الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: أركان وشروط عقد النكاح في القانون اليمني
بعد أن تكلمنا عن أركان وشروط عقد النكاح في الشرع، نتكلم الآن عن هذه الأركان والشروط في القانون اليمني.
ونشرع أولاً في ذكر الأركان؛ قال في قانون الأحوال الشخصية: أركان العقد التي لا تتم ماهيته بدونها أربعة:
زوج، وزوجة، وهما محل العقد، وإيجاب، وقبول. (1) ثم شرع يتكلم عن كيفية العقد وصيغته، وبما يتم فقال: ويتم باللفظ، والكتابة، والرسالة من الغائب في مجلس بلوغ الخبر. (2) ثم قال في الأخرس: ويصح العقد من المصمت، والأخرس، بالإشارة المفهمة. (3)
ونحن نرى في القانون، أنه ذكر أركان عقد النكاح، بمعنى أن الركن هو الذي لا تتم ماهية الشيء إلا به، وليس ما يكون جزءً من ماهية الشيء، فلذلك ذكر الزوج والزوجة من الأركان.
ثم أخذ يشرع في ذكر شروط العقد فقال: ويشترط لصحة العقد ما يلي: ـ
1 ـ أن يكون في مجلس واحد، ويعني بذلك الإيجاب والقبول.
2 ـ إيجاب بما يفيد التزويج عرفاً، من ولي للمعقود بها. (4)
الإيجاب كما سبق هو اللفظ الصادر من ولي الزوجة، أو من ينوب عنه، ونحن نرى هنا في القانون أنه ذكر أن الإيجاب يكون من ولي الزوجة، مما يدل على عدم اعتبار الإيجاب من الزوجة؛ ثم شرط في الولي شروطاً فقال: مكلفاً، ذكراً، غير مُحرِم. (5)
(1) مادة رقم 8
(2)
المصدر السابق
(3)
المصدر السابق.
(4)
مادة رقم 7
(5)
المصدر السابق
ثم شرع في ذكر بعض صفات الإيجاب والقبول، جاعلاً لها ضمن الشروط فقال:
1 ـ أن يكون الإيجاب والقبول منجزين، متطابقين، وغير دالَين على التوقيت بمدة. (1)
2 ـ تعريف الزوجين حالَ العقد، باسم، أو لقب أو نحو ذلك مما يميزهما عن غيرهما. (2)
3 ـ قبولُ التزويج قبل الإعراض، من زوج مكلف، غير مُحْرم أو ممن يقوم مقامه شرعاً أو بإجازته. (3)
4 ـ خلو الزوجين حال العقد من موانع الزواج المذكورة في الفصل الثالث (4) من هذا الباب. (5)
فهذه الشروط الستة، ذكر أنه لا يصح العقد إلا بها، ثم نص في المادة التاسعة على ضرورة حضور الشاهدين فقال: يتم العقد بحضور شاهدين عدلين مسلمين أو رجل وامرأتين. (6) وشرط في الشهود، السلامة من الصمم على سبيل الإشارة فقال: يسمعان لفظ الإيجاب والقبول من المتعاقدين بالمجلس. (7) ثم قال عند عدم السماع: أو بالكتابة أو الرسالة أو الإشارة من الأخرس والمصمت. (8)
بمعنى أنه لابد للشهود من سماع اللفظ (الإيجاب والقبول) أو النظر إلى الكتابة لذلك اللفظ، أو الإشارة لمن لا يستطيع الكلام؛ ثم ذكر في المادة العاشرة الإكراه فقال: كل عقد يبنى على إكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له.
(1) المصدر السابق
(2)
المصدر السابق
(3)
مادة رقم 7
(4)
يقصد المحرمات من النسب، ومن الرضاع، والجمع بين الأختين، والمرتدة، والمتزوجة بغيره، والملاعنة ممن لاعنها والمخالفة في الملة ما لم تكن كتابية، والمطلقة ممن طلقها ثلاثاً، والمحْرمة بحج، أو عمرة.
(5)
مادة رقم 9
(6)
المصدر السابق.
(7)
مادة رقم 7
(8)
المادة رقم 9
وصرح باشتراط رضا المرأة في المادة 23 فقال: يشترط رضا المرأة، ورضا البكر سكوتها، ورضا الثيب نطقها.
كما نص القانون بخصوص المهر بقوله:
يلزم المهر للمعقود بها، بعقد صحيح، وهو ما حصل عليه التراضي، معيناً، مالاً يصح لهما تملكه، أو منفعة غير محرمة، فإذا لم يسم أو سُمي تسمية غير صحيحة أو نسى ما سمى بحيث لم يُعرف وجب مهر المثل. (1)
وبعد كل ذلك عقد فصلاً للولاية في الزواج، فقال:(الفصل الثاني في الولاية في الزواج) بيَّن فيه أن عقد الفضولي الذي لا ولاية له باطل، إذا حصل منه، ويدخل في ذلك المرأةُ لأنها ليست صاحبة ولاية، ولم يذكرها ضمن الأولياء، فقال: من أجرى عقد زواج دون ولاية أو وكالة فهو فضولي وعقد الزواج من الفضولي يعتبر كلا عقد. (2)
وبعد ذكره لتلك الأركان والشروط، وما يجب في العقد، عقد باباً في أحكام الزواج فقال في الفصل الأول منه: كل زواج استوفى أركانه وشرائطه المبينة في الباب السابق، فهو صحيح ولو لم يعقبه دخول. (3)
ثم بين في حالة اختلال ركن أو شرط فقال:
الزواج الذي لم يستوف أركانه، وشرائطه المبينة في الباب السابق، باطل ولا تترتب عليه قبل الدخول أية آثار، ويجب التفريق بين الطرفين قضاء؛ إن لم يكن قد تم برضاهما، ما لم يكن الشرط المفقود في العقد جائزاً، في مذهبيهما، أو دخلا فيه جاهلين، ولم يخرق الإجماع المعتبر في الحالين. (4)
بمعنى أن التفريق يجب قضاءً في حال تخلف شرط، أو ركن مجمعاً عليه، وفي حال تخلف شرط أو ركن مختلفاً فيه، فكذلك يجب التفريق إلا في حالتين:
الأولى: أن يكون الشرط المفقود، جائزاً في مذهبيهما، وقد تراضيا عليه.
الثانية: دخلا في هذا العقد وهما جاهلان.
(1) المادة رقم 33
(2)
مادة رقم 22
(3)
مادة رقم 30
(4)
مادة رقم 31
ثم بقي ما عُرف اليوم بتوثيق العقد، والذي به تحفظ الحقوق من الضياع، خاصةً في هذا الزمن، الذي كثر فيه التلاعبُ بالحقوق، والتملص من التبعات.
فقال في المادة (14) ما نصه: ـ
على من يتولى صيغة العقد، وعلى الزوج، وعلى ولي الزوجة أن يقيدوا وثيقة عقد الزواج لدى الجهة المختصة، في السجل المعد لذلك خلال شهر، وإذا قام أحد ممن تقدم ذكرهم بقيد الوثيقة كفى عن الآخرين، على أن تتضمن وثيقة عقد الزواج المعلومات اللازمة، مثل سن الزوجين وأرقام بطاقات الهوية إن وجدت، ومقدار المهر المعجل منه والمؤجل.
فبالتوثيق تستطيع المرأة مطالبة الرجل بحقوقها قضاءً، إذا ما تنصل يوما ما عما فُرض عليه شرعاً، وبدون هذا التوثيق قد تتعرض الحقوق للضياع، ناهيك عما تكون النتيجةُ، إذا ما كان هناك أولادٌ فأنكر الزوج صلته بزوجته، فيضيع النسب، ويظل الأولاد بلا أب يرعاهم؛ ففي التوثيق مصلحة ظاهرة، كما فيه دفع لمفاسد متوقعة الحدوث، والإسلام جاء لجلب المصلحة، ودفع المفسدة.
بقي أن أذكر في نهاية هذا الفصل، ملخصاً جامعاً، لآثار الزواج الشرعي التام الصحيح، لأرسم في الأذهان الصورة الكلية، الجامعة لأحكام الزواج الشرعي الصحيح، المعروف لدى الفقهاء بالزواج الشرعي، الصحيح اللازم، وهو الزواج الذي استوفى أركانه وشروطه التالية:
أولاً: أركانه
1 ـ الإيجاب، بشروطه السابقة
2 ـ القبول، بشروطه السابقة
3 ـ ارتباط الإيجاب بالقبول، بالشروط السابقة
ثانياً: الشروط
1 ـ الزوج، بالشروط السابقة.
2 ـ الزوجة، بالشروط السابقة.
3 ـ الولي، بالشروط السابقة.
4 ـ الشاهدان، بالشروط السابقة.
5 ـ الصداق.
فإذا توفرت في عقد الزواج، تلك الأركان والشروط؛ ترتبت عليه الآثار الآتية: ـ
أولاً: للزوجة على الزوج: ـ
1 ـ وجوب المهر.
2 ـ النفقة المقدرة شرعاً.
3 ـ العدل بين الزوجات.
4 ـ عدم الإيذاء بالقول أو الفعل.
ثانياً: للزوج على الزوجة: ـ
1 ـ الطاعة بالمعروف.
2 ـ القرار في بيت الزوج.
3 ـ ولاية تأديبها بالمعروف شرعاً.
ثالثاً: آثار مشتركة بينهما: ـ
1 ـ حل الاستمتاع بين الزوجين، كل بالآخر على الوجه المشروع.
2 ـ حسن المعاشرة بينهما.
3 ـ حرمة المصاهرة، بينهما.
4 ـ التوارث بينهما، ما لم يمنع مانع شرعي من ذلك.
5 ـ ثبوت النسب للأولاد بينهما.
أما في حالة اختلال ركن من الأركان الثلاثة السابقة، فإن العقد يكون باطلاً، ولا تترتب عليه أية آثار من آثار العقد الصحيح؛ لأن ماهية العقد لم توجد أصلاً، كمن يزعم الزواج بدون إيجاب أو قبول.
وفي حالة اختلال شرط من الشروط سواء كان الولي، أو الشهود، فإن العقد يكون باطلاً فاسداً لا تترتب عليه أية آثار، لكن إن كان قد دخل بها ترتب عليه ما يلي:
1) وجوب المهر، لقوله صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها مهرها بما أصابها فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له "(1)
2) حرمة المصاهرة فيما بينهما؛ لأنه نكاح شبهة، قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن الرجل إذا وطء امرأة بنكاح فاسد، أنها تحرم على ابنه، وأبيه، وعلى أجداده، وولد ولده. (2)
3) ثبوت نسب الأولاد بينهما، حفاظاً على حقوق الأولاد من الضياع، ويمكن الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم:"الولد للفراش وللعاهر الحجر"(3) وفي هذا الزواج شبهة فراش والله أعلم.
(1) سبق تخريجه في المبحث الثالث من الفصل الأول صـ 48
(2)
كتاب الإجماع، صـ 106، تأليف أبي بكرمحمد بن أبراهيم بن المنذر النيسابوري، المتوفى سنة 318 هـ، ط، مكتبة الفرقان، الإمارات العربية المتحدة، ومكتبة مكة الثقافية، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الثانية، تأريخ الطبع 1420 هـ 1999 م، بتحقيق د/ أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب البيوع 3/ 724 برقم 1948، ومسلم في كتاب الرضاع 2/ 875، برقم 1457 كلاهما من حديث عائشة، وغيرهما.
4) وجوب العدة على المرأة، سواء كانت حاملاً، أو غير حامل، فالحامل بوضع الحمل، وغير الحامل مثل عدة المطلقة، وتبدأ من وقت التفريق، لأن في هذا النكاح شغل للرحم، ولحوق للنسب، فأشبه النكاح الصحيح في هذا. (1)
5) انتفاء الحد عنهما، سواء كانا ممن يعتقدا تحريمه، أم لا؛ لشبهة الخلاف في صحته (2) ، والحدود تدرأ بالشبهات، كما في حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله؛ فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"(3) والله أعلم.
أما إن فقد العقد، الولي والشهود معاً (نكاح السر) ، فإن النكاحَ يكون نكاحاً باطلاً، عند كافة العلماء، وهو من جنس نكاح الخدن (الزنا) الذي حرمه الإسلام، كما هو معروف في ديننا، لا يجهله أحد. فإن وطء فيه وجب الحد عليه جزماً؛ لانتفاء الشبهة (4).
فإن الولي شرطُ صحة عند المالكية، والشافعية، والحنابلة كما سبق بيانه، والإشهاد شرط عند الأحناف، والشافعية، والحنابلة؛ والنكاح بلا ولي ولا شهود، غير صحيح عندهم جميعاً، ولا قائل به. والله أعلم، ، ،
(1) مغني المحتاج بتصرف 3/ 504، والمغني 11/ 96، وانظر الفقه على المذاهب الأربعة 4/ 438 وما بعدها.
(2)
مغني المحتاج 3/ 199، الكافي 3/ 10 ـ 11
(3)
أخرجه الترمذي في سننه في كتاب الحدود 4/ 25 برقم 1424، وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الحدود وقال صحيح على شرط الشيخين وقال الذهبي فيه: قال النسائي فيه يزيد بن زياد شامي متروك 4/ 384، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الحدود 8/ 413 برقم 17057، وضعفه ابن حجر في تلخيص الحبير وصحح وقفه على عمر ابن الخطاب م 2 /ج 4 صـ 56.
(4)
مغني المحتاج 3/ 199.
الفصل الثاني
النكاح العرفي