الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ
(45)
أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ (47) أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)
شرح الكلمات:
مكروا السيئات: أي مكروا المكرات السيئات فالسيئات وصف للمكرات التي مكروها.
في تقلبهم: أي في البلاد مسافرين للتجارة وغيرها.
على تخوف: أي تنقص.
يتفيئوا ظلاله:. أي تتميل من جهةٍ إلى جهة.
سجداً لله: أي خضعاً لله كما أراد منهم.
داخرون: أي صاغرون ذليلون.
من فوقهم: من أعلى منهم إذ هو تعالى فوق كل شيء ذاتاً وسلطاناً وقهراً.
ها يؤمرون: أي ما يأمرهم ربهم تعالى به.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تخويف المشركين وتُذكيرهم لعلهم يرجعون بالتوبة من الشرك والجحود للنبوة والبعث والجزاء. قال تعالى: {أفأمن الذين مكروا1} المكرات
1 هذا وعيد للمشركين الذين احتالوا في إبطال الإسلام.
{السيئات} من محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم والشرك والتكذيب بالنبوة والبعث وظلم المؤمنين وتعذيب بعضهم، أفأمنوا {أن يخسف الله بهم الأرض} من تحتهم فيقرون في أعمالها، {أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون1} ولا يتوقعون من ريح عاصف تعصف بهم أو وباء يشملهم أو قحط يذهب بما لهم. وقوله تعالى:{أو يأخذهم في تقلبهم} أي في تجارتهم وأسفارهم ذاهبين آيبين من بلدٍ إلى بلد. {فما هم بمعجزين} 2 له تعالى لو أراد أخذهم وإهلاكهم. وقوله تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} أي3 تنقص4 بأن يهلكهم واحداً بعد واحد أو جماعة بعد جماعة حتى لا يبقى منهم أحداً، وقد أخذ منهم ببدرٍ من أخذ وفي أحد. وقوله تعالى:{فإن ربكم لرؤوف رحيم} تذكير لهم برأفته ورحمته إذ لولا هما لأنزل بهم نقمته وأذاقهم عذابه بدون إنظار لتوبةٍ أو إمهال لرجوع إلى الحق، وقوله تعالى:{أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء5} من شجرٍ وجبل وإنسانٍ وحيوان {يتفيؤا ظلاله} بالصباح والمساء {عن اليمين والشمائل} " جمع شمال"{سجداً لله} خضعاً بظلالهم {وهم داخرون6} أي صاغرون ذليلون. أما يكفيهم ذلك دلالة على خضوعهم لله وذلتهم بين يديه، فيؤمنوا به ويعبدونه ويوحدوه فينجوا من عذابه ويفوزوا برحمته. وقوله تعالى:{ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة} أي ولله لا لغيره يسجد بمعنى يخضع وينقاد لما يريده الله تعالى من إحياء أو إماتة أو صحة أو مرض أو خير أو غيره من دابةٍ أي من كل ما يدب من كائن على هذه الأرض {والملائكة} 7
1 وقد تمّ لهم وذاقوا مُرَّاً يوم بدر بقتل صناديدهم وأسرهم.
2 أي: بسابقين الله ولا فائتيه.
3 التخوف: مصدر لفعل تخوّف إذا حاف، ومصدر لتخوّف المتعدي الذي بمعنى تنقص، وهو لغة هذيل، فللآية معنيان. الأول: أن يكون المعنى: يأخذهم العذاب وهم في حالة توقع بنزول العذاب لوجود أماراته كالرعد والبرق مثلا. والثاني: أن يكون المعنى بأن يأخذهم وهم في حالة تنقص بأن يأخذ القرية فتخاف القرية الأخرى وهو واضح المعنى في التفسير.
4 ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير التخوّف: بأن يعاقب أو يتجاوز، ويشهد له الجملة التعليلية وهي {فإنّ ربكم لرؤوف رحيم} فهو لا يعاجل بالعقوبة.
5 أي: من أي جسم قائم له ظل كشجرة أو جبل ومعنى تفيء الظلال: ميلانه من جانب إلى جانب ومنه سمي الظل بالعشي فيء: لأنه فاء من المشرق إلى المغرب أي. رجع، والفيء: الغنائم التي ترجع إلى المسلمين من الكافرين لأنّهم أحق بها فرجعت إليهم.
6 أي: خاضعون، والدخور: الصغار والذل يقال: دخر الرجل فهو داخر وأدخره الله. قال ذو الرمّة:
فلم يبق إلا داخر في مخيس
ومنجحر في غير أرضك في حجر
والشاهد في قوله داخر أي خاضع ذليل والمخيس بناء من مدر يسجن فيه
7 قيل: المراد بالملائكة: ملائكة الأرض، وخضهم بالذكر وهم داخلون في عموم ما في السموات وما في الأرض لشرف منزلتهم عند ربّهم جل جلاله، والملائكة يطيرون ولا يَدِبّون، فلذا أخرجوا أيضاً بالذكر.
على شرفهم يسجدون {وهم لا يستكبرون} عن عبادة ربهم {ويخافون ربهم من فوقهم} إذ هو العلي الأعلى وكل الخلق تحته. {ويفعلون ما يؤمرون} فلا يعصون ربهم ما أمرهم. إذا كان هذا حال الملائكة فما بال هؤلاء المشركين يلجون في الفساد والاستكبار والجحود والمكابرة وهم أحقر سائر المخلوقات، وشر البريات إن بقوا على كفرهم وشركهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
حرمة الأمن من مكر الله.
2-
كل شيء ساجد لله، أي خاضع لما يريده منهم، إلا أن السجود الطوعي الاختياري هو الذي يثاب عليه العبد، أما الطاعة اللا إرادية فلا ثواب فيها ولا عقاب.
3-
فضل السجود الطوعي الاختياري.
4-
مشروعية السجود عند هذه الآية: إذا قرأ القارىء أو المستمع: {ويخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} ، عليه أن يسجد إن كان متطهراً إلى القبلة إن أمكن ويسبح في السجود ويكبر في الخفض والرفع ولا يسلم، ولا يسجد عند طلوع الشمس ولا عند غروبها.
وَقَالَ اللهُ لَا تَتَّخِذُواْ1 إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ
1 جائز أن يكون سكّان شرق الجزيرة من العرب قد انتقلت إليهم عقيدة المجوس المبنية على إله الخير وهو يزدان وإله الشر الذي هو أهرمُنْ وذلك لمجاورتهم لحكومة المجوس الممتدة إلى العراق، ويكون النهي في الآية موجهاً إليهم.
لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ (56)
شرح الكلمات:
لا تتخذوا إلهين: أي تعبدونهما إذ ليس لكم إلا إله واحد.
وله ما في السموات والأرض: أي خلقاً وملكاً، إذاً فما تعبدونه مع الله هو لله ولم يأذن بعبادته.
وله الدين واصباً: أي خالصاً دائماً واجباً.
فإليه تجأرون: أي ترفعون أصواتكم بدعائه طالبين الشفاء منه.
فتمتعوا فسوف تعلمون: تهديدٌ على كفرهم وشركهم ونسيانهم دعاء الله تعالى.
ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً: أي يجعلون لآلهتهم نصيباً من الحرث والأنعام.
عما كنتم تفترون: أي تختلقون بالكذب وتفترون على الله عز وجل.
معنى الآيات:
بعد إقامة الحجج على التوحيد وبطلان الشرك أخبرهم أن الله ربهم رب كل شيء قد قال لهم: أيها الناس {لا تتخذوا إلهين اثنين} فلفظ اثنين توكيد للفظ إلهين أي لا تعبدوا إلهين بل اعبدوا إلهاً واحداً وهو الله إذ ليس من إله إلا هو فكيف تتخذون إلهين والحال انه {إله واحد} لا غير وهو الله الخالق الرازق المالك، ومن عداه من مخلوقاته كيف تُسوَّى به وتُعبَد معه؟ وقوله تعالى:{فإياي فارهبون1} أي ارهبوني وحدي ولا ترهبوا سواي إن بيدي كل شيء، وليس لغيري شيء فأنا المحيي المميت، الضار النافع، يوبخهم على رهبتهم غيره سبحانه وتعالى من لا يستحق أن يُرهب لعجزه وعدم قدرته على أن ينفع أو يضر. وقوله تعالى:{وله ما في السموات والأرض} 2 برهان على بطلان رهبة غيره أو
1 الرهبة: الخوف، فمعنى {فارهبون} : خافوني ولا تخافوا سواي، وتقديم المفعول:{فإيايّ} مؤذن بحصر الرهبة في الله تعالى ونفيها عمَّن سواه.
2 في الآية تقرير وحدانية الله تعالى إذ ما في السموات له، وما في الأرض له فهو إذاً إله واحد وبطل التعدد الذي يراه المجوس.
الرغبة في سواه ما دام له ما في السموات والأرض خلقاً وملكاً. وقوله {وله الدين واصباً} 1 أي العبادة والطاعة دائماً ثابتاً واجباً، ألا لله الدين الخالص. وقوله تعالى:{أفغير الله تتقون} يوبخهم على خوف سواه وهو الذي يجب أن يرهب ويخاف لأنه الملك الحق القادر على إعطاء النعم وسلبها، فكيف يُتقى من لا يملك ضراً ولا نفعاً ويُعصى من بيده كل شيء وإليه مرد كل شيء، وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن. وقوله:{وما بكم من نعمةٍ فمن الله} 2 يخبرهم تعالى بالواقع الذي يتنكرون له فيخبرهم أنه ما بهم من نعمة جلت أو صغرت من صحةٍ أو مالٍ أو ولد فهي من الله تعالى خالقهم وواهبهم حياتهم، وليست من أحدٍ غيره، ودلل على ذلك شعورهم الفطري وهو أنهم إذا مسهم الضر من فقرٍ أو مرض أو تغير حال كخوف غرقٍ في البحر فإنهم يرفعون أصواتهم إلى أعلاها مستغيثين بالله سائلينه أن يكشف ضرهم أو ينجيهم من هلكتهم المتوقعة لهم فقال عز وجل:{ثم إذا مسكم الضر فإليه} دون غيره {تجأرون} برفع أصواتكم بالدعاء والاستغاثة به سبحانه وتعالى وقوله. {ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريقٌ} كبير {منكم بربهم يشركون} فيعبدون غيره بأنواع العبادات متناسين الله الذي كشف ضرهم وأنجاهم من هلكتهم.
وقوله: {ليكفروا بما آتيناهم} 3 أي ليؤول أمرهم إلى كفران ونسيان ما آتاهم الله من نعمٍ وما أنجاهم من محن. أفهكذا يكون الجزاء؟ أينعم بكل أنواع النعم وينجى من كل كرب ثم ينسى له ذلك كله، ويعبد غيره؟ بل ويحارب دينه ورسوله؟ إذاً {فتمتعوا4} أيها الكافرون {فسوف تعلمون} عاقبة كفركم وإعراضكم عن طاعة الله وذكره وشكره. وقوله تعالى:{ويجعلون لما لا يعلمون نصنيباً مما رزقناهم} وهذا ذكرٌ لعيب آخر من عيوبهم وباطلٍ من باطلهم أنهم يجعلون لأوثانهم التي لا يعلمون عنها شيئاً من نفعٍ أو ضر أو اعطاء أو منع أو إماتة أو إحياء يجعلونها لها طاعةً للشيطان نصيباً وحظاً من أموالهم
1 لفظ الدّين هنا: صالح لأن يكون الطاعة يقال: دان فلان للملك: أطاعه وصالح لأن يكون الجزاء كقوله: {مالك يوم الدين} وصالح لأن يكون الديانة والكل لله. لا شريك له، فالطاعة واجبة له والجزاء هو الذي يملكه والديانة هو شارعها فهي له دون سواه.
2 فيه إشارة إلى بطلان إله الخير الذي يدين له المجوس الذين يقولون الخير من إله الخير، والشر من إله الشر.
3 وجائز أن تكون اللام: لام كي التعليلية.
4 الأمر للتهديد.
يتقربون به إليها فسيبوا لها السوائب، وبحروا لها البحائر من الأنعام، وجعلوا لها من الحرث والغرس كذلك كما جاء ذلك في سورة الأنعام والمائدة قبلها: وقوله تعالى: {تالله لتسئلن1 عما كنتم تفترون} أقسم الجبار لهم تهديداً لهم وتوعداً أنهم سيسألون يوم القيامة عما كانوا يفترون أي من هذا التشريع الباطل حيث يحرمون ويحللون ويعطون آلهتهم ما شاءوا وسوف يوبخهم عليه ويجزيهم به جهنم وبئس المهاد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير التوحيد بعبادة الله تعالى وحده. 2- وجوب الرهبة من الله دون سواه.
3-
وجوب الدين لله إذ هو الإله الحق دون غيره.
4-
كل نعمة بالعبد صغرت أو كبرت فهي من الله سبحانه وتعالى.
5-
تهديد المشركين إن أصروا على شركهم وعدم توبتهم.
6-
التنديد بالمشركين وتشريعهم الباطل بالتحليل والتحريم والإعطاء والمنع.
وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ
1 هذا سؤال توبيخ ويتم في عرصات القيامة أو في النار.
وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ (62)
شرح الكلمات:
ويجعلون لله البنات: إذ قالوا الملائكة بنات الله.
ولهم ما يشتهون: أي الذكور من الأولاد.
ظل وجهه مسوداً: أي متغيراً بالسواد لما عليه من كرب.
وهو كظيم: أي ممتلىء بالغم.
أم يدسه في التراب: أي يدفن تلك المولودة حية وهو الوأُد.
مثل السوء: أي الصفة القبيحة.
ولله المثل الأعلى: أي الصفة العليا وهي لا إله إلا الله.
أن لهم الحسنى: أي الجنة إذ قال بعضهم ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى.
وأنهم مفرطون: أي مقدمون إلى جهنم متروكون فيها.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان أخطاء المشركين في اعتقاداتهم وسلوكهم فقال تعالى: {ويجعلون1 لله البنات- سبحانه- ولهم ما يشتهون2} وهذا من سوء أقوالهم وأقبح اعتقادهم حيث ينسبون إلى الله تعالى البنات، إذ قالوا الملائكة بنات الله في الوقت الذي يكرهون نسبة البنات إليهم، حتى إذا بشر أحدهم بأنثى بأن أُخبر بأنه ولدت له بنت ظل نهاره كاملاً في غم وكرب {وجهه مسوداً وهو كظيم} 3 ممتلىء بالغم والهم. {يتوارى} أي يستتر ويختفي عن أعين الناس خوفاً من المعرة، وذلك {من سوء ما بشر به} وهو البنت وهو في ذلك بين أمرين إزاء هذا المبَشرَّ به: إما أن يمسكه. أن يبقيه في بيته بين
1 هذه الآية نزلت في خزاعة وكنانة إذ زعموا أنّ الملائكة بنات الله، وكانوا يقولون: ألحقوا البنات بالبنات.
(ما) موصولة، وهو وصلته مبتدأ في محل رفع، والخبر متعلّق الجار والمجرور أي: ثابت لهم.
3 الكظيم: مشتق من الكظامة وهو شدّ فم القربة، إذا الكظيم هو المغموم الذي يطبق فاه فلا يتكلّم من الغمّ.
أولاده {على هون} أي مذلة وهوان، وإما أن {يدسه في التراب} 1 أي يدفنه حياً وهو الوأد المعروف عندهم. قال تعالى مندداً بهذا الإجرام:{ألا ساء ما يحكمون} في حكمهم هذا من جهة نسبة البنات لله وتبرّئهم منها، ومن جهة وأْد البنات2 أو إذلالهن، قبح حكمهم الجاهلي هذا من حكم. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (57) وهي قوله:{ويجعلون لله البنات} حيث قالوا الملائكة بنات الله {سبحانه} أي نزه تعالى نفسه عن الولد والصاحبة فلا ينبغي أن يكون له ولد ذكراً كان أو أنثى لأنه رب كل شيء ومليكه فما الحاجة إلى الولد إذاً؟ والآية الثانية (58) وهي قوله تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى3 ظل وجهه مسوداً} أي أقام النهار كله مسود الوجه من الغم {وهو كظيم} أي ممتلىء بالغم والهم، {يتوارى من القوم من سوء ما بشر به} أي من البنت {أيمسكه على هونٍ أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون} وقوله تعالى:{للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء} يخبر تعالى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم منكروا البعث الآخر لهم المثل السوء4 أي الصفة السوء وذلك لجهلهم وظلمة نفوسهم لأنهم لا يعملون خيراً ولا يتركون شراً، لعدم إيمانهم بالحساب والجزاء فهؤلاء لهم الصفة السوأى في كل شيء، {ولله المثل5 الأعلى} أي الصفة الحسنى وهو أنه لا إله إلا الله منزه عن النقائص رب كل شيء ومالكه، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا شريك له ولا ند له ولا ولد وقوله:{وهو العزيز الحكيم} ثناء على نفسه بأعظم وصف العزة والقهر والغلبة لكل شيء والحكمة العليا في تدبيره وتصريفه شؤون عباده، وحكمه وقضائه لا إله إلا هو ولا رب سواه. وقوله تعالى في الآية (61){ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليهما6} أي على الأرض
1 دسّها: إخفاؤها في التراب عن الناس حتى لا تعرف، وفي الحديث:"من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له سترا من االنار يوم القيامة".
2 كانت مضر وخزاعة يدفنون البنات أحياء، وأشدهم في هذا تميم زعموا خوف القهر عليهن وطمع غير الأكفاء فيهن وكان صعصع بن ناجية عمّ الفرزدق إذا أحسّ بشيء من ذلك وجّه إلى والد البنت إبلا يستحييها بذلك، قال الفرزدق يفتخر:
وعمّىٍ الذي منع الوائدات
فأحيى الوئيد فلم يوأد
3 تكرّر شرح هذه الآية في التفسير سهواً وهو غير ضار.
4 أي: صفة السوء من الجهل والكفر.
5 إن قيل: كيف أضاف المثل هنا إلى نفسه عز وجل وقد قال {فلا تضربوا لله الأمثال} فالجواب: إنّ قوله: {فلا تضربوا لله الأمثال} معناه الأمثال التي توجب الأشباه والنقائص أي: لا تضربوا له مثلا يقتضي نقصاً وتشبيها بالخلق والمثل الأعلى هو وصفه تعالى بما لا شبيه له ولا نظير.
6 قال ابن مسعود رضي الله عنه وقرأ هذه الآية: لو آخذ الله الخلائق بذنوب المذنبين لأصاب العذاب جميع الخلق حتى الجعلان في جحرها، ولأمسك الأمطار من السماء والنبات من الأرض فماتت الدّواب ولكن الله يأخذ بالعفو والفضل كما قال {ويعفو من كثير} .
{من دابةٍ} أي نسمة تدب على الأرض من إنسانٍ أو حيوان فهذه علة عدم مؤاخذة الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم يفسدون ويجرمون وهذا الإهمال تابع لحكم عالية أشار إلى ذلك بقوله: {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} أي وقت معين محدد قد يكون نهاية عمر كل أحد، وقد يكون نهاية الحياة كلها فإذا جاء ذلك الأجل لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه أخرى ثم يجزيهم بأعمالهم السيئة بمثلها وما هو عز وجل بظلام للعبيد.
وآخر آية في هذا السياق (62) تضمنت التنديد بسوء حال الذين لا يؤمنون بالآخرة وذلك أنهم لجهلهم بالله وقبح تصورهم لظلمه نفوسهم أنهم يجعلون لله تعالى ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء وسب الرسول وازدرائه، ومع هذا يتبجحون بالكذب بأن لهم الحسنى أي الجنة يوم القيامة. فرد تعالى على هذا الافتراء والهُراء السخيف بقوله:{لا جرم} أي حقاً وصدقاً ولا محالة {أن لهم النار} بدل الجنة {وأنهم مفرطون1} إليها مقدمون متروكون فيها أبداً. هذا ما تضمنته الآية في قوله تعالى: {ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرَطون} 2 وإن قرئ مفرطون باسم الفاعل فهم حقاً مفرِطون في الشر والفساد والكفر والضلال والانحطاط إلى أبعد حد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان الحال الاجتماعية التي كان عليها المشركون وهي كراهيتهم للبنات خوف العار.
2-
بيان جهلهم بالرب تعالى فهم يؤمنون به ويجهلون صفاته حتى نسبوا إليه الولد والشريك.
3-
بيان العلة في ترك الظلمة يتمادون زمناً في الظلم والشر والفساد.
4-
بيان سوء اعتقاد الذين لا يؤمنون بالآخرة وهو أنهم ينسبون إلى نفوسهم الحسنى ويجعلون لله ما يكرهون من البنات والشركاء وسب الرسل وامتهانهم.
1 أفرط يفرط: إذا تقدّم لطلب الماء فهو مفرط وهم مفرطون، وعليه فقوله تعالى:{مُفرِطون} معناه يتقدّمون غيرهم إلى النار وهي قراءة ورش عن نافع وقرأ حفص مُفرَطون باسم المفعول ومعناه متروكون في النار منسيون فيها.
2 مفرِّطون: اسم فاعل من فرّط المضاعف إذا ضيّع الحقوق الواجبة عليه.