المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٣

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌ الرعد

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(14)

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌1

- ‌6

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(31)

- ‌(42)

- ‌(47)

- ‌ الحجر

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(26)

- ‌(34)

- ‌(45)

- ‌(89)

- ‌1

- ‌(14)

- ‌(20)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(63)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(94)

- ‌(98)

- ‌(119)

- ‌(125)

- ‌ الإسراء

- ‌1

- ‌(2)

- ‌(13)

- ‌(18)

- ‌(23)

- ‌(28)

- ‌(40)

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(66)

- ‌(85)

- ‌(96)

- ‌(105)

- ‌ الكهف

- ‌1

- ‌(13)

- ‌(22)

- ‌(32)

- ‌(45)

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(70)

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(83)

- ‌(102)

- ‌ 1:

- ‌ مريم

- ‌(8)

- ‌(16)

- ‌(22)

- ‌(46)

- ‌(51)

- ‌(59)

- ‌(64)

- ‌(66)

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(88)

- ‌ طه

- ‌(1)

- ‌(25)

- ‌(36)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(67)

- ‌(72)

- ‌(77)

- ‌(90)

- ‌(95)

- ‌(99)

- ‌(113)

- ‌(116)

- ‌(123)

- ‌ الأنبياء

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(16)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(59)

- ‌(78)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(98)

- ‌(105)

- ‌ الحج

- ‌1

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(14)

- ‌(18)

- ‌(42)

- ‌(47)

- ‌(58)

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(73)

- ‌ المؤمنون

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(23)

- ‌(27)

- ‌(39)

- ‌(45)

- ‌(51)

- ‌(57)

- ‌(63)

- ‌(78)

- ‌(93)

- ‌(108)

- ‌(112)

- ‌ النور

- ‌1

- ‌(4)

- ‌6

- ‌(23)

- ‌(30)

- ‌(35)

- ‌(39)

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌ الفرقان

- ‌1

- ‌(4)

- ‌(10)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(25)

- ‌(35)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(63)

- ‌ الشعراء

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(18)

- ‌(23)

- ‌(32)

- ‌(43)

- ‌(50)

- ‌(61)

- ‌(69)

- ‌(83)

- ‌(94)

- ‌(123)

- ‌(153)

- ‌(160)

- ‌(176)

- ‌(185)

- ‌(192)

- ‌(221)

الفصل: جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ

جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ ‌

(5)

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)

شرح الكلمات:

وإن تعجب: أي يأخذك العجب من إنكارهم نبوتك والتوحيد.

فعجب: أي فأعجب منه إنكارهم للبعث والحياة الثانية مع وضوح الأدلة وقوة الحجج.

لفي خلق جديد: أي نرجع كما كنا بشراً أحياء.

الأغلال في أعناقهم: أي موانع من الإيمان والاهتداء في الدنيا، وأغلال تشد بها أيديهم إلى أعناقهم في الآخر.

بالسيئة: أي بالعذاب.

قبل الحسنة: أي الرحمة وما يحسن بهم من العاقبة والرخاء والخصب.

المثلات: أي العقوبات واحدها مَثُله التي قد أصابت المكذبين في الأمم الماضية.

لولا أنزل عليه: أي هلَاّ أنزل، ولولا أداة تحضيض كهلَاّ.

ص: 9

آية من ربه: أي معجزة كعصا موسى وناقة صالح مثلاً.

ولكل قوم هاد: أي نبي يدعوهم إلى ربهم ليعبدوه وحده ولا يشركون به غيره.

ما تحمل كل أنثى: أي من ذكر أو أنثى واحداً أو أكثر أبيض أو أسمر.

وما تغيض الأرحام: أي تنقص من دم الحيض، وما تزداد منه.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى الإيمان بالتوحيد والنبوة المحمدية والبعث يوم القيامة للحساب والجزاء، فقوله تعالى في الآية الأولى (5){وإن تعجب} 1 يا نبينا من عدم إيمانهم برسالتك وتوحيد ربك فعجب أكبر هو عدم إيمانهم بالبعث الآخر، إذ قالوا في إنكار وتعجب:{أئذا متنا2 وكنا تراباً أئنا لفي خلق جديد} أي يحصل لنا بعد الفناء والبلى؟ قال تعالى مشيراً إليهم مسجلاً الكفر عليهم ولازمه وهو العذاب {أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال3 في أعناقهم} وهي في الدنيا موانع الهداية كالتقليد الأعمى والكبر والمجاحدة والعناد، وفي الآخرة أغلال توضع في أعناقهم من حديد تشد بها أيديهم إلى أعناقهم، {وأولئك أصحاب النار} أي أهلها {هم فيها خالدون} أي ماكثون أبداً لا يخرجون منها بحال من الأحوال.

وقوله تعالى في الآية الثانية (6){ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة} يخبر تعالى رسوله مقرراً ما قال أولئك الكافرون بربهم ولقائه ونبي الله وما جاء به، ما قالوه استخفافاً واستعجالاً وهو طلبهم العذاب الدنيوي، إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخوفهم من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فهم يطالبون به كقول بعضهم:{فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم،} قبل طلبهم الحسنة وهذا لجهلهم وكفرهم، وإلا لطالبوا بالحسنة التي هي العافية والرخاء والخصب قبل السيئة التي هي الدمار والعذاب.

1 أصل التعجب: تغير النفس بما تخفي أسبابه، والمخاطب في هذا الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون تابعون له.

2 مثل هذا الاستفهام وقع في تسع سور من القرآن في أحد عشر موضعاً ومن القرّاء من استفهم في الموضعين أئذا كنا تراباً ائنا لمبعوثون ومنهم من استفهم في موضع واحد، فمن استفهم في الأول والثاني قصد المبالغة في الإنكار فأتى به في الجملة الأولى وأعاده في الثانية تأكيداً له ومن أتى به مرّة واحدة لحصول المقصود به لأنّ كل جملة مرتبطة بالثانية فإذا أنكر في إحداهما حصل الإنكار في الأخرى (أفادهُ الجمل) .

3 الأغلال: جمع غل وهو طوق من حديد تشدّ به اليد إلى العنق.

ص: 10

وقوله تعالى: {وقد خلت من قبلهم المثلات} 1 أي والحال أن العقوبات قد مضت في الأمم من قبلهم كعقوبة الله لعاد وثمود وأصحاب الأيكة والمؤتفكات فما لهم يطالبون بها استبعاداً لها واستخفافاً بها أين ذهبت عقولهم؟ وقوله تعالى: {وإن ربك لذو مغفرة للناس2 على ظلمهم} وهو ظاهر مشاهد إذ لو كان يؤاخذ بالظلم لمجرد وقوعه فلم يغفر لأصحابه لما ترك على الأرض من دابة، وقوله:{وإن ربك لشديد العقاب} أي على من عصاه بعد أن أنذره وبين له ما يتقي فلم يتق ما يوجب له العذاب من الشرك والمعاصي.

وقوله تعالى في الآية الثالثة (7){ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه} ! يخبر تعالى رسوله والمؤمنين عن قيل الكافرين بالتوحيد والبعث والنبوة: {لولا} أي هلا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آية من ربه كعصا موسى وناقة صالح، حتى نؤمن بنبوته ونصدق برسالته، فيرد تعالى عليهم بقوله:{إنما أنت منذر} والمنذر المخوف من العذاب وليس لازماً أن تنزل معه الآيات، وعليه فلا تلتفت إلى ما يطالبون به من الآيات، واستمر على دعوتك فإن لكل قوم3 هادياً وأنت هادي هذه الأمة، وداعيها إلى ربها فادع واصبر.

وقوله تعالى في الآية الرابعة (8){الله يعلم ما تحمل كل أنثى} 4 أي من ذكر أو أنثى واحداً أو أثنين أبيض أو أسمر سعيداً أو شقياً، وقوله:{وما تغيض5 الأرحام وما تزداد} أي ويعلم ما تغيض الأرحام من دماء الحيض6 وما تزداد منها إذ غيضها ينقص من مدة الحمل وازديادها يزيد في مدة الحمل فقد تبلغ السنة أو أكثر، وقوله:{وكل شيء عنده بمقدار} أي وكل شيء في حكمه وقضائه وتدبيره بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص في ذات ولا صفة

1 المثلات: جمع مثلة، وهي العقوبة نحو: صدُقة وصدُقات، وتضم الميم وتسكن الثاء مثله كغرفة والجمع مُثل كقُرب وهي العقوبة الشديدة التي تكون مثالاً تمثل بها العقوبات.

2 قال ابن عباس رضي الله عنه هذه أرجى آية في كتاب الله، قال سعيد بن المسيّب، لمّا نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا عفو الله ورحمته وتجاوزه لما هنأ أحداً عيشُه ولولا عقابه ووعيده وعذابه لا تكل كل أحد".

3 هادي كل امة رسولها الذي بعث فيها وخلفاء الأنبياء وحواريوهم هداة يهدون من بعدهم والله يهدي من يشاء.

4 قال القرطبي: من ذكر أو أنثى: صَبيحٌ أو قبيح صالح أو طالح. وقوله: {كل أنثى} يفيد عموم كل أنثى في الإنسان والحيوان، وهو كذلك.

5 العادة أن انحباس الحيض دال على العلوق أي: الحمل، وفيضان الدم دال على عدم الحمل، وتفسير الآية بهذا حسن، فالله تعالى يعلم ما تغيض الأرحام من الدم، لانشغال الرحم بالعلقة ثمّ بالجنين، وما تزداد من الدم حتى يفيض عنها، ويخرج، وهو دم من لا حمل لها. وما في التفسير وجه وهذا الوجه أوضح.

6 استدل بالآية من قال: الحامل لا تحيض وهو أبو حنيفة. والجمهور على أنها تحيض كما استدل بها كل من قال: الحمل تزيد مدته إلى أربع سنوات، وهو الجمهور، وخالف الظاهرية في ذلك.

ص: 11

ولا حال، ولا زمان ولا مكان، وقوله:{عالم الغيب والشهادة} أي كل ما غاب عن الخلق، وما لم يغب عنهم مما يشاهدونه أي العليم بكل شيء، وقوله:{الكبير المتعال} أي الذي لا أكبر منه وكل كبير أمامه صغير المتعال على خلقه المنزه عن الشريك والشبيه والصاحبة والولد هذا هو الله وهذه صفاته فهل يليق بعاقل أن ينكر استحقاقه للعبادة دون سواه؟ فهل يليق بعاقل أن ينكر عليه أن يوحي بما شاء على من شاء من عباده؟ فهل يليق بعاقل أن ينكر على من يشاء من عباده؟ فهل يليق بعاقل ان ينكر على هذه قدرته وعمله ان يحي العباد بعد ان يميتهم ليسألهم عن كسبهم ويحاسبهم عليه ويجزيهم به؟ اللهم لا اذا فالمنكرون على الله ما دعاهم الى الايمان به لا يعتبرون عقلاء وان طاروا في السماء وغاصوا في الماء.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

تقرير أصول العقيدة الثلاثة: التوحيد والنبوة البعث والجزاء الآخر.

2-

صوارف الإيمان والتي هي كالأغلال ير التقليد الأعمى، والكبر والعناد.

3-

عظيم قدرة الله تعالى وسعة علمه.

4-

تقرير عقيدة القضاء والقدر.

سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا

ص: 12

وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)

شرح الكلمات:

وسارب بالنهار: أي ظاهر في سربه أي طريقه.

له معقبات: أي ملائكة تتعقبه بالليل والنهار.

من أمر الله: أي بأمر الله تعالى وعن إذنه وأمره.

لا يغير ما بقوم: أي من عافية ونعمة إلى بلاء وعذاب.

ما بأنفسهم: من طهر وصفاء بالإيمان والطاعات إلى الذنوب والآثام.

وما لهم من دونه من وال: أي وليس لهم من دون الله من يلبي أمرهم فيدفع عنهم العذاب.

من خيفته: أي من الخوف منه وهيبته وجلاله.

وهو شديد المحال: أي القوة والمماحلة.

معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر جلال الله وعظيم قدرته وسعة علمه، قال تعالى في هذه الآية:{سواء منكم1 من أسر القول ومن جهر به} فالله يعلم السر والجهر وأخفى {ومن هو مستخف بالليل} يمشى في ظلامه ومن هو {سارب بالنهار} أي يمشي في سربه2 وطر يقه مكشوفاً معلوماً لله تعالى، وقوله تعالى: {له معقبات3 من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من

1 هذه الآية كالنتيجة لما تقدم من الدلائل على علم الله وقدرته وحكمته الموجبة لألوهيته وفيها تعريض بالمشركين المتآمرين على قتل النبي صلى الله عليه وسلم أو أذيته، وسواء: بمعنى مستو، وهو اسم يكون بين شيئين كالسر هنا والجهر أي: مستوى عنده السر والجهر.

2 السَّرب: بفتح السين وسكون الراء: الطريق، والسارب: اسم فاعل من سرب إذا ذهب.

3 جمع معقبة وهو مأخوذ من العقب الذي هو مؤخر الرجل فكل من اتبع آخر فقد تعقبه فهو متعقِّب له، وعقبه يعقبه فهو عاقب له: إذا جاء بعده، والمعقبات هنا: الملائكة لحديت "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" إذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل وهكذا.

ص: 13

أمر الله} جائز أن يعود الضمير في "له" على من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار، فيكون المراد من المعقبات الحرس والجلاوزة الذين يحرسون السلطان من أمر الله تعالى في نظرهم، ولكن إذا أراده الله بسوء فلا مرد له وما له من دون الله من وال يتولى حمايته والدفاع عنه، وجائز أن يعود على الله تعالى ويكون المراد من المعقبات الملائكة الحفظة1 والكتبة للحسنات والسيئات ويكون معنى من أمر الله2 أي بأمره تعالى وإذنه، والمعنى صحيح في التوجيهين للآية وإلى الأول ذهب ابن جرير وإلى الثاني ذهب جمهور المفسرين، وقوله تعالى:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم وهي أنه تعالى لا يزيل نعمة أنعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طهارة وصفاء بسبب ارتكابهم للذنوب وغشيانهم للمعاصي نتيجة الإعراض عن كتاب الله وإهمال شرعه وتعطيل حدوده والانغماس في الشهوات والضرب في سبيل الضلالات، وقوله تعالى:{وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} هذا إخبار منه تعالى بأنه إذا أراد بقوم أو فردٍ أو جماعة سوءاً ما أي ما يسوءهم من بلاء وعذاب فلا مرد له بحال من الأحوال بل لا بد وأن يمسهم، ولا يجدون من دون الله من وال يتولى صرف العذاب عنهم، أما من الله تعالى فإنهم إذا أنابوا إليه واستغفروه وتابوا إليه فإنه تعالى يكشف عنهم السوء ويصرف عنهم العذاب، وقوله تعالى:{هو الذي يريكم البرق خوفاً} من الصواعق من جهة وطمعاً في المطر من جهة أخرى {وينشىء السحاب الثقال} أي وهو الذي ينشئ3 أي يبدء السحاب الثقال الذي يحمل الأمطار {ويسبح الرعد بحمده} 4 أي وهو الذي يسبح الرعد بحمده وهو ملك موكل بالسحاب يقول:

1 الحفظة: جمع حافظ: ملائكة موكلون بالعبد يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الجن، والشياطين، فإذا جاء أمر الله أي: قدره تخلّوا عنه والكتبة: جمع كاتب: ملك يكتب الحسنات وآخر يكتب السيئات.

2 ذكر القرطبي: أن العلماء رحمهم الله تعالى ذكروا أن الله سبحانه وتعالى جعل أوامره على وجهين. أحدهما: قضى وقوعه وحلوله بصاحبه فهذا لا يدفعه أحد، والثاني: قضى مجيئه ولم يقض حلوله ووقوعه بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة.

3 إنشاء السحاب: تكوينه من عدم بإثارة الأبخرة التي تتجمع سحاباً، والسحاب اسم جمع لسحابة، وسميت سحابة لأنها تسحب من مكان إلى مكان.

4 الباء للملابسة: أي يسبّح الله تسبيحاً ملابساً لحمده، والتسبيح، التنزيه.

ص: 14

سبحان الله وبحمده، وقوله:{والملائكة1 من خيفته} 2 أي خيفة الله وهيبته وجلاله فهي لذلك تسبحه أي تنزهه عن الشريك والشبيه والولد بألفاظ يعلمها الله تعالى، وقوله تعالى:{ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله} 3 أي في وجوده وصفاته وتوحيده وطاعته {وهو شديد المحال} 4 هذه الآية نزلت فعلاً في رجل5 بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعوه إلى الإسلام فقال الرجل الكافر لمن جاء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رسول الله؟ وما الله أمن ذهب هو أم من فضة أم من نحاس؟ فنزلت عليه صاعقة أثناء كلامه فذهبت بقحف رأسه، ومعنى شديد المحال أي القوة والأخذ والبطش.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

سعة علم الله تعالى.

2-

الحرس والجلاوزة لمن يستخدمهم لحفظه من أمر الله تعالى لن يغنوا عنه من أمر الله شيئاً.

3-

تقرير عقيدة أن لكل فرد ملائكة يتعاقبون عليه بالليل والنهار منهم الكرام الكاتبون، ومنهم الحفظة للإنسان من الشياطين والجان.

4-

بيان سنة أن النعم لا تزول إلا بالمعاصي.

5-

استحباب قول سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته عند سماع الرعد لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ مختلفة.

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَاّ

1 والملائكة تسبح أيضاً من خوف الله تعالى.

2 {من خيفته} من: تعليلية أي: لأجل الخوف منه تعالى.

3 {يجادلون} : المفعول محذوف تقديره: يجادلونك وأتباعك المؤمنين في شأن توحيد الله تعالى ولقائه ونبوة رسوله صلى الله عليه وسلم.

(المحال) إن كان من الحول والميم زائدة فهو بمعنى شديد القوى، وإن كانت الميم أصلية فالمحال: بكسر الميم: فهو فِعال بمعنى الكيد، وفعله محل وتمحّل إذا تحيّل، إذ المجادلون كانوا يتحيلون في أسئلتهم، فأعلمهم الله أنه أقوى منهم، وأشد كيداً منهم.

5 قيل: نزلت في يهودي، وقيل: في أربد بن ربيعة، وعامر بن الطفيل، وقد هلك أربد بصاعقة نزلت به، وهلك عامر بغدة نبتت في جسمه فمات منها وهو في بيت امرأة من بني سلول.

ص: 15