الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 865]
السنة الأولى «1» من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة خمس وستين وثمانمائة:
على أن السنة المذكورة حكم فيها ثلاثة ملوك.
حكم الأشرف إينال من أوّلها إلى أن خلع نفسه، وولى ولده الملك المؤيّد أحمد في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الآخرة، ومات من الغد في يوم الخميس، وحكم ولده الملك المؤيّد أحمد من رابع عشر جمادى الآخرة إلى يوم الأحد تاسع عشر شهر رمضان.
ثم حكم في باقى السنة الملك الظاهر خشقدم إلى آخرها.
فيها توفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الإينالى المؤيّدى المعروف بقراقاش حاجب الحجاب بجزيرة قبرس في الغزاة من غير جراح، بل مرض نحو عشرة أيام، ومات في أول المحرم، وقد عرفنا أحواله في تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، وأيضا في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» بما فيه كفاية عن ذكره ثانيا هنا، ومات وقد زاد سنّه على الستين، وكان مخلّطا في أموره، يقبل المدح والذم.
وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله النّوروزى، أحد أمراء الطبلخانات، ونائب الإسكندرية بها في يوم السبت مستهل صفر وقد ناهز الثمانين من العمر، وكان من مماليك الأمير نوروز الحافظى المتغلب على دمشق، وولى أيام أستاذه
نيابة بعلبك، ولهذا كان يعرف بنائب بعلبك، وكان من خيار أبناء جنسه، كان شجاعا مقداما كريما متواضعا، ديّنا خيّرا، قلّ أن ترى العيون مثله.
وتوفّى الشيخ الصالح الزاهد العابد المعتقد عمر اليمنى «1» نزيل مكة في سحر ليلة الأربعاء ثالث شهر ربيع الأوّل بمكة، ودفن بمقابر باب شبيكة، وكان فردا في كثرة العبادة والزهد، وقد سألت عنه بمكة من صاحبنا القدوة أحمد الفوّى، أعاد الله علينا من بركاته فقال:«هذا يشبّه بعبّاد بنى إسرائيل» .
وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة أبو الفضل محمد بن أبى القاسم المشدّالى البجائى «2» المغربى المالكى غريبا ببعض أعمال حلب، وهو في الكهولية، وكان إماما فى المعقول والمنقول، وشهرته القوية بالأول، كان إماما في النحو والمنطق وعلم المعانى والبيان والأصلين والطب والحكمة وعلوم الأوائل، وكان إذا حقق مسألة فقهية كان إلى كلامه المنتهى، وبالجملة إنه كان نادرة من النّوادر- رحمه الله.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم الفقيه عزّ الدين محمد بن محمد بن عبد السلام «3» أحد نواب الشافعية، فى ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر، وكان آخر من حضر دروس الشيخ سراج الدين عمر البلقينى- رحمه الله تعالى.
وتوفّى السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر إينال العلائى ثم الظاهرى سلطان الديار المصرية في يوم الخميس خامس عشر جمادى الأولى وقد تقدّم ذكره.
وتوفّى جمال الدين جميل بن أحمد بن عميرة بن يوسف المعروف بابن يوسف، شيخ العرب ببعض إقليم الغربية والسخاوية بالوجه البحرى، فى جمادى الأولى وقد جاوز الستين.
وتوفّى الزينى مرجان بن عبد الله الحصنى الحبشى الطواشى، مقدّم المماليك السلطانية، فى آخر يوم الأحد ثانى جمادى الآخرة، ودفن من الغد، وقد ناهز الستين من العمر، كان وضيعا في مبدأ أمره، وقاسى خطوب الدهر ألونا وتغرّب واحتاج في غربته إلى التكدّى والسؤال، ثم حسنت حاله، وخدم عند خلائق من الأمراء، إلى أن تحرّك له بعيض سعد، وترقّى إلى أن ولى نيابة المقدم، ثم التّقدمة، فلما ولى لم يراع النعمة، بل أخذ في الإسراف على نفسه فما عفّ ولا كفّ، ودام على ذلك إلى أن مات، وعلى كل حال فمستراح منه، وهو ممن يقال في حقه:«يأكل ما كان ويضيق بمكان» .
وتوفّى الوزير الصاحب سعد الدين فرج ابن مجد الدين ماجد بن النحّال القبطى المصرى بطّالا بالقاهرة، فى ليلة الثلاثاء حادى عشر جمادى الآخرة، وقد جاوز الستين من العمر، بعد أن ولى كتابة المماليك والوزر والأستادارية غير مرة- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين كزل بن عبد الله السّودونى المعلّم، أحد أمراء العشرات فى يوم السبت ثانى عشرين جمادى الآخرة، ودفن من الغد بتربته التي أنشأها بالصحراء، وسنه نحو التسعين سنة تخمينا، وقد انتهت إليه رئاسة الرّمح وتعليمه في زمانه، وكان أصله من مماليك سيّدى سودون نائب الشام قريب الملك الظاهر برقوق، وقد ذكرنا من أمره نبذة في ترجمة الملك الظاهر في «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» - رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير زين الدين فيروز بن عبد الله الطواشى الرومى النّوروزى الزّمام والخازندار، فى يوم الخميس رابع عشرين شعبان، وقد شاخ وجاوز الثمانين من العمر، وكان من عتقاء الأمير نوروز الحافظى نائب الشام، ثم وقع له بعد موت أستاذه محن وخطوب ذكرناها في غير موضع من مصنفاتنا، وليس هذا المحل محل إطناب في التراجم، وإنما هو إخبار بما وقع وحدث على سبيل الاختصار في هذه الترجمة وغيرها، ومات فيروز هذا بعد مرض طويل، ودفن بتربته التي أنشأها بالصحراء، وخلّف مالا
كثيرا لم يظفر السلطان إلا ببعضه، وهو نحو المائة ألف دينار أو أزيد، وكان رأسا في البخل والشّح، يمشى من طبقته بقلعة الجبل إلى السلطان بالدهيشة، وإذا صلى الفريضة صلى جالسا إن صلى.
وتوفّى الأمير شرف الدين يونس الأقبائى الدّوادار الكبير بعد مرض طويل في يوم الأربعاء ثانى عشرين شهر رمضان، ودفن من يومه بتربته التي أنشأها بالصّحراء، وقد جاوز الستين من العمر، ولم يخلف بعده مثله سؤددا وكرما، وحشمة وشجاعة ورئاسة، وبالجملة إنه كان به تجمل في الزّمان- رحمه الله تعالى- وكان أصله من عتقاء الأمير آقباى المؤيّدى نائب الشام، حسبما ذكرنا محاسنه في غير موضع من تواريخنا.
وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الأبوبكرى المؤيدى أتابك حلب بها في أواخر شهر رمضان، وهو مناهز الستين من العمر، وأصله من عتقاء الملك المؤيّد شيخ، وقد ولى أتابكية حلب غير مرّة، وولى في بعض الأحيان نيابة حماة، ثم نقل إلى تقدمة ألف بدمشق، ثم إلى أتابكية حلب، وكان عاقلا حشما، حسنة من حسنات الدنيا.
وتوفّى الأمير سيف الدين خشكلدى بن عبد الله الكوجكى، أحد أمراء طرابلس، فى أواخر شهر رمضان، وكان له شهرة، وولى نيابة حمص في وقت من الأوقات.
وتوفّى الوزير تاج الدين بن عبد الوهاب ابن الشمس نصر الله ابن الوجيه توما القبطى الأسلمى، الشهير بالشيخ الخطير- وهو لقب لوالده نصر الله- بعد ما شاخ، فى يوم الأربعاء خامس ذى القعدة، وكان معدودا من الكتبة، وباشر الوزر بعجز، لكنه كفّ عن المظالم، فهو أحسن الوزراء سيرة- والسّداد ميسّر.
وتوفّى قاضى القضاة ولىّ الدين أحمد ابن القاضى تقي الدين ابن العلّامة بدر الدين محمد ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى «1» الشافعى، قاضى قضاة دمشق معزولا
بها، بعد مرض طويل، فى ذى القعدة، ومولده بالقاهرة في سنة أربع عشرة وثمانمائة، وكان- رحمه الله تعالى- عالما فاضلا ذكيا، فصيح العبارة، مستقيم الذهن، طلق اللسان جهورى الصوت، مليح الشكل، خطيبا بليغا مفوها، كثير الاستحضار للشعر وأنواعه، نادرة في أقاربه وأبناء جنسه، إلا أنه كان قليل الحظ عند الملوك والأكابر، كما هى عادات الدّهر من تقديم الجهلاء وتأخير الفضلاء.
وتوفّى الأمير سيف الدين خيربك بن عبد الله النّوروزى بعد عزله عن نيابة صفد وتوجهه إلى دمشق أميرا بها، وكان بلى المناصب الجليلة بالبذل لعدم أهليته، فإنه كان لا للسيف ولا للضيف.
وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح المجذوب أحمد السطوحى، المعروف بالشيخ خروف «1» ، فى يوم السبت سابع ذى الحجة، ودفن بزاويته عند جامع ملكتمر الشيخونى، المعروف بالجامع الأخضر بطريق بولاق، وكان للناس فيه اعتقاد، وكان يعجبنى حاله في المجاذيب- رحمه الله تعالى.
وتوفّى القاضى أفضل الدين محمود بن عمر «2» القرمى الأصل، الحنفى الفقيه المشهور، أحد نوّاب الحكم الحنفية بالديار المصريّة، وهو عائد من مجاورته بمكة بالقاع الكبير، فى ليلة الثلاثاء سابع عشر ذى الحجة، وحمل إلى منزلة بدر فدفن بها، وهو في عشر السبعين، وكان معدودا من فقهاء السّادة الحنفية، وله اشتغال قديم، وفضل ومشاركة، وناب في الحكم زيادة على ثلاثين سنة، مع أدب وحشمة.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرغ ونصف، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وواحد وعشرون إصبعا، وثبت إلى أيام من توت، ومع هذا الثبات شرق بلاد كثيرة من عدم إتقان الجسور- ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.