الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ
(19)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)
شرح الكلمات:
كمن هو أعمى: أي لا يرى الحق ولا يعلمه ولا يؤمن به.
أولوا الألباب: أي أصحاب العقول.
يصلون ما أمر الله به أن يوصل: أي من الإيمان والتوحيد والأرحام.
ويدرءون بالحسنة: أي يدفعون بالحلم الجهل، وبالصبر الأذى.
عقبى الدار: أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة.
جنات عدن: أي جنات إقامة دائمة.
معنى الآيات:
لقد تضمنت هذه الآيات مقارنة ومفاضلة بين شخصيتين: الأولى شخصية مؤمن صالح كحمزة بن عبد المطلب والثانية شخصية كافر فاسد كأبي جهل المخزومي وبين ما
لهما من جزاء في الدار الآخرة، مع ذكر صفات كل منهما، تلك الصفات المقتضية لجزائهما في الدار الآخرة قال تعالى:{أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق} فيؤمن به بعد العلم ويستقيم على منهجه في عقيدته وعبادته ومعاملاته وسلوكه كله. هذه الشخصية الأولى {كمن هو أعمى1} لم يعلم الحق ولم يؤمن به ولم يعمل بما أنزل إلى الرسول من الشرع..
والجواب قطعاً أنهما لا يستويان ولا يكونان في ميزان العدل والحق متساويين وقوله تعالى: {إنما يتذكر أولو الألباب} أي يتعظ بمثل هذه المقارنة أصحاب العقول المدركة للحقائق والمفرقة بين المتضادّات كالحق والباطل والخير والشر والنافع والضار. وقوله تعالى: {الذين يوفون} هذا مشروع في بيان صفاتهم المقتضية إنعامهم وإكرامهم نذكر لهم ثماني صفات هي كالتالي: (1) الوفاء بالعهود وعدم نقضها: {الذين يوفون بعهد2 الله ولا ينقضون الميثاق} 3 إذ لا دين لمن لا عهد له. (2) وصل ما أمر الله به أن يوصل من الإيمان والإسلام والإحسان والأرحام: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} . (3) خشية الله المقتضية لطاعته: {ويخشون ربهم} . (4) الخوف من سوء الحساب يوم القيامة المقتضي لمحاسبة النفس على الصغيرة والكبيرة: {ويخافون سوء الحساب} . (5) الصبر طلبا لمرضاة الله على الطاعات وعن المعاصي، وعلى البلاء:{والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم} . (6) إقامة الصلاة وهي أداؤها في أوقاتها جماعة بكامل الشروط والأركان والسنن والآداب: {وأقاموا الصلاة} . (7) الإنفاق مما رزقهم الله في الزكاة والصدقات الواجبة والمندوبة: {وأنفقوا مما رزقناهم} . (8) دفع السيئة بالحسنة فيدرءون سيئة الجهل عليهم بحسنة العلم، وسيئة الأذى بحسنة4 الصبر.
وقوله تعالى: {أولئك لهم عقبى الدار} أي العاقبة المحمودة وفسرها بقوله (جنات عدن} أي إقامة لا ظعن منها يدخلونها هم {ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم}
1 المراد من العمى هنا: عمى القلب لا عمى البصر، والجهل هو سبب العمى.
2 العهد هنا: اسم جنس إذ المراد الوفاء بكافة عهود الله تعالى وهي أوامره ونواهيه التي وصي بها عباده.
3 الميثاق هنا: أيضاً اسم جنس يدخل فيه كل المواثيق أي: إذا عقدوا في طاعة الله عهداً لم ينقضوه، قال قتادة: ورد النهي عن نقض الميثاق في بضع وعشرين آية.
4 وسيئة المعصية بالتوبة منها. واللفظ العام الشامل هو أنهم يدفعون بالعمل الصالح كل عمل فاسد.
والصلاح هنا الإيمان والعمل الصالح. وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} هذا عند دخولهم الجنة تدخل عليهم الملائكة تهنئهم بسلامة الوصول وتحقيق المأمول وتسلم عليهم قائلة: {سلام عليكم بما صبرتم} أي بسبب صبركم والإيمان والطاعة {فنعم عقبى الدار} 1. هذه تهنئة الملائكة لهم وأعظم بها تهنئة وأبرك بها بركة اللهم اجعلني منهم ووالدي وأهل بيتي والمسلمين أجمعين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
المؤمن حيّ يبصر ويعلم ويعمل والكافر ميت أعمى لا يعلم ولا يعمل.
2-
الاتعاظ بالمواعظ يحصل لذي عقل راجح سليم.
3-
فضل هذه الصفات الثمانية المذكورة في هذه الآيات. أولها الوفاء بعهد الله وآخرها درء السيئة بالحسنة.
4-
تفسير عقبى الدار2 وأنها الجنة.
5-
بيان أن الملائكة تهنىء أهل الجنة عند دخولهم وتسلم عليهم.
وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَاّ مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ
1 جائز أن يكون معنى عقبى الدار: الجنسة وجائز أن يكون عقبى الدار: دار الدنيا إذ عقباها الدار الآخرة وفيها الجنة، إذا كانوا في دار الدنيا يعملون الصالحات فورثهم الله الجنة فكانت عقبى الدنيا إذ عقبى الدار بمعنى عاقبتها.
2 أي: فعقبى دار الدنيا الجنة هذا كقوله والعاقبة للتقوى، وقوله {ولنعم دار المتقين} أي الجنة.
قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
شرح الكلمات:
والذين ينقضون عهد الله: أي يحلونه ولا يلتزمون به فلم يعبدوا ربهم وحده.
ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل: أي من الإيمان والأرحام.
ويفسدون في الأرض.: أي بترك الصلاة ومنع الزكاة، وبارتكاب السيئات وترك الحسنات.
لهم اللعنة: أي البعد من رحمة الله تعالى.
ولهم سوء الدار: أي جهنم وبئس المهاد.
ويقدر: أي يضيق ويقتر.
إلا متاع: قدر يسير يمتع به زمناً ثم ينقضي.
طوبى لهم وحسن مآب: أي لهم طوبى شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو دار السلام.
معنى الآيات:.
قوله تعالى: {والذين ينقضون} الآيات، هذا هو الطرف المقابل أو الشخصية الثانية وهو من لم يعلم ولم يؤمن كأبي جهل المقابل لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ذكر تعالى هنا صفاته الموجبة لعذابه وحرمانه فذكر له ولمن على شاكلته الصفات التالية:
(1)
نقض العهد فلم يعبدوا الله ولم يوحدوه وهو العهد الذي أخذ عليهم في عالم الأرواح: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} .
(2)
قطع ما أمر الله به أن يوصل من الإيمان1 وصلة الأرحام: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} .
1 أي بسائر الأنبياء فلا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض كاليهود والنصارى.
(3)
الإفساد في الأرض بالشرك والمعاصي: {ويفسدون في الأرض1} ، بهذه الصفات استوجبوا هذا الجزاء، قال تعالى:{أولئك لهم اللعنة} أي البعد من الرحمة {ولهم سوء2 الدار} أي جهنم وبئس المهاد، وقوله تعالى:{الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا، وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه وهي أنه يبسط الرزق أي يوسعه على من يشاء امتحانا هل يشكر أم يكفر ويضِّيق ويقتِّر على من يشاء ابتلاء هل يصبر أو يجزع، وقد يبسط الرزق لبعض إذ لا يصلحهم إلا ذاك، وقد يضيق على بعض إذ لا يصلحهم إلا ذاك، فلن يكون الغنى دالاً على رضى الله، ولا الفقر دالاً على سخطه تعالى على عباده، وقوله:{وفرحوا بالحياة الدنيا} أي فرح أولئك الكافرون بالحياة الدنيا لجهلهم بمقدارها وعاقبتها وسوء آثارها وما الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما أعد الله لأوليائه وهم أهل الإيمان به وطاعته إلا متاع قليل كَكَفِّ التمر أو قرص الخبز يعطاه الراعي غذاء له طول النهار ثم ينفد، وقوله تعالى في الآية (27) :{ويقول الذين كفروا لولا أنزل3 عليه آية من ربه} فقد تقدم مثل هذا الطلب من المشركين وهو مطالبة المشركين النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون له آية كناقة صالح أو عصا موسى ليؤمنوا به وهم في ذلك كاذبون فلم يحملهم على هذا الطلب إلا الاستخفاف والعناد وإلا آيات القرآن أعظم من آية الناقة والعصا، فلذا قال تعالى لرسوله:{قل إن الله يضل من يشاء} إضلاله ولو رأى وشاهد ألوف الآيات {4ويهدي إليه من أناب} لو لم ير آية واحدة إلا أنه أناب إلى الله فهداه إليه وقبله وجعله من أهل ولايته، وقوله تعالى في الآية (28){الذين5 آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله} أولئك الذين أنابوا إليه تعالى إيماناً وتوحيداً فهداهم إليه صراطاًمستقيماً هؤلاء تطمئن قلوبهم أي تسكن وتستأنس بذكر الله وذكر وعده وذكر صالحي عباده محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقوله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن
1 أي بالشرك وارتكاب المعاصي.
2 أي سوء المنقلب وهو جهنم.. قال سعد ابن أبي وقاص: والله الذي لا إله إلاّ هو أنهم الحرورية: بمعنى الخوارج.
3 المطالبون بالآيات المقترحون لها على رسول الله صلى الله عليه وسلم. من بينهم عبد الله بن أمية وأصحابه.
4 الضمير في قوله: {ويهدي إليه من أناب} : يعود على الحق أو الإسلام أو الله عز وجل. أي يهدي إلى جنته وطاعته من رجع إليه بقلبه والكل صالح ومراد.
5 الذين: في محل نصب لأنه مفعول يهدي، وتصح أن بكون بدلاً من قوله:{أناب} وذكر الله هو ذكره بألسنتهم وبقلوبهم وهو يشمل ذكر الوعد والوعيد وكمال الله كما يشمل قراءة كتابه وتلاوة آياته قال مجاهد: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحقاً هم ومن يأتي بعدهم يهج نهجهم في الإيمان والتقوى.
القلوب} أي قلوب المؤمنين أما قلوب الكافرين فإنها تطمئن لذكر الدنيا وملاذها وقلوب المشركين تطمئن لذكر أصنامهم، وقوله تعالى:{الذين آمنوا1 وعملوا الصالحات طوبى2 لهم وحسن مآب} إخبار من الله تعالى بما أعد لأهل الإيمان والعمل الصالح وهو طوبى حال من الحسن الطيب يعجز البيان عن وصفها أو شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو الجنة دار السلام والنعيم المقيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
حرمة الاتصاف بصفات أهل الشقاء وهي نقض العهد، وقطع ما أمر الله به أن يوصل والإفساد في الأرض بالشرك والمعاصي.
2-
بيان أن الغنى والفقر يتمان حسب علم الله تعالى امتحاناً وابتلاءً فلا يدلان على رضا الله ولا على سخطه.
3-
حقارة الدنيا وضآلة ما فيها من المتاع.
- 4- فضل ذكر الله وسكون القلب إليه.
5-
وعد الله تعالى لأهل الإيمان والعمل الصالح بطوبى وحسن المآب.
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ
1 الذين آمنوا، هذا مبتدأ، والخبر: طوبى لهم وحسن مآب يعطف عليه، وطوبى ورد أنها شجرة في الجنة، ففي البخاري:"إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها".
2 {طوبى} مصدر طاب يطيب طيباً إذا أحسن وهي بوزن البشرى، والزّلفى قلبت ياؤها واواً لمناسبة الضمة قبلها أي: الخير الكامل لأنهم اطمأنت قلوبهم بذكر الله فهم في طيب حال.
بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (32) وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (33)
شرح الكلمات.:
كذلك أرسلناك: أي مثل ذلك الإرسال الذي أرسلنا به رسلنا أرسلناك.
لتتلو عليهم: أي لتقرأ عليهم القرآن تذكيراً وتعليماً ونذارة وبشارة.
وهم يكفرون بالرحمن: إذ قالوا وما الرحمن وقالوا لا رحمن إلا رحمان اليمامة.
سيرت به الجبال: أي نقلت من أماكنها.
أو قطعت به الأرض: أي شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً.
أو كلم به الموتى: أي أحيوا وتكلموا.
أفلم ييأس: أي يعلم.
قارعة: أي داهية تقرع قلوبهم بالخوف والحزن وتهلكهم وتستأصلهم.
أو تحل قريباً من دارهم: أي القارعة أو الجيش الإسلامي.
فأمليت: أي أمهلت وأخرت مدة طويلة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير أصول العقائد: التوحيد والنبوة والبعث والجزاء الأخر ففي الآية الأولى من هذا السياق وهي توله تعالى {كذلك أرسلناك} فقرر نبوة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بقوله كذلك أي الإرسال1 الذي أرسلنا من قبلك أرسلناك أنت إلى أمة قد خلت من قبلها أمم، وبين فائدة الإرسال فقال:{لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك} وهو الرحمة والهدى والشفاء {وهم يكفرون بالرحمن} الرحمن2 الذي أرسلك لهم بالهدى ودين الحق لإكمالهم وإسعادهم يكفرون به، إذاً فقل أنت أيها الرسول هو ربي لا إله إلا هو أي لا معبود بحق إلا هو عليه توكلت وإليه متاب أي توبتي ورجوعي فقرر بذلك مبدأ التوحيد بأصدق عبارة وقوله تعالى في الآية الثانية (31) {ولو أن قرآنا} الخ.. لا شك أن مشركي مكة كانوا طالبوه3 بما ذكر في هذه الآية إذ قالوا إن كنت رسولاً فادع لنا ربك فيسر عنا هذه الجبال التي تكتنف وادينا فتتسع أرضنا للزراعة والحراثة وقطع أرضنا فأخرج لنا منها العيون والأنهار وأحي لنا فلاناً وفلاناً حتى نكلمهم ونسألهم عن صحة ما تقول وتدعي بأنك نبي فقال تعالى:{ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى} أي لكان هذا القرآن، ولكن ليست الآيات4 هي التي تهدي بل لله الأمر جميعاً يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولما صرفهم الله تعالى عن الآيات الكونية لعلمه تعالى أنهم لو أعطاهم إياها لما آمنوا عليها فيحق عليهم عذاب الإبادة كالأمم السابقة، وكان من المؤمنين من يود الآيات الكونية ظناً منه أن المشركين لو شاهدوا آمنوا وانتهت المعركة الدائرة بين الشرك والتوحيد قال تعالى:{أفلم ييأس5 الذين آمنوا} أي يعلموا {أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً} بالآيات وبدونها فليترك الأمر له سبحانه وتعالى يفعل ما لشاء ويحكم ما يريد، وقوله تعالى:{ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا} أي من الشرك والمعاصي {قارعة} أي داهية تقرع قلوبهم بالخوف والفزع ونفوسهم بالهم والحزن وذلك كالجدب والمرض والقتل والأسر {أو تحل قريباً من دارهم} أي يحل الرسول بجيشه الإسلامي ليفتح مكة حتى يأتي وعد الله بنصرك أيها الرسول عليهم والآية
1 هذا تشبيه في الإنعام أي: شبّه الإنعام على من أرسل إليهم محمد صلى الله عليه وسلم بالإنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله.
2 قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن قالوا: وما الرحمن، والآية وإن لم تنزل بخصوص دعوى المشركين إلاّ أنها تحمل رداً عليهم في دعواهم الباطلة.
3 تقدّم أن من بين المطالبين أبا جهل، وعبد الله بن أمية المخزوميين إذ قالا له صلى الله عليه وسلم، إن سرّك أن نتبعك فسيّر لنا جبال مكة بالقرآن فاذهبها عنا.. الخ.
4 أي: فليس ما تطلبونه مما يكون بالقرآن، وإنّما يكون بأمر الله تعالى.
5 يئس ييأس بمعنى: علم يعلم لله النخع، والقرآن نزل بلغات العرب، وقيل: لغة هوازن قال شاعرهم:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني
ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
عامة فيمن بعد قريش ويكون الوعيد متناولاً أمم الكفر عامة وها هي ذي الحروب تقرعهم كل قرن مرة ومرتين والحرب الذرية على أبوابهم ولا يزال أمرهم كذلك حتى يحل الجيش الإسلامي قريباً دارهم ليدخلوا في دين الله أو يهلكوا، {إن الله لا يخلف الميعاد} وقد أنجز ما وعد قريشاً، في الآية الأخيرة (32) يخبر تعالى رسوله مسلياً إياه عما يجد تعب وألم من صلف المشركين وعنادهم فيقول له:{ولقد استهزىء1 برسل من قبلك} أي كما استهزىء بك فصبروا فاصبر أنت، {فأمليت للذين كفروا} أي أمهلتهم وأنضرتهم حتى قامت الحجة عليهم ثم أخذتهم فلم أبق منهم أحداً {فكيف2 كان عقاب} أي كان شديداً عاماً واقعاً موقعه، فكذلك أفعل بمن استهزأ بك يا رسولنا إذا لم يتوبوا ويسلموا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير التوحيد.
2-
لا توكل إلا على الله، ولا توبة لأحد إلا إليه.
3-
عظمة القرآن الكر يم وبيان فضله.
4-
إطلاق لفظ اليأس3 المراد به العلم.
5-
توعد الرب تعالى الكافرين بالقوارع في الدنيا إلى يوم القيامة.
6 -
الله جل جلاله يملي ويمهل ولكن لا يهمل بل يؤاخذ ويعاقب.
أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ
1 أي: سُخر بهم أُزري عليهم، وذلك كما سخرت قوم نوح بنوح، وعاد بهود وثمود بصالح ومدين يشعيب.
2 الاستفهام للعجب.
3 في لغة النخع أو هوازن.
الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللهِ مِن وَاقٍ (34) مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)
شرح الكلمات:
أفمن هو قائم1 على كل نفس بما كسبت: أي حافظها ورازقها وعالم بها وبما كسبت ويجازيها بعملها.
قل سموهم.: أي صِفُوهم له مَنْ هُم؟
أم تنبئونه بما لا يعلم: أي أتخبرونه بما لا يعلمه؟
بظاهر من القول: أي بظن باطل لا حقيقة له في الواقع.
أشق: أي أشد.
واق: أي مانع يمنعهم من العذاب.
مثل الجنة: أي صفتها التي نقصها عليك.
أكلها دائم وظلها: أي ما يؤكل فيها دائم لا يفنى وظلها دائم لا ينسخ.
معنى الآيات.
ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال التنديد بقوله تعالى. {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسيت2} أي حافظها ورازقها وعالم بها وبما كسبت من خير وشر ومجازيها كمن لا يحفظ ولا يرزق ولا يعلم ولا يجزي وهو الأصنام، إذاً فبطل تأليهها ولم يبق إلا الإله الحق الله الذي لا إله إلا هو ولا رب سواه، وقوله تعالى:{وجعلوا لله شركاء} أي
1 ليس القيام هنا ضد القعود بل هو التولّي لأمور الخلق بالحفظ والتدبير.
2 الجواب محذوف في الآية، وقد ذكر في التفسير.
يعبدونهم معه {قل سموهم} 1 أي قل لهم يا رسولنا سموا لنا تلك الشركاء صفوهم بينوا من هم؟ {أم تنبئونه بما لا يعلم2 في الأرض} أي أتنبئون الله بما لا يعلم في الأرض؟ {أم بظاهر من القول} أي بل بظاهر3 من القول أي بظن باطل لا حقيقة له في الواقع.
وقوله تعالى: {بل زين للذين كفروا مكرهم} أي قولهم الكاذب وافتراؤهم الماكر فبذلك4 صدوا عن السبيل سبيل الحق وصرفوا عنه فلم يهتدوا إليه، {ومن يضلل الله فما له من هاد} وقوله تعالى:{لهم عذاب في الحياة الدنيا} بالقتل والأسر، {ولعذاب الآخرة أشق} أي أشد من عذاب الدنيا مهما كان {وما لهم من الله من واق} 5 أي وليس لهم من دون الله من يقيهم فيصرفه عنهم ويدفعه حتى لا يذوقوه، وقوله تعالى:{مثل الجنة التي وعد المتقون} أي لما ذكر عذاب الآخرة لأهل الكفر والفجور ذكر نعيم الآخرة لأهل الإيمان والتقوى، فقال:{مثل6 الجنة التي وعد المتقون} أي صفة الجنة ووصفها بقوله: {تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم7 وظلها} دائم كذلك فطعامها لا ينفد، وظلها لا يزول ولا ينسخ بشمس كظل الدنيا، وقوله:{تلك} أي الجنة {عقبى الذين اتقوا} أي ربهم فآمنوا به وعبدوه ووحدوه وأطاعوه في أمره ونهيه، {وعقبى8 الكافرين النار} والعقبى بمعنى العاقبة في الخير والشر.
1 سموهم شركاء فإنهم ليس لهم حظ من ذلك إلاّ التسمية فيكون الأمر للإباحة كناية عن عدم المبالاة بادعائهم أنهم شركاء، وذكر هذا المعنى صاحب التحرير، وهو معنى جميل.
2 أم هي المنقطعة ودلّت على أنّ ما بعدها استفهام إنكاري توبيخي، وقوله، {بما لا يعلم في الأرض} وما لا يعلمه الله فليس بموجود إذ الله خالق كل شيء.
3 بل بظاهر من القول ليس بظاهر من الظهور بل هو بمعنى الزوال والبطلان وشاهده قول الشاعر، وتلك شكاة ظاهر عليك عارها. أي: باطل زائل.
4 إن بعض المشركين زيّن للمشركين عبادة الأصنام، ورغّبهم في عبادتها مكراً بهم فانخدعوا له، وحسبوه زيناً وذلك كعمرو بن لحيّ إذ هو أوّل من دعا إلى عبادة الأصنام في بلاد العرب.
5 واق، وقاض ووال: يوقف عليها بدون ياء، إلاّ إذا نودي نحو: يا قاضي يا والي فإنه يوقف عليه بالياء ومن: صلة لتقوية الكلام.
6 {مثل الجنة} : الخ: مبتدأ والخبر محذوف تقديره فيما يتلى عليكم: مثل الجنة، وقيل الخبر: تجري من تحتها الأنهار. والأوّل أولى.
7 في الآية ردّ على الجهمية القائلين بفناء نعيم الجنة.
8 أي: عاقبة أمر المكذبين وآخرتهم النار يدخلونها.