المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

2- إباحة أكل الحوت وكل دواب البحر. 3- لا زكاة في - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٣

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌ الرعد

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(14)

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌1

- ‌6

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(31)

- ‌(42)

- ‌(47)

- ‌ الحجر

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(26)

- ‌(34)

- ‌(45)

- ‌(89)

- ‌1

- ‌(14)

- ‌(20)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(63)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(94)

- ‌(98)

- ‌(119)

- ‌(125)

- ‌ الإسراء

- ‌1

- ‌(2)

- ‌(13)

- ‌(18)

- ‌(23)

- ‌(28)

- ‌(40)

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(66)

- ‌(85)

- ‌(96)

- ‌(105)

- ‌ الكهف

- ‌1

- ‌(13)

- ‌(22)

- ‌(32)

- ‌(45)

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(70)

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(83)

- ‌(102)

- ‌ 1:

- ‌ مريم

- ‌(8)

- ‌(16)

- ‌(22)

- ‌(46)

- ‌(51)

- ‌(59)

- ‌(64)

- ‌(66)

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(88)

- ‌ طه

- ‌(1)

- ‌(25)

- ‌(36)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(67)

- ‌(72)

- ‌(77)

- ‌(90)

- ‌(95)

- ‌(99)

- ‌(113)

- ‌(116)

- ‌(123)

- ‌ الأنبياء

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(16)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(59)

- ‌(78)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(98)

- ‌(105)

- ‌ الحج

- ‌1

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(14)

- ‌(18)

- ‌(42)

- ‌(47)

- ‌(58)

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(73)

- ‌ المؤمنون

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(23)

- ‌(27)

- ‌(39)

- ‌(45)

- ‌(51)

- ‌(57)

- ‌(63)

- ‌(78)

- ‌(93)

- ‌(108)

- ‌(112)

- ‌ النور

- ‌1

- ‌(4)

- ‌6

- ‌(23)

- ‌(30)

- ‌(35)

- ‌(39)

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌ الفرقان

- ‌1

- ‌(4)

- ‌(10)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(25)

- ‌(35)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(63)

- ‌ الشعراء

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(18)

- ‌(23)

- ‌(32)

- ‌(43)

- ‌(50)

- ‌(61)

- ‌(69)

- ‌(83)

- ‌(94)

- ‌(123)

- ‌(153)

- ‌(160)

- ‌(176)

- ‌(185)

- ‌(192)

- ‌(221)

الفصل: 2- إباحة أكل الحوت وكل دواب البحر. 3- لا زكاة في

2-

إباحة أكل الحوت وكل دواب البحر.

3-

لا زكاة في اللؤلؤ والمرجان لأنه من حلية النساء.

4-

المقارنة بين الحي الخلاق العليم، وبين الأصنام الميتة المخلوقة لتقرير بطلان عبادة غير الله تعالى لأن من يَخلُق ليس كمن لا يَخلَق.

5-

عجز الإنسان عن شكر نعم الله تعالى يتطلب منه أن يشكر ما يمكنه منها وكلمة (الحمد لله) تعد رأس الشكر والاعتراف بالعجز عن الشكر من الشكر، والشكر صرف النعم فيما من أجله أنعم الله تعالى بها.

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ‌

(20)

أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاء مَا يَزِرُونَ (25)

شرح الكلمات:

وهم يخلقون: أي يصورون من الحجارة وغيرها.

وما يشعرون أيان يبعثون: أي وما تشعر الأصنام ولا تعلم الوقت الذي تبعث فيه وهو يوم القيامة. ولا يبعث فيه عابدوها من دون الله.

ص: 107

قلوبهم منكرة: أي جاحدة للوحدانية والنبوة والبعث والجزاء.

وهم مستكبرون: لظلمة قلوبهم بالكفر يتكبرون.

لا جرم: أي حقاً.

أساطير الأولين: أي أكاذيب الأولين.

ليحملوا أوزارهم: أي ذنوبهم يوم القيامة.

ألا ساء ما يزرون: أي بئس ما يحملون من الأوزار.

معنى الآيات:

في هذا السياق مواجهة صريحة للمشركين بعد تقدم الأدلة على اشراكهم وضلالهم فقوله تعالى: {والذين يدعون من1 دون الله} أي تعبدونهم أيها المشركون {أموات غير أحياء} أي هم أموات إذ لا حياة لهم ودليل ذلك أنهم لا يسمعون ولا يبصرون ولا ينطقون، وقوله {وما يشعرون أيان يبعثون2} أي لا يعلمون3 متى يبعثون كما أنكم أنتم أيها العابدون لهم لا تشعرون متى تبعثون. فكيف تصح عبادتهم وهم أموات ولا يعلمون متى يبعثون للاستنطاق والاستجواب والجزاء على الكسب في هذه الحياة، وقوله {إلهكم إله واحد} هذه النتيجة العقلية التي لا ينكرها العقلاء وهي أن المعبود واحد لا شريك له، وهو الله جل جلاله، إذ هو الخالق الرازق المدبر المحي المميت ذو الصفات العلا والأسماء الحسنى، وما عداه فلا يخلق ولا يرزق ولا يُدبِّر ولا يحيى ولا يميت فتأليهه سفه وضلال، وبعد تقرير ألوهية الله تعالى وإثباتها بالمنطق السليم قال تعالى:{فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون} ذكر علة الكفر لدى الكافرين والفساد عند المفسدين وهي تكذيبهم بالبعث الآخر إذ لا يستقيم عبد على منهج الحق والخير وهو لا يؤمن باليوم الآخر يوم الجزاء على العمل في الحياة الدنيا، فأخبر تعالى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة لكل ما يسمعون من الحق الذي يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنبيه آيات القرآن الكريم، وهم مع إنكار قلوبهم لما يسمعون من الحق مستكبرون عن

1 قرأ عامة القراء {يدعون} بالتاء لأن ما قبله خطاب، وقرىء عن عاصم وحفص بالياء، وهي قراءة يعقوب أيضاً.

2 روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: تبعث الأصنام وتركب فيها الأرواح ومعها شياطينها فيتبرؤون من عبدتها، ثم يؤمر بالشياطين والمشركين إلى النار.

3 عبّر عنهم بصيغة من يعقل لأن المشركين يزعمون أنها تعقل عنهم وتشفع لهم عند الله تعالى، وتقرّبهم إلى الله زلفى.

ص: 108

قبول الحق والإذعان له. وقوله تعالى: {لا جرم1 أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين2} أي حقاً ان الله يعلم ما يسر أولئك المكذبون بالآخرة وما يعلنون وسيحصى ذلك عليهم ويجزيهم به لا محالة في يوم كانوا به يكذبون.. ويا للحسرة ويا للندامة!! وهذا الجزاء كان بعذاب النار متسبب عن بغض الله للمستكبرين وعدم حبه لهم، وقوله تعالى:{وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين3} يخبر تعالى عن أولئك المنكرة قلوبهم للوحي الإلهي وما جاء به رسول الله هؤلاء المستكبرون كانوا إذا سئلوا عن القرآن من قبل من يريد أن يعرف ممن سمع بالدعوة المحمدية فجاء من بلاد يتعرف عليها قالوا: {أساطير الأولين4} أخبار كاذبة عن الأولين مسطره عند الناس فهو يحكيها ويقول بها، وبذلك يصرفون عن الإسلام ويصدون عن سبيل الله، قال تعالى:{ليحملوا أوزارهم} أي تبعة آثامهم وتبعة آثام من صدوهم عن سبيل الله كاملة غير منقوصة يوم القيامة، وهم لا يعلمون ذلك ولكن الحقيقة هي: ان من دعا إلى ضلالة كان عليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزار من عملها شيء، وكذا من دعا إلى5 هدى فله أجر من عمل به من غير أن ينقص من أجر العامل به شيء. وقوله تعالى:{ألا ساء ما يزرون} أي قُبح الوزر الذي يزرونه فإنه قائدهم إلى النار موبقهم في نار جهنم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

بطلان الشرك وتقرير التوحيد.

2-

التكذيب باليوم الآخر والبعث والجزاء هو سبب كل شر وفساد يأتيه العبد.

1 {لا جرم} : كلمة تحقيق ولا تكون إلا جواباً، يقال: فعلوا كذا وكذا فيجاب بكلمة لا جرم أنهم سيندمون.

2 أي: فهو لا يثيبهم ولا يثني عليهم خيراً، وفي الحديث الصحيح:"إن المستكبرين يحشرون أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبّرهم". قالت العلماء: كل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه إلا الكبر، وهو أصل العصيان كله.

3 قيل: إن الآية نزلت في النضر بن الحارث وهو القائل: أساطير الأولين. والآية تشمله وغيره ممن قال ويقول هذه الكلمات الكاذبة الباطلة.

4 الأساطير: الأباطيل، والترهات، و {أساطير الأولين} : خبر والمبتدأ الذي أنزله أي: الذي أنزله أساطير الأوّلين.

5 وفي الصحيح شاهد هذا فقد روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".

ص: 109

3-

التنديد بجريمة الاستكبار عن الحق والإذعان له.

4-

بيان إثم وتبعة من يصد عن سبيل الله بصرف الناس عن الإسلام.

5-

بيان تبعة من يدعو إلى ضلالة فإنه يتحمل وزر كل من عمل بها.

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ

ص: 110

أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (34)

شرح الكلمات:

من قبلهم: أي من قبل كفار قريش بمكة كالنمرود وغيره.

فأتى الله بنيانهم: أي قصد إليه ليدمره فسلط عليه الريح والزلزلة فسقط من أسسه.

وخر عليهم السقف: أي سقط لتداعي القواعد وسقوطها.

كنتم تشاقون فيهم: أي تخالفون المؤمنين فيهم بعبادتكم إياهم وجدالكم عنه، وتشاقون الله بمخالفتكم إياه بترك عبادته وعبادتكم إياها.

وقال الذين أوتوا العلم: أي الأنبياء والمؤمنون.

ظالمي أنفسهم: بالشرك والمعاصي.

فألقوا السلم: أي استسلموا وانقادوا.

فلبئس مثوى المتكبرين: مثوى المتكبرين: أي قبح منزل المتكبرين في جهنم مثلاً.

وقيل للذين اتقوا: أي اتقوا الشرك والمعاصي.

للذين أحسنوا: أي أعمالهم وأقوالهم ونياتهم فأتوْا بها وفق مراد الله تعالى.

حسنة: أي الحياة الطيبة حياة العز والكرامة.

ولنعم دار المتقين: أي الجنة دار السلام.

طيبيين: أي الأرواح بما زكوها به من الإيمان والعمل الصالح. وبما أبعدوها عنه من الشرك والمعاصي.

يقولون سلام عليكم: أي يقول لهم ملك الموت "عزرائيل " وأعوانه.

هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة: أي لقبض أرواحهم وعند ذلك يؤمنون.

أو يأتي أمر ربك: أي بالعذاب أو بقيام الساعة وحشرهم إلى الله عز وجل.

وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: أي نزل بهم العذاب وأحاط بهم وقد كانوا به يستهزئون.

ص: 111

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم مع كفار قريش في تذكيرهم وتبصرهم بما هم فيه من الجهالة والضلالة. فيقول تعالى: {قد مكر الذين من قبلهم} أي من قبل مكر كفار قريش وذلك كالنمرود وفرعون وغيرهم من الجبابرة الذين تطاولوا على الله عز وجل ومكروا برسلهم، فالنمرود ألقى بإبراهيم في النار، وفرعون قال ذروني اقتل موسى وليدع ربه.. وقوله:{فأتى الله بنيانهم من القواعد} أي أتاه أمر الله بهدمه وإسقاطه على الظلمة الطغاة {فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون1} . وذهب باطلهم وزال مكرهم. ألم يتعظ بهذا كفرة قريش وهم يمكرون بنبيهم ويبيَّتون له السوء بالقتل أو النفي أو الحبس؟ وقوله تعالى: {ثم يوم القيامة يخزيهم} أي يهينهم ويذلهم ويوبخهم بقوله: {أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم2} أي أصنامكم وأوثانكم الذين كنتم تخالفوني بعبادتكم إياهم دوني كما تشاقون أوليائي المؤمنين أي تخالفونهم بذلك وتحاربونهم فيه. وهنا يقول الأشهاد والذين أوتوا العلم من الأنبياء والعلماء الربانيين: {إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين} أي إن الذل والهون والدون على الكافرين. وقوله تعالى: {الذين تتوفاهم3 الملائكة ظالمي أنفسهم} بالشرك والمعاصي ومن جملة المعاصي ترك الهجرة والبقاء بين ظهراني الكافرين والفساق المجرمين حيث لا يتمكن المؤمن من عبادة الله تعالى بترك المعاصي والقيام بالعبادات. وقوله {فألقوا السلم} أي عند معاينتهم ملك الموت وأعوانه أي استسلموا وانقادوا وحاولوا الاعتذار بالكذب وقالوا {ما كنا نعمل من سوء} فترد عليهم الملائكة قائيلين: {بلى} أي كنتم تعملون السوء {إن الله عليم بما كنتم تعملون} ويقال لهم أيضاً {فادخلوا أبواب جهنم} أي أبواب طبقاتها {خالدين فيها فلبئس} جهنم {مثوى} أي مقاماً ومنزلاً {للمتكبرين} عن عبادة الله وحده. وقوله تعالى: {وقيل للذين اتقوا} أي ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه في أمره ولا نهيه وأطاعوا رسوله كذلك: {ماذا أنزل ربكم} أي إذا سألهم من أتى مكة يتعرف على ما بلغه من

1 أي: من حيث ظنوا أنهم في أمان، وقال ابن عباس يعني البعوضة التي أهلك الله تعالى بها النمرود الكنعاني.

2 قرىء {تشاقون} بفتح النون وبكسرها على الإضافة، كما قرأ شركائي ابن كشر: شركاي بفتح الياء وبدون همزة.

3 قيل: الآية نزلت في الذين تركوا الهجرة إلى المدينة وبقوا في مكة يزاولون أعمال الشرك خوفاً من المشركين، ومن بينهم الذين لمّا رأوا قلّة المؤمنين رجعوا إلى الشرك.

ص: 112

دعوة الإسلام فيقولون له: {خيراً} أي أنزل خيراً لأن القرآن خير وبالخير نزل بخلاف تلاميذ المشركين يقولون أساطير الأولين كما تقدم في هذا السياق.

كما ذكر تعالى جزاء الكافرين وما يلقونه من العذاب في نار جهنم وهم الذين أساءوا في هذه الحياة الدنيا إلى أنفسهم بشركهم بالله ومكرهم وظلمهم للمؤمنين، ذكر جزاء المحسنين. فقال:{للذين أحسنوا} أي آمنوا وعملوا الصالحات متبعين شرع الله في ذلك فأخلصوا عبادتهم لله تعالى ودعوا الناس إلى عبادة الله وحثوهم على ذلك فكانوا بذلك محسنين لأنفسهم ولغيرهم لهؤلاء الذين أحسنوا في الدنيا {حسنة} وهي الحياة الطيبة حياة الطهر والعزة والكرامة1، ولدار الآخرة خيرٌ لهم من دار الدنيا مع ما فيها من حسنة وقوله تعالى:{ولنعم دار المتقين} ثناء ومدح لتلك الدار الآخرة لما فيها من النعيم المقيم وإضافتها إلى المتقين باعتبار أنهم أهلها الجديرون بها إذ هي خاصة بهم ورثوها بإيمانهم وصالح أعمالهم بتركهم الشرك والمعاصي.

وقوله تعالى: {جنات2 عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون} هو وصف وبيان لدار المتقين فأخبر أنها جنات جمع جنة وهي البستان المشتمل على الأشجار والأنهار والقصور وما لذ وطاب من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمراكب وقوله تعالى: {لهم فيها ما يشاءون} هذا نهاية لإكرام والإنعام إذ كون العبد يجد كل ما يشتهي ويطلب هو نعيم لا مزيد عليه وقوله تعالى: {كذلك يجزي الله المتقين} أي كهذا الجزاء الحسن العظيم يجزي الله المتقين في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين3} أي طاهري الأرواح لأرواحهم ريح طيبة ثمرة إيمانهم وصالح أعمالهم ونتيجة بعدهم عما يدنس أنفسهم من أوضار الشرك وعفن المعاصي. وقوله: {يقولون} أي تقول لهم الملائكة وهم ملك الموت وأعوانه {سلام عليكم} 4 تحييهم وفي ذلك بشارة لهم برضا ربهم وجواره الكريم. {ادخلوا الجنة} بأرواحهم اليوم

1 مع الفتح والنصر والغنائم أيضاً إذ الكل حسنة عظيمة.

2 {جنات عدن} : بدل من قوله: (دار المتقين) .

3 طيّبين بإيمانهم وعملهم الصالح وبعدهم عن الشرك والمعاصي ووفاتهم أيضاً طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم بخلاف ما تقبض به أرواح أهل الكفر والشرك والفساد.

4 قال ابن المبارك: إذا استقنعت نفس العبد المؤمن "أي: اجتمعت في فيه تريد الخروج" جاءه ملك الموت فقال له: السلام عليك وليَّ الله الله يقرأ عليك السلام، ثم قرأ هذه الآية:{الذين تتوفاهم الملائكة} الخ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن قال: ربّك يقرئك السلام.

ص: 113

وبأجسامهم غداً يوم القيامة. وقوله {بما كنتم تعملون} أي بسبب ما كنتم تعملونه من الطاعات والمسابقة في الخيرات بعد عمل قلوبكم بالإيمان واليقين والحب في الله والبغض فيه عز وجل والرغبة والتوكل عليه. هذا ما تضمنته الآيات (31، 32) وأما الآيات بعد ذلك فيقول الله مستبطئاً إيمان قريش وتوبتهم بعد تلك الحجج والبراهين والدلائل والبينات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى وجوب التوحيد وبطلان الشرك وعلى الإيمان باليوم الآخر. {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} أي ما ينظرون بعد هذا إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم {أو يأتي أمر ربك} بإبادتهم واستئصالهم، إذ لم يبق ما ينتظرونه إلا أحد هذين الأمرين وكلاهما مر وشر لهم. وقوله تعالى:{كذلك فعل الذين من قبلهم} من كفار الأمم السابقة فحلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه فأهلكهم. {وما ظلمهم الله} تعالى في ذلك أبداً {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} بإصرارهم على الشرك والعناد والمجاحدة والمكابرة {فأصابهم سيئات} أي جزاء سيئات {ما عملوا} من الكفر والظلم {وحاق بهم} أي نزل بهم وأحاط بهم {ما كانوا به يستهزئون} إذ كانت رسلهم إذا خوفتهم من عذاب الله سخروا منهم واستهزأوا بالعذاب واستخفوا به حتى نزل بهم والعياذ بالله تعالى.

من هداية الآيات:

1-

سوء عاقبه المكر وأنه يحيق بأهله لا محالة والمراد به المكر السيء.

2-

بيان خزي الله تعالى يوم القيامة لأهل الشرك به والمعاصي له ولرسوله.

3-

فضل أهل العلم إذ يتخذ منهم شهداء يوم القيامة ويشمتون بأهل النار.

4-

بان استسلام الظلمة عند الموت وانهزامهم وكذبهم.

5-

تقرير معتقد البعث والحياة الآخرة بأروع أسلوب وأحكمه وأمتنه.

آ- إطلاق لفظ خير على القرآن وهو حق خير فالذي أوتي القرآن أوتي الخير كله، فلا ينبغي أن يرى أحداً من أهل الدنيا خيراً منه وإلا سخط نعمة الله تعالى عليه.

7-

سعادة الدارين لأهل الإحسان وهم أهل الإيمان والإسلام والإحسان في إيمانهم بالإخلاص وفي إسلامهم بموافقه الشرع ومراقبة الله تعالى في ذلك.

ص: 114

8-

بشرى أهل الإيمان والتقوى عند الموت، وعند القيام من القبور بالنعيم المقيم في جوار رب العالمين.

9-

إعمال القلوب والجوارح سبب في دخول الجنة وليست ثمناً لها لغلائها، وإنما الأعمال تزكي النفس وتطهر الروح وبذلك يتأهل العبد لدخول الجنة.

10-

ما ينتظر المحرمون بإصرارهم على الظلم والشر والفساد إلا العذاب، عاجلاً أو آجلاً فهو نازل بهم حتما مقضياً إن لم يبادروا إلى التوبة الصادقة.

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (40)

ص: 115

شرح الكلمات:

وقال الذين أشركوا: هم كفار قريش ومشركوها.

ولا حرمنا من دونه من شيء: كالسوائب والبحائر والوصائل والحامات.

فهل على الرُّسل إلا البلاغ: أي ما على الرُّسل إلا البلاغ فالاستفهام للنفي.

واجتنبوا الطاغوت: أي عبادة الأصنام والأوثان.

حقت عليه الضلالة: أي وجبت في علم الله أزلا.

جهد أيمانهم: أي غايتها حيث بذلوا جهدهم فيها مبالغة منهم.

بلى وعداً عليه حقاً: أي بلى يبعث من يموت وقد وعد به وعداً وأحقه حقاً. فهو كائن لا محالة.

يختلفون فيه: أي بين المؤمنين من التوحيد والشرك.

انهم كانوا كاذبين: أي في قولهم "لا نبعث بعد الموت".

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحجاج مع مشركي قريش فيقول تعالى مُخْبراً عنهم {وقال الذين أشركوا} أي مع الله آلهةً أخرى وهي أصنامهم كهبل واللات والعُزَّى وقالوا لو شاء الله عدم إشراكنا به ما أشركنا نحن ولا آباؤنا، ولا حرمنا من دون تحريمه شيئاً فهل قالوا هذا إيمانا بمشيئة الله تعالى، أو قالوه استهزاء وسخرية دفاعاً عن شركهم وشرعهم الباطل في التحريم والتحليل بالهوى، والأمران محتملان. والرد عليهم بأمرين أولهما ما دام الله قد نهاهم عن الشرك والتشريع فإن ذلك أكبر دليل على تحريمه تعالى لشركهم ومحرماتهم من السوائب والبحائر وغيرها وثانيهما كونه لم يعذبهم عليها بعد ليس دليلاً على رضاه بها بدليل أن من سبقهم من الأمم والشعوب الكافرة قالوا قولتهم هذه محتجين به على باطلهم فلم يلبثوا حتى أخذهم الله، فدل ذلك قطعاً على عدم رضاه بشركهم وشرعهم إذ قال تعالى في سورة الأنعام رداً على هذه الشبهة كذلك قال الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا أي عذاب انتقامنا منهم لما كذبوا رسلنا وافتروا علينا. وقوله تعالى: {كذلك فعل الذين1

1 الإشارة بذلك إلى الإشراك وتحريمهم أشياء من تلقاء أنفسهم أي: كفعل هؤلاء فعل الذين من قبلهم ممن مكروا برسلهم وأهلكم الله جل جلاله.

ص: 116

من قبلهم} من الأمم السابقة قالوا قول هؤلاء لرسلهم وفعلوا فعلهم حتى أخذهم الله بالعذاب. وقوله {فهل1 على الرسل2 إلا البلاغ المبين} أي ليس على الرسول إكراه المشركين على ترك الشرك ولا إلزامهم بالشرع وإنما عليه أن يبلغهم أمر الله تعالى ونهيه لا غير.. فلذا كان في الجملة تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر حتى يبلغ دعوة ربه وينصره على أعدائه. هذا ما دلت عليه الآية الأولى في هذا السياق (35) وقوله في الآية الثانية (36){ولقد بعثنا3 في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} فأخبر تعالى بأنه ما أخلى أمة من الأمم من إرسال رسول إليها لهدايتها وبيان سبيل نجاتها وتحذيرها من طرق غوايتها وهلاكها. كما أخبر عن وحدة الدعوة بين الرسل وهي لا إله إلا الله المفسره بعبادة الله تعالى وحده، واجتناب الطاغوت وهو كل ما عبد من دون الله مما دعا الشيطان إلى عبادته بالتزيين والتحسين عن طريق الوسواس من جهة ومن طريق أوليائه من4 الناس من جهة أخرى.

وقوله تعالى: {فمنهم} أي من الأمم المرسل إليهم {من هدى الله} فعرف الحق واعتقده وعمل به فنجا وسعد، {ومنهم من حقت عليه الضلالة5} أزلاً في كتاب المقادير لأنه أصر على الضلال وجادل عنه وحارب من أجله باختياره وحريته فحرمه الله لذلك التوفيق فضلَّ ضلالاً لا أمل في هدايته. وقوله تعالى:{فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} أمرٌ لكفار قريش المجادلين بالباطل المحتجين على شركهم وشرعهم الباطل أمرٌ لهم أن يسيروا في الأرض جنوباً أو شمالاً فينظروا كيف كانت عاقبة المكذبين أمثالهم من أمة عاد في الجنوب وثمود في الشمال، ومدين ولوط وفرعون في الغرب. وقوله تعالى في تسلية رسوله والتخفيف من الهمَّ عنه:{إن تحرص} يا رسولنا

1 الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، ولذا جاء الإسلام بعده أي: ما على الرسل إلا البلاغ، أي: ليس عليهم هداية الخلق إذ لا يملكون ذلك ولم يكلفوا به وإنما كلفوا بالبلاغ والبيان.

2 في الآية: {فهل على الرسل

} تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتعليم وفيها أيضاً التحريض بإبلاغ المشركين.

3 هذا الكلام معطوف على قوله: {كذلك فعل الذين من قبلهم} متضمن بياناً لسنة الله تعالى في إرسال الرسل لإحقاق الحق وإبطال الباطل ونصر المؤمنين، وهلاك الكافرين المكذبين.

4 أولياء الشيطان: هم الكهان ودعاة الضلال الذين يصدّون عن سبيل الله بتزيين الباطل وتحسين الشرك والخرافة.

5 في هذا ردّ على القدرية نفاة القدر إذ معنى: {حقت} : وجبت له أزلا في كتاب المقادير.

ص: 117

{على هداهم} أي هدايتهم إلى الحق {فإن الله لا يهدي من يضل1} فخفف على نفسك وهون عليها فلا تأسف ولا تحزن وادع إلى ربك في غير حرص يضر بك وقوله {لا يهدي من يضل} أي لا يقدر أحد أن يهدي من أضله الله، لأن اضلال الله تعالى يكون على سنن خاصة لا تقبل التبديل ولا التغيير لقوة سلطانه وسعة عمله. وقوله {وما لهم من ناصرين} أي وليس لأولئك الضلال الذين أضلهم الله حسب سنته من ناصرين ينصرونهم على ما سينزل بهم من العذاب وما سيحل بهم من خسرانٍ وحرمان. وقوله تعالى في الآية (38){وأقسموا بالله جهد2 أيمانهم لا يبعث الله من يموت} اخبار عن قول المشركين والمكذبين باليوم الآخر أصحاب القلوب المنكرة، ومعنى {أقسموا بالله جهد أيمانهم3} أي حلفوا أشد الإيمان إذ كانوا في الأمور التافهة يحلفون بآلهتهم وآبائهم. وإذا كان الأمر ذا خطر وشأن أقسموا بالله وبالغوا في الإقسام حتى يبلغوا جهد أيمانهم والمحلوف عليه هو أنهم إذا ماتوا لا يبعثون أحياء فيحاسبون ويجزون فرد الله تعالى عليهم بقوله {بلى} أي تبعثون وعد الله حقاً فلا بد ناجز {ولكن أكثر الناس لا يعلمون4} فلذا ينفون البعث وينكرونه لجهلهم بأسرار الكون والحياة وعلل الوجود والعمل فيه فلذا أشار الله تعالى إلى بعض تلك العلل في قوله:{ليبين لهم الذي يختلفون فيه} فلولا البعث الآخر ما عرف المُحق من المبطل في هذه الحياة والخلاف سائد ودائم بين الناس. هذا أولاً. وثانياً: {وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين5} في اعتقاداتهم وأعمالهم ونفيهم الحياة الثانية للجزاء على العمل في دار العمل هذه أما استبعادهم البعث بعد الموت نظرا إلى وسائلهم ووسائطهم الخاصة بهم فقد أخبرهم تعالى بأن الأمر ليس كما تقدرون أنتم وتفكرون: إنه مجرد ما تتعلق إرادتنا بشيء نريد أن يكون، نقول له كن

1 قرىء في السبع {يهدي} بضم الياء مبنياً للمجهول وقرىء: {يهدي} بفتح الياء مبنياً للمعلوم وقراءة لا يهدي هي التي فسر بها في التفسير. وقراءة يهدي، أي: أن الله إذا كتب على عبد شقاء لا يهديه للخلاص منه.

2 روي أن رجلاً من المسلمين كان له دَين على مشرك فقاضاه منه وقال في بعض كلامه: والذي أرجوه بعد الموت، أنه لكذا وكذا فأقسم المشرك بالله: لا يبعث الله من يموت، فنزلت الآية.

3 ذكر القرطبي عن قتادة أن رجلاً قال لابن عباس: إنّ ناسا يزعمون أنّ علياً مبعوث بعد الموت قبل الساعة يتأوّلون هذه الآية فقال ابن عباس: كذب أولئك إنما هذه الآية عامة للناس فلو كان عليَّ مبعوثاً قبل يوم القيامة ما نكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه.

4 روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى كذّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك".

5 أي: في نفيهم البعث وإقسامهم على عدم وقوعه، وفي إنكارهم التوحيد والنبوّة أيضاً.

ص: 118