الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ
(34)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)
شرح الكلمات:
الخلد: أي البقاء في الدنيا.
ذائقة الموت: أي مرارة مفارقة الجسد.
ونبلوكم: أي نختبركم.
بالشر والخير: فالشر كالفقر والمرض، والخير كالغنى والصحة.
فتنة: أي لأجل الفتنة لننظر أتصبرون وتشكرون أم تجزعون وتكفرون.
إن يتخذونك إلا هزواً: أي ما يتخذونك إلا هزواً أي مهزوءاً بك.
يذكر آلهتكم: أي يعيبها.
بذكر الرحمن هم كافرون: حيث أنكروا اسم الرحمن لله تعالى وقالوا: ما الرحمن؟
خلق الإنسان من عجل: حيث خلق الله آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة على عجل، فورث بنوه طبع العجلة عنه.
سأوريكم آياتي: أي سأريكم ما حملته آياتي من وعيد لكم بالعذاب في الدنيا والآخرة.
معنى الآيات:
كأنَّ المشركين قالوا شامتين إن محمداً سيموت، وقالوا نتربص به ريب المنون فأخبر تعالى أنه لم يجعل لبشر من قبل نبيّه ولا من بعده الخلد حتى يخلد هو صلى الله عليه وسلم كل نفس ذائقة الموت، ولكن إن مات رسوله فهل المشركون يخلدون والجواب لا، إذاً فلا وجه للشماتة بالموت لو كانوا يعقلون. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (34) {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مِّتَّ فهم1 الخالدون} وقوله تعالى:{كل نفس ذائقة الموت2} أي كل نفس منفوسة ذائقة مرارة الموت بمفارقة الروح للبدن، والحكمة في ذلك أن يتلقى العبد بعد الموت جزاء عمله خيراً كان أو شراً، دل عليه قوله بعد:{ونبلوكم بالشر والخير} من غِنى وفقر ومرض وصحة وشدة ورخاء {فتنة} أي لأجل فتنتكم أي اختباركم ليرى الصابر الشاكر والجزِع الكافر. وقوله تعالى: {وإلينا ترجعون} أي بعد الموت للحساب والجزاء على كسبكم خيره وشره.
وقوله تعالى: {وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً} يخبر تعالى رسوله بأن المشركين إذا رأوه ما يتخذونه إلا هزواً وذلك لجهلهم بمقامه وعدم معرفتهم فضله عليهم وهو حامل الهدى لهم، وبين وجه استهزائهم به صلى الله عليه وسلم بقوله:{أهذا الذي يذكر آلهتكم} أي بعيبها وانتقاصها، قال تعالى:{وهم بذكر الرحمن3 هم كافرون} أي عجباً لهم يتألمون لذكر ألهتم بسوء وهي محط السوء فعلاً، ولا يتألمون لكفرهم بالرحمن ربهم سبحانه وتعالى حتى إنهم أنكروا أن يكون اسم الرحمن اسماً لله تعالى وقالوا لا رحمن إلا رحمن اليمامة.
وقوله تعالى: {خلق الإنسان4 من عجل} قال تعالى هذا لما استعجل المشركون
1 الاستفهام مقدّر أي: أفهم الخالدون؟ وهو للنفي والإنكار كقول الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لا تُرع
فقلت وأنكسرت الوجوه هم هم
أي: أهم؟ ومعنى رفوني سكّنوني يقال رفاه إذا سكنه.
2 يروى أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قد استشهد بالبيتين الآتيين:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى
تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
3عجباً لجهلهم وسوء فهمهم يعيبون من جحد إلهية أصنامهم وهم يجحدون إلهية الرحمن إنّ هذا لغاية الجهل والغرور.
4 إنّ طبع الإنسان العجلة إنه يستعجل الأشياء وإن كان فيها مضرته، ولفظ الإنسان جائز أن لا يكون المراد به جنس الإنسان أو آدم عليه السلام قال سعيد بن جبير لما دخل الروح في عين آدم نظر في ثمار الجنة، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، فذلك قوله تعالى {خلق الإنسان من عجل} .
العذاب وقالوا للرسول والمؤمنين: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} فأخبر تعالى أن الاستعجال1 من طبع الإنسان الذي خلق عليه، وأخبرهم أنه سيريهم آياته فيهم بإنزال العذاب بهم وأراهم ذلك في بدر الكبرى وذلك في قوله {سأريكم آياتي فلا تستعجلون} أي. فلا داعي إلى الاستعجال وقوله تعالى {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} أخبر تعالى عن قيلهم للرسول والمؤمنين وهم يستعجلون العذاب: متى هذا الرعد إن كنتم صادقين؟ وهذا عائد إلى ما فطر عليه الإنسان من العجلة من جهة، وإلى جهلهم وكفرهم من جهة أخرى وإلاّ فالعاقل لا يطالب بالعذاب بل يطالب بالرحمة والخير، لا بالعذاب والشر.
هداية الآيات
هن هداية الآيات:
1-
إبطال ما شاع من أن الخضر حيي مخلد لا يموت لنفيه تعالى ذلك عن كل البشر.
2-
بيان العلة من وجود خير وشر في هذه الحياة الدنيا وهي الاختبار.
3 بيان ما كان عليه المشركون من الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
4-
تقرير حقيقة أن الإنسان مطبوع على العجلة فلذا من غير طبعه بالتربية فأصبح ذا أناة وتؤدة كان من أكمل الناس وأشرفهم.
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (41) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ
1 العجلة: السرعة، قيل: إن ضعف صفة الصبر في الإنسان من مقتضى التفكير في المحبة والكراهة، فإذ فكر في شيء محبوب استعجل حصوله، وإذا فكر في شيء مكروه استعجل إزالته، ومن هنا كان عجولا.
الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ (43)
شرح الكلمات:
لا يكفون: أي لا يمنعون ولا يدفعون النار عن وجوههم.
بل تأتيهم بغتة: أي تأتيهم القيامة بغتة أي فجأة.
فتبهتهم: أي تُحيرهم.
ولا هم ينظرون: أي يمهلون ليتوبوا.
وحاق بهم: أي نزل بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون.
من يكلؤكم: أي من يحفظكم ويحرسكم.
من الرحمن: أي من عذابه إن أراد إنزاله بكم.
بل هم عن ذكر ربهم معرضون: أي هم عن القرآن معرضون فلا يستمعون إليه ولا يفكرون فيه.
ولا هم منا يصحبون: أي لا يجدون من يجيرهم من عذابنا.
معنى الآيات:
يقول تعالى {لو1 يعلم الذين كفروا} المستعجلون بالعذاب المطالبون به حين أي الوقت الذي يُلقون فيه في جهنم والنار تأكل وجوههم وظهورهم، ولا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم منها ولا هم ينصرون بمن يدفع العذاب عنهم لو علموا هذا وأيقنوا به لما طالبوا بالعذاب ولا استعجلوا يومه وهو يوم القيامة، هذا ما دل عليه قوله تعالى:{لو يعلم الذين2 كفروا حين3 لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون} وقوله تعالى:
1 جواب لو: محذوف تقديره: لما استعجلوا أي: لو عرف هؤلاء المستعجلون وقت لا تزول فيه النار عن وجوههم وعن ظهورهم لما استعجلوا العذاب.
2 جواب لو: محذوف كما تقدم آنفاً، والغرض من حذفه تحويل جنسه فتذهب نفس السامع كل مذهب. وجملة:{لو يعلمون..} الخ مستأنفة استئنافاً بيانياً.
3 {حين} اسم زمان منصرف منصوب على المفعولية لا على الظرفية أي: لو علموا وقته وأيقنوا بحصوله لما كذّبوا به.
{بل تأتيهم1 بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون} أي أن القيامة لا تأتيهم على علم منهم بوقتها وساعتها فيمكنهم بذلك التوبة، وإنما تأتيهم {بغتة} أي فجأة {فتبهتهم} أي فتحيرهم {فلا يستطيعون ردها، ولا هم ينظرون} أي يمهلون ليتوبوا من الشرك والمعاصي فينجوا من عذاب النار، وقوله تعالى:{ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون} وهو العذاب هذا القول للرسول صلى الله عليه وسلم تعزية له وتسلية ليصبر على ما يلاقيه من استهزاء قريش به واستعجالهم العذاب، إذ حصل مثله للرسل قبله فصبروا حتى نزل العذاب بالمستهزئين بالرسل عليهم السلام. وقوله تعالى:{قل من2 يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن} يأمر تعالى رسوله أن يقول للمطالبين بالعذاب المستعجلين له: {من يكلؤكم بالليل والنهار} أي من يجيركم من الرحمن إن أراد أن يعذبكم، إنه لا أحد يقدر على ذلك إذاً فلم لا تتوبون إليه بالإيمان والتوحيد والطاعة له ولرسوله، وقوله:{بل هم عن ذكر ربهم معرضون} إن علة عدم استجابتهم للحق هي إعراضهم عن القرآن الكريم وتدبر آياته وتفهم معانيه. وقوله: {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا} ينكر تعالى أن يكون للمشركين آلهة تمنعهم من عذاب الله متى نزل بهم ويقرر أن آلهتهم لا تستطيع نصرهم {ولا3 هم منا يصحبون} أي وليس هناك من يجيرهم من عذاب الله من آلهتهم ولا من غيرها فلا يقدر أحد على إجارتهم من عذاب الله متى حل بهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير أن الساعة لا تأتي إلا بغتة.
2-
تقرير عقيدة البعث والجزاء.
3-
تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم بما كان عليه الرسل من قبله وما لا قوه من أُممهم.
1 {بل} : للإضراب الانتقالي من تهويل ما أعدّ لهم إلى التهديد بأن ذلك يحلّ بهم بغتة (أي فجأة) .
2 يكلأكم: أي يحرسكم ويحفظكم إذ الكلاءة: الحفظ والحراسة يقال: كلاه الله كلاءة أي: حفظه وحرسه ومنه قول الشاعر:
إنّ سليمى والله يكلأها
ضنّت بشيء ما كان يرزؤها
والاستفهام في: من يكلأكم: للنفي.
3 فسر يصحبون بيمنعون، ويجارون قال الشاعر:
ينادي بأعلى صوته متعوذاً
ليصحب منها والرماح دواني