الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشرف فيه على الموت، وطلع إلى القلعة، وخلع السلطان عليه ونزل إلى داره في يوم مشهود لم ير مثله إلا نادرا.
وفي يوم الخميس سابع عشرين ذى القعدة استقرّ الأمير سودون النوروزى السلاح دار أحد أمراء الطبلخانات في نيابة قلعة الجبل بعد موت قانى باى الأعمش النّاصرى، وأنعم السلطان بإقطاع قانى باى المذكور على ولده الصغير المقام الناصرى محمد، والإقطاع إمرة عشرة.
[ما وقع من الحوادث سنة 861]
واستهلت سنة إحدى وستين وثمانمائة يوم الاثنين الموافق لثالث كيهك أحد شهور القبط.
فلما كان يوم السبت سادس المحرم ضرب السلطان والى القاهرة خيربك القصروى، وعزله عن ولاية القاهرة، وحبسه بالبرج على حمل عشرة آلاف دينار، فدام في البرج إلى أن أطلق في يوم عاشره، واستقر عوضه في ولاية القاهرة على بن إسكندر، واستقرّ في نقابة الجيش الأمير ناصر الدين بن أبى الفرج- على عادته أوّلا- عوضا عن على بن إسكندر المذكور «1» .
وفي يوم السبت هذا نودى أيضا على الذّهب بأن يكون صرف الدّينار الذي هو وزن درهم وقيراطين ثلاثمائة درهم نقرة، وكان بلغ صرفه قبل ذلك إلى ثلاثمائة وسبعين نقرة، وأضرّ ذلك بحال الناس زيادة على ما هم فيه من أمر المماليك الأجلاب.
وفي يوم الاثنين خامس عشر المحرم المذكور ورد الخبر على السلطان بموت يشبك «2» حاجب حجّاب طرابلس، فرسم باستقرار شادبك الصارمى «3» عوضه في حجوبية الحجاب، والمتوفى والمولّى كلاهما ولى بالبذل.
وفي يوم الخميس ثالث صفر ثارت المماليك الأجلاب على السلطان، وأفحشوا فى أمره إلى الغاية. وخبر ذلك أن السلطان لما كان في يوم الخميس المذكور وهو جالس بقاعة الدهيشة، وكانت الخدمة بطّالة في هذا اليوم، وذلك قبل أن يصلى السلطان الصبح، وإذا بصياح المماليك، فأرسل السلطان يسأل عن الخبر، فقيل له إن المماليك أمسكوا نوكار الزّردكاش وهددوه بالضرب، وطلبوا منه القرقلات «1» التي وعدهم السلطان بها من الزّردخاناه السلطانية، فحلف لهم أنه يدفع لهم ذلك في أوّل الشّهر، فتركوه ومضوا، فلقوا الشيخ عليا الخراسانى الطويل محتسب القاهرة، وهو داخل إلى السلطان فاستقبلوه بالضّرب المبرح المتلف، وأخذوا عمامته من على رأسه، فرمى بنفسه إلى باب الحريم السلطانى حتى نجا.
وأما السلطان لما فرغ من صلاة الصّبح نزل وقعد على الدّكة بالحوش على العادة، ثم قام بعد فراغ الخدمة وعاد إلى الدّهيشة، وإذا بالصّياح قد قوى ثانيا، فعلم أن ذلك صياح الأجلاب، فأرسل إليهم الأمير يونس الدّوادار، فسألهم يونس المذكور عن سبب هذه الحركة، فقالوا: نريد نقبض جوامكنا، كل واحد سبعة أشرفيّة ذهبا «2» ، وكانت جامكيّة الواحد منهم ألفين قبل تاريخه يأخذها ذهبا وفضة، بسعر الذهب تلك الأيام، فلما غلا سعر الذهب تحيّلوا على زيادة جوامكهم بهذه المندوحة، ثم قالوا:
ونريد أن تكون تفرقة الجامكية في ثلاثة أيام، أى على ثلاث نفقات «3» كما كانت قديما، ونريد أيضا أن يكون عليقنا السلطانى الذي نأخذه من الشّونة مغربلا، ويكون مرتبنا من اللحم سمينا، فعاد الأمير يونس إلى السلطان بهذا الجواب، ولم يتفوّه به إلى السلطان، وتربّص عن ردّ الجواب على السلطان حتى يفرغ السلطان من أكل السّماط، فأبطأ الخبر لذلك عن الأجلاب، فندبوا مرجانا مقدّم المماليك للدخول بتلك المقالة إلى السلطان، فدخل مرجان أيضا ولم يخبر السلطان بشىء حتى فرغ من أكل
السّماط، فعند ذلك عرّفه الأمير يونس بما طلبوه، فقال السلطان: لا سبيل إلى ذلك، وأرسل إليهم مرجانا المقدّم يعرّفهم مقالة السلطان، فعاد مرجان ثانيا إلى السلطان بالكلام الأوّل، وصار يتردّد مرجان بين السّلطان والمماليك الأجلاب نحو سبعة مرار، وهم مصممون على مقالتهم، والسّلطان ممتنع من ذلك.
وامتنع الناس من الدّخول والخروج إلى السلطان خوفا من المماليك لما فعلوه مع العجمى المحتسب، فلما طال الأمر على السّلطان خرج هو إليهم بنفسه، ومعه جماعة من الأمراء والمباشرين، وتوجّه إلى باب القلّة حيث يجلس مقدّم المماليك والخدّام، فوجد المماليك قد اجتمعوا عند رحبة باب طبقة المقدّم، فلما علموا بمجيء السلطان أخذوا في الرجم فجلس السلطان بباب القلّة مقدار نصف درجة، ثم استدرك أمره لمّا رأى شدّة الرّجم، وقصد العود إلى الدّهيشة، ورسم لمن معه من الأمراء أن ينزلوا إلى دورهم، فامتنعوا إلا أن يوصّلوه إلى باب الحريم، فعاد عليهم الأمر فنزلوا من وقتهم، وبقى السلطان فى خواصّه وجماعة المباشرين وولده الكبير المقام الشهابى أحمد.
فلما سار السلطان إلى نحو باب الستارة، ووصل إلى باب الجامع أخذه الرّجم المفرط من كلّ جهة، فأسرع في مشيته والرّجم يأتيه من كل جانب، وسقط الخاصكى الذي كان حامل ترس السلطان من الرّجم، فأخذ التّرس خاصكىّ آخر فضرب الآخر فوقع وقام، وشجّ دوادار ابن السلطان في وجهه وجماعة كثيرة، وسقطت فردة نعل السلطان من رجله فلم يلتفت إليها لأنه محمول من تحت إبطيه مع سرعة مشيهم إلى أن وصل إلى باب الستارة، وجلس على الباب قليلا، فقصدوه أيضا بالرّجم فقام ودخل من باب الحريم وتوجّه إلى الدّهيشة.
واستمرّ وقوف المماليك على ما هم عليه إلى أذان المغرب، فبعد صلاة المغرب نزل الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص من باب الحريم إلى القصر، وتوصل منه إلى الإسطبل السلطانى، وخرج من باب السّلسلة، وتوجّه إلى داره، ونزل الأمير بردبك الدّوادار الثانى وصهر السلطان من الميدان ماشيا، فوجد فرسه تحت القلعة،
فركبه وتوجّه إلى داره، وكذلك فعل جانبك المشدّ، وجانبك الخازندار وغيرهما، وبات القوم وهم على وجل، والمماليك يكثرون من الوعيد في يوم السبت؛ فإنهم زعموا أن لا يتحركوا بحركة في يوم الجمعة مراعاة لصلاة الجمعة.
وأصبح السلطان وصلى الجمعة مع الأمراء على العادة، فتكلم بعض الأمراء مع السلطان فى أمرهم بما معناه إنه لا بد لهم من شىء يطيّب خواطرهم به، ووقع الاتفاق بينهم وبين السلطان على زيادة كسوتهم التي يأحذونها في السّنة مرّة واحدة، وكانت قبل ذلك ألفين، فجعلوها يوم ذاك ثلاثة آلاف «1» ، وزادوهم أيضا في الأضحية، فجعلوا لكل واحد ثلاثة من الغنم الضأن، فزيدوا رأسا واحدا على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك، ثم رسم لهم أن تكون تفرقة الجامكيّة على ثلاث نفقات «2» فى ثلاثة أيام من أيام المواكب، فرضوا بذلك وخمدت الفتنة، وقد انتفعت جميع المماليك السلطانية بهذه الزيادات؛ فإنها ليست بمختصة بالأجلاب فقط، وإنما هى لجميع مماليك السلطان كائنا من كان، فحمدت المماليك والناس جميعا فعلهم لماجر إليهم من المنفعة.
قلت: هذا هو الاحتمال الذي يؤدى إلى قلة المروءة، فإنه لو أراد لفعل بهم ما شاء، غير أنه كما ورد:«حبّك للمرء يعمى ويصم» انتهى.
وفي هذه الأيام ترادفت الأخبار من الأمير جانم الأشرفى نائب حلب بحركة ابن قرمان، فلهج السلطان بخروج تجريدة لقتاله بعد انفصال فصل الشتاء.
ثم في يوم الاثنين خامس شهر ربيع الأوّل أبطل السلطان الخدمة من القصر، وجلس بالحوش السلطانى، وجمع القضاة والأعيان وناظر دار الضّرب، وسبكت الفضة المضروبة في كل دولة، وقد حرّرنا وزن ضرب كلّ دولة، وما نقص منها في تاريخنا «حوادث الدهور» - انتهى.
وانفضّ الجمع وقد نودى في يومه بشوارع القاهرة بأن أحدا لا يتعامل بالفضّة
المضروبة بدمشق في هذه الدّولة، فشقّ ذلك على الناس قاطبة؛ لكثرة معاملاتهم بهذه الفضة التي داخلها الغشّ، ولهجت العامة في الحال فيما بينهم:«السلطان من عكسه أبطل نصفه» و «إذا كان نصفك إينالى لا تقف على دكانى» وأشياء من هذه المهملات التي لا وزن ولا قافية، وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان.
هذا والصاحب جمال الدين عظيم الدّولة بلّغ السلطان من الغد أنّ المماليك تريد إثارة فتنة أخرى بسبب ذلك، فخشى السلطان من مساعدة العوامّ لهم، فأبطل ما كان نودى به.
قلت: والمصلحة ما كان فعله السلطان، غير أنك تعلم أن السّواد الأعظم من العامة ليس لهم ذوق ولا خبرة بعواقب الأمور، فإنهم احتاجوا بعد ذلك إلى أن سألوا في إبطال ذلك، فلم يسمح لهم السلطان به إلّا بعد أمور وأشهر حسبما يأتى ذكره، وهو معذور في ذلك.
وفي يوم الخميس خامس عشر شهر ربيع الأوّل المذكور من سنة إحدى وستين عمل السلطان المولد النبوىّ بالحوش من قلعة الجبل على العادة في كل سنة، غير أنه فرّق الشّقق الحرير على القرّاء والمدّاح، كل شقّة طولها خمسة أذرع إلى ثلاثة أذرع ونصف، ولم يفرق على أحد شقة كاملة إلا نادرا.
قلت: كل ذلك من سوء تدبير أرباب وظائفه وحواشيه، وإلا فما هو هذا النزر اليسير حتى يشحّ به مثل هذا الملك الجليل، ونفرض أنه عزم على ذلك فكان يمكنهم الكلام معه في ذلك، فإن عجزوا عن مدافعته كان أحد من أولاده وخواصه يقوم بهذا الأمر عنه من ماله، وليس في ذلك كبير أمر.
وفي يوم الأحد ثامن عشر شهر ربيع الأوّل المذكور وصل إلى القاهرة سنقر الأشرفى الدّوادار المعروف بقرق شبق، وكان توجّه قبل تاريخه إلى البلاد الحلبيّة لكشف أخبار ابن قرمان، وتجهيز العساكر الشّاميّة والحلبية، فوقع له هناك أمور وحوادث ذكرناها في غير هذا المحل، من قتل جماعة من تركمان ابن قرمان وغير ذلك.
وكان سنقر المذكور من مساوىء الدّهر، وعنده طيش وخفة مع ظلم وجبروت، وما سيأتى من أخباره عند عمارته لمراكب الغزاة فأعظم.
ثم في يوم الأحد هذا نودى بالقاهرة من قبل السلطان بأن يكون سعر الدّرهم من الفضّة الشاميّة المقدم ذكرها التي داخلها الغش ثمانية عشر درهما نقرة «1» ، فقامت قيامة العامّة من ذلك خوفا من الخسارة، وأكثروا من الوقيعة بالسلطان وأرباب دولته، ولا سيما في الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، فأنهم نسبوا هذا كله إليه- رحمه الله.
وكان السلطان خلع على ولده المقام الشهابى أحمد باستقراره أمير حاجّ المحمل فلما نزل ابن السلطان وعليه الخلعة من القلعة إلى داره- وهى قصر بكتمر الساقى تجاه الكبش- وبين يديه جميع أعيان الدولة استغاثت إليه العامة بلسان واحد، وقالوا:«نخسر بهذه المناداة ثلث أموالنا» ، وسألوه في إبطال ذلك، فوعدهم بإبطاله، وأرسل إلى والده يسأله في إبطال ما نودى به، فأجابه السلطان، ونودى في الحال مناداة ثانية بإبطال ما نودى به.
قلت: وهذه فعلة العامة الثانية من طلبهم عدم المناداة بإبطال هذه الفضّة المغشوشة خوفا من الخسارة، فاحتاجوا بعد ذلك إلى المناداة، وخسروا أكثر مما كانوا يخسرونه عندما غلت الأسعار بسبب هذه الفضّة، ووصل صرف الدينار إلى أربعمائة درهم كما نذكره إن شاء الله تعالى.
وفي يوم السبت أول شهر ربيع الآخر نودى في المماليك السلطانية المعينين إلى تجريدة البلاد الشامية لقتال ابن قرمان- قبل تاريخه- بأنّ النفقة فيهم في يوم الخميس الآتى، فلما كان يوم الخميس سادس ربيع الآخر المذكور جلس السلطان بالحوش السلطانى، وشرع في تفرقة النّفقة على المماليك المذكورين، لكل واحد منهم مائة دينار،
وسعر الذهب يوم ذاك أربعمائة الدينار، فوصل لكل واحد منهم- أعنى المماليك المعينين- أربعون ألفا، وهذا شىء لم نسمع بمثله، وأكثر ما فرّق الملوك السالفة في معنى النفقة مائة دينار، وسعر الدينار في ذلك الوقت ما بين مائتين وعشرين درهما الدينار إلى مائتين وثمانين الدينار، لا بهذا السعر الزائد، فشكر كل أحد السّلطان على هذه الفعلة.
وكان عدة من أخذ النفقة من المماليك المذكورين أربعمائة مملوك وثلاثة مماليك، ثم أرسل السلطان بالنفقة إلى الأمراء المجرّدين، فحمل إلى الأمير خشقدم الناصرى المؤيّدى أمير سلاح- وهو مقدّم العسكر يوم ذاك- بأربعة آلاف دينار، ثم أرسل لكل من أمراء الألوف لكل واحد بثلاثة آلاف دينار، وهم: قرقماس الأشرفى رأس نوبة النّوب، وجانبك القرمانى الظاهرى حاجب الحجّاب، ويونس العلائى الناصرى، ثم حمل لكل من أمراء الطبلخانات بخمسمائة دينار، ولكل أمير عشرة مائتى دينار. يأتى ذكر أسماء الجميع عند خروجهم من الديار المصرية إلى جهة ابن قرمان.
ثم في يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الآخر المذكور عزل السلطان علىّ ابن إسكندر عن ولاية القاهرة، وأعاد خيربك القصروى لولاية القاهرة كما كان أوّلا.
ثم في يوم الخميس خامس جمادى الأولى برز الأمير خشقدم أمير سلاح ومقدّم العسكر بمن معه من الأمراء والعساكر من القاهرة إلى الرّيدانيّة خارج القاهرة، والأمراء هم:
الأربعة من مقدمى الألوف المقدم ذكرهم.
والطبلخانات: جانبك الناصرى المرتدّ، وخيربك الأشقر «1» المؤيّدى الأمير آخور الثانى، وبردبك البجمقدار الظاهرى رأس نوبة.
ومن أمراء العشرات ستة أمراء وهم: تمرباى من حمزة الناصرى المعروف بططر،
وقانصوه المحمدى الأشرفى، وقلمطاى الإسحاقى الأشرفى رأس نوبة، وقانم طاز الأشرفى «1» رأس نوبة، وجكم النورى المؤيدى «2» رأس نوبة، وجانم المؤيدى المعروف بحرامى شكل «3» .
وقد تقدّم ذكر عدة المماليك السلطانية فيما تقدم.
وأقاموا بالرّيدانيّة إلى ليلة الاثنين تاسعه فاستقلوا فيه بالمسير من الرّيدانيّة إلى جهة البلاد الشاميّة.
ثم في يوم الخميس سادس عشرين جمادى الأولى المذكورة سافر الأمير نوكار الزّردكاش، ومعه عدّة من الرّماة والنّفطيّة وآلات الحصار وهو مريض، ورسم له أن يأخذ من قلعة دمشق ما يحتاج إليه أيضا من أنواع [الآلات وغيرها]«4» للحصار، ويلحق العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان.
ثم في يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة استقرّ الأمير أسندمر الجقمقى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أمير المماليك السلطانية المجاورين بمكّة المشرّفة عوضا عن الأمير بيبرس الأشرفى، خال الملك العزيز يوسف، ورسم بمجيء بيبرس المذكور عند توجه أسندمر الجقمقى في موسم الحج.
ثم في يوم الجمعة ثالث شهر رجب من سنة إحدى وستين المذكورة ورد الخبر على السلطان بموت الأمير نوكار الزّردكاش بمدينة غزّة. فأنعم السلطان بإقطاعه- وهو إمرة عشرة- ووظيفة الزّردكاشيّة على سنقر الأشرفى الدوادار المعروف بقرق شبق.
وفي يوم الخميس تاسع رجب المذكور وقعت حادثة غريبة: وهى أن جماعة من
العربان قطّاع الطريق جاءوا من جهة الشرقية حتى وصلوا إلى قرب باب الوزير، ثم عادوا من حيث جاءوا، وصاروا في عودهم يسلبون من وقعوا به من الناس، فعرّوا جماعة كبيرة من بين فقهاء وأعيان وغيرهم، وكان الوقت بعد آذان العصر بدرجات وقت حضور الخوانق «1» .
وفي يوم الأحد ثانى عشره، خلع السلطان على السيد الشريف حسام الدين محمد ابن حريز «2» ، باستقراره قاضى قضاة المالكية بعد موت القاضى ولى الدين السّنباطى «3» .
وفي يوم الثلاثاء رابع عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بوصول العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان إلى حلب، وأنهم اجتمعوا في حلب بالأمير قانى باى الحمزاوى نائب الشام هناك؛ لأن قانى باى المذكور كان خرج من دمشق قبل وصول العسكر إليها بثلاثة أيام، فتكلم الناس بأنه ظن أن سفر العساكر ما هو إلا بسبب القبض عليه في الباطن، والتوجّه لابن قرمان في الظاهر.
قلت: وللقائل بهذا القول عذر بين، وهو أن قانى باى المذكور من يوم تسلطن الملك الأشرف إينال هذا- وهو نائب حلب- لم يحضر إلى الديار المصرية ولا داس بساط السلطان، غير أنه يمتثل أوامر السلطان ومراسيمه حيث كان أولا بحلب، ثم بعد انتقاله إلى نيابة دمشق؛ فعلم بذلك كلّ أحد أن قانى باى المذكور
يتخوّف من السلطان ولا يحضر إلى الدّيار المصرية، ومتى طلبه السلطان أظهر العصيان.
وفطن الملك الأشرف إينال لذلك، فلم يطلبه البتة، وصار كل واحد منهما يعلم ما في ضمير الآخر في الباطن ويظهر خلاف ذلك؛ السلطان يخفى ذلك لتسكين الفتنة، وقانى باى لما هو فيه من النعمة بولاية نيابة دمشق، وكلّ منهما يترقب موت الآخر، فمات قانى باى قبل، حسبما يأتى ذكره في الوفيات بعد فراغ الترجمة. وقد خرجنا عن المقصود ولنعد إلى ما نحن بصدده فنقول:
وأخبر المخبر أن العساكر اجتمعوا بالأمير قانى باى الحمزاوى بحلب، وأنه «1» اجتمع رأى الجميع على السير من حلب إلى جهة ابن قرمان في يوم السبت سادس عشرين جمادى الآخرة، فسرّ السلطان بذلك؛ كون الذي أشيع عن قانى باى الحمزاوى من العصيان ليس بصحيح، بل هو قائم بالمهمّ السلطانى أحسن قيام.
وفي يوم الجمعة سابع عشره سافر الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة إلى جهة جدّة على عادته في كل سنة، وسافر معه خلائق من الناس صفة الرّجبيّة.
وفي يوم السبت ثامن عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بأنه كان بين حسن الطويل بن على بك بن قرايلك صاحب آمد وبين عساكر جهان شاه بن قرا يوسف صاحب العراقين- عراق العرب وعراق العجم- وقعة هائلة، انكسر فيها عسكر جهان شاه وانتصر حسن المذكور، وأن حسن قتل من أعيان عساكر جهان شاه جماعة، مثل الأمير رستم، وابن طرخان، وعربشاه، وغيرهم، فسرّ السلطان بذلك غاية السرور؛ كون أن حسنا المذكور ينتمى إليه، ويظهر له الصّداقة.
ثم في يوم الاثنين رابع شعبان وصل الخبر من الأمير خشقدم أمير سلاح ومن
رفقته النواب بالبلاد الشامية بأنهم وصلوا إلى بلاد ابن قرمان، وملكوا قلعة دوالى «1» ، ونهبوها وأخربوها، وأنهم جهّزوا الأمير بردبك البجمقدار رأس نوبة ومعه عدّة من المماليك السلطانية والأمراء بالبلاد الشامية إلى جهة من جهات بلاد ابن قرمان، فصدفوا في مسيرهم عسكرا من أصحاب ابن قرمان فواقعوهم وهزموهم، وأنه قتل من المماليك السلطانية أربعة في غير المصاف «2» ، بل من الذين صدفوهم في أثناء الطريق.
وفي يوم السبت أوّل شهر رمضان سافرت الأمراء المعينون إلى الجورن «3» ببرّ التركية، لأجل قطع الأخشاب، وسافروا من بولاق، ومقدّم العسكر الأمير يشبك الفقيه المؤيّدى أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، ومعه الأمير أزبك المؤيّدى أحد أمراء العشرات، والأمير نوروز الأعمش الأشرفى، وجماعة أخر من الخاصكية «4» .
ثم في يوم الأحد تاسع شهر رمضان وصل نجّاب من خير بك نائب غزّة يخبر بمجيء سودون القصروى الدّوادار بكتاب مقدّمى العساكر الأمير خشقدم المؤيّدى أمير سلاح وغيره من الأمراء، وحضر سودون القصروى المذكور من الغد، وأخبر السلطان بأن العساكر المتوجهة إلى بلاد ابن قرمان قصدت العود إلى جهة حلب بعد أن أخذوا أربع قلاع من بلاد ابن قرمان، وأخربوا غالب قرى ممالكه، وأحرقوا بلاده وسبوا ونهبوا وأمعنوا في ذلك، حتى أنهم أحرقوا عدّة مدارس وجوامع؛ وذلك من أفعال أوباش العسكر، وأنهم لم يتعرضوا إلى مدينة قونية ولا مدينة قيصريّة لنفود زادهم، ولضجر العسكر من طول مدتهم بتلك البلاد، مع غلو الأسعار في المأكول وغيره من سائر الأشياء، ولولا هذا لا ستولوا على غالب بلاد ابن قرمان، وأن ابن
قرمان لم يقاتل العسكر السلطانى، بل إنه انحاز إلى جهة منيعة من جهاته وتحصّن بها هو وأعيان دولته، وترك ما سوى ذلك من المتاع والمواشى وغيرها مأكلة لمن يأكله، فحصل له بما أخذ له وهن عظيم في مملكته، فدقّت البشائر لهذا الخبر بالقاهرة أيّاما، ورسم السلطان من وقته بعود العسكر المذكور إلى الديار المصرية، وخرج النجّاب بهذا الأمر «1» .
ثم في يوم الأحد سادس عشر شهر رمضان المذكور ركب المقام الشهابى أحمد بن السلطان من داره- قصر بكتمر تجاه الكبش- النّجب كما هى عادة أمراء الحج فى الركوب إلى المسايرة، وخرج من الصّليبة، وشقّ الرّميلة، وبين يديه هجّانة السلطان أمراء العرب، بالأكوار الذهب، والكنابيش الزّركش المغشاة بالأطلس الأصفر، وركب معه جماعة من الأمراء غير من يسافر معه، مثل: الأمير برد بك الدوادار الثانى، وسودون الإينالى المؤيّدى قراقاش ثانى رأس نوبة، وجماعة أخر، ولم يركب معه أحد من أمراء الألوف، ولا أعيان مباشرى الدّولة، حتى ولا كاتب السّرّ القاضى محب الدين ابن الأشقر، وهو ممن يسافر في هذه السّنة إلى الحج.
وسار ابن السلطان في موكبه المذكور من تحت القلعة إلى جهة خليج الزّعفران خارج القاهرة، ووصل هناك قبيل المغرب، وأفطر هناك، ثم عاد بعد صلاة العشاء، وشقّ الرّميلة ثانيا في عوده في زىّ بهيج إلى الغاية.
ثم في يوم الجمعة ثانى عشر شوال وصلت إلى القاهرة رمّة الأمير جانبك القرمانى الظاهرى حاجب الحجّاب، وقد مات بالقرب من منزلة الصالحيّة في عوده من تجريدة ابن قرمان، ثم عقب الخبر بموت جماعة كبيرة أيضا من العسكر المذكور، من مرض فشا فيهم من مدينة الرّملة كالوباء، مات منه خلائق بمرض واحد، ولم يعلم أحد ما سبب هذا العارض.
ثم في يوم السبت ثالث عشره ورد الخبر بموت الأمير جكم النّورى المؤيّدى- المعروف بقلقسيز- أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.
ثم في يوم الاثنين خامس عشر شوال المذكور وصلت العساكر المجرّدة لبلاد ابن قرمان على أسوأ حال من الضّعف الذي حصل لهم في أثناء الطريق، وطلع مقدّم العسكر الأمير خشقدم المؤيّدى أمير سلاح، ورفقته من الأمراء المقدّم ذكرهم عند توجههم والمماليك السلطانية إلى القلعة، وقبّل الأرض فأكرمه السلطان وخلع عليه وعلى رفقته، فنزل الأمير خشقدم إلى داره وبين يديه أعيان الدّولة وقد نقص من رفقته اثنان من المقدمين: جانى بك القرمانى المتوفى، ويونس العلائى لضعف بدنه، وقد دخل إلى القاهرة في محفّة.
ثم في يوم الاثنين هذا «1» أنعم السلطان على الأمير بايزيد التمربغاوى أحد أمراء الطبلخانات بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضا عن جانبك القرمانى المقدم ذكره «2» ، وأنعم بطبلخانات بايزيد على الأمير برسباى الإينالى المؤيّدى.
ثم في يوم الخميس ثامن عشر شوال المذكور خرج المقام الشهابى أحمد بن السلطان- وهو يومئذ أمير حاج المحمل- بالمحمل من القاهرة إلى بركة الحاجّ دفعة واحدة- وقد صار ذلك عادة- وترك النّزول بالمحل في الرّيدانيّة خارج القاهرة، وسافرت معه أمّه خوند الكبرى زينب بنت البدرى حسن بن خاص بك، وإخوته الجميع الذكور والإناث، والإخوة الجميع ثلاثة: ذكر واحد وهو أصغر منه- يسمى محمدا- مراهق، وأخته الكبرى زوجة الأمير بردبك الدّوادار الثانى، والصغرى وهى زوجة الأمير يونس الدّوادار الكبير، ورحل من البركة في ليلة الاثنين ثانى عشرين شوال بعد أن رحل قبله أسندمر الجقمقى رأس المجاورين، وأمير الركب الأول يشبك الأشقر الأشرفى، وقد استقرّ أمير عشرة قبل تاريخه.
ووصل من الغد في يوم الثلاثاء الأمير جانبك الظاهرى نائب جدّة من جدّة وقبّل الأرض، وحضر معه من الحجاز الأمير زين الدين الأستادار، وكان مقيما بمكة.
وفي يوم الخميس خامس عشرين شوال المذكور أنعم السلطان بإقطاع جكم النّورى المؤيّدى على الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيّدى المعروف بكوهية، وعلى الأمير يشبك الظاهرى نصفين بالسويّة، لكل واحد منهما إمرة عشرة.
ثم في يوم الاثنين تاسع عشرينه استقرّ الأمير برسباى البجاسى أحد مقدّمى الألوف حاجب الحجّاب بالديار المصرية بعد وفاة الأمير جانبك القرمانى.
ثم في يوم السبت خامس عشرين ذى القعدة ثارت المماليك الأجلاب بالأطباق من قلعة الجبل، ومنعوا الأمراء ومباشرى الدّولة من النّزول من قلعة الجبل، فكلموهم بسبب ذلك. فقالوا:«نريد أن تكون تفرقة الأضحية لكل واحد منا ثلاثة من الغنم» . أعنى زيادة على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك برأس واحد، وكان وقع في تلك المدّة هذا القول، وسكت عنه، فتوقّف السلطان في الزيادة «1» ، ثم أذعن بعد أمور، واستمرّ ذلك إلى يومنا هذا.
وفي يوم الاثنين سابع عشرين ذى القعدة استقرّ القاضى صلاح الدين أمير حاج بن بركوت المكينى «2» فى حسبة القاهرة بعد عزل يار على الخراسانى العجمى الطويل «3» بمال كثير بذله صلاح الدين في ذلك.
وفي أوائل ذى الحجة ورد الخبر على السلطان من جهة مكّة أنه وقع في الحاج عطشة
فيما بين منزلة أكرة»
والوجه «2» ، ومات بالعطش خلائق كثيرة.
وفي يوم الجمعة سادس عشر ذى الحجة- الموافق لثامن هاتور- لبس السلطان القماش الصوف الملوّن المعتدّ لأيام الشتاء، وألبس الأمراء على العادة.
وفي يوم الاثنين تاسع عشر ذى الحجة المذكور وصلت الأمراء المتوجهون إلى بلاد الجون «3» ببرّ التركية، ومقدّمهم الأمير يشبك الفقيه، ورفقته المقدّم ذكرهم عند سفرهم، وخلع السلطان عليهم.
وفي يوم الخميس ثانى عشرينه وصل مبشر الحاج دمرداش الطويل الخاصكى بعد ما قاسى شدائد من العرب قطّاع الطريق، فضايقوه وأخذوا منه عدّة رواحل وغيرها، ثم أخبر دمرداش المذكور بسلامة ابن السلطان ووالدته وإخوته، فدقّت البشائر لذلك ثلاثة أيام بالديار المصرية.
وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذى الحجة المذكور أخرج السلطان إقطاع الأمير طوخ من تمراز الناصرى- المعروف بينى بازق «4» - أمير مجلس؛ لمرض تمادى به مدّة طويلة، وأنعم بإقطاع المذكور على الأمير برسباى البجاسى حاجب الحجّاب، وأنعم بإقطاع برسباى البجاسى المذكور على الأمير بيبرس الأشرفى خال الملك العزيز يوسف [بالحجاز]«5» ، وكلاهما تقدمة ألف، غير أن الواحد يزيد عن الآخر في الخراج لا غير، وأنعم بإقطاع بيبرس على ولده الصغير محمد وهو في الحجاز أيضا، وهذا أيضا تقدمة ألف. «6»