الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(63)
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)
شرح الكلمات:
تالله: أي والله.
أرسلنا إلى أمم من قبلك: أي رسلاً.
فزين لهم الشيطان أعمالهم: فكذبوا لذلك الرسل.
فهو وليهم اليوم: أي الشيطان هو وليهم اليوم أي في الدنيا.
إن في ذلك لآية: أي دلالة واضحة على صحة عقيدة البعث الآخر.
لآية لقومٍ يسمعون: أي سماع تدبر وتفهم.
لعبرةً: أي دلالة قوية يعبر بها من الجهل إلى العلم لأن العبرة من العبور.
من بين فرثٍ: أي ثَفَل الكِرْش، أي الرَّوْث الموجود في الكرش.
لبناً خالصاً: أي ليس فيه شيء من الفرث ولا الدم، لا لونه ولا رائحته ولا طعمه.
معنى الآيات:
يقسم الله تعالى بنفسه لرسوله فيقول بالله يا رسولنا {لقد أرسلنا} رسلاً {إلى أمم من قبلك} كانوا مشركين كافرين كأمتك {فزين لهم الشيطان أعمالهم} فقاوموا رسلنا
وحاربوهم وأصروا على الشرك والكفر فتولاهم الشيطان، لذلك {فهو وليهم اليوم1} ! أي في الدنيا {ولهم} في الآخرة {عذابٌ أليم} ، والسياق الكريم في تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا قال تعالى في الآية الثانية:{وما أنزلنا علمك الكتاب} أي لإرهاقك وتعذيبك ولكن لأجل أن تبين للناس الذي اختلفوا فيه من التوحيد والشرك والهدى والضلال. كما أنزلنا الكتاب هدىً يهتدى به المؤمنون إلى سبل سعادتهم ونجاحهم، ورحمةٌ تحصل لهم بالعمل به عقيدةً وعبادةً وخلقاً وأدباً وحكماً، فيعيشون متراحمين تسودهم الأخوة والمحبة وتغشاهم الرحمة والسلام.
بعد هذه التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاد السياق إلى الدعوة إلى التوحيد وعقيدة البعث والجزاء بعد تقرير النبوة المحمدية بقوله تعالى: {تالله لقد أرسلنا} الآية فقال تعالى: {والله أنزل من2 السماء ماء فأحيا بها الأرض بعد موتها} الماء هو ماء المطر وحياة الأرض بالنبات والزرع بعدما كانت ميتة لا نبات فيها وقوله {إن في ذلك} المذكور من إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض بعد موتها {لآية} واضحة الدلالة قاطعة على وجوده تعالى وقدرته، وعلمه ورحمته كما هو آية على البعث بعد الموت من باب أولى. وقوله تعالى:{وإن لكم في الأنعام3 لعبرةً} 4 أي حالاً تعبرون بها عن الجهل إلى العلم.. من الجهل بقدرة الله ورحمته ووجوب عبادته بذكره وشكره إلى العلم بذلك والمعرفة به فتؤمنوا وتوحدوا وتطيعوا. وبين وجه العبرة العظيمة فقال: {نسقيكم مما في بطونه5} أي بطون المذكور من الأنعام {من6 بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين} فسبحان ذي القدرة العجيبة والعلم الواسع والحكمة التي لا يقادر قدرها.. اللبن يقع بين الفرث والدم
1 الشيطان الذي ريّن للذين كفروا أعمالهم حتى ضلوا وهلكوا هو وليّ الذين كفروا اليوم يزيّن لهم أعمالهم ليضلّهم فيهلكوا كما هلك من قبلهم، وفي الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.
2 كون المسند فعلاً وهو: أنزل من السماء ماء أفاد التخصيص أي: الله وحده الذي أنزل من السماء ماء والمراد من السماء: السحاب.
3 هناك مناسبة ظاهرة بين الآيتين وهي: كما أنّ الأرض تحيى بماء السماء كذلك الإنسان يحيى بالألبان.
4 اسم جمع لكل جماعة من أحد أصناف الإبل والبقر والضأن والمعز والعبر: ما يتعظ به ويعتبر.
5 البطون: جمع بطن وهو اسم للجوف الحاوية للجهاز الهضمي كلَّه من معدة وكبد وأمعاء.
6 {من} زائدة لتوكيد التوسط أي: يفرز في حالة بين حالتي الفرث والدم وموقع: {من بين فرث ودم} موقع الصفة والموصوف: لبناً وقدّمت للاهتمام بها.
6 مفرِّطون: اسم فاعل من فرّط المضاعف إذا ضيّع الحقوق الواجبة عليه.
فينتقل الدم إلى الكبد فتوزعه على العروق لبقاء حياة الحيوان، واللبن يساق إلى الضرع، والفرث يبقى أسفل الكرش، ويخرج اللبن خالصاً من شائبة الدم وشائبة الفرث فلا يرى ذلك في لون اللبن ولا يشم في رائحته ولا يوجد في طعمه بدليل أنه سائغ للشاربين، فلا يغص به شارب ولا يشرق به، حقاً! انها عبرة من أجل العبر تنقل صاحبها إلى نور العلم والمعرفة بالله في جلاله وكماله، فتورثه محبة الله وتدفعه إلى طاعته والتقرب إليه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان ان الله يقسم بنفسه وبما شاء من1 خلقه.
2-
بيان أن الله أرسل رسلاً إلى أمم سبقت وأن الشيطان زين لها أعمالها فخذلها.
3-
تقرير النبوة وتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم من جراء ما يلقاه من المشركين.
4-
بيان مهمة رسول الله وأنها بيان ما أنزل الله تعالى لعباده من وحيه في كتابه.
5-
بيان كون القرآن الكريم هدىً ورحمة للمؤمنين الذين يعملون به.
6-
دليل البعث والحياة الثانية إحياء الأرض بعد موتها فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأموات بعد فنائهم وبلاهم.
وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
1 نحو: {والفجر} ، {والتين} وما إلى ذلك إلاّ أنّ بعض أهل العلم كمالك يرون أنّ المقسم به محذوف تقديره: وربّ الفجر، وربّ التين وهكذا.
شرح الكلمات:
ومن ثمرات النخيل والأعناب: أي ومن بعض ثمرات النخيل والأعناب ثمرٌ تتخذون1 منه سكراً أي خمرا ورزقاً حسناً أي والتمر والزبيب والخل والدبس الرزق الحسن.
وأوحى ربك إلى النحل: أي ألهمها أن تفعل ما تفعله بإلهام منه تعالى.
ومما يعرشون: أي يبنون لها.
سبل ربك ذللاً: أي طرق ربك مذللةً فلا يعسر عليك السير فيها ولا تضلين عنها.
شراب: أي عسل.
فيه شفاء للناس: أي من الأمراض إن شرب بنية الشفاء، أش بضميمته إلى عقار آخر.
إلى أرذل العمر: أي أخَسَّه من الهرم والخرف، والخرف فساد العقل.
معنى الآيات:
مازال السياق في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته الموجبة لعبادته وحده والمقررة لعقيدة النبوة والبعث الآخر. قال تعالى في معرض بيان ذلك بأسلوب الامتنان المقتضي للشكر {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً} ورزقاً حسناً أي ومن بعض ثمرات النخيل والأعناب ثمرٌ تتخذون منه سكراً أي شراباً مسكراً. وهذا كان قبل تحريم2 الخمر {ورزقاً حسناً} وهو الزبيب والخل من العنب والتمر والدبس العسل من النخل وقوله {ان في ذلك لآية لقوم يعقلون} أي أن فيما ذكرنا لكم لآية أي دلالة واضحة على قدرتنا وعلمنا ورحمتنا لقومٍ يعقلون الأمور ويدركون نتائج المقدمات، فذو القدرة والعلم والرحمة هو الذي يستحق التأليه والعبادة.. وقوله:{وأوحى ربك إلى النحل ان اتخذى من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون} هذا مظهر آخر عظيم من مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ورحمته يتجلى بإعلامه حشرة
1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: السكر ما حرم من ثمرتيهما والرزق الحسن، ما أحل من ثمرتيهما، وليست الخمر مقصورة على العنب والتمر فقد خطب عمر وقال:"أيّها الناس إن الله قد حرّم الخمر وهي من خمسة، من العنب والعسل والتمر والحنطة والشعير". والإجماع على أنّ كل مسِكر حرام.
2 إن قيل: هذا خبر، والنسخ لا يكون في الأخبار؟ فالجواب: إن تضمّن الخبر حكماً شرعياً جاز نسخه، ومن أدلة ذلك هذا الخبر ونسخه.
النحل كيف تلد العسل وتقدمه للإنسان فيه دواء من كل داء. فقوله {وأوحى ربك} أيها الرسول {إلى النحل1} بأن ألهمها {أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر} أيضاً بيوتاً، {ومما يعرشون2} أي ومما يعرش الناس لَكِ أي يبنون لك، اتخذي من ذلك بيوتاً لَكِ إذ النحلة تتخذ لها بيتاً داخل العريش الذي يعرش لها تبنيه بما تفرزه من الشمع وقوله تعالى:{ثم كلي من كل الثمرات} أي ألهمها أن تأكل من كل ما تحصل عليه من الثمرات من الأشجار والنباتات أي من أزهارها ونوارها وقوله لها {فاسلكي سبل ربك ذللاً} 3 بإلهام منه تسلك ما سخر لها وذلك من الطرق فتنتقل من مكان إلى آخر تطلب غذاءها ثم تعود إلى بيوتها لا تعجز ولا تضل وذلك بتذليل الله تعالى وتسخيره لها تلك الطرق فلا تجد فيها وعورة ولا تنساها فتخطئها. وقوله تعالى {يخرج من4 بطونها} أي بطون النحل {شراب} أي عسل يشرب {مختلف5 ألوانه} ما بين أبيض وأحمر وأسود، أو أبيض مشرب بحمرة أو يضرب إلى صفرة. وقوله تعالى:{فيه شفاء للناس} أي من الأدواء، هذا التذكير في قوله شفاء دال على بعض دون بعض جائز هذا حتى يضم إليه بعض الأدوية أو العقاير الأخرى، أمّا مع النية أي أن يشرب بنية الشفاء من المؤمن فإنه شفاء لكل داء وبدون ضميمة أي شيء آخر له. وفي حديث الصحيح وخلاصته أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم استطلاق بطن أخيه أي مشْي بطنه عليه فقال له اسقه العسل، فسقاه فعاد فقال ما أراه زاده إلا استطلاقا فعاد فقالت مثل ما قال أولاً ثلاث مرات وفي الرابعة أو الثالثة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه العسل فسقاه فقام كأنما نشط من عقال. وقوله تعالى:{إن في ذلك} أي المذكور من إلهام الله تعالى للنحل وتعليمها كيف تصنع العسل ليخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس لدلالة واضحة على
1 قيل: سمي النحل نحلا: لأن الله تعالى نحله العسل الذي خرج منه.
2 بيوت النحل في ثلاثة، في الجبال وكواها، ومتجوّف الأشجار، وما يعرش لها من الأجباح والخلايا والحيطان، وعرش يعرش: إذا بنى عريشا من الأغصان والخشب، ومن عجيب ما ألهم الله النحل أنه يجعل بيوته مسدسة الشكل.
3 اللّفظ صالح لأن يكون لفظ ذللا المراد به النحلة نفسها وذلل جمع ذلول وهي المنقادة المطيعة المسخرة، وصالح أن يكون المراد به الطرق التي تسلكها النحلة كما في التفسير.
4 روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في تحقير الدنيا: أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة وأشرف شرابه فيها رجيع نحلة.
5 بحسب تنويع الغذاء كما أن الطعم يختلف باختلاف المراعي ومن هذا المعنى قول زينب رضي الله عنها جرست نحله العرفط حين شبهت رائحته برائحة المغافير والعرفط شجر الطلح له صمغ كريه الرائحة.
علم الله وقدرته ورحمته وحكمته المقتضية عبادته وحده وتأليهه دون سواه ولكن لقوم يتفكرون في الأشياء وتكوينها وأسبابها ونتائجها فيهتدون إلى المطلوب منهم وهو أن يذكروا فيتعظوا فيتوبوا إلى خالقهم ويسلموا له بعبادته وحده دون سواه وقوله تعالى في الآية الأخرى (70){والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئاً} هذه آية أخرى أجل وأعظم في الدلالة على قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته، وهي موجبة لعبادته وحده وملزمة بالإيمان بالبعت الآخر فخلق الله تعالى لنا وحده وهو واحد ونحن لا يحصى لنا عد، ثم إماتته لنا موتاً حقيقياً بقبض أرواحنا ولا يستطيع أحد أن لا يموت ولا يتوفى أبداً ثم من مظاهر الحكمة أن يتوفانا من أجال مختلفة اقتضتها الحكمة لبقاء النوع واستمرار الحياة إلى نهايتها. فمن الناس من يموت طفلاً ومنهم من يموت شاباً، وكلها حسب حكمة الابتلاء والتربية الإلهية، وآية أخرى أن منا من يرد إلى أرذل عمره، أي أردأه وأخسَّه فيهرم ويخرف فيفقد ما كان له من قوة بدنٍ وعقل ولا يستطيع أحد أن يخلصه من ذلك إلا الله، مظهر قدرة ورحمة أرأيتم لو شاء الله أن يرد الناس كلهم إلى أرذل العمر ولو في قرنٍ أو قرنين من السنين فكيف تصبح حياة الناس يومئذ؟ وقوله:{إن الله عليم قدير} تقرير لعلمه وقدرته، إذ ما نتج وما كان ما ذكره من خلقنا ووفاتنا ورد بعضنا إلى أرذل العمر إلا بقدرة قادر وعلم عالم وهو الله العليم القدير.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان منة الله تعالى على العباد بذكر بعض أرزاقهم لهم ليشكروا الله على نعمه.
2-
بيان آيات الله تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته في خلق شراب الإنسان وغذائه ودوائه.
3-
فضيلة العقل والتعقل والفكر والتفكر.
4-
تقرير عقيدة الإيمان باليوم الآخر الدال عليه القدرة والعلم الإلهيين، إذ من خلق وأماتَ لا يستنكر منه أن يخلق مرة أخرى ولا يميت.
وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي