المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تعرف طريق مرعاها وتستجيب لنداء راعيها وهم على خلاف ذلك - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٣

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌ الرعد

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(14)

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌1

- ‌6

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(31)

- ‌(42)

- ‌(47)

- ‌ الحجر

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(26)

- ‌(34)

- ‌(45)

- ‌(89)

- ‌1

- ‌(14)

- ‌(20)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(63)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(94)

- ‌(98)

- ‌(119)

- ‌(125)

- ‌ الإسراء

- ‌1

- ‌(2)

- ‌(13)

- ‌(18)

- ‌(23)

- ‌(28)

- ‌(40)

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(66)

- ‌(85)

- ‌(96)

- ‌(105)

- ‌ الكهف

- ‌1

- ‌(13)

- ‌(22)

- ‌(32)

- ‌(45)

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(70)

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(83)

- ‌(102)

- ‌ 1:

- ‌ مريم

- ‌(8)

- ‌(16)

- ‌(22)

- ‌(46)

- ‌(51)

- ‌(59)

- ‌(64)

- ‌(66)

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(88)

- ‌ طه

- ‌(1)

- ‌(25)

- ‌(36)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(67)

- ‌(72)

- ‌(77)

- ‌(90)

- ‌(95)

- ‌(99)

- ‌(113)

- ‌(116)

- ‌(123)

- ‌ الأنبياء

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(16)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(59)

- ‌(78)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(98)

- ‌(105)

- ‌ الحج

- ‌1

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(14)

- ‌(18)

- ‌(42)

- ‌(47)

- ‌(58)

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(73)

- ‌ المؤمنون

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(23)

- ‌(27)

- ‌(39)

- ‌(45)

- ‌(51)

- ‌(57)

- ‌(63)

- ‌(78)

- ‌(93)

- ‌(108)

- ‌(112)

- ‌ النور

- ‌1

- ‌(4)

- ‌6

- ‌(23)

- ‌(30)

- ‌(35)

- ‌(39)

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌ الفرقان

- ‌1

- ‌(4)

- ‌(10)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(25)

- ‌(35)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(63)

- ‌ الشعراء

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(18)

- ‌(23)

- ‌(32)

- ‌(43)

- ‌(50)

- ‌(61)

- ‌(69)

- ‌(83)

- ‌(94)

- ‌(123)

- ‌(153)

- ‌(160)

- ‌(176)

- ‌(185)

- ‌(192)

- ‌(221)

الفصل: تعرف طريق مرعاها وتستجيب لنداء راعيها وهم على خلاف ذلك

تعرف طريق مرعاها وتستجيب لنداء راعيها وهم على خلاف ذلك فجهلوا ربهم الحق ولم يستجيبوا لنداء رسوله إليهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

بيان ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلاقي في سبيل الدعوة من سخرية به واستهزاء.

2-

يتجاهل الإنسان الضال الحق وينكره حتى إذا عاين العذاب عرف ما كان ينكر، وآمن بما كان يكفر.

3-

هداية الإنسان ممكنة حتى إذا كفر بعقله وآمن بشهوته وعبد هواه تعذرت هدايته وأصبح أضل من الحيوان وأكثر خسراناً منه.

أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا ‌

(45)

ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)

شرح الكلمات:

ألم تر إلى ربك كيف مد الظل: أي ألم تنظر إلى صنيع ربك في الظل كيف بسطه.

ولو شاء الله لجعله ساكناً: أي ثابتاً على حاله في الطول والامتداد ولا يقصر ولا يطول

ثم جعلنا الشمس عليه دليلا: أي علامة على وجوده إذ لولا الشمس لما عرف الظل.

ص: 618

ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا: أي أزلناه بضوء الشمس على مهل جزءاً فجزءاً حتى ينتهي.

ثم جعلنا الليل لباساً: أي يستركم بظلامه كما يستركم اللباس.

والنوم سباتاً: أي راحة لأبدانكم من عناء عمل النهار.

وجعل النهار نشوراً: أي حياة إذ النوم بالليل كالموت والانتشار بالنهار كالبعث.

بشراً بين يدي رحمته: أي مبشرة بالمطر قبل نزوله، والمطر هو الرحمة.

ماء طهوراً: أي تتطهرون به من الأحداث والأوساخ.

لنحيي به بلدة ميتاً: أي بالزروع والنباتات المختلفة.

أنعاماً وأناسي كثيراً: أي حيواناً وأناساً كثيرين.

ولقد صرفناه بينهم: أي المطر فينزل بأرض قوم ولا ينزل بأخرى لحكم عالية.

ليذكروا: أي يذكروا فضل الله عليهم فيشكروا فيؤمنوا ويوحدوا.

فأبى أكثر الناس إلا كفوراً: أي فلم يذكروا وأبى أكثرهم إلا كفوراً جحوداً للنعمة.

معنى الآيات:

قوله تعالى {ألم تر إلى1 ربك كيف مد الظل} 2 هذا شروع في ذكر مجموعة من أدلة التوحيد وهي مظاهر لربوبية الله تعالى المقتضية لألوهيته فأولاً الظل وهو المشاهد من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس وقد مده الخالق عز وجل أي بسطه في الكون، ثم تطلع الشمس فتأخذ في زواله وانكماشه شيئاً فشيئاً، ولو شاء الله تعالى لجعله ساكناً لا يبارح ولا يغادر ولكنه حسب مصلحة عباده جعله يتقاصر ويقبض حتى تقف الشمس في كبد السماء فيستقر ثم لما تدحض الشمس مائلة إلى الغروب يفيء أي يرجع شيئاً فشيئاً فيطول تدريجياً لتعرف به ساعات النهار وأوقات الصلوات حتى يبلغ من الطول حداً كبيراً كما كان في أول النهار ثم يقبض قبضاً يسيراً خفياً سريعاً حين تغرب الشمس ويغشاه ظلام الليل. هذه آية من آيات قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته بعباده تجلت في الظل الذي

1 جائز أن تكون الرؤية هنا بصرية وعلمية، معاً إذ بالعين يشاهد الظل وزواله وبالقلب يعلم ذلك كذلك.

2 الظل بالغداء والفيء بالعشي قال الشاعر:

فلا الظل من برد الضحا نستطيعه

ولا الفيء من برد العشي نذوق

ص: 619

قال تعالى فيه {ألم تر} أيها الرسول أي تنظر إلى صنيع ربك جل جلاله {كيف مد الظل، ولو شاء لجعله ساكنا} ينتقل، {ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً} إذ بضوءها يعرف، فلولا الشمس لما عرف الظل وقوله تعالى {ثم قبضناه إلينا قبضاه يسيراً} حسب سنته ففي خفاء كامل وسرعة تامة يقبض الظل نهائياً ويحل محله الظلام الحالك.

وثانياً: في الليل والنهار قال تعالى: {وهو الذي جعل لكم الليل لباساً1} أي ساتراً يستركم بظلامه كما تستركم الثياب {والنوم2 سباتاً} أي وجعل النوم قطعاً للعمل فتحصل به راحة الأبدان {وجعل النهار نشوراً3} أي حياة بعد وفاة النوم فيتنشر فيه الناس لطلب الرزق بالعمل بالأسباب والسنن التي وضع الله تعالى لذلك.

وثالثا: إرسال الرياح للقاح السحب للمطار لإحياء الأرض بعد موتها بالقحط والجدب قال تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح4} هو لا غيره من الآلهة الباطلة {أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته} أي مبشرات بالمطر متقدمة عليه وهو الرحمة. وهي بين يديه فمن يفعل هذا غير الله؟ اللهم إنه لا أحد.

ورابعاً: إنزال الماء الطهور العذب الفرات للتطهير به وشرب الحيوان والإنسان قال تعالى {وأنزلنا من السماء ماء طهوراً5 لنحي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً أي إبلاً وبقراً وغنماً {وأناسي كثيراً} أي أناساً كثيرين وهم الآدميون ففي خلق الماء وإنزاله وإيجاد حاجة في الحيوان والإنسان إليه ثم هدايتهم لتناوله وشربه كل هذا آيات الربوبية الموجبة لتوحيد الله تعالى.

وخامساً: تصريف المطر بين الناس فيمطر في أرض ولا يمطر في أخرى حسب لحكمة الإلهية والتربية الربانية. قال تعالى: {ولقد صرفناه بينهم6} أي بين الناس كما

1 قال ابن العربي ظنّ بعض الجهال أن كون الليل لباساً يجزىء من صلى فيه عارياً وهو لا يجزىء ولو أجزأ لأجزأ من أغلق باب غرفته وصلى عرياناً.

2 أصل السبت: القطع والتمدد فهو بانقطاع البدن عن العمل تحصل له الراحة لذا قيل للنوم سبات لأنه بالتمدد يكون، وفي التمدد معنى الراحة.

3 كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح يقول: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور".

4 قيل: إن تكوين الرياح سببه التقاء حرارة جانب من الجر ببرودة جانب آخر تنشأ السحب.

5 أكثر الفقهاء على أن الماء الطهور غير الطاهر فالطهور: هو الذي تزال به الأحداث بخلاف الطاهر فلذا كل طهور طاهر وليس كل طاهر طهوراً.

6 وجائز أن يراد بقوله {صرفناه بينهم} القرآن الكريم إذ جرى ذكره أول السورة وفي أثنائها أيضاً.

ص: 620

هو مشاهد إقليم يسقى وآخر يحرم، وقوله تعالى:{فأبى أكثر الناس إلا كفوراً1} أي جحوداً لإنعام الله عليهم وربوبيته عليهم وألوهيته لهم. وهو أمر يقتضى التعجب والاستغراب. هذه مظاهر الربويية المقتضية للألوهية، {فأبى أكثر الناس إلا كفوراً} والعياذ بالله تعالى.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

عرض الأدلة الحسية على وجوب عبادة الله تعالى وتوحيده فيها ووجوب الإيمان بالبعث والجزاء الذي أنكره المشركون فضلوا ضلالاً بعيداً.

2-

بيان فائدة الظل إذ به تعرف ساعات النهار وبه يعرف وقت صلاة الظهر والعصر فوقت الظهر من بداية الفيء، أي زيادة الظل بعد توقفه من النقصان عند وقوف الشمس في كبد السماء، ووقت العصر من زيادة الظل مثله بمعنى إذا دخل الظهر والظل أربعة أقدام أو ثلاثة أو أقل أو أكثر فإذا زاد مثله دخل وقت العصر فإن زالت الشمس على أربعة أقدام فالعصر يدخل عندما يكون الظل ثمانية أقدام وإن زالت الشمس على ثلاثة أقدام فالعصر على ستة أقدام وهكذا.

3-

الماء الطهور وهو الباقي على أصل2 خلقته فلم يخالطه شيء يغير طعمه أو لونه أو ريحه. وبه ترفع الأحداث وتغسل النجاسات، ويحرم منعه عمن احتاج إليه من شرب أو طهارة.

وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ

1 قال عكرمة: هو قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا، وأيّده النحاس وقال: لا نعلم خلافاً أن الكفر هنا هو قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا روى الربيع بن صبيح قال: مُطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلما أصبحوا قال النبي صلى الله عليه وسلم "أصبح الناس فيها رجلين: شاكراً وكافراً فأما الشاكر فيحمد الله تعالى على سقياه وغياثه. وأما الكافر فيقول مطرنا بنوء كذا وكذا".

2 أحكام المياه: 1- قليل الماء ينجسه قليل النجاسة وكثيره لا ينجسه. 2- الماء طهور ما بقي على أصل خلقته فإن خالطه ما غيّر أحد أوصافه: الريح واللون والطعم سلبت طهوريته. 3- الماء المتغيّر بطول المكث طهور. 4-كره بعض أهل العلم الوضوء بسؤر النصراني، وقد توضأ عمر من بيت نصرانية وقال لها: اسلمي تسلمي فكشف عن رأسها وإذا به مثل الثغامة وقالت: عجوز كبيرة وإنما أموت الآن فقال عمر: اللهم أشهد خرجه الدارقطني 5- سؤر الكلب لا يتوضأ به ويغسل الإناء سبعاً. 6- ما مات في الماء مما لا دم له كالحشرات لا يسلب طهورية الماء. 7- سؤر الهر طاهر لحديث أبي قتادة.

ص: 621

وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)

شرح الكلمات:

لبعثنا في كل قرية نذيراً: أي رسولاً ينذر أهلها عواقب الشرك والكفر.

وجاهدهم به جهاداً كبيراً: أي بالقرآن جهاداً كبيراً تبلغ فيه أقصى غاية جهدك.

مرج البحرين: أي خلط بينهما وفي نفس الوقت منع الماء الملح أن يفسد الماء العذب.

وجعل بينهما برزخاً: أي حاجزاً بين الملح منهما والعذب.

وحجراً محجوراً: أي وجعل بينهما سداً مانعاً فلا يحلو الملح، ولا يملح العذب.

خلق من الماء بشراً: أي خلق من الماء الإنسان والمراد من الماء النطفة.

فجعله نسباً وصهراً: أي ذكراً وأنثى أي نسباً ينسب إليه، وصهراً يصهر إليه أي يتزوج منه.

ما لا يضرهم ولا ينفعهم: أي أصناماً لا تضر ولا تنفع.

وكان الكافر على ربه ظهيرا: أي معيناً للشيطان على معصية الرحمن.

معنى الآيات:

ما زال السياق في تعداد مظاهر الربوبية المستلزمة للتوحيد قال تعالى {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً} أي في كل مدينة نذيراً أي رسولاً يندر الناس عواقب الشرك والكفر،

ص: 622

ولكنا لم نشأ لحكمة اقتضتها ربوبيننا وهي أن تكون أيها الرسول أفضل الرسل وأعظم منزلة وأكثرهم ثواباً فحبوناك بهذا الفضل فكنت رسول كل القرى أبيضها وأسودها فأصبر وتحمل، واذكر شرف منزلتك {فلا تطع الكافرين} في أي أمر أرادوه منك {وجاهدهم} به أي بالقرآن وكله حجج وبينات جهاداً كبيراً تبلغ فيه أقصى1 جهدك. بعد هذه الجملة الاعتراضية من الكلام الإلهي قال تعالى مواصلاً ذكر مظاهر ربوبيته تعالى على خلقه.

{وهو الذي مرج البحرين} الملح والعذب أي أرسلهما مع بعضهما بعضاً {هذا عذب فرات} أي حلو {سائغ شرابه، وهذا ملح2 أجاج} أي لا يشرب {وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً} أي ساتراً مانعاً من اختلاط العذب بالملح مع وجودهما في مكان واحد، فلا يبغي هذا على هذا بأن يعذب الملح أو يملح العذب. وقوله تعالى {وهو الذي خلق من الماء بشراً} أي من المني ونطفته خلق الإنسان وجعله ذكراً وأنثى وهو معنى قوله {نسباً وصهراً3} أي ذوي نسب ينسب إليهم وهم الذكور، وذوات صهر يصاهر بهن وهن الإناث. وقوله تعالى {وكان ربك قديراً} أي على فعل ما يريده من الخلق والإيجاد أو التحويل والتبديل، والسلب والعطاء هذه مظاهر الربوبية المقتضية لعبادته وتوحيده والمشركون يعبدون من دونه أصناماً لا تنفعهم إن عبدوها، ولا تضرهم إن لم يعبدوها وذلك لجهلهم وظلمة نفوسهم فيعبدون الشيطان إذ هو الذي زين لهم عبادة الأصنام وبذلك كان الكافر على ربه ظهيرا إذ بعبادته للشيطان يعينه على معصية الرب تبارك وتعالى وهو معنى قوله تعالى، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وكان الكافر على ربه ظهيرا أي معيناً للشيطان على الرحمن والعياذ بالله تعالى.

وقوله تعالى: {وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً} يقول تعالى لرسوله إنا لم نرسلك لغير بشارة المؤمنين بالجنة ونذارة الكافرين بالنار أما هداية القلوب فهي إلينا من شئنا هدايته

1 ولا يخالطه فتور، وقيل الجهاد بالسيف ويرده أن السورة مكية ولم يجر للسيف ذكر فكيف يكون المراد، وقيل: بالإسلام وهو أولى من السيف والقرآن اصح، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما.

2 الملح يوصف به الماء، ولا يقال مالح إلاّ نادراً والأجاج ما كان ملحاً مراً والعذب. الحلو والفرات: زائد الحلاوة، والبرزخ: الحاجز المانع والحرام المحرم أن يعذب الملح أو يملح العذب.

3 صهر الرجل: قريب زوجته وأصهاره: أقارب زوجته. وختن الرجل من تزوج قريبته، وأختانه: أقارب من زوّجه قريبته، والحم والجمع أحماء أقرباء زوج المرأء، والصهر والنسب: معنيان يَعُمّان كل قربى تكون بين آدميين، قال ابن العربي النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع وما في التفسير أوضح لأنه كقوله تعالى:{إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} .

ص: 623

اهتدى ومن لم نشأها ضل. إلا أن الله يهدي ويضل حسب سنن له قد مر ذكرها مرات1.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

الإشارة إلى الحكمة في عدم تعدد الرسل في زمن البعثة المحمدية والاكتفاء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

2-

حرمة طاعة الكافرين في أمور الدين والشرع.

3-

من الجهاد جهاد الكفار والملاحدة بالحجج القرآنية والآيات التنزيلية.

4-

مظاهر العلم والقدرة الإلهية في عدم اختلاط البحرين مع وجودهما في مكان واحد. وفي خلق الله تعالى الإنسان من ماء وجعله ذكراً وأنثى للتناسل وحفظ النوع.

5-

التنديد بالمشركين والكافرين المعينين للشيطان على الرحمن.

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)

1 من سنن الله تعالى في الهداية والإضلال، أن من طلب الهداية ورغب فيها وسألها من ربه تعالى ولازم الطلب هداه الله، ومن رغب عن الهداية وطلب الغواية وسلك مسالكها مفضلا لها على الهداية وأصر على ذلك أضله الله والعياذ بالله.

ص: 624

شرح الكلمات:

عليه من أجر: أي على البلاغ من أجر اتقاضاه منكم.

سبيلا: أي طريقاً يصل به إلى مرضاته والفوز بجواره، وذلك بإنفاق ماله في سبيل الله.

وسبح بحمده: أي قل سبحان الله وبحمده.

في ستة أيام: أي من أيام الدنيا التي قدرها وهي الأحد

والجمعة.

ثم استوى على العرش: العرش سرير الملك والاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب.

فاسأل به خبيراً: أي أيها الإنسان إسأل خبيراً بعرش الرحمن ينبئك فإنه عظيم.

وزادهم نفوراً: أي القول لهم اسجدوا للرحمن زادهم نفوراً من الإيمان.

جعل في السماء بروجاً: هي إثنا عشر برجاً انظر تفصيلها في معنى الآيات.

سراجاً: أي شمساً.

خلفة: أي يخلف كل منهما الآخر كما هو مشاهد.

أن يذكر: أي ما فاته في أحدهما فيفعله في الآخر.

أو أراد شكوراً: أي شكراً لنعم ربه عليه فيهما بالصيام والصلاة.

معنى الآيات:

بعد هذا العرض العظيم لمظاهر الربوبية الموجبة للألوهية أمر الله تعالى رسوله أن يقول للمشركين ما أسألكم على هذا البيان الذي بينت لكم ما تعرفون به إلهكم الحق فتعبدونه وتكملون على عبادته وتسعدون أجراً أي مالاً، لكن من شاء أن ينفق من ماله في وجوه البر والخير يتقرب به إلى ربه فله ذلك ليتخذ1 بنفقته في سبيل الله طريقاً إلى رضا ربه عنه ورحمته له.

وقوله {وتوكل2 على الحي الذي لا يموت} يأمر تعالى رسوله أن يمضي في طريق

1 وجائز أن يكون {اتخذ إلى ربه سبيلا} بإتباع ديني أي: الإسلام حتى ينال كرامة الدنيا والآخرة والإنفاق في سبيل الله تعالى داخل فيه، والحمد لله.

2 التوكل معناه: اعتماد القلب على الله تعالى في كل الأمور مع إتيان الأسباب المشروعة للبلوغ إلى المطلوب مما هو خير ومعروف وأمر إدراك المطلوب إلى الله تعالى مع الرضا بما يتم من ربح أو خلافه ونجاح وغيره.

ص: 625

دعوته مبلغاً عن ربه داعياً إليه متوكلاً عليه أي مفوضاً أمره إليه إذ هو الحي الذي لا يموت وغيره يموت، وأمره أن يستعين على دعوته وصبره عليها بالتسبيح فقال {وسبح بحمده} أي قل سبحان الله وبحمده، وسبحانك اللهم وبحمدك وهو أمر بالذكر والصلاة وسائر العبادات فإنها العون الكبير للعبد على الثبات والصّبر. وقوله تعالى {وكفى به بذنوب عباده خبيراً} أي فلا تكرب لهم ولا تحزن عليهم من أجل كفرهم وتكذيبهم وشركهم فإن ربك عالم بذنوبهم محص عليهم أعمالهم وسيجزيهم بها في عاجل أمرهم أو آجله. ثم أثنى تبارك وتعالى على نفسه بقوله {الذي خلق السموات والأرض وما بينهما1 في ستة أيام} مقدرة بأيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة، ثم استوى على العرش العظيم استواء يليق بجلاله وكماله. {الرحمن} الذي عمًت رحمته العالمين {فاسأل به خبيراً} أي فاسأل يا محمد2 بالرحمن خبيراً بخلقه فإنه خالق كل شيء والعليم بكل شيء فهو وحده العليم بعظمة عرشه وسعة ملكه وجلال وكمال نفسه لا إله إلا هو ولا رب سواه وقوله {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن} أي وإذا قال لهم الرسول أيها المشركون اسجدوا للرحمن ولا تسجدوا لسواه من المخلوقات. قالوا منكرين متجاهلين {ما الرحمن3؟} أنسجد لما تأمرنا أي أتريد أن تفرض علينا طاعتك {وزادهم} هذا القول {نفوراً} ، أي بعداً واستنكاراً للحق والعياذ بالله تعالى. وقوله تعالى {تبارك الذي جعل في السماء بروجاً} أي تقدس وتنزه أن يكون له شريك في خلقه أو في عبادته الذي بعظمته جعل في السماء بروجاً وهي منازل الكواكب السبعة السيارة فلذا سميت بروجاً جمع برج وهو القصر الكبير وتعرف هذه البروج الاثنا عشر بالحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. والكواكب السبعة السيارة هي: المريخ، والزهرة وعطارد، والقمر، والشمس، والمشتري، وزحل. فهذه الكواكب تنزل في البروج كالقصور لها.

1 قال {بينهما} ولم يقل بينهن لأنه أراد الصنفين أو النوعين أو الشيئين وهو أخص من كلمة بينهن وأخف على اللسان والمقصود ظاهر بكل من العبارتين جمع أو تثنية.

2 رجح بعضهم أن الباء هنا بمعنى عن أي: اسأل عن الرحمن خبيرا واستشهد بقول الشاعر:

فإن سألوني بالنساء فإنني

خبير بأدواء النساء طبيب

فقوله بالنساء أي: عن النساء. ورأي ابن كثير أن المسؤول هنا هو الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أعرف الخلق بالخالق وبعزته وعظمته جل جلاله.

3 إنهم بجهلهم أنكروا اسم الرحمن لله، وقالوا: يأمر بعبادة إله واحد وهو يدعو الله ويدعو الرحمن فأنزل الله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى} الإسراء.

ص: 626

وقوله تعالى {وجعل فيها سراجاً} هو الشمس {وقمراً منيراً} 1 هو القمر أي تعاظم وتقدس الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وقوله {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة2} أي يخلف بعضهما بعضاً فلا يجتمعان أبداً وفي ذلك من المصالح والفوائد مالا يقادر قدره ومن ذلك أن من نسي عملاً بالنهار يذكره في الليل فيعمله، ومن نسي عملاً بالليل يذكره بالنهار فيعمله3، وهو معنى قوله {لمن أراد أن يذكر} وقوله {أو أراد شكوراً} فإن الليل والنهار ظرفان للعبادة الصيام بالنهار والقيام بالليل فمن أراد أن يشكر الله تعالى على نعصه فقد وهبنا له فرصة لذلك وهو الليل للتهجد والقيام والنهار للجهاد والصيام.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

دعوة الله ينبغي أن لا يأخذ الداعي عليها أجراً ممن يدعوهم4 إلى الله تعالى ومن أراد أن يتطوع من نفسه فينفق في سبيل الله فذلك له.

2-

وجوب التوكل على الله فإنه الحي الذى لا يموت وغيره يموت.

3-

وجوب التسبيح والذكر والعبادة وهذه هي زاد العبد وعدته وعونه.

4-

مشروعية السجود عند قوله تعالى وزادهم نفوراً للقارىء والمستمع5.

5-

صفة استواء الرحمن على عرشه فيجب الإيمان بها على ما يليق بجلال الله وكماله

ويحرم تأويلها بالاستيلاء والقهر ونحوهما.

6-

الترغيب في الذكر والشكر، واغتنام الفرص للعبادة والطاعة.

1 قرىء فى الشاذ قُمرا بضم القاف وإسكان الميم وصاحب القراءة هو عصمة الذي يروي القراءات قال فيه أحمد بن حنبل: لا تكتبوا عنه وقد أولع أبو حاتم بالرواية عنه مع الأسف.

2 الخلفة: كل شيء بعد شيء ومنه قيل لليل والنهار خلفة لأن كلا منهما يخلف الثاني إذا ذهب ومنه قيل لورق النبات الذي يخلف الورق الأول خلفة ومنه قول زهير بن أبي سلمى:

بها العين والآرام يمشين خلفة

وأطلاؤهن ينهض من كل مجثم

خلفة: هذه تذهب وتلك تأتي. والعين: جمع عيناء وأعين: واسعات العيون والمراد بقر الوحش والأطلاء: جمع طلا: ولد البقرة وولد الظبية الصغير، والمجثم: موضع الجثوم: أي المقام.

3 روى مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما لمن صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل".

4 لو أعطي الداعي إلى الله تعالى من أوقاف وقفت لهذا الغرض أو أعطي من بيت المال ما يسد به خلته ويقضي به حاجته فأخذ فلا حرج.

5 هذه السجدة من عزائم السجدات فلا ينبغي أن يتركها القارىء ولا المستمع.

ص: 627