الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أعيان مباشرى الدولة من المتعممين
كاتب السّرّ محبّ الدين بن الشّحنة الحنفى.
وناظر الجيش والخاص معا، عظيم الدولة الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم.
والوزير سعد الدين فرج بن النحّال.
والأستادار على البرددار بن الأهناسى
ووظيفة نظر الدولة ونظر المفرد كل منهما تلاشى أمرهما حتى صارت كلا شىء، سكتنا عن ذكر ذلك لوضاعة قدر من يليها.
قلت: ولو سكتنا عن ذكر من يلى الوزر «1» أيضا لكان أجمل، غير أنه لا يسعنا إلا ذكرها لمحلها الرّفيع في سائر الأقطار- فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
وأما ذكر نظر الجوالى، والإسطبل السلطانى، والبيمارستان، والكسوة، وخزائن السلاح، والخزانة الشريفة، وأشباههم ليس لذكرهم هنا محل، لكونهم في غير هذه الرّتبة.
وفي مثل هذا المحل لا يذكر إلا أعيان الوظائف المعدود أصحابها من ذوى الرياسات، وقد ذكرنا تلك الوظائف كلها في تاريخنا الحوادث، إذ هو محل ضبط الولايات والعزل- انتهى.
وفي يوم الأحد سادس محرم سنة ثمان وخمسين وثمانمائة ورد الخبر على السلطان من حلب بوفاة الأمير على باى بن طرباى العجمى المؤيّدى أتابك حلب، فرسم السلطان باستقرار الأمير آقبردى السّاقى الظاهرى نائب قلعة حلب أتابكا بحلب عوضه.
واستقرّ في نيابة قلعة حلب الزّينى قاسم بن جمعة القساسى «1» ، وأنعم بتقدمة قاسم المذكور- وكان أخذها قبل ذلك عن سودون القرمانى بمدة يسيرة- على الأمير يشبك البجاسى «2» .
واستقرّ مكان يشبك البجاسى في دوادارية السلطان بدمشق خشكلدى الزينى عبد الرحمن بن الكويز.
وفي يوم الاثنين حادى عشرين المحرم أيضا وصل إلى القاهرة تقدمة الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حلب، تشتمل على جماعة يسيرة من المماليك ومائة فرس لا غير «3» .
قلت: وهذا كثير ممن أشيع عنه العصيان ثم أظهر الطاعة في الظاهر، والله متولى السّرائر، وقد أوضحنا أمر قانى باى هذا في غير هذا المحل مع السلطان الملك الأشرف إينال بأوسع من هذا.
ثم في صفر رسم بسفر الأمير زين الدين الأستادار إلى القدس بطالا، فلما خرج إلى ظاهر القاهرة قبض عليه، وأخذ إلى القلعة، وصودر ثانيا، وعوقب ووقع له أمور، آخرها أنه ولى الأستادارية- مسئولا في ذلك- فى يوم الثلاثاء رابع عشر صفر، وعزل علىّ بن الأهناسى.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر ربيع الأوّل من سنة ثمان وخمسين المذكورة ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل بغير قماش الخدمة «4» ، ونزل إلى جهة
قبّة النصر خارج القاهرة، ثم عاد من باب النصر، وشقّ القاهرة وخرج من باب زويلة حتى طلع إلى القلعة، وهذا أوّل ركوبه من يوم تسلطن.
وفي يوم الاثنين سادس عشر «1» شهر ربيع الآخر ثارت فتنة بسوق الخيل بين المماليك الظاهرية- جقمق- وبين المماليك الأشرفية- برسباى- بالدبابيس «2» ، وأصبح كل من الطائفتين مستعدة للأخرى، فلم يقع شىء ولله الحمد، وقد ذكرنا كيفية الفتنة المذكورة في تاريخنا الحوادث.
وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه عزل السلطان لؤلؤ الأشرفى عن تقدمة المماليك السلطانية، وأعاد إليها الطواشى مرجانا المحمودى «3» بمال أخذه من مرجان، وإلا فأيش هو الموجب لعزل الرئيس بالوضيع إلا هذا المعنى؟!
ثم في يوم الأحد سادس جمادى الأولى عزل السلطان تمراز الأشرفى عن الدّواداريّة الثانية لأمر اقتضى ذلك، وقد أراح الله الناس منه؛ لسوء خلقه، وحدّة مزاجه، وقد ذكرنا من أحواله نبذة كبيرة في غير هذا المحل.
وفي يوم الخميس سادس «4» عشر جمادى الأولى المذكورة وصل الأمير جلبّان الأمير آخور نائب الشام إلى القاهرة بعد أن احتفل أرباب الدّولة به، وطلع إلى ملاقاته كلّ أحد، حتى المقام الشهابى أحمد، وطلع إلى القلعة ودخل إلى السلطان بالقصر الأبلق المطلّ على الرّميلة بالخرجة، فلما رآه السلطان قام إليه واعتنقه، بعد أن قبل جلبّان الأرض بين يديه، ثم أجلسه السلطان على ميسرته فوق ولده المقام الشهابى أحمد، ولم يطل جلوسه حتى طلب السلطان خلعته، وخلع عليه خلعة الاستمرار بنيابة دمشق على
عادته «1» فى مكان جلوسه بالخرجة المذكورة، ولم يقع ذلك لأحد من النواب، لأن العادة أنه لا يخلع السلطان على من يخلع عليه إلا بالقصر الأبلق من داخل الخرجة.
ثم قام السلطان وخرج إلى القصر، ولم يدع جلبّان المذكور أن يقف، بل أمره أن يتوجّه إلى حيث أنزله السلطان، فنزل محمولا لضعف به ولكبر سنه أيضا، ونزل غالب الأمراء الأكابر وأرباب الدولة بين يديه إلى أن أوصلوه إلى الميدان الكبير بطريق بولاق تجاه بركة الناصرى، ومدّ له مدّة هائلة، وترددت الناس إليه نهاره كلّه، واستمر إلى يوم الأحد عشرينه، فقدّم إلى السلطان تقدمة، وكانت تقدمة هائلة، تشتمل على: عشرة مماليك، ومائتى فرس، منها اثنان بقماش ذهب، والباقى على العادة، وعدة حمالين، منها ستون حمالا عليها قسىّ، كل حمال خمسة أقواس، ومنها مائة وعشرون حمالا بعلبكيا، على كل حمال خمسة أثواب، النصف منها عال موصلى، وستون حمالا عليها أبدان سنجاب «2» ، وعشرة حمالين وشق «3» ، وعدّة حمالين عليها أثواب صوف ملوّنة، وعدة حمالين عليها شقق حرير ملوّن، وأثواب مخمل تزيد على مائة حمال، وطبق مغطى فيه ذهب مبلغ عشرة آلاف دينار على ما قيل.
فقبل السلطان ذلك، وخلع على أرباب وظائف جلبّان المذكور خلعا سنيّة، وفرّق السلطان من الخيول على أمراء الألوف جميعهم على قدر مراتهم.
وفي هذا اليوم أيضا رسم السلطان لنقيب الجيش أن يخرج الأمير تمراز الإينالى الأشرفى الدوادار الثانى إلى القدس بطّالا، فنزل وتوجّه به من يومه إلى خانقاه سرياقوس، قلت «1» :[السريع]
ما يفعل الأعداء في جاهل
…
ما يفعل الجاهل في نفسه
فإن تمراز هذا كان في الدولة الظاهرية- جقمق- من جملة الأمراء والعشرات وكان ممن لا يؤبه إليه، حتى مات الظاهر، وثار مع الملك الأشرف إينال لما وثب على الملك المنصور عثمان مع من انضم إليه من المماليك الظاهرية والأشرفية وغيرهم، فلما تسلطن الأشرف قرّب تمراز هذا، وجعله دوادارا ثانيا، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وصار له كلمة في الدولة وحرمة وافرة، وهابته الناس لشراسة خلقه وحدة مزاجه، وباشر الدوادارية أقبح مباشرة من الظلم والعسف والإخراق بالناس والبطش بحواشيه وأرباب وظائفه ومماليكه، حتى تجاوز الحد، وما كفاه ذلك حتى صار يخاطب السلطان بما يكره، وبقى في كل قليل يغضب ويعزل نفسه، ووقع ذلك غير مرّة، فلما زاد وخرج عن الحد عزله السلطان، ولزم داره أياما، ثم خرج إلى القدس بطّالا «2» .
وفي «3» يوم الاثنين حادى عشرين جمادى الأولى خلع السلطان على الصاحب
أمين الدين بن الهيصم باستقراره وزيرا على عادته أولا، بعد عزل فرج بن النّحال، وكان أحقّ بها وأهلا لها.
وفي يوم الاثنين هذا أيضا خلع السلطان على مملوكه صهره الأمير بردبك الدوادار الثانى باستقراره في الدواداريّة الثانية عوضا عن تمراز الأشرفى المقدّم ذكره.
وفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة استقرّ القاضى تاج الدين عبد الله ابن المقسى كاتب المماليك السلطانية عوضا عن الصاحب سعد الدين فرج بن النّحال.
قلت: وتاج الدين هذا مستحق لأعظم الوظائف؛ لما اشتمل عليه من حسن الخلق والخلق.
وفي يوم الجمعة ثانى عشرين شهر رجب سافر الأمير بردبك الدوادار الثانى إلى القدس الشريف، وصحبته كسوة مقام سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام التي صنعها السلطان الملك الأشرف هذا، وخرج بردبك المذكور من القاهرة بتجمل زائد، ومعه جماعة من الأعيان، مثل القاضى شرف الدين الأنصارى، ناظر الكسوة ووكيل بيت المال، والسيفى شاهين الساقى وغيرهما.
وفي يوم الخميس سادس شعبان وصل إلى القاهرة الأمير برشباى الإينالى المؤيّدى، أحد أمراء الطبلخانات المتوجّه قبل تاريخه في الرسلية إلى ملك الروم السلطان محمد بن عثمان، وعليه خلعة ابن عثمان المذكور، وهو لابس لبس الأروام وخلعهم على العادة «1» .
وفيه رسم السلطان بتعويق جوامك أولاد الناس والمرتبين من الضعفاء والأيتام على ديوان السلطان، وعرضهم السلطان وقطع جماعة كبيرة، وبينما هو في ذلك وصل
الأمير بردبك من القدس، وحذّر السلطان من الدعاء عليه، ونهاه عن هذه الفعلة فانفعل «1» له، وترك كل واحد على حاله، ونودى بذلك بشوارع القاهرة، فعدّ من محاسن بردبك المذكور.
وفي يوم السبت حادى عشر ذى القعدة اختفى الوزير أمين الدين بن الهيصم، لعجز متحصّل الدولة عن القيام بالكلف السلطانية، فتغيّر السلطان بسبب ذلك على جماعة «2» ، وقبض على الأمير زين الدين الأستادار في يوم الاثنين وحبسه بالقلعة، وخلع على الأمير ناصر الدين محمد بن أبى فرج نقيب الجيش «3» باستقراره في الأستادارية عوضا عن زين الدين على كره منه في الوظيفة، مضافا إلى نقابة الجيش، وخلع على سعد الدين فرج بن النحال باستقراره وزيرا على عادته، وهذه ولاية فرج الثانية للوزر، وأنعم عليه بكتابة المماليك، وعزل القاضى تاج الدين المقسى.
ثم في يوم الأربعاء خامس عشر ذى القعدة ضرب السلطان زين الدين الأستادار، وألزمه بجملة كبيرة من المال، فأخذ زين الدين في بيع قماش بدنه وأثاث بيته، ثم أخذه الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، وتسلمه من السلطان، ونزل به إلى بيته، فدام عنده أيّاما، ثم رسم له بالتوجه إلى داره، وأنه يسافر إلى القدس، فتجهّز زين الدين وخرج إلى القدس في يوم الجمعة ثانى ذى الحجة.
ثم في يوم الاثنين خلع السلطان على شخص من الأقباط يعرف بابن النجار «4» ، واستقرّ به ناظر الدّولة «5» بعد شغورها مدة «6» طويلة، وصار رفيقا للوزير فرج «7» .