الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
وجوب الدعاء للوالدين بالمغفرة والرحمة. 1
3-
وجوب مراقبة الله تعالى وعدم إضمار أي سوء في النفس.
4-
من كان صالحاً وبدرت منه البادرة وتاب منها فإن الله يغفر له ذلك.
5-
وجوب إعطاء ذوي القربى حقوقهم من البر والصلة، وكذا المساكين وابن السبيل.
6-
حرمة التبذير وحقيقته إنفاق المال في المعاصي والمحرمات.
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا
(28)
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32) وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَاّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
شرح الكلمات:
وإما تعرضن عنهم: أي عن المذكورين من ذي القربى والمساكين وابن السبيل فلم تعطهم شيئاً.
ابتغاء رحمة من ربك ترجوها: أي طلباً لرزق ترجو من الله تعالى.
1 روى أبو داود وغيره أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله: "هل بقي من برّ والدي من بعد موتهما شيء أبرهما به؟ قال: نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلاّ من قِبلهما فهذا الذي بقي عليك" وفي الصحيح عن ابن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنّ من أبرّ البِرّ صلة الرجل أهل ودّ أبيه بعد أن يولي".
قولا ميسوراً: أي ليناً سهلاً بأن تعدهم بالعطاء عند وجود الرزق.
مغلولة إلى عنقك: أي لا تمسك عن النفقة كأن يدك مربوطة إلى عنقك فلا تستطيع أن تعطي شيئاً.
ولا تبسطها كل البسط: أي ولا تنفق كل ما بيدك ولم تبق شيئاً.
فتقعد ملوما: أي يلومك من حرمتهم من الإنفاق.
محسورا: أي منقطعا عن سيرك في الحياة إذ لم تبق لك شيئاً.
ويبسط الرزق ويقدر: أي يوسعه، ويقدر أي يضيقه امتحانا وابتلاء.
خشية إملاق: أي خوف الفقر وشدته.
خطئاً كبيراً: أي إثماً عظيماً.
فاحشة وساء سبيلاً: أي خصلة قبيحة شديدة القبح،، وسبيلا بئس السبيل.
لوليه سلطان: أي لوارثه تسلطاً على القاتل.
فلا يسرف في القتل: أي لا يقتل غير القاتل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في وصايا الرب تبارك تعالى والتي هي حكم أوحاها الله تعالى إلى رسوله للاهتداء بها، والكمال والإسعاد عليها. فقوله تعالى:{وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً} أي إن أعرضت عن قرابتك أو عن مسكين سألك أو ابن سبيل احتاج إليك ولم تجد ما تعطيهم فأعرضت عنهم بوجهك أيها الرسول {فقل لهم قولاً ميسوراً1} أي سهلا ليناً وهو العدة الحسنة كقولك إن رزقني الله سأعطيك أو عما قريب سيحصل لي كذا وأعطيك وما أشبه ذلك من الوعد الحسن، فيكون ذلك عطاء منك عاجلاً لهم يسرون به، ولا يحزنون. وقوله تعالى:{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} أي لا تبخل بما آتاك الله فتمنع ذوي الحقوق حقوقهم كأن يدك مشدودة إلى عنقك فلا تستطيع أن تنفق، وقوله:{ولا تبسطها كل البسط} أي تفتح يديك بالعطاء فتخرج كل ما بجيبك أو خزانتك فلا تبق شيئاً لك ولأهلك. وقوله: {فتقعد ملوماً محسوراً} أي إن أنت أمسكت ولم تنفق لامك سائلوك إذ لم تعطهم، وإن أنت أنفقت كل
1 روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل وليس عنده ما يعطي سكت انتظاراً للرّزق يأتي من الله تعالى كراهة الردّ فنزلت هذه الآية. فكان صلى الله عليه وسلم: إذا سئل وليس عنده ما يعطى قال: "يرزقنا الله وإياكم من فضله" فالرحمة في الآية: الرزق المنتظر ولقد أحسن مَنْ قال:
إلاّ تكن ورِق يوماً أجود بها
للسائلين فإني ليّن العودِ
لا يعدم السائلون الخير من خلقي
إمّا نوالي وإمّا حسن مردودي
شيء عندك انقطعت بك الحياة ولم تجد ما تواصل به سيرك في بقية عمرك فتكون كالبعير الذي أعياه السير فانقطع عنه وترك محسوراً في الطريق لا يستطيع صاحبه رده إلى أهله، ولا مواصلة السير عليه إلى وجهته. وقوله:{إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء} أي يوسع على من يشاء امتحاناً له أيشكر أم يكفر ويقدر لمن يشاء أي يضيق على من يشاء ابتلاء له أيصبر أم يضجر ويسخط، {إنه كان بعباده خبيراً بصيراً} فلذا هو يوسع ويضيق بحسب علمه وحكمته، إذ من عباده من لا يصلحه إلا السعة، ومنهم من لا يصلحه إلا الضيق، وقوله تعالى:{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} أي ومما حكم به وقضى ووصى {ألا تقتلوا أولادكم} أي أطفالكم1 {خشية إملاق} أي مخافة الفاقة والفقر، إذ كان العرب يئدون البنات خشية العار ويقتلون الأولاد الذكور كالإناث مخافة الفقر فأوصى تعالى بمنع ذلك وقال متعهداً متكفلاً برزق الأولاد وآبائهم فقال:{نحن نرزقهم وإياكم} وأخبر تعالى أن قتل الأولاد {كان خطئاً2 كبيراً} أي إثماً عظيماً فكيف يقدم عليه المؤمن؟.
وقوله: {ولا تقربوا3 الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً4} أي ومن جملة ما حكم به ووصى أن لا تقربوا أيها المؤمنون الزنا مجرد قرب منه قبل فعله، لأن الزنا كان في حكم الله فاحشة أي خصلة قبيحة شديدة القبح ممجوجة طبعاً وعقلاً وشرعاً، وساء طريق هذه الفاحشة سبيلاً أي بئس الطريق الموصل إلى الزنا طريقا للآثار السيئة والنتائج المدمرة التي تترتب عليه أولها أذية المؤمنين في أعراضهم وآخرها جهنم والاصطلاء بحرها والبقاء فيها أحقاباً طويلة. وقوله:{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} أي ومما حكم تعالى به وأوصى أن لا تقتلوا أيها المؤمنون النفس التي حرم الله أي قتلها إلا بالحق، وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحق الذي تقتل به نفس المؤمن وهو واحدة من ثلاث: القتل العمد العدوان، الزنا بعد الاحصان، الكفر بعد الإيمان. وقوله:{ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً5} أي من قتل له قتيل ظلماً وعدواناً أي غير خطأ فقد أعطاه تعالى سلطة كاملة على قاتل وليه إن شاء قتله وإن شاء أخذ دية منه، وإن شاء عفا عنه لوجه الله تعالى: وقوله: {فلا يسرف6 في القتل إنه كان منصوراً7} أي لا يحل لولي الدم أي لمن قتل له
1 الإملاق: الفقر، وعدم الملك، يقال: أملق الرجل: إذا لم يبق له إلا الملقات، وهي الحجارة العظام المُلس.
2 يقال: خطىء يخطأ خطئاً، وخطأ: إذا أذنب. وأخطأ يُخطىء: خطأً إذا سلك سبيل خطإٍ عمداً.
3 قالت العلماء: قول: {ولا تقربوا الزنى} : أبلغ من قول: ولا تزنوا، فإن معناه لا تدنوا من الزنى والزنى يمدّ ويقصر لغتان.
4 قبح سبيلا إي: طريقاً لأنه يؤدي إلى النار.
5 الولي: هو المستحق الدّم رجلاً كان أو امرأة، والسلطان معناه التسليط فهو إن شاء قتل وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.
6 أي: فلا يقتل غير قاتله، ولا يمثّل بالقتيل، ولا يقتل بالواحد اثنين أو أكثر ولا بالعبد الحر.
7 جملة: إنه كان منصورا: تعليلية أي: علّة للنهي عن الإسراف في القتل.
قتيل أن يسرف في القتل فيقتل بدل الواحد أكثر من واحد أو بدل المرأة رجلا. أو يقتل غير القاتل، وذلك أن الله تعالى أعطاه سلطة تمكنه من قتل قاتله فلا يجوز أن يقتل غير قاتله كما كانوا في الجاهلية يفعلون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
العدة الحسنة تقوم مقام الصدقة لمن لم يجد ما يتصدق به على من سأله.
2-
حرمة البخل، والإسراف معاً وفضيلة الاعتدال والقصد.
3-
تجلى حكمة الله تعالى في التوسعة على أناس، والتضييق على آخرين.
4-
حرمة قتل الأولاد بعد الولادة أو إجهاضاً قبلها خوفا من الفقر أو العار.
5-
حرمة مقدمات الزنا كالنظر بشهوة والكلام مع الأجنبية ومسها وحرمة الزنا وهو أشد.
6-
حرمة قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق والحق قتل عمد عدواناً، وزناً بعد إحصان، وكفر بعد إيمان1.
وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (36) وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا (39)
1 لحديث الصحيحين: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة" وفي السنن: "لزوال الدنيا عند الله أهون من قتل مسلم".
شرح الكلمات:
إلا بالتي هي أحسن: أي ألا بالخصلة التي هي أحسن من غيرها وهي تنميته والإنفاق عليه منه بالمعروف.
حتى يبلغ أشده: أي بلوغه سن التكليف وهو عاقل رشيد.
وأوفوا بالعهد: أي إذا عاهدتم الله أو العباد فأوفوا بما عاهدتم عليه.
إن العهد كان مسئولا: أي عنه وذلك بأن يسأل العبد يوم القيامة لم نكثت عهدك؟
أوفوا الكيل: أي اتموه ولا تنقصوه.
بالقسطاس المستقيم: أي الميزان السوي المعتدل.
وأحسن تأويلاً: أي مآلاً وعاقبة.
ولا تقف: أي ولا تتبع.
والفؤاد: أي القلب.
كان عنه مسئولاً: أي عن كل واحد من هذه الحواس الثلاث يوم القيامة.
مرحاً: أي ذا مرح بالكبر والخيلاء.
لن تخرق الأرض: أي لن تثقبها أو تشقها بقدميك.
من الحكمة: أي التي هي معرفة المحاب لله تعالى للتقرب بها إليها ومعرفة المساخط لتتجنبها تقربا إليه تعالى بذلك.
ملوما مدحوراً: أي تلوم نفسك على شركك بربك مبعداً من رحمة الله تعالى.
معنى الآيات:
مازال السياق الكريم في بيان ما قضى به الله تعالى على عباده المؤمنين ووصاهم به فقال تعالى: {ولا تقربوا} أي أيها المؤمنون {مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} أي بالفعلة التي هي أجمل وذلك بأن تتصرفوا فيه بالتثمير له والإصلاح فيه، والإنفاق منه على اليتيم بالمعروف أما أن تقربوه لتأكلوه إسرافاً وبداراً فلالا. وقوله: حتى يبلغ أشده أي حتى يبلغ سن الرشد فتحاسبوه وتعطوه ماله يتصرف فيه حسب المشروع من التصرفات المالية. وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد1} أي ومما أوصاكم به أن توفوا بعهودكم التي بينكم وبين ربكم وبينكم وبين سائر الناس مؤمنهم وكافرهم فلا يحل لكم أن لا توفوا بالعهد وأنتم قادرون على الوفاء بحال من الأحوال. وقوله: {إن العهد كان مسئولاً2} تأكيد للنهي عن نكث العهد إذ أخبر تعالى أن العبد
1 التعريف في "العهد" للجنس ليشمل سائر العهود.
2 الجملة تعليلية علل بها الأمر بالوفاء بالعهود، وحذف متعلق مسئولا لظهوره: وهو عنه أي مسئولا عنه.
سيسأل عن عهده الذي لم يف به يوم القيامة، ومثل العهد سائر العقود من نكاح وبيع وإيجار وما إلى ذلك لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} أي العهود، وقوله:{وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس1 المستقيم} هذا مما أمر الله تعالى وهو إيفاء الكيل والوزن أي توفيتهما وعدم بخسهما ونقصهما شيئاً ولو يسيراً ما دام في الإمكان عدم نقصه، أما ما يعسر التحرز منه فهو من العفو لقوله تعالى:{لا نكلف نفساً إلا وسعها} . وقوله {ذلك خير وأحسن تأويلا} أي ذلك الوفاء والتوفية في الكيل والوزن خير لبراءة الذمة وطيب النفس به وأحسن تأويلا أي عاقبة إذ يبارك الله تعالى في ذلك المال بأنواع من البركات لا يعلمها إلا هو عز وجل. ومن ذلك أجر الآخرة وهو خير فإن من ترك المعصية وهو قادر عليها أثابه الله تعالى على ذلك بأحسن ثواب. وقوله تعالى: {ولا تقف2 ما ليس لك به3 علم} أي لا تتبع بقول ولا عمل ما لا تعلم، ولا تقل رأيت كذا وأنت لم تر، ولا سمعت كذا وأنت لم تسمع. وقوله تعالى:{إن السمع والبصر والفؤاد} أي القلب {كل أولئك كان عنه4 مسئولاً} أي لا تقف ما ليس لك به علم، لأن الله تعالى سائل هذه الأعضاء يوم القيامة عما قال صاحبها أو عمل فتشهد عليه بما قال أو عمل مما لا يحل له القول فيه أو العمل. ومعنى أولئك أي تلك المذكورات من السمع والبصر والفؤاد. وقوله تعالى:{ولا تمش في الأرض مرحاً} أي خيلاء وتكبراً أي مما حرم تعالى وأوصى بعدم فعله المشي في الأرض مرحاً أي تكبراً واختيالاً، لأن الكبر حرام وصاحبه لا يدخل الجنة، وقوله {إنك لن تخرق الأرض} أي برجليك أيها المتكبر لأن المتكبر يضرب الأرض برجليه اعتزازاً واهتزازاً، ولن تبلغ الجبال طولا مهما تعاليت وتطاولت فإنك كغيرك من الناس لا تخرق الأرض أي تثقبها أو تقطعها برجليك ولا تبلغ علو الجبال فلذا أترك مشية الخيلاء والتكبر، لأن ذلك معيب ومنقصة ولا يأتيه إلا ذو حماقة وسفه. وقوله تعالى:{كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً} أي كل ذلك المأمور به
1 القسطاس بضم القاف قراءة الجمهور وبكسرها قراءة حفص وهو اسم للميزان أي آلة الوزن، واسم للعدل أيضاً وقيل هو معرب من الرومية مركب من قسط أي عدل وطاس وهو كفة الميزان والأصل ضم القاف وكسره العرب لأنه أعجمي وهم يقولون أعجمي العب به ما شئت.
2 القفو: الاتباع يقال قفاه يقفوه إذا اتبعه وهو مشتق من القفا وهو وراء العنق.
3 بهذه الحكمة وهي ولا تقف ما ليس لك به علم: وضع حد لكثير من المفاسد التي كانت تقع لسبب القول بدون علم منها: الطعن في الأنساب لمجرد ظن. ومنها القذف بالفاحشة. ومنها الكذب، ومنها شهادة الزور إلى غير ذلك من الأضرار التي تتم بسبب القول بالظن وبدون علم.
4 كل أولئك: المفروض أن يقال: كلها ولكن عدل إلى أولئك لأهمية تلك الحواس ونظير هذا في كلام العرب قول الشاعر:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى
والعيش بعد أولئك الأيام
والمنهي عنه من قوله تعالى: {وقضى ربك} إلى قوله {كل ذلك كان سيئه1 عند ربك مكروها} سيئة كالتبذير والبخل وقتل الأولاد والزنا وقتل النفس وأكل مال اليتيم، وبخس الكيل والوزن، والقول بلا علم كالقذف وشهادة الزور، والتكبر كل هذا الشيء مكروه عند الله تعالى إذا فلا تفعله يا عبد الله وما كان من حسن فيه كعبادة الله تعالى وحده وبر الوالدين والإحسان إلى ذوي القربى والمساكين وابن السبيل والعدة الحسنة فكل هذا الحسن هو عند ألله حسن فأته يا عبد الله ولا تتركه ومن قرأ كنافع كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها فإنه يريد ما اشتملت عليه الآيات من التبذير والبخل وقتل النفس إلى آخر المنهيات.
وقوله تعالى: {ذلك2 مما أوحى إليك ربك من الحكمة} أي ذلك الذي بيَّنَّا لك يا رسولنا من الأخلاق الفاضلة والخلال الحميدة التي أمرناك بالأخذ بها والدعوة إلى التمسك بها، ومن الخلال القبيحة والخصال الذميمة التي نهيناك عن فعلها وحرمنا عليك إتيانها مما أوحينا إليك في كتابنا هذا من أنواع الحكم وضروب العلم والمعرفة، فلله الحمد وله المنة.
وقوله: {ولا تجعل3 مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً4} هذه أم الحكم بدأ بها السياق وختمه بها تقريراً وتأكيداً إذ تقدم قوله تعالى: {ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً} . والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كل أحد معني به فأي إنسان يشرك بربه أحداً من خلقه في عبادته فقد جعله إلهاً مع الله، ولابد أن يلقى في جهنم ملوماً من نفسه مدحوراً مبعداً من رحمة ربه التي هي الجنة. وهذا إذا مات قبل أن يتوب فيوحد ربه في عباداته. إذ التوبة إذا صحت جَبَّت ما قبلها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
حرمة مال اليتيم أكلا أو إفساداً أو تضييعاً وإهمالاً.
2-
وجوب الوفاء بالعهود وسائر العقود.
! - وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة بخس الكيل والوزن.
1 قرأ الجمهور: سيئة، وقرأ حفص: سيئه، والسيئة ضد الحسنة.
2 الإشارة إلى ما تقدم، والجملة مذيّل بها الكلام تنبيها على ما اشتملت عليه الآيات السبع عشرة من الحكمة تحريضاً على إتباع ما فيها وانه خير عظيم كما فيها الامتنان على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته بهذه الحكم والمعارف النافعة في الدنيا والآخرة.
3 هذه الجملة معطوفة على مثيلاتها المتضمنة للنهي عن كبائر الذنوب وهي مؤكدة لمضمون جملة: {وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه} .
4 المدحور: هو المطرود من رحمة الله المغضوب عليه من الله تعالى.