الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: صفة النكاح المشروع
بعد أن عرفنا أنواع النكاح في الجاهلية، وعرفنا ما أقره الإسلام منها، نريد أن نعرف الآن صورة هذا النكاح المشروع، أركانه، وشروطه، وما يصح به شرعاً، حتى يتجلى أمام القارئ الكريم بكل وضوح.
ثم إن هذه الأركان والشروط منبثقة من نصوص الكتاب، والسنة، ولا يصح عقد النكاح إلا بها، كما أن فيها ضمان لحقوق الزوجين من الضياع.
وقد جرى الخلاف الذي هو لازم عن الفطرة في عقول البشر، في اشتراط أمور من عدم اشتراطها كما سنبين.
وقبل الشروع في ذكر الأركان والشروط نريد أن نبين تعريف الركن، والشرط، كلاً على حدة حتى تتضح المسألة وضوحاً كاملاً.
تعريف الركن: ـ
قال في المصباح المنير:
رُكن الشيء جانبه، والجمع أركان، فأركان الشيء أجزاء ماهيته. (1) إذاً فالركن يكون في أصل الشيء وداخلاً فيه، بخلاف الشرط كما سيأتي، قال في الكليات: توقف الشيء على الشيء من جهة الوجود، إن كان داخلاً فيه يسمى ركناً، كالقيام بالنسبة إلى الصلاة. (2)
تعريف الشرط: ـ
قال في لسان العرب:
الشَّرْطُ إِلزامُ الشيء والتِزامُه في البيعِ ونحوه، والجمع شُروط
…
وبالتحريك العلامة (3). وقال صاحب أنيس الفقهاء: الشرط ما يتوقف عليه الشيء، وليس منه كالطهارة للصلاة. (4) فالطهارة شرط لصحة الصلاة، مع أن الطهارة ليست داخلة في أفعال الصلاة. فالشرط إذاً
(1) المصباح المنير م 1 /ج 1 /صـ 237
(2)
الكليات معجم في الفروق والمصطلحات اللغوية، أبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكوفي المتوفى سنة 1094 هـ 1683 م، ط، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان، الطبعة الثانية، تأريخ الطبع 1413 هـ 1993 م.
(3)
انظر لسان العرب 7/ 82 وما بعدها.
(4)
أنيس الفقهاء 1/ 1
عبارة عن ما لا يوجد المشروط مع عدمه، لكن لا يلزم أن يوجد عند وجوده .. (1) وقيل: حقيقته ما كان عدمه يستلزم عدم الحكم. (2) والتعريفان يحملان معنى واحداً، وهو أن الشرط يتوقف عليه الشيء لكنه ليس داخلاً في ماهيته.
أولاً: أركان عقد النكاح
يذكر الفقهاء أركان عقد النكاح، ويدخل بعضهم ضمنها بعض شروط العقد، (3) ولكن إذا نظرنا إلى الأركان بحسب التعريف السابق، نجد أنها ما تكون أصلاً في ماهية الشيء؛ وعلى ذلك تكون الأركان ثلاثة، اثنان حسيان هما: الإيجاب، والقبول، والثالث معنوي وهو: ارتباط الإيجاب بالقبول. (4)
أولاً: الإيجاب
وهو اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم مقامه. (5) وله شروط أهمها، أن يكون بالعربية ممن ينطق بها، بلفظ أنكحتك، أو زوجتك؛ لأنهما اللفظان اللذان ورد بهما القرآن، (6) وكذلك إصرار العاقد وبقاؤه بصيغة الكمال، حتى يوجد القبول. (7)
ثانياً: القبول
وهو اللفظ الصادر من الزوج، أو من يقوم مقامه. (8) وله شروط أهمها، أن يكون بلفظ قبلت هذا النكاح أو تزوجتها، أو قبلت، أو رضيت. (9) أو ما يقوم مقام اللفظ. (10)
(1) المستصفى من علم الأصول 1/ 261، لمحمد بن أحمد الغزالي أبي حامد، ط، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت لبنان.
(2)
إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول 1/ 25، للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني المولود سنة 1173 هـ والمتوفى سنة 1250 هـ ط، دار الفكر، بيروت لبنان، الطبعة السابعة، تأريخ الطبع 1417 هـ 1997 م.
(3)
انظر مثلاً مغني المحتاج 3/ 188
(4)
الفقه على المذاهب الأربعة 4/ 18
(5)
الروض المربع 1/ 362
(6)
المهذب في فقه الشافعي 2/ 437، أبي إسحاق الشيرازي، المولود في 393 هـ تـ 476 هـ ط، دار القلم دمشق، مع الدار الشامية بيروت لبنان، تاريخ الطبع 1417 هـ 1996 م، والروض المربع 1/ 362
(7)
مغني المحتاج 3/ 189
(8)
الروض المربع 1/ 362
(9)
المرجع السابق
(10)
بدائع الصنائع 2/ 485
ثالثاً: ارتباط الإيجاب بالقبول
يشترط بعض الفقهاء أن يكون ارتباط الإيجاب بالقبول منجزاً ـ أي حالاً ـ ولا يصح تعليقه، كأنكحتك إذا طلعت الشمس. (1) ويشترط كذلك أن يكون ارتباط الإيجاب بالقبول على سبيل الفورية، بأن لا يفصل بينهما فاصلٌ كبير يقتضي الإعراض. (2) فهذه الأركان الثلاثة هي ماهية العقد، وما يمكن أن يقوم عليه الزواج الشرعي الصحيح، مع ما تبقى من الشروط في ذلك.
ثانياً: شروط عقد النكاح
أما شروط عقد النكاح التي تكون خارجة عن ماهية العقد، لكنها شروط صحة، بمعنى أنه لا يصح عقد النكاح إلا بها، فهي أربعة، الزوج، والزوجة، والولي، والشاهدان، وزاد بعضهم الصداق، وسنتكلم عن كل واحد منها:
أولاً: الزوج
وهو طالب عقد النكاح بنفسه، أو بالوكالة ويشترط فيه أن يكون معيناً معروفاً، لا مبهماً في العقد، بأن يذكر اسمه، أو صفته، أو يشار إليه، أو يذكر ما يميزه عن غيره. (3) ويشترط كذلك رضاه إذا لم يكن صغيراً، أو معتوهاً. (4)
ثانياً: الزوجة
وهي المعقود عليها، ويشترط فيها أن تكون خالية من الموانع الشرعية، كالعدة. (5) وكذلك تعيينها بما يميزها عن غيرها، كذكر اسمها، أو صفتها، أو غيره. (6) ويشترط رضاها بكراً كانت أم ثيباً، إلا أن المالكية، والشافعية، والحنابلة (7)، يجيزون للأب إجبار البكر، صغيرة
(1) مغني المحتاج 3/ 191
(2)
الفقه على المذاهب الأربعة 4/ 26
(3)
المهذب 2/ 436 ، حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع 6/ 252، 253، عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي المولود سنة 1312 هـ والمتوفى سنة 1392 هـ، الطبعة الرابعة، تأريخ الطبع 1410 هـ
(4)
الروض المربع 1/ 163
(5)
حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع 6/ 246
(6)
المهذب 2/ 436، وحاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع 6/ 252، 253
(7)
على خلاف عندهم في البكر البالغة، ففيها روايتان في المذهب، انظر الكافي 3/ 26.
كانت أم كبيرة على النكاح لحرصهم عليها، وللأمن من جهتهم عن الإضرار بها. (1) خلافاً للأحناف فإنهم لا يجيزون الإجبار للبكر البالغة مطلقاً؛ لانقطاع الولاية عندهم بالبلوغ لكنهم قالوا للولي أن يزوج الصغيرة، بكراً كانت، أم ثيباً فإذا بلغت كان لها الخيار. (2) فعند المالكية، والشافعية، والحنابلة الإجبار منوط بالبكارة، وعند الأحناف منوط بالصغر.
ثالثاً: الولي
وهو من يكون عصبة بالنسبة للمرأة، ويشترط لصحة عقد النكاح أن يتولى العقد من جهة المرأة وليها، ولا يصح عقد المرأة لنفسها، ولا أن تتولى العقد لغيرها، عند المالكية (3) والشافعية، (4) والحنابلة (5) وأولى الولاة هم كالتالي: الأب، ثم الجد أبو الأب، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم، ثم ابن العم، على هذا
…
الترتيب. (6) حسب العصوبات في الميراث، عند الشافعية، والحنابلة، إلا أن الحنابلة زادوا بعد الأب، الابن وابنه. (7) ثم إن عدموا أو عضلوا فالسلطان ولي من لا ولي له. (8)
أما عند المالكية فالترتيب كالتالي:
الأبناء، ثم بنوهم، ثم الأب، ثم الأخوة الأشقاء، ثم الإخوة لأب، ثم بنوهم لأب وأم، ثم بنوهم للأب، ثم الأجداد للأب وإن علو، ثم العمومة على ترتيب الإخوة، ثم بنوهم على ترتيب بني الإخوة وإن سفلوا، ثم الموالي، ثم السلطان. (9)
أما الحنفية فإنهم يجيزون للمرأة أن تنكح نفسها، بأن تتولى العقد، بغير إذن وليها، بكراً كانت أم ثيباً، زوجت نفسها بكفء، أو غير كفء، فيعتبر النكاح صحيحاً عندهم في ظاهر الرواية
(1) المدونة الكبرى 2/ 155 ، مالك بن أنس الأصبحي ، رواية سحنون بن سعد التنوخي عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم العتقي ، مطابع السعادة محافظة مصر، تاريخ الطبع 1323 هـ ، وكفاية الأخيار 1/ 473، وانظر الروض المربع، 1/ 363.
(2)
المبسوط 2/ 212، 213، وبدائع الصنائع 2/ 504، 505 وما بعدها.
(3)
المدونة الكبرى 2/ 166
(4)
المهذب 2/ 426
(5)
المغني 9/ 344، 345
(6)
كفاية الأخيار 1/ 477
(7)
الكافي 3/ 12
(8)
كفاية الأخيار 1/ 478
(9)
المدونة 2/ 161
عن أبي حنيفة، (1) إلا أن الزوج إذا لم يكن كفئ، كان للأولياء حق الاعتراض، وفي رواية الحسن إن كان الزوج كفءً لها، جاز النكاح، وإن لم يكن كفءً، لم يجز. (2)
وقول الجماهير في اشتراط الولي هوالراجح، وذلك لما يفهم من الآيات، وللأحاديث الصحيحة المصرحة في اشتراط الولي، واعتبار النكاح باطلاً إذا كان بغير ولي.
أما الآيات: ـ
نزلت في معقل بن يسار حين حلف أن لا يزوج أخته من مطلقها. (4) فلو كان للمرأة أن تعقد لما نهى عن عضلها، قال الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ: هذه أبين آية في كتاب الله تعالى، تدل على أن ليس للمرأة أن تتزوج بغير ولي. (5)
وأما الأحاديث: ـ
حديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي"(6)
أي لا نكاحَ صحيح شرعاً، إلا بالولي، فالنفي يتوجه إلى الصحة؛ لأنه أقرب إلى الحقيقة، ويؤكد ذلك ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة
(1) المبسوط 3/ 10، 11
(2)
المرجع السابق
(3)
سورة البقرة الآية رقم 232
(4)
أخرجه البخاري في كتاب النكاح 5/ 1972 برقم 4837، والبيهقي في السنن كتاب النكاح 7/ 167 برقم 13596 وغيرهما.
(5)
مغني المحتاج 3/ 198
(6)
أخرجه أحمد في المسند من حديث ابن عباس 4/ 121 برقم 2260، وأبو داوود في السنن كتاب النكاح 2/ 568
…
برقم 2085، وابن ماجة في سننه كتاب النكاح 1/ 600 برقم 1880، والترمذي في سننه كتاب النكاح 3/ 407، والطبراني في المعجم الأوسط 1/ 391 برقم 685، والكبير 8/ 292 برقم 8121، والدارقطني في سننه في كتاب النكاح 1/ 118 برقم 4، والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي وقال بعد أن ذكر له أسانيد كثيرة: فقد استدللنا بالروايات الصحيحة وبأقاويل أئمة هذا العلم على صحة حديث أبي موسى بما فيه غنية لمن تأمله، وفي الباب عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عمر، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة، وعمران بن حصين، وعبد الله بن عمرو، والمسور ين مخرمة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم وأكثرها صحيحة، وقد صحت الروايات فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش، رضي الله عنهم أجمعين. وأخرجه أيضاً البيهقي في السنن في كتاب النكاح 7/ 172 برقم 13608.
نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها مهرها بما أصابها وإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (1) فهذا يدل دلالة صريحة أن الولي وعلمه بنكاح موليته، من شروط الصحة التي يكون النكاح بدونها باطلاً ولاغياً، والبطلان في العقد الذي يكون بلا ولي، بمعنى أن وجوده كعدمه تماماً؛ يؤيد ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنهم عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزوج المرأةُ المرأةَ ولا تزوج المرأةُ نفسها، إن البغية التي تزوج نفسها" (2)
وقد روي اشتراط الولي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة وعائشة، وإليه ذهب سعيد ابن المسيب، وعمر ابن عبد العزيز، وجابر بن زيد والثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمه، وابن المبارك، والشافعي، وإسحاق، وغيرهم. (3) وسيأتي مزيد من المناقشة فيما بعد. (4)؛ وحيث ثبت اشتراط الولي فإنه يشترط فيه ثمانية شروط (5): ـ
1 ـ الحرية، فلا ولاية للعبد.
2 ـ العقل، فلا يزوج الطفل ولا المجنون.
3 ـ الذكورية، فلا ولاية للمرأة.
لأن هؤلاء لا يملكون تزويج أنفسهم، فلا يملكون تزويج غيرهم بطريق الأولى.
4 ـ اتفاق الدين، فلا يلي كافر مسلمة بحال.
5 ـ العدالة، فلا يلي الفاسق إلا عند أبي حنيفة. (6)
(1) أخرجه أحمد في المسند 42/ 199 برقم 25326، وأبو داوود في السنن كتاب النكاح 2/ 566 برقم 2083، وابن ماجه في السنن كتاب النكاح 1/ 600 برقم 1879، والترمذي أيضاً في السنن كتاب النكاح 3/ 407 برقم 1102، وابن حبان في صحيحه في كتاب النكاح 3/ 152 برقم 4036، والدارقطني في سننه كتاب النكاح 1/ 221 برقم 10، والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبيي كتاب النكاح 2/ 168، وقال أيضاً فقد صح وثبت بروايات الأئمة الأثبات سماع الرواة بعضهم من بعض فلا تعلل هذه الروايات بحديث ابن علية وسؤاله ابن جريح عنه وقوله اني سألت الزهري عنه فلم يعرفه فقد ينسى الثقة الحافظ الحديث بعد أن حدث به وقد فعله غير واحد من حفاظ الحديث.، وأخرجه أيصاً البيهقي في السنن الكبرى كتاب النكاح 7/ 168 برقم 13598.، وصححه الألباني في الإرواء وشكك في صحة رواية نسيان الزهري 6/ 246 برقم 1840.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه كتاب النكاح 1/ 601 برقم 1882، والدارقطني في السنن كتاب النكاح 1/ 227
…
برقم 25 .... 31، وفيه أن قوله أن الزانية وما بعدها، من كلام أبي هريرة، والبيهقي في سننه الكبرى كتاب النكاح 7/ 177 برقم 13632، 13635، وصححه الألباني في إرواء الغليل دون الجملة الأخيرة والتي فيها إن الزانية التي تنكح
…
نفسها، 6/ 248 برقم 1841.
(3)
المغني 9/ 345
(4)
في المبحث الرابع من الفصل الثاني
(5)
انظر هذه الشروط في المبسوط ج/3/ 10 وما بعدها، وبلغة السالك لأقرب المسالك 1/ 348 وما بعدها، وكفاية الأخيار 473 وما بعدها، والكافي 3/ 15.
(6)
المبسوط 3/ 10، 15
6 ـ البلوغ، فلا يلي الصبي.
7 ـ التعصيب، أو ما يقوم مقامه فلا تثبت الولاية لغيرهم.
8 ـ عدم وجود مَنْ هو أولى منه، فلا تثبت الولاية للأب الأبعد، مع حضور الأقرب الذي اكتملت فيه الشروط. (1)
رابعاً: الشاهدان
من شروط صحة عقد النكاح كذلك أن يشهد عليه رجلان، أثناء انعقاده، عند الأحناف، والشافعية، والحنابلة (2) إلا أن الأحناف يجيزون أن يشهد رجل وامرأتان، خلافاً للجماهير، وأن يكون الشاهدان فاسقين (3) أما المالكية فإنهم لم يشترطوا حضور الشاهدين، أثناء العقد، ويصححون العقد بغير الشهود، لكنهم يشترطون إعلان النكاح، وأن لا يكون سراً، وإلا كان النكاح باطلاً؛ قالوا ويشهد عليه في المستقبل، حتى أنهم قالوا إذا أشهدا على نكاحهما، ولم يعلناه، وأمرا الشهود بالكتمان، كان النكاح باطلاً. (4)
والخلاصة
أن الإشهاد على النكاح، وإعلام الناس بالنكاح، من شروط صحة عقد النكاح، وعلى ذلك لا يصح نكاح السر الذي يتواصى بكتمانه عند الجميع والله أعلم.
ودليل اشتراط الشهود مايلي:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" (5)
وهذا النفي يحمل على أقرب المجازين للحقيقة، وهو نفي الصحة؛ وما روي عن
(1) كفاية الأخيار 1/ 478 ، الكافي 3/ 16.
(2)
المبسوط 3/ 30، 31 وكفاية الأخيار 1/ 473، المغني 9/ 347.
(3)
المبسوط 3/ 31، 32
(4)
المدونة الكبرى 2/ 192
(5)
أخرجه ابن حبان في صحيحه م 3 جزء 6/ 152 برقم 4063 في كتاب النكاح، وقال: قال أبو حاتم: لم يقل أحدٌ في خبر ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري هذا "وشاهدي عدل" إلا ثلاثة أنفس، سعيد بن يحيى الأموي عن حفص بن غياث وعبدالله بن عبدا لوهاب الحجي عن خالد بن الحارث، وعبد الرحمن بن يونس الرقي عن عيسى بين يونس ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر. وأخرجه أيضاً الدارقطني في السنن م 2 جزء 3/ 221 في كتاب النكاح، وصححه الألباني في إرواء الغليل م 6/ 258 برقم 1858.
عائشة رضي الله عنها أيضاً أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بد في النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدان"(1) فكما أنه لا نكاح بلا زوج فكذلك لا نكاح بلا شاهدين.
ويشترط في الشاهدين سبع (2) صفات:
1 ـ العقل، لأن المجنون والطفل ليسا من أهل الشهادة.
2 ـ السمع، لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به.
3 ـ النطق، لأن الأخرس لا يتمكن من أداء الشهادة.
4 ـ البلوغ، لأن الصبي لا شهادة له.
5 ـ الإسلام
6 ـ العدالة، إلا عند الأحناف (3)، ولا يشترط معرفة العدالة بل يكفي أن يكون مستور الحال.
7 ـ الذكورة إلا عند الأحناف كما سبق؛ زاد الأحناف والشافعية شرطاً، وهو الحرية (4) والمعنى في اشتراط تلك الشروط هو الاحتياط للأبضاع، وصيانة النكاح عن الجحود، ولحفظ الأنساب، فينبغي أن يتنبه لمثل ذلك، ويتحرى مريد النكاح شهودا عدولاً. (5)
خامساً: الصداق
يذكر فقهاء المالكية لعقد النكاح شرطاً خامساً، ويقول به بقية الفقهاء، إلا أنهم لا يعدونه من ضمن شروط عقد النكاح (6) والصداق بفتح الصاد وكسرها، هو اسم للمال الواجب للمرأة على الرجل، بالنكاح أو الوطء. (7) وله أسماء كثيرة، جمعها بعضهم بقوله:
مهر صداق نحلة وفريضة: طول حباء عقر أجر علائق (8)
(1) أخرجه الدارقطني في كتاب النكاح وقال فيه أبو الحصيب مجهول وهو نافع بن ميسرة، 2/ 224 برقم 19، وضعفه الألباني في الإرواء 6/ 260 برقم 1859.
(2)
انطر هذه الشروط في بدائع الصنائع 2/ 524 وما بعدها، وكفاية الأخيار 473 وما بعدها، الكافي 3/ 22 وما بعدها.
(3)
المبسوط 3/ 31، 32.
(4)
بدائع الصنائع 2/ 524، كفاية الأخيار 1/ 474
(5)
كفاية الأخبار 1/ 477.
(6)
انظر بلغة السالك لأقرب المسالك 1/ 348، أحمد الصاوي، ط، دار الفكر بيروت لبنان، والمبسوط 2/ 62 وما بعدها، وكفاية الأخيار 1/ 489، الروض المربع، 1/ 375 وما بعدها.
(7)
كفاية الأخيار 1/ 489.
(8)
انظر معني المحتاج 3/ 298.
وقد فرضه الله تعالى فقال {وَآتُوا النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (1) أي عطية من الله مبتدأه، والمخاطب بذلك الأزواج عند الأكثرين، وقيل الأولياء (2) والصداق مأخوذ من الصدق، وهو الشديد الصلب؛ لأنه أشد الأعواض ثبوتاً، فإنه لا يسقط بالتراضي (3) فالصداق لابد منه، ولكن لا يشترط ذكره في العقد، فإذا جرى العقد ولم يُذكر فيه الصداق، صح العقد، وللمرأة مهرُ المثل؛ فإذا اشترطوا في عقد النكاح، عدم الصداق، كان العقد باطلاً. (4) فعلى هذا يكون الصداق شرط صحة، لكن لا يلزم وجوده، أو ذكره أثناء العقد. والله أعلم.
(1) سورة النساء الآية رقم 4.
(2)
مغني المحتاج 3/ 298 وما بعدها.
(3)
كفاية الأخيار 1/ 489.
(4)
بلغة السالك 1/ 348.