم الناصرى المؤيدى أمير سلاح إلى سفر الوجه القبلى؛ لقتال العرب الخارجة عن الطاعة، وعيّن معه مائتى مملوك، وسافروا يوم الثلاثاء ثانى عشره.

وفي هذا الشهر قوى الاهتمام بسفر المجاهدين، وقاست الناس من أعوان سنقر الزّردكاش شدائد يطول الشرح في ذكرها، حتى قال بعض الشعراء الموالة بلّيقا، تعرّض فيه لظلم سنقر الزّردكاش وحواشيه، بقوله:

قبل الغزا جاهد في الناس

فصار الظلم أنواع وأجناس

من طلب هذا الغزا واحتاج لواس

ووقع بسبب عمارة هذه المراكب مظالم لا تحصى، من قطع أشجار الناس عسفا، وأخذهم ما يحتاجون إليه ظلما، وزاد ظلم سنقر هذا على الناس حتى جاوز الحد، فلا جرم أن الله تعالى عامله بعد ذلك من جنس فعله في الدنيا، بما قاساه من النفى والحبس وأخذ المال، مع الذل والهوان والصغار، وحلّ به كل مصيبة، حتى أحرقت داره بجميع ما فيها، ثم نهب ما فضل من الحريق، وتشتّت في البلاد على أقبح وجه، هذا في الدنيا وأما الأخرى فأمره إلى الله تعالى.

ص: 149

وفي يوم الأحد أول شوال عيّن السلطان الأمير كزل السودونى المعلّم، والأمير برسباى الأشرفى الأمير آخور للتوجّه إلى الإسكندرية وصحبتهما مائة وخمسون مملوكا من المماليك السلطانية، لأخذ ما هناك من المراكب، والتوجّه بها إلى ثغر دمياط من البحر الملح، ليكون سفر جميع المجاهدين من مينة واحدة، وهى مينة دمياط.

ثم في يوم الأربعاء رابع شوال أنفق السلطان في المجاهدين من المماليك السلطانية، للفارس والراجل سواء، لكل واحد مبلغ خمسة عشر دينارا، وأنفق على كل مملوك من المماليك الذين يتوجّهون مع كزل وبرسباى المقدم ذكرهما عشرة دنانير الواحد.

ثم في يوم الاثنين تاسعه نزل السلطان الملك الأشرف إينال في موكب هائل من قلعة الجبل بأمرائه وخاصكيته وأعيان دولته إلى جزيرة أروى المعروفة بالوسطى بساحل النّيل؛ لينظر ما عمّر من المراكب، فسار إلى هناك في موكب عظيم، ونظر المراكب، وخلع على سنقر قرق شبق الزّردكاش المقدّم ذكره، وعلى جماعة أخر ممن باشر عمل المراكب، ثم عاد من حيث جاء من قناطر السباع، فلم يبتهج الناس لنزوله، لعظم ما قاسوه من الظلم في عمل هؤلاء المراكب، من قلة الإنصاف والجور في حقّ العمال من أرباب الصنائع وغيرهم، ولولا أن الأمر منسوب إلى نوع من أنواع الجهاد لذكرنا من فعل سنقر هذا ما هو أقبح من أن نذكره.

ثم في يوم الثلاثاء سابع عشر شوال سافر المجاهدون في بحر النيل إلى ثغر دمياط، ومقدم العساكر يوم ذاك في البر الأمير يونس الأقبائى الدوادار الكبير، وفي البحر الأمير قائم من صفر خجا «1» المؤيدى التاجر أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، ومعهما بقية الأمراء، وهم: الأمير سودون الإينالى المؤيدى المعروف بقراقاش حاجب الحجاب وغيره، وخلع السلطان على هؤلاء الثلاثة المذكورين، وخلع أيضا على جاكم

ص: 150

الفرنجى خلعة نخّ «1» بقاقم، ونزل جميع الغزاة في خدمتهم إلى بحر النيل، وسافر هؤلاء الأمراء الثلاثة إلى دمياط من يومهم، وبقى من عداهم يسافرون أرسالا في كل يوم، إلى يوم الثلاثاء القابل؛ لكثرة عدة العساكر.

وأما مقدار عدد من سافر في هذه الغزوة من الأمراء والجند فعدّة كبيرة.

فأولهم أمراء الألوف الثلاثة المقدم ذكرهم.

ثم من أمراء الطبلخانات ثلاثة أيضا، وهم: الأمير بردبك البجمقدار الظاهرى ثانى رأس نوبة، وجانبك من أمير الخازندار الأشرفى، ويشبك من سلمان شاه الفقيه المؤيّدى رأس نوبة.

ومن أمراء العشرات جماعة، وهم: جكم الأشرفى خال الملك العزيز يوسف، ودقماق اليشبكى، وكسباى الشّشمانى المؤيدى، وطوخ الأبوبكريّ المؤيدى رأس نوبة، وقانم نعجة الأشرفى رأس نوبة، وسنقر قرق شبق الأشرفى الزردكاش المقدم ذكره، وقراجا الأعرج الطويل أحد مماليك السلطان القديمة.

وأما المماليك السلطانية فعدتهم تزيد على خمسمائة نفر تخمينا.

وهذا خلا المطوّعة وغيرهم من الخدم والمراكبية وأنواعهم.

وفي يوم الخميس تاسع عشر شوال خرج أمير حاج المحمل بالمحمل، وهو الأمير تمرباى من حمزة الناصرى المعروف بططر أحد أمراء العشرات، وأمير الركب الأوّل تنم الحسينى الأشرفى رأس نوبة.

وفي يوم الجمعة سابع عشرينه أمسك السلطان زين الدين الأستادار، وجنزره «2» وحبسه بالبحرة من الحوش السلطانى، وندب الصاحب شمس الدين منصور [بن الصفى]«3» لمحاسبته فقامت المماليك الأجلاب على منصور حمية لزين الدين، فراج أمر زين الدين

ص: 151