المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: مشروعية النكاح وحكمه - النكاح العرفي في ميزان الإسلام

[صلاح الدين عامر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌سبب اختيار الموضوع

- ‌أهمية الموضوع

- ‌الدراسات السابقة

- ‌منهجية البحث

- ‌خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف النكاح

- ‌المطلب الأول: تعريف النكاح لغةً

- ‌المطلب الثاني: تعريف النكاح اصطلاحاً

- ‌المطلب الثالث: تعريف النكاح في القانون اليمني

- ‌المبحث الثاني: أهمية النكاح وحكمه

- ‌المطلب الأول: أهمية النكاح وحكمته

- ‌المطلب الثاني: حكمة النكاح في القانون اليمني

- ‌المطلب الثالث: مشروعية النكاح وحكمه

- ‌المبحث الثالث: أنواع النكاح وصوره

- ‌المطلب الأول: أنواع النكاح في الجاهلية

- ‌المطلب الثاني: ما أقره الإسلام منها وما أبطله

- ‌المطلب الثالث: صفة النكاح المشروع

- ‌المطلب الرابع: أركان وشروط عقد النكاح في القانون اليمني

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: التعريف والأنواع

- ‌المطلب الأول: تعريف لفظة العرفي لغةً

- ‌المطلب الثاني: سبب تسمية هذا النكاح بالعرفي

- ‌المطلب الثالث: أنواع النكاح العرفي

- ‌المبحث الثاني: النكاح المكتمل الأركان غير الموثق

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريفه

- ‌المطلب الثاني: لمحة تاريخية في توثيق العقود بالكتابة

- ‌المطلب الثالث: نظرة في القانون اليمني

- ‌المطلب الرابع: شرعيته

- ‌المطلب الخامس: الآثار الشرعية المترتبة عليه

- ‌المبحث الثالث: النكاح بنية الطلاق (السياحي)

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف النكاح بنية الطلاق (السياحي)

- ‌المطلب الثاني: علاقة النكاح بنية الطلاق (السياحي) بالنكاح المؤقت

- ‌المطلب الثالث: أسباب انتشار النكاح بنية الطلاق (السياحي) (مدينة إب نموذجاً)

- ‌المطلب الرابع: الآثار الناتجة عن النكاح بنية الطلاق (السياحي)

- ‌المطلب الخامس: حكم النكاح بنية الطلاق (السياحي)

- ‌المطلب السادس: نظرة في القانون اليمني

- ‌المطلب السابع: الآثار الشرعية المترتبة على النكاح بنية الطلاق (السياحي)

- ‌المبحث الرابع: النكاح بغير علم الولي

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف النكاح بغير علم الولي

- ‌المطلب الثاني: أسباب انتشار النكاح بغير علم الولي

- ‌المطلب الثالث: آثار النكاح بغير علم الولي

- ‌المطلب الرابع: حكم النكاح بغير علم الولي

- ‌المطلب الخامس: نظرة في القانون اليمني

- ‌المطلب السادس: الآثار المترتبة على الزواج بغير ولي

- ‌المبحث الخامس: النكاح السري

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعريف النكاح السري

- ‌المطلب الثاني: أقسام وصور النكاح السري

- ‌المطلب الثالث: حكمه الشرعي

- ‌المطلب الرابع: الآثار الشرعية والقانونية الناتجة عنه

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: نماذج ميدانية

- ‌المطلب الأول: ـ نماذج من النكاح غير الموثق

- ‌المطلب الثاني نماذج من النكاح بنية الطلاق (السياحي)

- ‌المطلب الثالث: نماذج من النكاح بغير ولي ومن النكاح السري

- ‌المبحث الثاني: حلول ومقترحات

- ‌المطلب الأول: ـ حلول للنكاح بنية الطلاق (السياحي)

- ‌المطلب الثاني: ـ حلول للنكاح بغير علم الولي والنكاح السري

- ‌المطلب الثالث: حلول عامة

- ‌الخاتمة

- ‌فهارس المصادر والمراجع

- ‌فهرست المواقع الإلكترونية والدوريات

الفصل: ‌المطلب الثالث: مشروعية النكاح وحكمه

‌المطلب الثالث: مشروعية النكاح وحكمه

أولاً: مشروعية النكاح

الأصل في مشروعية النكاح الكتابُ، والسنة، وإجماع الأمة. (1)

* فمن الكتاب:

قول الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُوا} (2) وقوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (3) فالأمرُ مفاده الوجوب، إلا أن يصرفه صارف، وأقل درجاته السنية، فتثبت بهذا المشروعية من باب الأولى.

*ومن السنة:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "(4) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة"(5) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"(6) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ولكني أصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"(7) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الآخر"(8) وما جاء من حديث سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على عثمان ابن مضعون

(1) المغني 9/ 340 موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، المولود في 541 هـ تـ 620 هـ ط، هجر القاهرة، الطبعة الثانية، تاريخ الطبع 1413 هـ 1992 م.

(2)

سورة النساء الآية رقم 3

(3)

سورة النور الآية رقم 32

(4)

سبق تخريجه في المطلب الأول من هذا المبحث صـ 24

(5)

سبق تخريجه أيضاً في المطلب الأول من هذا المبحث صـ 24

(6)

سبق تخريجه كذلك في المطلب الأول من هذا المبحث صـ 25

(7)

أخرجه البخاري في كتاب النكاح 5/ 3، برقم 4776، ومسلم في كتاب النكاح من حديث أنس بن مالك 2/ 827

برقم 1401 وغيرهما.

(8)

أخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب النكاح من حديث أنس بن مالك، وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه

ووافقه الذهبي 2/ 161.

ص: 27

التبتلَ قال ولو أذن له لاختصينا" (1) وغيرها (2) قال البلقيني: النكاح شُرع من عهد آدمَ عليه السلام، واستمرت مشروعيته، بل هو مستمر في الجنة، ولا نظير له فيما يُتعبد به من العقود بعد الإيمان، قال: قلت ذلك بفتح الكريم المنان (3) وأقل درجات الأمر في هذه الأحاديث السنية، فتثبت بذلك مشروعية النكاح.

*وأما الإجماع

فقد أجمع المسلمون على أن النكاحَ مشروعٌ. (4)

(1) أخرجه البخاري في كتاب النكاح 5/ 1952 برقم 4786، ومسلم في كتاب النكاح 2/ 827 برقم 1402، وغيرهما.

(2)

انظر مغني المحتاج 3/ 166، المغني 9/ 340.

(3)

مغني المحتاج 3/ 166

(4)

المغني 9/ 340

ص: 28

ثانياً: حُكم النكاح

اختلف الفقهاءُ في حكم النكاح، وذلك حسب فهمهم لما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، على ثلاثة مذاهب نوجزها فيما يلي:

المذهب الأول: الوجوب

واختلف أصحاب هذا القول هل يكون واجباً عينياً، أو على سبيل الكفاية؟ فقيل هو على سبيل الكفاية، لا يسوغ لمجموع الأمة الإعراضَ عنه؛ لبقاء النسل (1) وقيل بل هو واجب على سبيل التعيين لمن قدر عليه وهو قول أهل الظاهر، (2) ورواية لأحمد. (3)

أدلتهم

احتج أصحاب هذا القول بظواهر النصوص من الكتاب والسنة، وحملوها على الإيجاب فمن *الكتاب: ـ

قول الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (4) وقوله تعالى:

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُوا} (5) وظاهر الأمر الإيجاب، ألا أن يصرفه صارف.

*ومن السنة: ـ

حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"(6) وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم قال: أراد عثمان بن مضعون أن يتبتل فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم (7) وحديث،" تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"(8) وحديث

(1) مغني المحتاج 3/ 168

(2)

المحلى 9/ 440، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، المتوفى سنة 456 هـ، ط، دار الفكر، بيروت، لبنان، .

(3)

الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل 3/ 3، لأبي محمد موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي، الطبعة الثانية، تأريخ الطبع 1399 هـ 1979 م وانظر المغني 9/ 340

(4)

سورة النور الآية رقم 32

(5)

سورة النساء الآية رقم 3

(6)

سبق تخريجه في المطلب الأول من هذا المبحث صـ 24

(7)

سبق تخريجه صـ 28

(8)

سبق تخريجه في الطلب الأول من هذا المبحث صـ 24

ص: 29

أنس بن مالك رضي الله عنهم إذ جاء فيه " ولكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"(1) قالوا: وظاهر هذه النصوص تقتضي الوجوب، وقد قال إبراهيم بن ميسرة: قال لي طاووس: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد، ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور. (2)

قالوا: ولأن الامتناع عن الزنا واجب، ولا يتم هذا الواجب إلا بالنكاح ـ فيصير النكاح واجبا ـ لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. (3)

قالوا: وليس ذلك واجباً على النساء؛ لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (4) فقوله لا يرجون نكاحاً، هو موضع الاستدلال، فإنه أسند الرجاء في النكاح ـوهي الرغبة ـ إلى النساء، فكأنه قال لا يرغبن في النكاح، وذلك دليل على عدم الإيجاب، وكذلك لحديث جابر بن عتيك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله فذكر صلى الله عليه وآله وسلم فيها المرأة تموت بجمع شهيد"(5) قال أبو محمد: وهي المرأة التي تموت في نفاسها، والتي تموت بكراً لم تطمث. (6) وتوجيه الدليل، أن الشهادة لما كانت عزيزة، وكان من أسبابها، موت المرأة بكراً، كان ذلك دليلاً على الترغيب في سبب الشهادة، فيكون ذلك دليلاً على أن الزواج ليس بواجب على المرأة؛ لأنه مفوت لسبب من أسباب الشهادة. والله أعلم.

وقد نُقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، أنه قال في رواية المروذي، ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، وقال: من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير الإسلام، ولو تزوج بشرٌ كان قد تم أمره. (7) قالوا فهذه النصوص تدل على وجوبه لمن قدر عليه لأن الأمر مفاده الوجوب.

(1) سبق تخريجه المطلب الثالث من هذا المبحث صـ 27

(2)

أخرجه ابن أبي شيبه في مصنفه 3/ 439. لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي، المتوفى

سنة 235 هـ، ط، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى. وانظر فتح الباري 9/ 110.

(3)

بدائع الصنائع 2/ 483، 482

(4)

سورة النور الآية رقم 60

(5)

أخرجه أبو داوود في السنن كتاب الجنائز 3/ 483 برقم 3111، والنسائي في كتاب الجنائز 2/ 312 برقم 1845. والحاكم في المستدرك في كتاب الجنائز وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي 1/ 352.

(6)

المحلى 9/ 440، 441

(7)

المغني 9/ 441

ص: 30

المذهب الثاني: السنية

قال أصحاب هذا القول: النكاحُ سنة، في حق الرجل والمرأة، على السواء، وحملوا النصوصَ فيه على الندب وهو قولُ جماهير العلماء. (1)

أدلتهم

استدل أصحاب هذا القول كذلك بالكتاب والسنة

*فمن الكتاب: ـ

قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُوا} (2) قالوا: فإن اللهَ علق الأمر بالنكاح على الاستطابة، والواجبُ لا يقف على الاستطابة. (3) وقال أيضاً:{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} ولا يجب ذلك العدد بالاتفاق، فدل على أن المراد بالأمر الندب. (4)

وقد بوب البخاري لذلك بقوله: (باب الترغيب في النكاح لقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء}) وعلق ابن حجر بقوله: وجه الاستدلال بالآيةِ، أنها صيغة أمر تقتضي الطلب، وأقل درجاته الندب، فثبت الترغيب. (5)

*ومن السنة: ـ

حديث أنس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حبب إلي من الدنيا النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة"(6)

وتوجيه الدليل، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرن النساء بالطيب، بلفظ واحد، فدل ذلك على اتحاد الحكم.

(1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 3/ 7 للإمام القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الحفيد المولود سنة 520 هـ والمتوفى سنة 595 هـ، ط، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الأولى، تأريخ الطبع 1415 هـ.

(2)

سورة النساء الآية رقم 3

(3)

المغني 9/ 341

(4)

المصدر السابق

(5)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري 9/ 104، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي ط، دار الفكر، بيروت لبنان، تأريخ الطبع 1411 هـ 1991 م.

(6)

سبق تخريجه في المطلب الأول من المبحث الثاني صـ 23

ص: 31

وعن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت، قلت لا، قال: تزوج، فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء. (1) يعني بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث أبي أيوب قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع من سنن المرسلين، الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح"(2) فهذه النصوص تدل على أن النكاح سنة، ومرغب فيه، وأنه ليس بواجب. والله أعلم

المذهب الثالث: التفصيل

والتفصيلُ يعني أنه لا يُطلق القول بالوجوب ولا بالسنية، بل تردُ عليه الأحكام الخمسة (3) كالتالي:

*الوجوب: ـ

يكون النكاح واجباً على من يخاف بتركه مواقعة المحظور. (4) وقال بعض الأحناف: أن من تاقت نفسه إلى النساء، بحيث لا يمكنه الصبر عنهن، وهو قادرٌ على المهر والنفقة ولم يتزوج، يأثم. (5)

وكذلك الحالُ في المرأة التي عجزت عن قوتها، وكانت عُرضة لمطامع المفسدين، وتوقف على الزواج سترها وصيانتها. (6)

*السنية: ـ

ويكون سنة في حق من كان له فيه رغبة، ولم يخش على نفسه الوقوع في المحذور، من رجل وامرأة. (7)

(1) أخرجه أحمد في المسند 5/ 456 برقم 3507 والبخاري في كتاب النكاح 5/ 1951 برقم 4782، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب النكاح 7/ 123 برقم 13450.

(2)

أخرجه أحمد في المسند 38/ 553 برقم 23581 والترمذي في كتاب النكاح 3/ 391 برقم 1080، وقال حسن غريب، والطبراني في المعجم الكبير 4/ 183 برقم 4085.

(3)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 3/ 3، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي تـ 1230 هـ، ط، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، تاريخ الطبع 1417 هـ 1996 م، وانظر الفقه على المذاهب الأربعة 4/ 12 وما بعدها، لعبد الرحمن بن محمد عوض الجز يري المولود سنة 1299 هـ والمتوفى سنة 1360 هـ، ط، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، تأريخ الطبع 1409 هـ 1411 هـ، 1988 م 1990 م

(4)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/ 3 ، ومغني المحتاج 3/ 168، والكافي في فقه الإمام أحمد 3/ 3

(5)

بدائع الصنائع 2/ 482 لعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الملقب بملك العلماء، ط، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، تأريخ الطبع 1419 هـ، 1998 م.

(6)

الفقه على المذاهب الأربعة 4/ 13

(7)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/ 3، والروض المربع 1/ 360،

ص: 32

*الإباحة: ـ

ويباحُ لغير الراغب إذا لم يؤدِّ به إلى قطع مندوب. (1) وقيل يباح لمن له فيه رغبة، ولا يخاف الوقوع في الزنا، ولا يتيقنه، بل يتزوج لمجرد قضاء الشهوة. (2)

*الكراهة: ـ

ويكره لغير الراغب الذي يؤدي به إلى قطع مندوب (3) أو لمن يجدُ مؤنةَ النكاح ولكنه غير محتاج إليه، إما لعجز بجَب، أو تعنين، أو كان به مرضٌ دائم (4) إذا علمت بذلك المرأة ورضيت.

*الحرمة: ـ

قال ابن دقيق العيد: والتحريمُ في حق من يُخل بالزوجة في الوطء والإنفاق، مع عدم قدرته عليه وتوقانه إليه. (5) بمعنى أن الزواجَ يحرم إذا أدى إلى حرام. (6)

فالحاصل أن الزواج تجري عليه جميع هذه الأحكام وذلك بحسب حال المرء والمصلحة المعتبرة له شرعاً.

أما أدلتهم

فهي الأدلةُ السابقة الذكر، لكنهم أعملوا كلَ دليل في موطن، مع النظر والالتفات إلى المصلحة.

(1) الفقه على المذاهب الأربعة 4/ 13 بتصرف.

(2)

الفقه على المذاهب الأربعة 4/ 14.

(3)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/ 3

(4)

انظر مغني المحتاج 3/ 170، وكفاية الأخيار في حل غاية الاختصار 1/ 460، لتقي الدين بن محمد الحسيني الحصيني الدمشقي الشافعي من علماء القرن التاسع الهجري، بتحقيق الشيخ كامل محمد محمد عويضة، ط، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، تأريخ الطبع 1415 هـ 1995 م، وانطر روضة الطالبين 5/ 363، لأبي زكريا يحيى النووي بن شرف النووي الدمشقي المتوفى سنة 676 هـ ط، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، تأريخ الطبع 1412 هـ 1992 م.

(5)

فتح الباري 10/ 138

(6)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3/ 3

ص: 33

المناقشة والترجيح

لا شكَ أن اختلاف الفقهاءِ في حُكم النكاح دليلٌ على أهميته، ولكن هذا لا يعني الوقوف عند هذا الخلاف، وعدم الخروج برؤيةٍ واضحة في حكمه الشرعي؛ فمن قال بوجوبه نظر إلى ظواهر النصوصِ الداعية إليه، والناهية عن التبتل، وحملها على الوجوب كما أسلفنا؛ ومن قال بسنيته، نظر إلى مجموع النصوص الحاثة عليه، والمرغبة فيه، وفهم منها الندبَ، وجعلها صارفة للنصوص التي يُفهم من ظاهرها الوجوب.

فمن ذلك قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (1) نصٌ ظاهره الوجوب، صرفته الآيةُ الأخرى بقوله:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} (2) فإنه أناط الحكمَ باختيارنا واستطابتنا، والواجبُ ليس كذلك. (3)

وكذا قوله: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وهذا العددُ ليس واجباً على الناكح بالإجماع. (4) بمعنى أن الأمرَ لو كان للإيجاب؛ لاشتمل على وجوب النكاح، وكذا وجوب التعدد معاً، إذ الأمرُ بهما واحدٌ وفي آية واحدة.

وكذلك قوله في نهاية الآية: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُوا} فإنه جعلَ نكاحَ ملك اليمين الذي ليس بواجب، مقروناً بنكاح الحرة. (5) بمعنى أنه لو كان نكاح الحرة واجباً؛ لما قرنه بما ليس بواجب. وقد احتج الشافعي رحمه الله تعالى بقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (6) ـ بعد أن سرد المحرمات من النساء ـ قال: أخبر عن إحلال ما دون المحرمات، والمحللُ والمباح من الأسماء المترادفة، وكذلك قوله:{وَأُحِلَّ لَكُم} ولفظة لكم تستعمل في المباحات. (7)

وعلى ذلك تكون النصوصُ دالة على ندبية النكاح، والترغيب فيه، من غير وجوب.

(1) سورة النور الآية رقم 32

(2)

سورة النساء الآية رقم 3

(3)

كفاية الأخيار 1/ 460

(4)

مغني المحتاج 3/ 168

(5)

المصدر السابق

(6)

سورة النساء الآية رقم 24

(7)

بدائع الصنائع 2/ 483

ص: 34

لكنَّ القائلين بالتفصيل راموا الجمعَ بين القولين، وإعمال جميع الأدلة؛ فأعملوا ما ظاهرها الوجوب في مواطنَ بينوها، وكذلك أعملوا ما ظاهرها السنية في مواطن أخرى؛ وهذا تقسيمٌ حسن، لأن فيه إعمال جميع الأدلة، والجمعُ أولى من الترجيح، مع ما في ذلك من الالتفات إلى المصلحة المعتبرة شرعاً في حق المكلفين.

فإطلاق القول بالوجوب قد لا يتجه في حق من لم يكن تائقاً إليه، ولا يخاف على نفسه الوقوع في الحرام، لاسيما إن كان المكلف منشغلاً بعلم أو عبادة؛ وكذا إطلاقه بالسنية لا يتجه في حق من كان يخل بحقوق الزوجة بوطء، أو نفقة أو غيره، أو في حق من يخاف على نفسه الوقوع في العنت، وكان قادراً عليه، تائقاً إليه. وبهذا يكون أصحاب هذا القول أدقُ في الحكم، فيتعين القول به. والله أعلم

ص: 35