الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 867]
واستهلت سنة سبع وستين وثمانمائة وجميع نواب البلاد الشامية مقيمون بحلب مخافة هجوم جانم عليها، والسلطان ملازم الفراش، فلما كان أوّل المحرم دقّت البشائر لعافية السلطان ثلاثة أيام.
وفي يوم الخميس سادس المحرم خلع السلطان على الأطباء وعلى السّقاة وعلى من له عادة.
ثم في يوم الأربعاء تاسع عشره «1» وصل أمير الركب الأول الناصرى محمد ابن الأتابك جرباش، ودخل أمير حاج المحمل الأمير بردبك من الغد، ومن غريب الاتفاق أنى سألت الناصرىّ محمد ابن الأتابك جرباش:«متى بلغكم مرض السلطان؟» فقال:
«فى المدينة الشّريفة» ، فحسبنا الأيام، فكان يوم سمعوا فيه خبر مرضه قبل أن يمرض بيوم أو يومين.
وفي يوم الخميس حادى عشر صفر استقرّ علىّ بن الأهناسى في وظيفتى الوزر والخاص، ولبس في هذا اليوم وظيفة الخاص عوضا عن القاضى شرف الدين موسى الأنصارى، والوزر عوضا عن شرف الدين يحيى بن صنيعة.
وفي يوم الثلاثاء أوّل شهر ربيع الأوّل استقرّ القاضى علم الدين بن جلود كاتب المماليك السلطانية.
وفي يوم الأحد ثالث عشره عمل السلطان المولد النبوى بالحوش من قلعة الجبل، على العادة من كل سنة، وأصبح من الغد عمل مولدا آخر لزوجته خوند الأحمدية.
ثم في يوم السبت سادس عشرينه «2» ، استقرّ الزينى قاسم الكاشف أستادارا، بعد أن اختفى الأمير زين الدين الأستادار.
ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشر «3» شهر ربيع الآخر ورد الخبر من جانبك التّاجى
نائب حلب أن جانم نائب الشّام قتل بمدينة الرّها «1» ، وقد اختلف في قتله على أقاويل ذكرناها في «الحوادث» .
وفي يوم الاثنين ثالث جمادى الأولى استقرّ بلاط دوادار الحاج إينال في نيابة صفد دفعة واحدة من غير تدريج- ببذل المال- عوضا عن خيربك القصروى، وتوجه خيربك على إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق عوضا عن يشبك آس قلق المؤيّدى، بحكم استقرار يشبك المذكور في نيابة عزّة بعد موت شادبك الصارمى، ثم تغيّر ذلك بعد أيام؛ لامتناع يشبك من نيابة غزّة، واستمرّ يشبك على إمرته بدمشق، فصار خيربك بطّالا بالشام، ثم رسم السلطان أن يستقر شاد بك الجلبّانى في نيابة غزّة بعشرة آلاف دينار، وإن امتنع شادبك من نيابة غزّة حمل إلى قلعة دمشق، ويؤخذ منه العشرة آلاف دينار.
وفيه استقرّ أزدمر الإبراهيمى مسفّر بلاط نائب صفد، واستقرّ سودون البردبكّى الفقيه المؤيّدى مسفّرا لمن يستقر في نيابة غزّة.
ثم في يوم الاثنين ثانى جمادى الآخرة استقرّ الصاحب شمس الدين منصور أستادارا عوضا عن قاسم الكاشف.
وفي يوم السبت رابع عشره رسم السلطان بعزل إينال الأشقر عن نيابة ملطية بالأمير يشبك البجاسى أتابك حلب، واستقرّ إينال الأشقر أتابك حلب عوضه.
وفي سلخ هذا الشهر سافرت خوند الأحمدية زوجة السلطان إلى زيارة الشيخ أحمد البدوى «2» .
وفي يوم الاثنين أول شهر رجب سافرت الغزاة في بحر النيل إلى ثغر دمياط، ليتوجهوا من الثغر إلى جزيرة قبرس، وكان على هذه الغزاة الأمير بردبك الظاهرى
حاجب الحجاب، والأمير جانبك قلقسيز الأشرفى، واثنا عشر أميرا آخر، هم: بردبك التاجى، وقانصوه المحمدى، وقانصوه الساقى، ويشبك الأشقر، ثم خيربك من حديد، وقلطباى، وكلهم أشرفية برسبائية، ثم تنم الفقيه المؤيّدى، ثم يشبك القرمى وتمرباى السلاح دار، وقانصوه، وهؤلاء الثلاثة ظاهرية جقمقيّة، ثم من السّيفيّة مغلباى الجقمقى، وتنبك السّيفى جانبك النور، ونحو خمسمائة مملوك من المماليك السلطانية وهذا خلاف المطوعة والخدم، وأرباب الصنائع وغيرهم.
وفيه ظهر الأمير زين الدين، وطلع إلى السلطان، ولبس كامليّة، واستقرّ أستادارا على عادته، بعد عزل منصور والتّرسيم عليه.
وفي يوم الاثنين خامس عشره أدير المحمل «1» على العادة.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره استقرّ الأمير جكم الأشرفى خال الملك العزيز في نيابة غزّة، بعد ما شغرت مدة طويلة.
وفي يوم الاثنين تاسع عشرين رجب استقرّ بدر الدين حسين بن الصواف قاضى الحنفية بالديار المصرية، عوضا عن قاضى القضاة محب الدين بن الشحنة بحكم عزله.
وفيه جهّز السلطان تجريدة إلى البحيرة عليها أميران من أمراء الألوف، وهما جانبك الناصرى المرتد، وقانى بك المحمودى المؤيّدى، وجماعة أخر من أمراء الطبلخانات والعشرات.
وفيه ثارت مماليك السلطان الأجلاب عليه، ومنعوا أرباب الدّولة والأمراء وغيرهم من الطلوع إلى القلعة للخدمة السلطانية، وضربوا الأمير جوهرا مقدّم المماليك، وهجموا على سودون القصروى نائب القلعة، ثم بطلت الفتنة، لأمر حكيناه في «الحوادث» .
وفي يوم الخميس خامس عشر شهر رمضان استقرّ الزّينى مثقال الظاهرى المعروف بمثقال الحبشى، نائب مقدم المماليك، بعد عزل صندل الظاهرى بحكم عزله.
وفي ليلة السبت ثامن شوال تسحّب على بن الأهناسى، وشغرت عنه وظيفتا الخاص والوزر، فاستقرّ عوضه في الوزر الصاحب مجد الدين بن البقرى، وفي الخاص القاضى تاج الدين بن المقسى، مضافا للجيش.
وفي يوم الاثنين سابع عشره خرج الأمير بردبك هجين الظاهرى أمير حاج المحمل بالمحمل إلى بركة الحاج، وأمير الركب الأول الشهابى أحمد بن الأتابك تنبك.
وفي يوم الخميس العشرين من ذى القعدة أعيد قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينى لمنصب القضاء، بعد عزل قاضى القضاة شرف الدين المناوى.
وفي ليلة الجمعة سادس عشرين ذى القعدة عمل عظيم الدولة الأمير جانبك الظاهرى الدّوادار وليمة عظيمة بالقبّة التي بناها تجاه جزيرة الروضة، وقد احتفل لهذه الوليمة احتفالا عظيما وحضرها جميع أعيان الدولة بأسرهم، ما خلا بعض أمراء الألوف، لعدم طلبهم، وقد حكينا أمر هذه الوليمة في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» ومن عظم هذه الوليمة لهج الناس بأنها تمام سعده، فلما كان يوم الثلاثاء أوّل ذى الحجة قتل الأمير جانبك المذكور بقلعة الجبل، داخل باب القلّة، تجاه باب الجامع الناصرى الشرقى فى الغلس قبل تباين الوجوه، وقتل معه خچداشه الأمير تنم رصاص الظاهرى محتسب القاهرة وأحد أمراء الطبلخانات، وكان قتلهما بيد المماليك الأجلاب الذين أنشأهم الملك الظاهر خشقدم.
ولما أن طلع النهار المذكور قبض السلطان في الحال على ستة أمراء من الظاهرية، وهم: سودون الشمسى [المعروف بالبرقى]«1» الأمير آخور الثانى، وقانصوه اليحياوى، وأزدمر، وطومان باى، ودمرداش، وتغرى بردى ططر، والجميع رءوس نوب،
فحمل سودون البرقى من الغد إلى سجن الإسكندرية، وأطلق طومان باى وأزدمر ودمرداش، وأخرج قانصوه وتغرى بردى إلى البلاد الشامية، واضطرب لهذه الواقعة أمور المملكة، وتخوّف كلّ أحد على نفسه، ويأبى الله إلا ما أراد.
وفي يوم الاثنين سابع ذى الحجة استقرّ يشبك من سلمان شاه «1» المؤيّدى الفقيه دوادارا كبيرا، بعد قتل الأمير جانبك، فولى يشبك وظيفته، ولم يل مجده ولا ثناءه ولا همته ولا حرمته ولا شهامته ولا عظمته، ولقد كان به تجمل في الزمان، ولا قوة إلا بالله.
واستقرّ سودون البردبكى المؤيّدى في حسبة القاهرة، عوضا عن تنم رصاص بعد قتله أيضا، واستقرّ نانق الظاهرى أمير آخور ثانيا عوضا عن سودون الشمسى، بحكم حبسه.
وفي يوم السبت ثالث عشره استقرّ المعلم محمد البباوى- أحد معاملى اللحم- ناظر الدولة دفعة واحدة، وترك زىّ الزّفورية «2» السوقة، ولبس زىّ المباشرين الكتاب، ولبس خفّا ومهمازا، وركب فرسا، وهو أمىّ لا يحسن القراءة ولا الكتابة، فكانت ولايته لهذه الوظيفة من أقبح ما وقع في الدولة التركية بالديار المصرية، وقد استوعبنا من حال البباوى هذا نبذة كبيرة في تاريخنا «الحوادث» ، لا سيما لما ولى الوزارة، فكان ذلك أدهى وأمرّ، وبالجملة إن ولاية البباوى للوزر كان فيها عار على مملكة مصر إلى يوم القيامة.
وفي صبيحة يوم الاثنين ثامن عشرين ذى الحجة أمسك السلطان أربعة أمراء من أكابر أمراء الظاهرية بالقصر السلطانى، وكان الذي تولى قبضهم جماعة أيضا من المماليك الأجلاب «3» ، وحبسوا بالبرج من قلعة الجبل، وقيدوا إلى الرابعة من النهار المذكور،
وحملوا على البغال على العادة إلى سجن الإسكندرية، والأمراء المذكورون أعظمهم تمربغا الظاهرى رأس نوبة النوب، وأزبك من ططخ الظاهرى أحد مقدّمى الألوف، وبرقوق الناصرى ثم الظاهرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، وقانى باى الساقى الظاهرى أيضا أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، ولما انفضّ الموكب منع السلطان الأمراء من النزول إلى دورهم، ورسم بإقامتهم بالحوش السلطانى مخافة أن يحدث منهم أمر لا سيما ممن بقى من أمراء الظاهرية، ولهج الناس بزوال الظاهرية، وتهيأ من بقى منهم وأوصى، وكثرت المقالة بمصر، وأرجف بالركوب والفتنة، واستمرّ الأمراء بالحوش جلوسا يومهم كله، إلى أن دخلت ليلة الثلاثاء تاسع عشرين ذى الحجة ولم يتحرك أحد بحركة، وقد عمّ الخوف الناس جميعا؛ لأن السلطان صار يخاف من وثوب الظاهرية عليه، والظاهرية تخاف من قبض السلطان عليهم، والناس خائفون من الفتنة، هذا والهرج موجود بين الناس.
فلما كان بعد صلاة عشاء الآخرة بلغ السلطان أن مماليكه الأجلاب الذين ملكهم من مماليك الملك الأشرف إينال، وأجرى عليهم العتق وقرّبهم وجعلهم خاصكية، وهم الذين قتلوا جانبك الدّوادار وتنم رصاص، وهم أيضا الذين تولوا قبض الأمراء الأربعة، قد اتفقوا مع بقية خچداشيتهم على قتل السلطان في هذه الليلة، ثم على قتل جميع الأمراء بالحوش السلطانى، ما خلا واحدا منهم، يبقوه ليسلطنوه عوضا عن أستاذهم الملك الظاهر خشقدم، ثم يصير بعد ذلك أمر المملكة بيدهم، فلم يكذب السلطان هذا الخبر، وحار فى نفسه كيف يفعل، وضاق عليه فضاء الأرض؛ لكون الذي طرقه إنما هو من مماليكه، وهم الذين يستعزّ بهم على غيرهم من جنده، فلم يجد بدّا من الاعتذار مع الظاهرية، وأن يصطلح معهم، ويعتذر إليهم في الليل، ويطيّب خاطرهم، فأرسل من طلب الأمير قايتباى الظاهرى شاد الشراب خاناه في الليلة المذكورة، فحضر هو وجماعة كثيرة من خچداشيته وأصحابه، وطلع من باب السلسلة إلى الحوش السلطانى راكبا، هو وجميع من حضر معه، وكانوا خلائق، ودخل قايتباى إلى السلطان بقاعة الدهيشة،