الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 863]
السنة السابعة من سلطنة الملك الأشرف على مصر وهى سنة ثلاث وستين وثمانمائة:
فيها توفّى الأمير يشبك بن عبد الله النّوروزى نائب طرابلس- كان- بطالا بالقدس، فى يوم الاثنين تاسع المحرم، وهو في عشر السبعين تخمينا، وهو من عتقاء الأمير نوروز الحافظى.
وتنقّل بعد موت أستاذه في خدم الأمراء، وقاسى خطوب الدهر ألوانا، إلى أن صار في أواخر دولة الأشرف برسباى من صغار أمراء دمشق، ثم تنقل في دولة الملك الظاهر جقمق إلى أن صار حاجب حجاب طرابلس بالبذل، ثم نقل إلى حجوبية دمشق، ثم إلى نيابة طرابلس بعد عزل يشبك الصوفى عنها؛ كل ذلك ببذل المال، فدام على نيابة طرابلس إلى أن أمسكه الملك الأشرف إينال في حدود سنة ستين، وحبسه بقلعة المرقب إلى أن أطلقه في سنة اثنتين وستين وثمانمائة، ورسم له بالتوجه إلى القدس بطالا، فاستمر بالقدس إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره.
وكان وضيعا في الدول، لم تسبق له رئاسة بالدولة المصرية، حتى إنه لم يخدم في باب سلطان أبدا، بل كان يخدم بأبواب الأمراء، إلى كان من أمره ما كان، وكان مع ذلك عنده طيش وخفة وتكبر، ولم أدر لأى معنى من المعانى- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم العامل المحقق الفقيه الصوفى شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن خليل البلاطنسى «1» الشافعى؛ نزيل دمشق بها في ليلة سابع عشرين صفر، ودفن في صبيحة يوم الأربعاء، وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه، ومولده ببلاطنس من أعمال طرابلس، بعد سنة تسعين وسبعمائة، ونشأ بها، وقرأ العربية واشتغل، ثم قدم طرابلس، ولازم الشيخ محمد بن زهرة وبه تفقّه، وأخذ
الأصول عن الشيخ سراج الدين، وقرأ الحديث أيضا بطرابلس على ابن البدر، ثم رحل إلى دمشق قبل سنة عشرين، واشتغل بها على العلماء، ثم عاد إلى طرابلس.
ثم قدم إلى دمشق ثانيا بأهله واستوطنها ولازم علّامة زمانه ووحيد دهره الشيخ علاء الدين محمد البخارى الحنفى، وأخذ عنه فنونا كثيرة، إلى أن برع في الفقه والتصوف، وجلس للإفادة والتدريس والأشغال إلى أن مات، وكان قوّالا بالحق، قائما في أمر الملهوفين، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد استوعبنا من أحواله نبذة كبيرة فى تاريخنا «الحوادث» وغيره- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله من جانبك المؤيدى الصوفى أتابك دمشق بها، فى يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر وهو اليوم الذي مات فيه البلاطنسى المقدم ذكره، وقد ناهز الستين من العمر، كان من صغار مماليك الملك المؤيّد شيخ، وصار خاصكيا بعد موت أستاذه، وامتحن في دولة الملك الأشرف برسباى بالضرب والعصر والنفى؛ بسبب الأتابك جانبك الصوفى.
ثم عاد بعد سنين إلى رتبته، وصار خاصكيا على عادته إلى أن تأمّر عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق، وصار من جملة رءوس النوب، وسافر إلى مكة مقدّم المماليك السلطانية بمكة، ثم عاد إلى القاهرة، ودام بها مدّة، ثم نفى إلى حلب بعد سنة خمسين وثمانمائة، ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بحلب، ثم نقله بعد ذلك إلى نيابة حماة ببذل المال، ثم إلى نيابة طرابلس كذلك، بعد انتقال الأمير برسباى الناصرى إلى نيابة حلب في سنة اثنتين وخمسين، فدام على نيابة طرابلس إلى سنة أربع وخمسين، فطلب إلى القاهرة، فلما حضر أمسكه السلطان الملك الظاهر، وأرسله إلى دمياط بطالا، ثم نقل بعد مدّة من دمياط إلى سجن الإسكندرية؛ لأمر بلغ السلطان عنه، فلم تظل مدّته بسجن الإسكندرية وأطلق وأرسل إلى دمياط ثانيا، ثم نقل إلى القدس، ثم طلب إلى الديار المصرية، فأنعم عليه بأتابكية العساكر بدمشق، بعد القبض على الأتابك خيربك المؤيدى الأجرود.
فدام يشبك هذا على أتابكية دمشق إلى أن حجّ أمير حاج المحمل الشامى في سنة اثنتين وستين، وعاد إلى دمشق، ومات بعد أيّام، وكان رجلا طوالا، حسن الشكل، حلو اللسان، بعيد الإحسان، عادلا في الظاهر، ظالما في الباطن، متواضعا لمن كانت حاجته إليه، مترفّعا على من احتاج إليه، كثير الخدع والتّملّق لأصحاب الشّوكة، بألف وجه وألف لسان، مع كثرة أيمان الله والطلاق، وشحّ وبخل.
وتوفّى الشيخ بهاء الدين أحمد بن على التّتائى «1» الأنصارى الشافعى نزيل مكّة بها فى ليلة الثلاثاء سابع عشرين صفر، وحضرت أنا الصلاة عليه بالحرم بعد صلاة الصّبح، ودفن بالمعلاة، وهو أخو القاضى شرف الدين موسى الأنصارى الأكبر.
كان مولده بتتا- قرية بالمنوفية بالوجه البحرى من أعمال القاهرة- فى سنة ثمان وثمانمائة، وكان فيه محاسن ومكارم أخلاق، وخط منسوب، وفضيلة- رحمه الله تعالى. قلت: وكانت وفاة بهاء الدين هذا ويشبك الصوفى والبلاطنسى المقدّم ذكرهما فى ليلة واحدة، وهذا من النوادر- رحمهم الله.
وتتا بتاء مثناة مكسورة وتاء مثناة أيضا مفتوحة، وبعدهما ألف ممدودة.
وتوفّى الأمير سيف الدين قانى باى بن عبد الله الحمزاوى نائب دمشق بها فى يوم الأربعاء ثالث شهر ربيع الآخر، وقد قارب الثمانين، ودفن من الغد في يوم الخميس، وكان أصله من مماليك «2» سودون الحمزاوى الظاهرى الدّوادار، ثم خدم بعد موته عند الوالد هو وجماعة كثيرة من خچداشيته مدّة طويلة، ثم صار في خدمة الملك المؤيّد شيخ المحمودى قبل سلطنته، فلما تسلطن أمّره عشرة، ثم صار أمير طبلخاناه، ثم صار أمير مائة ومقدّم ألف بعد موت الملك المؤيّد شيخ، وتولّى نيابة الغيبة بالدّيار المصريّة للملك المظفر أحمد بن شيخ لما سافر مع الأتابك ططر إلى دمشق، ثم قبض عليه الملك الظاهر ططر لمّا عاد من دمشق وحبسه مدّة، إلى أن أطلقه الملك
برسباى، وجعله أتابك دمشق، ثم طلبه بعد سنين إلى الدّيار المصريّة، وجعله بها أمير مائة ومقدّم ألف.
واستقرّ الأمير تغرى بردى المحمودى بعده أتابك دمشق، فدام قانى باى بالقاهرة إلى أن ولّاه الأشرف نيابة حماة بعد انتقال الأمير جلبّان إلى نيابة طرابلس، بعد موت الأتابك طرباى في سنة سبع وثلاثين، ثم نقل بعد مدّة إلى نيابة طرابلس بعد الأمير جلبّان أيضا، بحكم انتقاله إلى نيابة حلب بعد عصيان تغرى برمش [التركمانى البهسنى]«1» وخروجه عن الطاعة في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فلم تطل مدته بها.
ونقل إلى نيابة حلب بعد انتقال جلبّان أيضا إلى نيابة دمشق بعد موت الأتابك آقبغا التّمرازى في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، فدام في نيابة حلب إلى سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، فطلبه الملك الظاهر جقمق إلى الديار المصرية، وعزله عن نيابة حلب بالأمير قانى باى البهلوان الناصرى، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، عوضا عن الأمير شادبك الجكمى المتولى نيابة حماة بعد انتقال قانى باى البهلوان المقدّم ذكره إلى نيابة حلب.
فاستمرّ قانى باى الحمزاوى من أمراء الدّيار المصريّة إلى أن أعاده الملك الظاهر جقمق ثانيا إلى نيابة حلب، بعد عزل الأمير تنم من عبد الرزّاق المؤيّدى وقدومه إلى مصر على إقطاع قانى باى هذا، فدام في نيابته هذه على حلب إلى أن نقله الملك الأشرف إينال إلى نيابة دمشق بعد موت الأمير جلبّان في سنة ستين وثمانمائة.
فاستمرّ على نيابة دمشق إلى أن مات بها، وهو عاص على السلطنة في الباطن، مقيم على الطاعة في الظاهر.
وقد وقع في أمر قانى باى هذا غرائب منها: أنه من يوم خرج من مصر إلى ولاية حلب ثانيا في دولة الملك الظاهر جقمق عصى على السّلطان في الباطن، وعزم على أنّه لا يعود إلى مصر أبدا، فلما مات الظاهر وتسلطن ابنه المنصور عثمان، ثم الأشرف
إينال قوى أمر قانى باى هذا بحلب، وفشا أمره عند كل أحد، فلم يكشف الأشرف إينال ستر التغافل بينه وبين قانى باى المذكور، بل صار كل منهما يتجاهل على الآخر، فذاك يظهر الطاعة وامتثال المراسيم من غير أن يطأ بساط السلطان، أو يحضر إلى القاهرة، وهذا يرضى منه بذلك، ويقول: هذا داخل في طاعتى، ولا يرسل خلفه أبدا، بل يغالطه، حتى لو أراد قانى باى الحضور إلى القاهرة مامكنه إينال؛ لمعرفته منه أن ذلك امتحان، وصار كل منهما يترقب موت الآخر إلى أن مات قانى باى قبل، وولّى الأشرف إينال عوضه في نيابة دمشق الأمير جانم الأشرفى.
ومن الغرائب التي وقعت له أيضا أن قانى باى هذا لم يل ولاية بلد مثل حماة وطرابلس حلب والشام إلا بعد الأمير جلبّان، مع طول مدّة جلبّان في نياباته الشّاميّة أزيد من ثلاثين سنة، فهذا من النوادر الغريبة، كون أن قانى باى يعزل عن نيابة حلب ويصير أميرا بمصر مدّة سنين وبلى حلب بعده غير واحد، ثم يعود إلى نيابة حلب، ويقيم بها إلى أن ينتقل منها إلى نيابة الشام «1» بعد موت جلبّان، كما انتقل قبل ذلك بعده في كل بلد، فهذا هو الاتفاق العجيب.
وتوفّى الأمير شرف الدين عيسى بن عمر الهوارى أمير عرب هوارة ببلاد الصعيد فى ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر، بعد عوده من الحج، وولى بعده ابنه، ثم عزل بعد أمور، وكان عيسى هذا مليح الشكل، ديّنا خيرا بالنسبة إلى أبناء جنسه، وله مشاركة بحسب الحال، ويتفقه على مذهب الإمام مالك- رضى الله عنه.
وتوفّى الشيخ الإمام الفقيه العالم أبو عبد الله محمد بن سليمان بن داود الجزولى «2» المغربى المالكى نزيل مكة، بها في يوم الأحد ثامن عشر شهر ربيع الآخر، وحضرت الصلاة عليه بحرم مكة، ودفن بالمعلاة، وكان مولده في سنة سبع وثمانمائة بجزولة من بلاد
المغرب، وكان فقيها عالما بفروع مذهبه، عارفا بالنحو، مشاركا في التفسير والحديث، وسمع ببلاده أشياء كثيرة، وحدّث ببعضها في مكة، ودرّس وأفتى، وانتفع أهل مكة بدروسه، وكان كريم النفس بخلاف المغاربة- رحمه الله تعالى.
وتوفّى القاضى محبّ الدين أبو البركات محمد بن عبد الرحيم الهيتمى «1» الشافعى، أحد نوّاب الحكم الشافعية بالديار المصرية، في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى، وحضرت الصلاة عليه بحرم مكة، ودفن بالمعلاة، وقد زاد عمره على الستين، وكان فقيها نحويا، مشاركا في فنون كثيرة، كان يحفظ التوضيح لابن هشام في النحو، وكان مستقيم الذهن، جيد الذكاء، ناب في الحكم [بالديار المصرية]«2» أزيد من ثلاثين سنة، ودرّس وخطب، وجاور بمكة غير مرّة إلى أن مات في مجاورته هذه الأخيرة- رحمه الله تعالى.
وتوفّى القاضى ناصر الدين محمد بن النبراوى «3» الحنفى أحد نواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الثلاثاء تاسع عشرين جمادى الأولى، وكان عاريا من العلم، عارفا بصناعة القضاء.
وتوفّى القاضى محبّ الدين محمد ابن الإمام شرف الدين عثمان بن سليمان بن رسول ابن أمير يوسف بن خليل بن نوح الكرادى «4» - بفتح الراء المهملة- القرمشى الأصل، الحنفى، المعروف بابن الأشقر، شيخ شيوخ خانقاه سرياقوس، ثم ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية، ثم كاتب السّر بها، فى يوم الثلاثاء ثانى عشر شهر رجب بالقاهرة بطّالا، ودفن من الغد بتربته بالصحراء خارج القاهرة، وكانت وفاته بعد عزله من كتابة السّر بشهرين، وبعد وفاة ولده إبراهيم بدون الشهر.
وكان مولده بالقاهرة قبل سنة ثمانين، ونشأ بها واشتغل في مبدأ أمره قليلا، ثم
ولى مشيخة خانقاه سرياقوس في سنة أربع عشرة وثمانمائة، ثم بعد سنين كثيرة ولى كتابة السّرّ بمصر في دولة الملك الأشرف برسباى، عوضا عن القاضى كمال الدين بن البارزى، بحكم عزله في رجب سنة تسع وثلاثين، وباشر الوظيفة إلى أن عزل عنها بالقاضى صلاح الدين بن نصر الله في ذى الحجة من سنة أربعين، فلزم داره بطالا، إلى أن ولّاه الملك الظاهر جقمق ناظر الجيوش المنصورة عوضا عن الزينى عبد الباسط بحكم القبض عليه ومصادرته في سنة اثنتين وأربعين، ثم عزل عن وظيفة نظر الجيش غير مرّة، ثم ولى كتابة السر ثانيا بعد وفاة القاضى كمال الدين بن البارزى في سنة ست وخمسين، فباشر الوظيفة إلى أن عزل عنها بالقاضى محب الدين بن الشّحنة، ثم أعيد إليها بعد أشهر، ودام بها مدّة طويلة إلى أن عزل عنها ثانيا بابن الشّحنة في سنة ثلاث وستين وثمانمائة، ومات بعد ذلك بشهرين حسب ما تقدم ذكره، وكان معدودا من رؤساء الديار المصرية، وكان عنده حشمة وأدب وتواضع ومحاضرة حسنة، إلا أنه كان رأسا في البخل- رحمه الله تعالى.
وتوفّى القاضى محب الدين محمد ابن القاضى ناصر الدين محمد الفاقوسى أحد أعيان موقعى الدّست بالديار المصرية، فى ليلة الاثنين خامس عشرين شهر رجب- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين خيربك بن عبد الله المؤيّدى الأشقر الأمير آخور الثانى، فى يوم السبت مستهل شعبان [وقد جاوز السبعين]«1» وكان من مماليك المؤيّد شيخ، صار خاصّكيّا في دولة الملك الظاهر جقمق، ومن جملة الدّوادارية الصّغار، إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة، بعد مسك جانبك المحمودى المؤيّدى، وجعله جقمق من جملة رءوس النوب، وحجّ أمير الركب الأول، ثم نقل إلى الأمير آخوريّة الثانية في أوائل دولة الملك الأشرف إينال، عوضا عن سنقر العائق الظاهرى، فباشر الوظيفة بغير حرمة،
وصار فيها كل شىء إلى أن مات، وتولىّ الأمير يلباى الإينالى المؤيّدى الأمير آخورية الثانية من بعده.
وكان خيربك هذا كثير الفتن بين الطوائف، وليس عنده همّة لإثارة الحرب إلا بالكلام.
وتوفّى الإمام شهاب الدين أحمد الإخميمى أحد أئمة السلطان في يوم السبت تاسع عشرين شعبان «1» - رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير زين الدين قاسم بن جمعة القساسى الحلبى نائب قلعة حلب بها في شهر رمضان، وكان ولى قبل ذلك حجوبية حلب وغيرها، الجميع بالبذل.
وتوفّى القاضى معين الدين عبد اللطيف بن أبى بكر [بن سليمان سبط]«2» ابن العجمى نائب كاتب السر بالديار المصرية، يوم الجمعة رابع شوال وعمره نيف عن خمسين سنة، «3» وكان ولى في الدولة الأشرفية كتابة سر حلب، ثم ولى نيابة كتابة السرّ بمصر بعد وفاة أبيه القاضى شرف الدين إلى أن مات، وكان هو القائم بأعباء ديوان الإنشاء.
لمعرفته بصناعة الإنشاء، ولما فيه من الفضيلة- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله من سيدى بك الناصرى القرمانى أتابك حلب بطريق الحج في شوال، وكان من مماليك الناصر فرج، وانحط قدره، وخدم في أبواب الأمراء إلى أن صار خاصكيا في دولة الملك الظاهر ططر، ثم صار ساقيا في دولة الملك الظاهر جقمق، ثم تأمّر عشرة، ثم نقل إلى تقدمه ألف بحلب، ثم صار أتابكا في دولة الأشرف إينال، ثم نقل إلى أتابكية طرابلس، ثم أعيد بعد مدة إلى أتابكية حلب إلى
أن مات، وكان مهملا مسرفا على نفسه، وعنده فشار كبير «1» ومجازفات في كلامه- رحمه الله.
وتوفّى الشيخ الإمام الفقيه الواعظ الصوفى شمس الدين محمد الحموى الأصل الحلبى الشافعى المعروف بابن الشماع، فى ذى القعدة بالمدينة الشريفة قاصدا الحج، ودفن بالمدينة يوم دخول الحاج الشامى إليها، وكان حلو اللسان، مليح الشكل، طلق العبارة والمحاضرة، ولكلامه طلاوة ورونق وموقع في النفوس- رحمه الله تعالى.
وتوفّى الأمير سيف الدين قانى باى المؤيدى المعروف بقراسقل أحد أمراء العشرات بمدينة طرابلس في توجهه من الديار المصرية في البحر إلى الجون «2» صحبة الأمراء المصريين وقد ناهز الستين من العمر أوجاوزها بيسير، وكان من مماليك الملك المؤيد شيخ، ممن صار خاصكيا في دولة الظاهر جقمق وساقيا، ثم تأمّر عشرة إلى أن مات، وكان ساكنا مهملا مع إسراف على نفسه- عفا الله عنا وعنه.
وتوفّى الأمير سيف الدين بايزيد «3» بن عبد الله التمربغاوى أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية، فى يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة، ودفن من يومه، وقد ناهز السبعين، وكان من مماليك الأمير تمربغا المشطوب الظاهرى [برقوق]«4» وخدم بعده عند جماعة من الأمراء [وتشتت في البلاد]«5» إلى أن اتصل بخدمة الملك الظاهر ططر قبل سلطنته، فلما تسلطن جعله خاصكيا، ثم ساقيا في أوائل دولة الأشرف برسباى، ودام على ذلك دهرا طويلا، إلى أن أمّره الأشرف [عشرة]«6» فى أواخر دولته، فدام على تلك العشرة أيضا دهرا طويلا إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف إينال بإمرة طبلخاناه، ثم نقله إلى تقدمة ألف في حدود سنة ستين؛ للين جانبة لا لمحله الرفيع، ولا لعظم شوكته، فدام على
ذلك سنيّات ومات، وكان رجلا ساكنا عاقلا، لم يشهر في عمره بشجاعة ولا كرم، وكان إذا توجّه في مهم إلى السلطان مع من سافر من الأمراء ووقع الحرب يدعونه في الوطاق ليحرس «1» الخيم، وكذلك جعله الأشرف إينال في يوم الواقعة مع الملك المنصور عثمان يجلس على الباب- رحمه الله تعالى.
أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم لم يحرر لغيابى بمكة المشرفة، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وأصابع.