المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٣

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌ الرعد

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(14)

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌1

- ‌6

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(31)

- ‌(42)

- ‌(47)

- ‌ الحجر

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(26)

- ‌(34)

- ‌(45)

- ‌(89)

- ‌1

- ‌(14)

- ‌(20)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(63)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(94)

- ‌(98)

- ‌(119)

- ‌(125)

- ‌ الإسراء

- ‌1

- ‌(2)

- ‌(13)

- ‌(18)

- ‌(23)

- ‌(28)

- ‌(40)

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(66)

- ‌(85)

- ‌(96)

- ‌(105)

- ‌ الكهف

- ‌1

- ‌(13)

- ‌(22)

- ‌(32)

- ‌(45)

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(70)

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(83)

- ‌(102)

- ‌ 1:

- ‌ مريم

- ‌(8)

- ‌(16)

- ‌(22)

- ‌(46)

- ‌(51)

- ‌(59)

- ‌(64)

- ‌(66)

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(88)

- ‌ طه

- ‌(1)

- ‌(25)

- ‌(36)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(67)

- ‌(72)

- ‌(77)

- ‌(90)

- ‌(95)

- ‌(99)

- ‌(113)

- ‌(116)

- ‌(123)

- ‌ الأنبياء

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(16)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(59)

- ‌(78)

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(98)

- ‌(105)

- ‌ الحج

- ‌1

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(14)

- ‌(18)

- ‌(42)

- ‌(47)

- ‌(58)

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(73)

- ‌ المؤمنون

- ‌(1)

- ‌(17)

- ‌(23)

- ‌(27)

- ‌(39)

- ‌(45)

- ‌(51)

- ‌(57)

- ‌(63)

- ‌(78)

- ‌(93)

- ‌(108)

- ‌(112)

- ‌ النور

- ‌1

- ‌(4)

- ‌6

- ‌(23)

- ‌(30)

- ‌(35)

- ‌(39)

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(62)

- ‌ الفرقان

- ‌1

- ‌(4)

- ‌(10)

- ‌(17)

- ‌(21)

- ‌(25)

- ‌(35)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(63)

- ‌ الشعراء

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(18)

- ‌(23)

- ‌(32)

- ‌(43)

- ‌(50)

- ‌(61)

- ‌(69)

- ‌(83)

- ‌(94)

- ‌(123)

- ‌(153)

- ‌(160)

- ‌(176)

- ‌(185)

- ‌(192)

- ‌(221)

الفصل: رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ

رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ‌

(66)

وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَاّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً (68) أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)

شرح الكلمات:

يزجي لكم الفلك: أي يسوقها فتسير فيه.

لتبتغوا من فضله: أي لتطلبوا رزق الله بالتجارة من إقليم إلى آخر.

وإذا مسكم الضُر: أي الشدة والبلاء والخوف من الغرق.

ضل من تدعون إلا إياه: أي غاب عنكم من كنتم تدعونهم من آلهتكم.

أعرضتم: أي عن دعاء الله وتوحيده في ذلك.

أو يرسل عليكم حاصباً: أي ريحاً ترمى بالحصباء لشدتها.

ثم لا تجدوا لكم وكيلا: أي حافظاً منه أي من الخسف أو الريح الحاصب.

قاصفاً من الريح: أي ريحاً شديدة تقصف الأشجار وتكسرها لقوتها.

علينا به تبيعاً: أي نصيراً ومعيناً يتبعنا ليثأر لكم منا.

ولقد كرمنا بني آدم: أي فضلناهم بالعلم والنطق واعتدال الخلق.

حملناهم في البر والبحر: في البر على البهائم والبحر على السفن.

ص: 212

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والدعوة إليه. فقوله تعالى: {ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله} يخبرهم تعالى بأن ربهم الحق الذي يجب أن يعبدوه ويطيعوه بعد أن يؤمنوا به هو الذي {يزجي1 لهم الفلك} أي السفينة {في البحر} أي يسوقها فتسير بهم في البحر إلى حيث يريدون من أجل أن يطلبوا رزق الله لهم بالتجارة من إقليم لآخر. هذا هو إلهكم2 الحق، أما الأصنام والأوثان فهي مخلوقة لله مربوبة له، لا تملك لنفسها فضلاً عن غيرها، نفعاً ولا ضراً.

وقوله تعالى: {إنه كان بكم رحيماً} ومن رحمته تعالى تسخيره البحر لهم وإزجاء السفن وسوقها فيه ليحصلوا على أقواتهم عن طريق السفر والتجارة. وقوله تعالى: {وإذا مسكم الضر3 في البحر ضل من تدعون إلا إياه} يذكرهم بحقيقة واقعة لهم وهي أنهم إذا ركبوا في الفلك وأصابتهم شدة من مرض أو ضلال طريق أو عواصف بحرية اضطربت لها السفن وخافوا الغرق دعوا الله وحده ولم يبق من يدعوه سواه تعالى لكنهم إذا نجاهم من الهلكة التي خافوها ونزلوا بشاطئ السلامة اعرضوا عن ذكر الله وذكروا آلهتهم ونسوا ما كانوا يدعونه وهو الله من قبل {وكان الإنسان كفوراً} هذا طبعه وهذه حاله سرعة النسيان، وشدة الكفران. قوله تعالى: وهو يخاطبهم لهدايتهم {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر} يقرعهم على إعراضهم فيقول {أفأمنتم} الله تعالى {أن يخسف4 بكم} جانب الأرض الذي نزلتموه عند خروجكم من البحر {أو يرسل عليكم حاصباً} أي ريحاً شديدة تحمل الحصباء5 فيهلككم كما أهلك عادا {ثم لا تجدوا لكم} من غير الله {وكيلاً} يتولى دفع العذاب عنكم ويقول: {أم أمنتم} الله تعالى {أن يعيدكم فيه} أي في البحر {تارة أخرى} أي مرة أخرى {فيرسل عليكم قاصفاً من الريح} أي ريحاً شديدة تقصف الأشجار وتحطمها {فيغرقكم بما كفرتم} أي بسبب كفركم كما أغرق آل فرعون {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا} أي تابعاً يثأر لكم منا ويتبعنا مطالباً بما نلنا منكم من العذاب.

1 الإزجاء: السوق قال تعالى: {ألم تر أنّ الله يزجي سحاباً} وقال الشاعر:

يا أيها الراكب المزجي مطيته

سائل بني أسد ما هذه الصوت

2 أي: الذي يجب أن يشكروه بعبادته وحده دودن من سواه.

3 لفظ الضرّ يعم المرض وخوف الغرق والإمساك عن الجري وأهوال حالة اضطراباته.

4 الخسف: انهيار الأرض بالشيء فوقها، وجانب البر: ناحية الأرض إذ البحر جانب والأرض جانب.

5 يقال لكل ريح تحمل التراب والحصباء: حاصب، قال الفرزدق:

مستقبلين شمال الشام يضربنا

بحاصب كنديف القطن منثور

ص: 213

فما لكم إذاً لا تؤمنون وتوحدون وبالباطل تكفرون. وقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} أي فضلناهم بالنطق والعقل والعلم واعتدال الخلق {وحملناهم في البر والبحر} على ما سخرنا لهم من المراكب {ورزقناهم من الطيبات1} أي المستلذات من اللحوم والحبوب والفواكه والخضر والمياه العذبة الفرات. وقوله تعالى: {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فالآدميون أفضل من الجن وسائر الحيوانات، وخواصهم أفضل من الملائكة، وعامة الملائكة أفضل من عامة الآدميين ومع هذا فإن الآدمي إذا كفر ربه وأشرك في عبادته غيره، وترك عبادته، وتخلى عن محبته ومراقبته أصبح شر الخليقة كلها. قال تعالى:{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها، أولئك هم شر البرية} .

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

تعريف الله تعالى بذكر صفاته الفعلية والذاتية.

2-

تذكير المشركين بحالهم في الشدة والرخاء حيث يعرفون الله في الشدة ويخلصون له الدعاء، وينكرونه في الرخاء ويشركون به سواه.

3-

تخويف المشركين بأن الله تعالى قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً من الريح فيهلكهم أو يردهم إلى البحر مرة أخرى ويرسل عليهم قاصفاً من الريح فيغرقهم بسبب كفرهم بالله، وعودتهم إلى الشرك بعد دعائه تعالى والتضرع إليه حال الشدة.

4-

بيان منن الله تعالى على الإنسان وأفضاله عليه في تكريمه وتفضيله.

5-

حال الرخاء أصعب على الناس من حال الشدة بالقحط والمرض، أو غيرهما من المصائب.

6-

الإعلان عن كرامة الآدمي وشرفه على سائر المخلوقات الأرضية.

يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ2 أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ

1 في الآية دليل على إبطال الزهد في لذيد الطعام كالعسل والسمن واللحم والفواكه والاكتفاء بالخبز بالملح ونحوه مع توفر طيب الطعام والشراب لأنه مخالف لمنهج السلف وفيه كفر ما أنعم الله تعالى به على عباده من طيب الرزق.

2 {فمن أوتي} معطوف على مقدر اقتضاه قوله: {تدعو كل اناس بإمامهم} أي فيؤتون كتبهم {فمن أوتي كتابه

} الخ.

ص: 214

أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَاّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَاّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً (77)

شرح الكلمات:

بإمامهم: أي الذي كانوا يقتدون به ويتبعونه في الخير أو الشر.

فتيلا: أي مقدار فتيل وهو الخيط الذي يوجد وسط النواة.

ومن كان في هذه أعمى: من كان في الدنيا أعمى عن حجج الله تعالى الدالة على وجوده وعلمه وقدرته، فلم يؤمن به ولم يعبده فهو في الآخرة أشد عمى وأضل سبيلا.

وإن كادوا: أي قاربوا.

ليفتنونك: أي يستنزلونك عن الحق، أي يطلبون نزولك عنه.

لتفتري علينا غيره: أي لتقول علينا افتراء غير الذي أوحينا إليك.

إذاً لاتخذوك خليلاً: أي لو فعلت الذي طلبوا منك فعله لاتخذوك خليلاً لهم.

ضعف الحياة وضعف الممات: أي لعذبناك عذاب الدنيا مضاعفاً وعذاب الآخرة كذلك.

ليستفزونك من الأرض: أي ليستخفونك من الأرض أرض مكة.

لا يلبثون خلافك: أي لا يبقون خلفك أي بعدك إلا قليلاً ويهلكهم الله.

سنة من قد أرسلنا من قبلك: أي لو خرجوك لعذبناهم بعد خروجك بقليل، سنتنا في الأمم.

ولا تجد لستتنا تحويلاً: أي عما جرت به في الأمم السابقة.

ص: 215

معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله في تقرير عقيدة البعث والجزاء، اذكر يا رسولنا، {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} الذي كانوا يقتدون به ويتبعون فيتقدم ذلك الإمام ووراءه أتباعه وتوزع الكتب عليهم واحداً واحداً فمن أعطى كتابه بيمينه تشريفاً له وتكريماً، فأولئك الذين أكرموا بإعطائهم كتبهم بإيمانهم، يقرأون كتابهم ويحاسبون بما فيه {ولا يظلمون} أي لا ينقصون مقدار فتيل لا تنقص حسناتهم، ولا بزيادة سيئاتهم1. واذكر هذا لهم تعضهم به لعلهم يتعظون، وقوله تعالى: {ومن كان في هذه} أي الدنيا {أعمى} ، لا يبصر هذه الحجج والآيات والدلائل وأصر على الشرك، والتكذيب والمعاصي {فهو في الآخرة أعمى} أي أشد عمى {وأضل سبيلا} فلا يرى طريق النجاة ولا يسلكه حتى يقع في جهنم. وقوله: {وان كادوا ليفتنونك2} أي يصرفونك {عن الذي أوحينا3 إليك} من توحيدنا والكفر بالباطل وأهله. {لتفتري علينا غيره} أي لتقول علينا غير الحق الذي أوحيناه إليك، وإذاً لو فعلت بأن وافقتهم على ما طلبوا منك، من الإغضاء على شركهم والتسامح معهم إقراراً لباطلهم، ولو مؤقتاً، {لاتخذوك خليلاً} لهم وكانوا أولياء لك، وذلك أن المشركين في مكة والطائف، واليهود في المدينة كانوا يحاولون جهدم أن يستنزلوا الرسول على شيء من الحق الذي يأمر به ويدعو إليه مكراً منهم وخديعة سياسية إذ لو وافقهم على شيء لطالبوا بآخر، ولقالوا قد رجع إلينا، فهو إذًا يَتَقَوَّل، وليس بالذي يوحى إليه بدليل قبوله منا كذا وكذا وتنازله عن كذا وكذا. وقوله تعالى:{ولولا أن ثبتناك} أي على الحق حيث عصمناك {لقد كدت} أي قاربت {تركن} 4، أي تميل {إليهم شيئاً قليلاً} بقبول بعض اقتراحاتهم {إذاً} أي لو ملت إليهم، وقبلت منهم ولو شيئاً يسيراً {لأذقناك ضعف5 الحياة وضعف الممات6} ، أي لضاعفنا عليك العذاب في الدنيا والآخرة ثم لا تجد لك نصيراً ينصرك إذا نحن خذلناك وعذبناك وقوله تعالى في حادثة أخرى وهي أنهم لمّا فشلوا في المحاولات السلمية أرادوا استعمال القوة فقرروا إخراجه من مكة بالموت أو الحياة فأخبر تعالى

1 لم يذكر من أوتي كتبهم بشمائلهم إذ هم الذين خسروا أنفسهم اكتفاء بذكر من أوتوا كتبهم بأيمانهم، وقد ذكر في أول السورة:{وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} وذكر في سورتي الحاقة والانشقاق.

2 عدي فعل يفتنونك بعن لأنه مضمن معنى فعل يتعدّى بها وهو الصرف يقال: صرفه عن كذا. أي يصرفونك.

3 الآية مسوقة مساق الامتنان على النبي صلى الله عليه وسلم حيث عصمه، وفيها بيان مدى ما كان المشركون يريدونه من صرف النبي صلى الله عليه وسلم عن الحق الذي جاءه وهو يدعو إليه من التوحيد.

4 الركون: الميل بالركن الذي هو الجانب من جسد الإنسان واستعمل في الموافقة بعلاقة القرب.

5 هذه الجملة جزاء لجملة: {لقد كدت تركن إليهم} إذ تقدير الكلام لو ركنت إليهم لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات.

6 جائز أن يكون المراد بعذاب الدنيا: تراكم المصائب والأزراء في مدّة الحياة وعذاب الممات أن يموت مكموداً مستذلاً بين من فازوا عليه بشرف سقوطه بينهم وضياع ما كان يأمله ويدعو إليه.

ص: 216

رسوله بذلك إعلاماً وإنذاراً، فقال:{وإن كادوا ليستفزونك من الأرض} أرض مكة {ليخرجوك منها وإذاً} ، أي لو فعلوا لم يلبثوا بعد إخراجك إلا زمنا قليلاً ونهلكهم كما هي سنتنا في الأمم السابقة التي أخرجت أنبياءها أو قتلتهم هذا معنى قوله تعالى:{وإن كادوا ليستفزونك1} أي يستخفونك {من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثوا خلافك2 إلا قليلاً سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا} أي عما جرت به في الأمم السابقة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

الترغيب في الإقتداء بالصالحين ومتابعتهم والترهيب من الإقتداء بأهل الفساد ومتابعتهم.

2-

عدالة الله تعالى في الموقف بإقامة الحجة على العبد وعدم ظلمه شيئاً.

2-

عمى الدنيا عن الحق وشواهده سبب عمى الآخرة وموجباته من السقوط في جهنم.

3-

حرمة الركون أي الميل لأهل الباطل بالتنازل عن شيء من الحق الثابت إرضاءً لهم.

4-

الوعيد الشديد لمن يرضى أهل الباطل تملقاً لهم طمعاً في دنياهم فيترك الحق لأجلهم.

6-

إمضاء سنن الله تعالى وعدم تخلفها بحال من الأحوال.

أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79) وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا (80) وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء

1 الاستفزاز: الحمل على الترحل، وهو استفعال من فزّ يفزّ بمعنى: بارح المكان، والمعنى: كادوا: أن يخرجوك من بلدك كرهاً ثم صرفهم الله عنك حتى خرجت برضاك واختيارك فلذا لم تنزل بهم العقوبة بخروجك من بلدك.

2 قرأ نافع: {خلفك} أي بعدك، وقرأ حفص {خلافك} وهي لغة في خلف بمعنى: بعد.

ص: 217

وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلَاّ خَسَارًا (82) وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً (84)

شرح الكلمات:

لدلوك الشمس: أي زوالها من كبد السماء ودحوضها إلى جهة الغرب.

إلى غسق الليل: أي إلى ظلمة الليل، إذ الغسق الظلمة.

وقرآن الفجر: صلاة الصبح.

كان مشهوداً: تشهده الملائكة، ملائكة الليل وملائكة النهار.

فتهجد به1: أي بالقرآن.

نافلة: أي زائدة عن الغرض وهي التهجد بالليل.

مقاماً محموداً: هو الشفاعة العظمى يوم القيامة حيث يحمده الأولون والآخرون.

أدخلني مدخل صدق: أي المدينة، إدخالاً مرضياً لا أرى فيه مكروهاً.

وأخرجني مخرج صدق: أي من مكة إخراجاً لا ألتفت بقلبي إليها.

وقل جاء الحق وزهق الباطل: أي عند دخولك مكة فاتحاً لها بإذن الله تعالى.

زهق الباطل: أي ذهب واضمحل.

أعرض ونأ بجانبه: أعرض عن الشكر فلم يشكر، ونأ بجانبه: أي ثنى عطفه متبختراً في كبرياء.

على شاكلته: أي طريقته ومذهبه الذي يشاكل حاله في الهدى والضلال.

معنى الآيات:

بعد ذلك العرض الهائل لتلك الأحداث الجسام أمر تعالى رسوله بإقام الصلاة فإنها مأمن الخائفين، ومنار السالكين، ومعراج الأرواح إلى ساحة الأفراح فقال: {أقم الصلاة لدلوك

1 تهجّد: إذا ألقى الهجود عنه، وهو النوم، وقام يصلّي، والتهجّد من الهجود وهو من الأضداد هجد: نام، وهجد: سهر.

ص: 218

الشمس} أي لأول دلوكها1 وهو ميلها من كبد السماء إلى الغرب وهو وقت الزوال ودخول وقت الظهر، وقوله {إلى غسق2 الليل} أي إلى ظلمته، ودخلت صلاة العصر3 فيما بين دلوك الشمس وغسق الليل، ودخلت صلاة المغرب وصلاة العشاء في غسق الليل الذي هو ظلمته، وقوله:{وقرآن الفجر4} أي صلاة الصبح وهذه هي الصلوات الخمس المفروضة على أمة الإسلام، النبي وأتباعه سواء وقوله {إن قرآن الفجر كان مشهوداً} يعني محضوراً، تحضره ملائكة النهار لتنصرف ملائكة الليل، لحديث الصحيح "يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار

" وقوله {ومن الليل فتهجد5 به نافلة لك} أي صلاة زائدة على الفرائض الخمس وهي قيام الليل، وهى واجب عليه صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، وعلى أمته مندوب إليه، مرغب فيه.

وقوله: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} عسى من الله تعالى تفيد الوجوب، ولذا فقد أخبر تعالى رسوله مبشراً إياه بأن يقيمه يوم القيامة {مقاماً محموداً} يحمده عليه الأولون والآخرون. وهو الشفاعة العظمى حيث يتخلى عنها ادم فمن دونه

حتى تنتهي إليه صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها، ويأذن له ربه فيشفع للخليقة في فضل القضاء، ليدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وتستريح الخليقة من عناء الموقف وطوله وصعوبته.

وقوله تعالى: {وقل رب6 أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} . هذه بشارة أخرى أن الله تعالى أذن لرسوله بالهجرة من تلقاء نفسه لا بإخراج قومه وهو كاره. فقال له: قل في دعائك ربي أدخلني المدينة دار هجرتي {مدخل صدق} بحيث لا أرى فيها مكروها، وأخرجني من مكة يوم تخرجني {مخرج صدق} غير ملتفت إليها بقلبي شوقاً وحنيناً إليها. {واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} أي وسلني أن أجعل لك من لدني سلطاناً نصيراً لك على من بغاك بسوء، وكادك بمكر وخديعة، وحاول منعك من إقامة دينك، ودعوتك إلى ربك،

1 ما في التفسير أشهر وأولى بالأخذ به وهو ما ذهب إليه عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس ومالك، ويرى غير هؤلاء من بعض الصحابة والتابعين: أن دلوك الشمس هو غروبها وعليه فلم تشمل الآية أوقات الصلوات الخمس بخلاف القول بدلوك الشمس: زوالها عن كبد السماء.

2 غسق الليل: سواده وظلمته قال ابن قيس الرّقيّات:

إنّ هذا الليل قد غسقاَ

واشتكيت الهمّ والأرقا

3 وقت العصر إذا زاد ظل كل شيء مثله، ووقت المغرب: غروب الشمس، ووقت العشاء: ذهاب الشفق الأحمر، ووقت الصبح طلوع الفجر ووقت الظهر: زوال الشمس عن كبد السماء.

4 {قرآن} : منصوب على الاغراء أي: والزم قرآن الفجر لأهميته ويصح أن ينصب على العطف أي: أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر أي: صلاته.

5 {نافلة لك} : أي نافلة لأجلك خاصة بك دون سائر أمتك.

6 روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثمّ أمر بالهجرة فنزلت: {وقل ربّ أدخلني..} الخ وهو تعليم من الله لرسوله هذا الدعاء يقوله في صلاته وخارجها.

ص: 219

وقوله تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل} هذه بشارة أخرى بأن الله تعالى سيفتح له مكة، ويدخلها ظافراً منتصراً وهو يكسر الأصنام حول الكعبة وكانت ثلاثمائة وستين صنماً ويقول جاء الحق وزهق الباطل أي ذهب الكفر واضمحل. {إن الباطل كان زهوقاً} . لا بقاء له ولا ثبات إذا صاول الحق، ووقف في وجهه، وجائز أن يكون المراد بالحق، القرآن وبالباطل الكذب والافتراء، وجائز أن يكون الحق الإسلام والباطل الكفر والشرك وأعم من ذلك، أن الحق هو كل ما هو طاعة لله عز وحل، والباطل كل طاعة للشيطان من الشرك والظلم وسائر المعاصي. وقوله تعالى:{وننزل من1 القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} أي وننزل عليك يا رسولنا محمد من القرآن ما هو شفاء2 أي ما يستشفى به من مرض الجهل والضلال والشك والوساوس ورحمة للمؤمنين دون الكافرين، لأن المؤمنين يعملون به فيرحمهم الله تعالى بعملهم بكتابه، وأما الكافرون، فلا رحمة لهم فيه، لأنهم مكذبون به تاركون للعمل بما فيه. وقوله:{ولا يزيد الظالمين إلا خساراً} أي ولا يزيد القرآن الظالمين وهم المشركون المعاندون الذين أصروا على الباطل عناداً ومكابرة، هؤلاء لا يزيدهم ما ينزل من القرآن ويسمعونه إلا خساراً لازدياد كفرهم وظلمهم وعنادهم. وقوله تعالى:{وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض3 ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوساً} يخبر الله تعالى عن الإنسان الكافر المحروم من نور الإيمان وهداية الإسلام أنه إذا أنعم عليه بنعمة النجاة من الهلاك وقد أشرف عليه بغرق أو مرض أو جوع أو نحوه أعرض عن ذكر الله ودعائه كما كان يدعوه في حال الشدة، ونأى بجانبه أي، بعد عنا فلا يلتفت إلينا بقلبه، وذهب في خيلائه وكبريائه وقوله تعالى:{وإذا مسه الشر كان4 يؤوساً} أي قنوطاً. هذا هو الكافر، ذو ظلمة النفس لكفره وعصيانه. إذا مسه الشر من جوع أو مرض أو خوف أحاط به كان يؤوساً أي كثير اليأس والقنوط تامهما، لعدم إيمانه بالله ورحمته وقدرته على إنجائه وخلاصه. وقوله تعالى:{قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا} أي قل يا رسولنا للمشركين، كل منا ومنكم يعمل على طريقته ومذهبه بحسب حاله هداية وضلالاً، والله تعالى ربكم أعلم بمن هو أهدى منا ومنكم سبيلا. ويجزي الكل بحسب عمله وسلوكه. وهذه كلمة

1 {من} : بيانية أي: مبينة للموصول، ما هو شفاء وليست للابتداء ولا هي زائدة أي: وننزّل القرآن الذي هو شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين.

2 وقد يستشفى بالقرآن من الأمراض الجسمية ففي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول صلى الله عليه وسلم بعثهم وكانوا ثلاثين راكباً فنزلوا على قوم من العرب فسألوهم أن يضيفوهم فأبوا فلدغ سيد الحي فأتاهم آت وقال لهم: فيكم من يرقي من العقرب؟ قلنا: نعم لكن حتى تعطونا فقالوا: إنا نعطيكم ثلاثين شاة فرقاه بفاتحة الكتاب قرأها عليه سبع مرات فشفي فأخذوا الثلاثين شاة فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم "كلوا وأطعمونا من الغنم".

3 المراد بالإنسان هنا: الكافر لا المؤمن وال فيه للجنس فيشمل اللّفظ كل إنسان كافر لم يهتد إلى الإسلام.

4 كونه يؤوساً: لا يتعارض مع كثرة دعائه كما في قوله تعالى: {فذو دعاء عريض} إذ يدعو وهو قانط.

ص: 220