المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 872] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٦

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 855]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 856]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌ذكر سلطنة الملك الأشرف إينال العلائى على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 858]

- ‌ذكر أعيان مباشرى الدولة من المتعممين

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 859]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 860]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 861]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 862]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 863]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 864]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 865]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 858]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 859]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 860]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 861]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 862]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 863]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 864]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 865]

- ‌ذكر نكبة الملك المؤيد أحمد ابن الملك الأشرف إينال وخلعه من الملك

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر خشقدم على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 866]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 867]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 868]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 869]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 870]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 871]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 872]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 865]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 866]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 867]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 868]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 869]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 870]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 871]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 872]

- ‌ذكر خلع الملك الظاهر يلباى من سلطنة مصر

- ‌ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى سعيد تمربغا الظاهرى على مصر

- ‌ذكر الوقعة التي خلع فيها السلطان الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا من الملك

- ‌ذكر سلطنة الملك الأشرف قايتباى المحمودى على مصر

- ‌فهرس

- ‌فهرس الملوك والسلاطين الذين تولوا حكم مصر

- ‌فهرس الأعلام

- ‌الأعلام التي ترجم لها المؤلف في الوفيات

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التي كانت مستعملة في عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 855- 871 ه

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 872]

[ما وقع من الحوادث سنة 872]

ذكر سلطنة الملك الظاهر أبى نصر يلباى الإينالى المؤيدى على مصر وهو السلطان التاسع والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم، والرابع عشر من الچراكسة وأولادهم.

تسلطن في آخر نهار السبت عاشر شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، قبل الغروب بنحو ثلاث درج رمل، وسبب تأخيره إلى هذا الوقت أنه لما مات الملك الظاهر خشقدم بعد أذان ظهر يوم السبت المقدّم ذكره طلع الأتابك يلباى المذكور وجميع الأمراء إلى القلعة، وقبل أن يتكلموا في ولاية سلطان أخذوا في تجهيز الملك الظاهر خشقدم والصلاة عليه، فغسّلوا وأخرجوه وصلوا عليه عند باب القلّة، ونزلوا به إلى حيث دفن بمدرسته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من قبة النصر، وحضرت أنا دفنه، ولم يحضره من أعيان الأمراء إلا جماعة يسبرة حسبما تقدّم ذكره في وفاته، وهذا كله بخلاف العادة، فإن العادة سلطنة سلطان ثم يؤخذ في تجهيز السلطان الذي مات.

ولما أنزل نعش الملك الظاهر خشقدم من القلعة شرعوا عند ذلك في سلطنة الأتابك يلباى، وكان قد انبرم أمره في ضحوة نهار السبت هذا مع الأمراء ومماليك الملك الظاهر خشقدم، وكبيرهم يوم ذاك خيربك الدّوادار الثانى، وخشكلدى البيسقى أحد مقدّمى الألوف، ولما أذعن مماليك الظاهر الأجلاب بسلطنة يلباى لم يختلف عليه يومئذ أحد؛ لأن الشوكة كانت للأجلاب، وهم أرادوه، والظاهرية الكبار تبع لهم، وأما المؤيّدية فخچداشيته، فتمّ أمره.

وكيفية سلطنته أنه لما عادوا من الصلاة على الملك الظاهر خشقدم جلسوا عند باب

ص: 356

الستارة وقتا هيّنا، وإذا بالأمير خيربك خرج من باب الحريم ومعه جماعة من خچداشيته وأخذوا الأتابك يلباى وأدخلوه من باب الحريم، ومضوا به إلى القصر السلطانى، وخاطبوه بالسلطنة، فامتنع امتناعا هينا، فلم يلتفتوا إلى كلامه، وأرسلوا إلى الأمراء أحضروهم إلى القصر من خارج، فوجدوا القصر قد سقط بابه، فدخلوا من الإيوان إلى القصر، فتفاءل الناس زواله بسرعة؛ لغلق باب القصر، فدخلت الأمراء قبل أن يحضر الخليفة والقضاة، وطال جلوسهم عنده، وقبّلت الأمراء الأرض قبل المبايعة وهم في هرج لإحضار الخليفة والقضاة إلى أن حضروا بعد مشقة كبيرة؛ لعسر طريق القصر، إذ المصير إليه من الإيوان السلطانى، وأيضا حتى لبست الأمراء قماش الموكب وتكاملوا بعد أن فرغ النهار، وقد أخذوا في بيعته وسلطنته ولبّسوه خلعة السلطنة بالقصر، وجلس على تخت الملك من غير أن يركب فرسا بأبهة الملك على العادة، وقبلوا «1» الأمراء الأرض بين يديه وتمّ أمره «2» ، فكان جلوسه على كرسى السلطنة قبل الغروب بثلاث درج حسبما تقدم ذكره.

وخلع على الأمير تمربغا أمير مجلس بالأتابكية، ثم خلع على الخليفة، فدقّت البشائر، ونودى بسلطنته، وتلقب بالملك الظاهر يلباى.

والآن نشرع في التعريف به قبل أن نأخذ فيما وقع له في سلطنته من الحوادث فنقول:

أصله چاركسى الجنس، جلبه الأمير إينال ضضع من بلاد الچاركس إلى الديار المصرية في عدة مماليك، فاشتراه الملك المؤيد شيخ قبل سنة عشرين وثمانمائة، وأعتقه وجعله من جملة المماليك السلطانية، وأسكنه بالقلعة بطبقة الرفرف «3» ثم صار خاصكيا

ص: 357

بعد موت أستاذه، ودام على ذلك إلى أن صار من أعيان الخاصكية، وأنعم الأشرف برسباى عليه بثلث قرية طحورية «1» ، ثم نقله الملك العزيز يوسف ابن السلطان الملك الأشرف برسباى إلى نصف بنها العسل بعد أيتمش المؤيدى، ثم صار ساقيا في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق، فلم تطل أيامه في السقاية، وأمّره عشرة وجعله من جملة رءوس النوب، فدام على ذلك إلى أن تسحّب الملك العزيز يوسف ابن الملك الأشرف برسباى من قلعة الجبل واختفى إلى أن ظفر به يلباى هذا في بعض الأماكن، وطلع به إلى الملك الظاهر جقمق، فأنعم عليه الملك الظاهر جقمق بقرية سرياقوس زيادة على ما بيدة، وصار أمير طبلخاناه، ودام على ذلك إلى أن تسلطن الملك المنصور عثمان ابن السلطان الملك الظاهر جقمق، فقبض على يلباى هذا وعلى اثنين من خچداشيته:

دولات باى الدّوادار الكبير ويرشباى الأمير آخور الثانى؛ وذلك في سنة سبع وخمسين، وحبس بثغر الإسكندرية إلى أن أطلقه الملك الأشرف إينال من سجن الإسكندرية، وأطلق خچداشيته المذكورين، ووجّهه إلى دمياطبطّالا- ثم أحضره إلى القاهرة بعد أيام قليلة، فاستمر بطالا مدة يسيرة.

وقتل الأمير سونجبغا اليونسى «2» الناصرى ببلاد الصعيد، وكان سونجبغا هو الذي أخذ إقطاع يلباى هذا بعد مسكه، فأعاده الملك الأشرف إينال إليه، وصار على عادته أولا أمير طبلخاناه إلى أن مات الأمير خيربك المؤيّدى الأشقر الأمير آخور الثانى، فنقل يلباى هذا إلى الأمير آخورية الثانية من بعده، فدام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف إينال بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، فدام على ذلك إلى أن نقله الملك الظاهر خشقدم إلى حجوبية الحجاب بالديار المصرية، عوضا عن بيبرس خال العزيز، بحكم انتقاله إلى وظيفة رأس نوبة النّوب، بعد انتقال الأمير قانم إلى

ص: 358

إمرة مجلس بعد انتقال قرقماس إلى إمرة سلاح؛ بحكم انتقال جرباش إلى الأتابكية، عوضا عن الملك الظاهر خشقدم، وذلك في يوم الأربعاء سابع شوال.

فاستمرّ يلباى هذا على الحجوبية إلى أن نقله الملك الظاهر خشقدم إلى الأمير آخورية الكبرى، بعد توجه برسباى البجاسى إلى نيابة طرابلس، بعد القبض على الأمير إياس المحمدى الناصرى، وذلك في يوم الخميس سابع عشر المحرم سنة ست وستين.

فدام يلباى هذا في هذه الوظيفة إلى أن نقل إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية بعد موت الأتابك قانم دفعة واحدة، بعد أن كان يجلس في مجلس السلطان خامس رجل، وذلك في يوم الاثنين ثامن عشر صفر سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، واستمرّ على ذلك إلى أن مرض الملك الظاهر خشقدم، وثقل في مرضه، وتكلّم الناس فيمن يتسلطن فيما بينهم، فرشح جماعة، فاختارت الأجلاب يلباى هذا، كونه أتابك العساكر وأيضا خچداش أستاذهم، فتسلطن، وتمّ أمره حسبما تقدّم ذكره- انتهى.

قلت: ولما استمر جلوسه بالقصر السلطانى رسم في الحال بسفر الأمير قرقماس أمير سلاح بمن كان عيّن معه من الأمراء والمماليك السلطانية إلى الصعيد، وكان له أيام مقيما بالمركب، وكذلك جميع من كان عيّن معه، وسافروا من يومهم أرسالا.

ثم خلع الملك الظاهر يلباى على الأتابك تمربغا في يوم الاثنين ثانى عشره خلعة نظر البيمارستان المنصورى.

وخلع على خچداشه الأمير قانى بك المحمودى المؤيدى بإمرة مجلس عوضا عن الأتابك تمربغا، وأنعم عليه بإقطاع تمربغا أيضا.

وخلع على تمر المحمودى والى القاهرة خلعة الاستمرار، وكذلك على القاضى علم الدين كاتب المماليك.

وفيه ورد كتاب يشبك من مهدى كاشف الوجه القبلى يتضمن أنّه ولّى سليمان

ص: 359

ابن عمر الهوارى عوضا عن ابن عمه، وأنه لا حاجة له بتجريدة، فلم يلتفت السلطان إلى مقالته في عدم إرسال تجريدة إلى بلاد الصعيد لغرض يأتى بيانه.

ثم في يوم الخميس خامس عشره خلع السلطان على جميع مباشرى الدولة باستمرارهم على وظائفهم.

وفيه نودى بأن نفقة المماليك تكون من أول الشهر، يعنى أول ربيع الآخر.

وفيه عمل المولد النبوى بالحوش على العادة، وقبل أن يفرغ المولد ندب السلطان الأمير برسباى قرا الظاهرى، والأمير جكم الظاهرى، وطرباى الظاهرى البواب، أن يتجهزوا إلى الصعيد لمسك الأمير قرقماس أمير سلاح والأمير قلمطاى رأس نوبة، والأمير أرغون شاه، ويتوجهوا بهم إلى حبس الإسكندرية، ولم يعلم أحد ما الموجب لذلك.

وفي يوم السبت سابع عشره «1» أعاد السلطان القاضى قطب الدين الخيضرى إلى كتابة السّرّ بدمشق، بعد عزل الشريف إبراهيم بن السيد محمد.

وفيه أيضا استقرّ الصارمى إبراهيم بن بيغوت الأعرج حاجب الحجّاب بدمشق عوضا عن شرامرد العثمانى المؤيدى.

وفيه وصل الخبر بقدوم الأمير أزبك رأس نوبة النّوب من تجريدة العقبة، بعد أن أمسك مباركا شيخ بنى عقبة، الذي قطع الطريق على إقامة الحجاج.

ثم وصل الأمير أزبك في يوم الاثنين تاسع عشره، وخلع السلطان عليه وعلى رفيقه الأمير جانبك قلقسيز حاجب الحجاب، ورسم بتسمير مبارك شيخ بنى عقبة المقدّم ذكره ورفقته، وكانوا أزيد من أربعين نفرا، فسمّروا الجميع، وطيف بهم الشوارع، ثم وسّطوا في آخر النهار عن آخرهم.

وفي يوم الخميس ثانى عشرينه ورد الخبر على الملك الظاهر يلباى بعصيان الأمير

ص: 360

بردبك نائب الشام، وأنه قتل جميع النوّاب المجردين معه لقتال شاه سوار بن دلغادر، وكان الأمر غير ذلك، ووقع أمور حكيناها مفصلة في تاريخنا «حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور» محصولها أن بردبك المذكور كان تهاون في قتال شاه سوار المذكور، وخذل العسكر الشامى لما كان في قلبه من الملك الظاهر خشقدم رحمه الله، فكان ذلك سببا لكسر العسكر الشامى والحلبى وغيرهم ونهبهم، وقتل في هذه الواقعة نائب طرابلس قانى باى الحسنى المؤيدى، ونائب حماة تنم خوبى الحسينى الأشرفى، وأتابك دمشق قراجا الخازندار الظاهرى، وأتابك حلب قانصوه المحمدى الأشرفى، وغيرهم من أمراء البلاد الشامية، وغيرهم حسبما يأتى ذكرهم في الوفيات على عادة هذا الكتاب- انتهى.

قلت: وجاء هذا الخبر والديار المصرية غير مستقيمة الأحوال لعدم المدبر، والطرق «1» مخيفة، والسبل غير آمنة، وما ذاك إلا أن الملك الظاهر يلباى لما تسلطن وتمّ أمره غطّاه المنصب، وصار كالمذهول، ولزم السّكات وعدم الكلام، وضعف عن بتّ الأمور، وردع الأجلاب، بل صارت الأجلاب في أيامه كما كانت أولا وأعظم، فلم يحسن ذلك ببال أحد، وصار الأمير خيربك الدّوادار الثانى هو صاحب الحل والعقد في مملكته، وإليه جميع أمور المملكة، وشاع ذلك في الناس والأقطار، وسمّته العوام:«أيش كنت أنا؟ قل له» يعنون أن السلطان لما يسأل «2» فى شىء يقول:

«أيش كنت أنا، قل لخير بك» فبهذا وأشباهه اضطربت أحوال الديار المصرية.

هذا مع ما ورد من البلاد الحلبية من أمر شاه سوار، وقتل أكابر أمراء البلاد الشامية، ونهبه للبلاد الحلبية، وأخذه قلاع أعمالها وأن نائب الشام بردبك فى أسره، وأن يشبك البجاسى نائب حلب دخل إلى حلب على أقبح وجه، فصار الناس بهذا المقتضى كالغنم بلا راع.

ص: 361

فلما كان يوم الاثنين سادس عشرين ربيع الأول المذكور خلع الملك الظاهر يلباى على الأمير أزبك من ططخ الظاهرى رأس نوبة النوب باستقراره في نيابة الشام عوضا عن بردبك الظاهرى، بحكم انضمامه على شاه سوار.

وفيه استقرّ الأمير قانى بك المحمودى المؤيّدى أمير مجلس أمير سلاح عوضا عن قرقماس الأشرفى بحكم القبض عليه وحبسه بالإسكندرية، واستقرّ قانى بك المذكور مقدم العساكر لقتال شاه سوار بن دلغادر.

وعيّن السلطان في هذا اليوم عدة أمراء تجريدة لقتال شاه سوار، فعيّن من أمراء الألوف قانى بك المقدم ذكره، وجانبك الإينالى الأشرفى المعروف بقلقسيز حاجب الحجاب، وبردبك هجين أمير جاندار، وهؤلاء من أمراء الألوف، وعيّن أيضا عدة كثيرة من أمراء الطبلخانات والعشرات يأتى ذكر أسمائهم يوم سفرهم من القاهرة، ثم عيّن صحبتهم ستمائة مملوك من المماليك السلطانية.

وفيه استقرّ الأمير إينال الأشقر الظاهرى نائب غزّة في نيابة حماة، عوضا عن ابن المبارك، وكان الناصرى محمد بن المبارك قد استقرّ في نيابة حماة قبل تاريخه عوضا عن الأمير تنم الحسينى الأشرفى، بحكم مرضه وعوده من تجريدة شاه سوار إلى حلب، وكان الناصرى محمد بن المبارك إلى الآن لم يخرج من الديار المصرية، فعزل عنها قبل أن يحكمها أو يتوجّه إليها، وكان إينال الأشقر قدم إلى القاهرة مع الأمير أزبك من تجريدة العقبة، ثم رشح ابن المبارك إلى نيابة غزّة، فامتنع عن ولايتها.

ثم في يوم الخميس تاسع عشرين شهر ربيع الأول لبس إينال الأشقر خلعة السفر.

ثم في يوم السبت ثانى شهر ربيع الآخر ابتدأ السلطان بالنفقة على المماليك السلطانية لكل واحد مائة دينار، ففرّقت هذه النفقة على أقبح وجه، وهو أن القوى يعطى، والغائب يقطع، والمسنّ يعطى نصف نفقة أو ربع نفقة، ومنع أولاد الناس والطواشية من الأخذ، وعاداتهم أخذ النفقة، فأحدث الظاهر يلباى هذا الحادث، وكثر الدعاء عليه بسبب ذلك، وتفاعل الناس بزوال ملكه لقطعه أرزاق الناس، فكان كذلك.

ص: 362

ومنع السلطان أيضا أمراء الألوف وغيرهم من النفقة، ولم يعط إلا من كتب منهم إلى السّفر لا غير، فبهذا المقتضى وأمثاله نفرت القلوب من الظاهر يلباى، وعظمت الوقيعة في حقه، وكثرت المقالة في بخله، وعدّت مساوئه، ونسيت محاسنه- إن كان له محاسن- وصارت النفقة تفرّق في كل يوم سبت وثلاثاء طبقة واحدة أو أقل من طبقة؛ حتى تطول الأيام في التفرقة.

وبالجملة فكانت أيام الملك الظاهر يلباى نكدة، قليلة الخير، كثيرة الشر، وعظم الغلاء في أيامه، وتزايدت الأسعار، وهو مع ذلك لا يأتى بشىء، ووجوده فى الملك وعدمه سواء؛ فإنه كان سالبة كليّة، لا يعرف القراءة ولا الهجاء، ولا يحسن العلامة على المناشير والمراسيم إلا بالنّقط «1» ، مع عسر في الكتابة، وكان الناس قد أهمّهم أمر الجلبان أيام أستاذهم الملك الظاهر خشقدم، فزادوا بسلطنة الملك الظاهر يلباى هذا همّا على همهم.

ثم في يوم الاثنين حادى عشر ربيع الآخر استقرّ الأمير جانبك قلقسيز أمير مجلس عوضا عن قانى باى «2» المحمودى المنتقل إلى إمرة سلاح، واستقر الأمير بردبك هجين عوضه حاجب الحجاب.

وفيه أنعم السلطان على الأمير قايتباى المحمودى الظاهرى بإقطاع الأمير أزبك نائب الشام واستقرّ عوضه أيضا رأس نوبة النّوب، وأنعم بإقطاع الأمير قايتباى على الأمير سودون القصروى نائب القلعة، والإقطاع تقدمة ألف.

وفيه أيضا استقرّ الأمير خشكلدى البيسقى في تقدمة الألوف عوضا «3» عن قانى باى المحمودى المؤيّدى «4» .

ص: 363

ثم في يوم الثلاثاء ثانى عشر ربيع الآخر «1» استقر الأمير سودون البردبكى الفقيه المؤيّدى نائب قلعة الجبل بعد سودون القصروى. وفي يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر «2» رسم السلطان أن ينتقل الأمير إينال الأشقر المقدّم ذكره من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس بعد فقد نائبها الأمير قانى باى المؤيدى الحسنى في واقعة شاه سوار، وذلك بسعى من إينال المذكور، وذلك قبل أن يصل إينال المذكور إلى حماة.

ثم في يوم الخميس رابع عشره استقرّ الناصرى محمد بن المبارك في نيابة حماة كما كان وليها أولا.

وفيه استقرّ مغلباى الظاهرى المحتسب شاد الشراب خاناه بعد الأمير خشكلدى البيسقى، واستقر طرباى البواب محتسب القاهرة عوضا عن مغلباى المذكور، واستقرّ سودون السيفى أحمد بن إينال أمير عشرة وأستادار الصّحبة، وسودون هذا من الأوباش الأطراف.

وفيه أنعم السلطان على جماعة من الأجلاب وغيرهم كل واحد بإمرة عشرة، والذين أعطوا أزيد من خمسة عشر نفرا، فالذى أخذ من الأجلاب أركماس البواب، وقايت البواب، وطرباى البواب الذي ولى الحسبة، وأصباى البواب الذي كان قتل قتيلين أيام أستاذه ولم ينتطح في ذلك عنزان، وأصطمر البواب، وجانم الدوادار، ومغلباى الساقى ابن أخت الأمير قايتباى، والذي أخذ الإمرة منهم من الظاهرية الكبار: أزبك الساقى، وجانم قشير، وقانم أمير شكار، وجكم قرا أمير آخور الجمال، وسودون الصغير الخازندار، وقرقماس أمير آخور. والذي أخذ من السيفية:

تمرباى التمرازى المهمندار، وبرسباى خازندار يونس الدّوادار.

وفيه ورد الخبر بأن الأمير بردبك نائب الشام فارق شاه سوار، وقدم إلى مرعش «3» طائعا ثم سار إلى منزلة قارا «4» فى يوم الخميس سابع عشر ربيع الآخر.

ص: 364

ثم في يوم السبت سادس عشره تواترت الأخبار أن الأمير بردبك جاوز مدينة غزّة، فندب السلطان الأمير تمرباى المهمندار، والأمير جكم الظاهرى أن يخرجا إليه ويأخذاه، ويتوجها به إلى القدس الشريف بطالا.

ثم في يوم الأحد سابع عشر ربيع الآخر أضاف السلطان الأمير أزبك نائب الشام، وخلع عليه كاملية بفرو سمّور بمقلب سمّور، وهى خلعة السّفر، فسافر في بكرة يوم الاثنين ثامن عشره.

وفي يوم الاثنين هذا قرئ تقليد السلطان الملك الظاهر يلباى بالسلطنة، وخلع السلطان على الخليفة وكاتب السّرّ والقضاة، وعلى من له عادة بلبس الخلعة في مثل هذا اليوم.

وأما أمر بردبك نائب الشام، فإن السلطان لما أرسل تمرباى وجكم إلى ملاقاته وأخذه إلى القدس، وسارا إلى جهته، فبينماهم في أثناء الطريق بلغهم أنه توجه إلى جهة الديار المصرية من على البدوية «1» ، ولم يجتز بمدينة قطيا، وقيل إنه مرّ بقطيا لكنه فاتهم وأنه قد وصل إلى القاهرة، فعادا من وقتهما؛ فلما وصل بردبك إلى ظاهر القاهرة أرسل إلى خچداشه الأمير تمر والى القاهرة يعرفه بمكانه، فعرّف تمر السلطان بذلك، فرسم السلطان في الحال للأمير أزدمر تمساح الظاهرى أن يتوجه إليه ويأخذه إلى القدس بطالا، ففعل أزدمر ذلك، وقيل في مجىء بردبك غير هذا القول، واللفظ مختلف والمعنى واحد.

وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره استقر الأمير جانبك الإسماعيلى المؤيّدى المعروف بكوهية أحد مقدمى الألوف أمير حاج المحمل، واستقرّ تنبك المعلّم الأشرفى ثانى رأس نوبة النوب أمير الركب الأول.

ثم استهلّ جمادى الأولى، أوله الأحد، والقالة موجودة بين الناس بركوب المماليك الأجلاب، ولم يدر أحد صحة الخبر، غير أن الأمراء المؤيدية خچداشية السلطان امتنعوا

ص: 365

فى «1» هذه الأيام من طلوع الخدمة؛ مخافة من الأمير خيربك «2» الدّوادار الثانى وخچداشيته الأجلاب أن يقبضوا عليهم بالقصر السلطانى، واتفقت المؤيدية في الباطن مع الأشرفية الكبار والأشرفية الصغار، كل ذلك والأمر خفى على الناس إلا السلطان فإنه يعلم بأمره بل هو المدبر لهم فيما يفعلونه في الباطن حسبما يأتى ذكره من الوقعة وهى الواقعة التي خلع فيها الملك الظاهر يلباى من السلطنة.

ص: 366