المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 867] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٦

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 855]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 856]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌ذكر سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 858]

- ‌ذكر أعيان مباشرى الدولة من المتعممين

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 859]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 860]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 861]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 862]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 863]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 864]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 865]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 858]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 859]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 860]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 861]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 862]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 863]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 864]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 865]

- ‌ذكر نكبة الملك المؤيد أحمد ابن الملك الأشرف إينال وخلعه من الملك

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 866]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 867]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 868]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 869]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 870]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 871]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 872]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 865]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 866]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 867]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 868]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 869]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 870]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 871]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 872]

- ‌ذكر خلع الملك الظاهر يلباى من سلطنة مصر

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد تمربغا الظاهرى على مصر

- ‌ذكر الوقعة التي خلع فيها السلطان الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا من الملك

- ‌ذكر سلطنة الملك الأشرف قايتباى المحمودى على مصر

- ‌فهرس

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا حكم مصر

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الأعلام التي ترجم لها المؤلف في الوفيات

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التي كانت مستعملة في عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 855- 871 ه

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 867]

[ما وقع من الحوادث سنة 867]

السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر وهى سنة سبع وستين وثمانمائة:

فيها توفّى الأمير الطواشى عنبر الطنبذى الحبشى نائب مقدم المماليك السلطانية بطالا في يوم السبت ثامن المحرم، وكان من أصاغر أبناء طائفته، كان من عتقاء التاجر نور الدين على الطّنبذى «1» ، وبنى مدرسة بخط سوق الغنم قبل موته بمدة يسيرة- رحمه الله تعالى.

وتوفّى الأمير سيف الدين جانم بن عبد الله الأشرفى نائب الشام قتيلا بيد بعض مماليكه بمدينة الرّها، فى ليلة الثلاثاء تاسع عشرين شهر ربيع الأوّل، وهو نزيل حسن بك صاحب ديار بكر، وقد تقدّم من ذكره في أول سلطنة الملك الظاهر هذا ما يغنى عن التعريف بأموره ثانيا هنا، وكان جانم رجلا للقصر أقرب، وفيه حدّة مزاج، وسرعة حركة، مع تديّن وجودة، ومحبة للفقهاء والفقراء وأرباب الصلاح، مع كرم وأدب وحشمة ورئاسة وعفة عن القاذورات والفواحش- رحمه الله تعالى.

وتوفّى قاضى القضاة شيخ الإسلام سعد الدين سعد ابن قاضى القضاة شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن عبد الله بن سعد بن أبى بكر بن مصلح بن أبى بكر بن سعد العبسى الدّيرى «2» المقدسى الحنفى، قاضى قضاة الديار المصرية وعالمها، معزولا عن القضاء بداره بمصر القديمة، فى ليلة الجمعة تاسع شهر ربيع الآخر، وحضر السلطان الصلاة

ص: 318

عليه بمصلاة المؤمنى، ودفن بتربة السلطان الملك الظاهر خشقدم بالصحراء، ومولده ببيت المقدس في شهر رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة، وبها نشأ وسمع الحديث على جماعة ذكرناهم في ترجمته في تاريخنا «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى» ، وحفظ القرآن العزيز وعدّة متون في الفقه، وتفقّه بأبيه وغيره إلى أن برع في الفقه وأصوله، وأما فروع مذهبه والتّفسير فكان فيهما آية من آيات الله، ومات وقد انتهت إليه رئاسة الفقه في مذهبه شرقا وغربا، مع أنه كان رأسا أيضا في حفظ التفسير، وله مشاركة فى عدة فنون، وبالجملة فإنه مات ولم يخلف بعده مثله- رحمه الله تعالى.

وتوفّى الأمير سيف الدين شادبك بن عبد الله الصارمى نائب غزّة بها في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الأوّل، وقد قارب الستين، وكان من عتقاء المقام الصارمى إبراهيم ابن الملك المؤيّد شيخ المحمودى، وكان ولى غزّة بالبذل، ومات قبل أن يستوفى ما بذله في ولايتها، وخلف عليه ديونا- عفا الله تعالى عنه.

وتوفّيت خوند بنت السلطان الملك الظاهر جقمق، زوجة الأمير أزبك من ططخ الظاهرى، أحد مقدّمى الألوف بالديار المصرية، فى عصر يوم الاثنين عاشر جمادى الأولى، وحضر السلطان الصلاة عليها بمصلاة المؤمنى، ودفنت عند أبيها بتربة الأمير قانى باى الچاركسى، وكان موتها في غياب زوجها، كان مسافرا في السّرحة، وماتت وسنها دون ثلاثين سنة، وأمها خوند مغل أخت القاضى كمال الدين بن البارزى، وهى في قيد الحياة.

وتوفّى الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله القوامى المؤيدى، أحد أمراء العشرات بالقاهرة، فى يوم الجمعة ثامن عشرين جمادى الأولى، وحضر السلطان الملك الظاهر خشقدم الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى وقت العصر، وكان من عتقاء الملك المؤيّد شيخ، وكان من الخيرين الساكنين.

وتوفّى الإمام علاء الدين على المغربى الحنفى، إمام الملك الأشرف إينال، فى يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الآخرة، وهو في عشر الستين من العمر، وكانت لديه

ص: 319

فضيلة مع وسوسة وطيش وخفة، وإسراف في الحال، وبالجملة إنه كان من المخلّطين- رحمه الله تعالى.

وتوفّى عظيم الدّولة ومدبّر المملكة الأمير سيف الدين جانبك بن عبد الله الظاهرى الدّوادار الكبير، المعروف بنائب جدّة قتيلا بيد المماليك الأجلاب بباب القلّة داخل قلعة الجبل، وقت صلاة الصبح من يوم الثلاثاء مستهل ذى الحجة، وقد ذكرنا قصة قتلته في «الحوادث» مستوفاة، لكن نذكرها هنا جملة «1» ، وهى أنه ركب من بيته سحر يوم الثلاثاء المذكور بغلس بعد صلاة الصبح بغير قماش الموكب، ومعه نحو خمسة نفر، وطلع إلى القلعة، ومشى بمن كان معه إلى أن وصل إلى باب القلّة، فسلّم على مقدم المماليك ثم مشى إلى أن جاوز العتبة الثانية من باب القلّة، والتفت عن يمينه إلى الجهة الموصلة إلى القصر السلطانى، فوجد هناك جماعة من المماليك السلطانية الأجلاب، فظن أن وقوفهم هناك لأجل أخذ الأضحية السلطانية على العادة فى كل سنة، فسلّم عليهم فردّوا عليه السلام بأعلى أصواتهم، كما يفعلون ذلك مع أعيان الأمراء بطريق التجمل، ثم مشى إلى أن التفت إلى نحو العتبة التي تكون على شماله تجاه باب الجامع الناصرى، فرأى على درجات الباب المذكور جماعة من المماليك الأجلاب من أوّل الدّرج إلى آخرها، فسلّم عليهم كما فعل مع من صدفه منهم قبلهم، فلم يردّ أحد منهم السلام، وحال أن وقع بصرهم عليه نزلوا إليه دفعة واحدة، وأحاطوا به، ونزلوا عليه من جهاته الأربع بالسيوف وغيرها، وهرب من كان معه إلى جهة الحوش السلطانى والدهيشة، ولما ضرب على رأسه سقط في الحال من وقته، وضربه آخر في خاصرته بالسيف، ثم نهض وارتكن بحائط الجامع، ثم سقط من وقته، فسحبه بعضهم برجله إلى طريق المطبخ، فوجد به رمقا، فألقى على رأسه حجرا هائلا رضخ رأسه، فمات من وقته، وكان مقدار قتلته كلها من أول الإحاطة به إلى أن خرجت روحه دون نصف درجة رمل، ولما تحققوا قتله أخذوا ما كان عليه من

ص: 320

القماش وغطّوه بحصير ورجعوا إلى جهة باب القلّة، ليلقوا من ندبوا إلى قتله أيضا من خچداشيته، فوافوا الأمير تنم رصاص الظاهرى المحتسب، وأحد أمراء الطبلخانات، قد أقبل في أثر الأمير جانبك المذكور فقصدوه، فاستجار بمقدّم المماليك أو بجماعة من إنّياته، فلم يغنوا عنه شيئا، وتناولته الأيدى بالضرب، فهجّ فيهم، وخرج من بينهم، وهو بغير سلاح، ومضى إلى جهة القصر، وهم في أثره في الظلام، ثم عاد وهم فى أثره إلى جهة الجامع حيث قتل الأمير جانبك، وقد ظفر منهم بعصاة، فضربهم بها، ودفع عن نفسه مع كثرة عددهم، وكاد أن ينجو منهم، فبادره بعضهم، وضربه بسيف ضربة طارت يده منها، ثم تكاثروا عليه بالضرب حتى ظنوا أنه مات، فحملته إنّياته إلى طبقته وبه رمق، وأخذوا في مداواة جراحه، فمات بعد قليل، ذلك والنجوم ظاهرة بالسماء.

ولما وقع هذا أغلقت أبواب القلعة، وماجت الناس، وذهب كلّ واحد من الأمراء والخاصكية إلى جهة من جهات القلعة، وأما السلطان فإنه كان جالسا بقاعة الدّهيشة والشمعة تقد بين يدية بعد أن صلّى الصبح، فدخل إليه جانم دوادار الأمير جانبك المذكور، ولم يعلم جانم بقتل أستاذه، وعرّف السلطان أن المماليك الأجلاب منعت أستاذه من الدخول إلى السلطان، فسكت السلطان، لعلمه بباطن الأمر، ثم قال بعد ساعة:«أيش الخبر؟» فقال له بعض من حضر من الأمراء: «خير» فقال غيره:

«وأى خير» والقائل الأول جانبك كوهيّة، والثانى مغلباى طاز وكلاهما مؤيّدى، ثم سكتوا فقال الأمير يلباى المؤيّدى الأمير آخور الكبير:«ما بقى اليوم خدمة؟» فقال السلطان: بلى نخرج إلى الحوش، وخرج إلى الحوش، وجلس على الدّكة، وذلك بعد طلوع الشمس، وجميع أبواب الحوش والقلعة مغلقة، فجلس السلطان ساعة وليس عنده الصحيح من خبر جانبك، إلى أن جاءه نائب المقدم وغيره، وأعلموا السلطان سرّا بواقعة الأمير جانبك وقتله، فقال السلطان إلى الخازندار:«أخرج ثوبين بعلبكيا لتكفين الأمير جانبك وتنم رصاص» .

ص: 321

ثم أمر السلطان الأمير جانبك كوهيّة الدوادار الثانى أن يخرج ويتولّى أمرهما وتجهيزهما والصلاة عليهما، فخرج وفعل ذلك وصلى عليهما بباب القلّة ووجّههما على نعوشهما إلى محل دفنهما، وليس معهما كثير ناس بل جميع من كان معهما دون عشرة نفر، فدفن الأمير جانبك بتربته التي أنشأها خارج باب القرافة، ودفن الأمير تنم عند ليث ابن سعد «1» .

وكثر أسف الناس على الأمير جانبك إلى الغاية، وعظمت مصيبته على أصحابه وخچداشيته، وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان، ورثاه بعضهم، وقالت المذاكرة في أمره قطعا في كيفية قتلته «2» ، وفي عدم وفاء السلطان على ما كان قام بأمره حتى سلطنه وثبّت قواعد ملكه، واضطرب ملك الملك الظاهر خشقدم بقتله، وخاف كل أحد من خچداشيته وغيرهم على نفسه، وماجت المملكة وكثر الكلام في الدولة، ووقع أمور بعد ذلك ذكرناها في وقتها، ليس لذكرها هنا محل- انتهى.

ومات الأمير جانبك- رحمه الله تعالى- وهو في أوائل الكهولية، غير أنه كان بادره الشيب ببعض لحيته، وكان- رحمه الله تعالى- أصله چاركسى الجنس وجلب إلى الديار المصرية، وتنقّل من ملك واحد إلى آخر- ذكرنا أسماءهم في ترجمته فى غير موضع من مصنفاتنا- إلى أن ملكه الملك الظاهر جقمق في أيام إمرته وأعتقه، فلما تسلطن جعله خاصكيا وقرّبه، ولا زال يرقيه حتى أمّره وولاه بندر جدّة، ونالته السعادة في أيام أستاذه، وعظم وضخم ونهض في إمرة جدّة، بحيث إنه صار في وقته حاكم الحجاز جميعه حتى مات- فى دولة أستاذه وفي دولة غيره- وقد حررنا ذلك جميعه في «الحوادث» وغيره، وعظم بآخره عظمة زائدة، لا سيما لما ولى الدّوادارية الكبرى في دولة الملك الظاهر خشقدم، وصار هو مدبّر المملكة، وشاع ذكره، وبعد صيته، حتى كاتبه ملوك الأقطار من كل جهة وقطر.

ص: 322

وأما ملوك اليمن والحجاز والهند فإنه أوقفنى مرّة على عدّة كثيرة من مكاتبات ملوك الهند، وبعضها مشتمل على نظم ونثر وفصاحة وبلاغة، وأماما كان يأتيه من ملوك الهند من الهدايا والتحف فشىء لا يحصر كثرة، وتضاعفت الهدايا له في هذه الدولة أضعاف ما كان يهدى إليه أوّلا، وقال له الدهر: خذ، فأخذ وأعطى حتى أسرف وبذّر، بحيث إنه لم يكن أحد من خچداشيته وغيرهم مع كثرتهم [له مال]«1» إلا من إنعامه عليه، أو هو ساكن في بيت أنعمه عليه، والذي أعرف أنا: أنه وهب تسعة دور من بيوت مقدمى الألوف بالدّيار المصريّة على تسعة نفر من خچداشيته الأكابر الأمراء وغيرهم، وقس على هذا من الخيول والقماش، وكان في مجاورتى بمكة في سنة ثلاث وستين يلازمنى وألازمه في الحرم كثيرا، ولم أنظره تصدّق على أحد فيما تصدّق به أقل من عشرة أشرفية، هذا مع اقتنائه من كل شىء أحسنه وأجمله وأكثره، لا سيما بركه «2» وخيمه، فكان إليها المنتهى في الحسن، يضرب بها المثل.

وبكفيك من علو همته أنه أنشأ بداره بستانا أزيد من مائة فدان، بابه الواحد «3» من داره قريب من خط قناطر السباع «4» ، وبابه الآخر تجاه الروضة، ثم أنشأ به تلك القبة العظيمة والرصيف الهائل تجاه الروضة، وبالجملة والتفصيل إن بابه كان محط «5» الرحال، وملجأ الطالبين الملهوفين، ونصرة المظلومين، وكثرة المحتاجين، فإنه كان يعطى الألفين دينارا دفعة واحدة إلى مادونها، وكان يعطى من المغلّ ألف أردب دفعة واحدة أيضا فى يوم واحد إلى ما دونها إلى عشرة أرادب، وأعطى في يوم واحد لبعض أعيان خچداشيتة مائة ناقة بأتباعها، يعرف هذا كلّ أحد، فقس على كرمه أيها المتأمل

ص: 323

ما شئت أن تقيس، ثم أعلم أنه لم يخلف بعده مثله، وإن أشكل عليك هذا القول، فسل من أحد من أمرائك العصريّين عشرة من الإبل، فإن أعطاك فاشكر مولاك، واعلم أنّ الناس فيهم بقية كرم، وإن لم يعطك فاشهد بصدق مقالتى.

وعلى كل حال إنه كان ملكا كريما جليلا، مهابا شهما، عارفا حاذقا فطنا، فصيح العبارة في اللغة العربية والتركية بالنسبة لأبناء جنسه، وكان قصير القامة مع كيس فى قدّه، وظرف في تناسب أعضائه بعضها لبعض، وكان سيوسا حسن التدبير، ومن حسن سياسته أنه لم ينحطّ قدره بعد زوال دولة أستاذه الملك الظاهر جقمق، بل زادت حرمته أضعاف ما كانت في أيّام أستاذه، مع كثرة حكّام الدولة الأشرفية الإينالية وتفرّق كلمتهم، فساس كل واحد بحسب حاله، وأقام في دولتهم عظيما مبجّلا، وبوجوده كان أكبر الأسباب في إعادة دولة خچداشيته بعد موت الملك الأشرف إينال، وبالجملة إنه كان نادرة من نوادر دهره- رحمه الله تعالى- وقد استوعبت أحواله في غير هذا المصنف بأطول من هذا بحسب الباعثة والقريحة، ورثيته بقصيدة نونية في غاية الحسن- عفا الله عنه وصالح عنه أخصامه بمنّه وكرمه.

وتوفّى الأمير سيف الدين تنم رصاص من نخشايش الظاهرى المحتسب، أحد أمراء الطبلخانات، قتيلا بيد المماليك الأجلاب مع الأمير جانبك الدّوادار، وقد تقدّم ذكر قتله فيما تقدم.

وكان تنم هذا من عتقاء الملك الظاهر جقمق وخاصكيته، وترقّى بعد موته إلى أن ولى حسبة القاهرة في أواخر دولة الملك الأشرف إينال، ثم صار أمير عشرة في أوائل دولة الملك الظاهر خشقدم، ثم نقل إلى إمرة طبلخاناه، ودام على ذلك إلى أن قتل فى التاريخ المذكور في قصة الأمير جانبك، وهو يوم الثلاثاء أول ذى الحجة، وكان شابا مليح الشكل، شجاعا عارفا، كريما لسنا، متحركا حاضر الجواب، وكان أحد أعوان الأمير جانبك الدّوادار في مقاصده- رحمهما الله تعالى، وعفا عنهما أجمعين.

ص: 324

وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن أحمد القرافى «1» المالكى أحد نواب الحكم المالكية وأعيان الفقهاء بالديار المصرية، فى ليلة الاثنين رابع عشر ذى الحجة، ودفن صبيحة يومه بالقرافة وقد جاوز السبعين من العمر، وكان له اشتغال كثير في ابتداء أمره، وعمل جيد مع ذكاء وحسن تصوّر، لا سيما في باب التوريق «2» وصناعة القضاء والشروط رحمه الله تعالى وعفا عنه.

أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم- سبعة أذرع وعشرون إصبعا، مبلغ الزيادة تسعة [عشر]«3» ذراعا وسبعة أصابع.

ص: 325