الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: حكمه الشرعي
القسم الأول: النكاح بغير شهود
اتفق أهل العلم على صحة النكاح الذي شهد عليه رجلان، عدلان، وتم الإعلان عنه. (1) قال ابن تيمية رحمة الله تعالى: إذا اجتمع الاشهاد، والإعلان ـ في عقد النكاح ـ فهذا الذي لا نزاع في صحته. (2)
كما اتفق عامة أهل العلم على بطلان النكاح الذي يتم بغير شهود، ولا إعلان. (3) قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: نكاح السر الذي يتواصى بكتمانه، ولا يشهدون عليه أحداً، باطل عند عامة العلماء وهو من جنس السفاح. (4)
واختلف أهل العلم في النكاح الذي شهد عليه الشهود، ولكنهم لم يعلنوه للناس وتواصوا بكتمانه، كما اختلفوا في النكاح الذي أعلن ولم يحضره أحد من الشهود.
وسبب الاختلاف يعود لأمرين:
1) اختلافهم في تصحيح أحاديث اشتراط الشهادة في عقد النكاح؛ فمن صححها قال باشتراط الشهادة كشرط صحة في عقد النكاح، ومن لم يصحح منها شيء قال بعدم اشتراط ذلك.
2) اختلافهم أيضاً في مقصود الشهادة في عقد النكاح، هل هي أمر تعبدي ثبت بالشرع، يلزم تحققها؟ أم يقصد من وراءها مجرد التوثيق، وإثبات العقد عند التجاحد؟ فمن قال هي أمر تعبدي ثبت بالشرع، أثبتها كشرط صحة، ومن قال يقصد من ورائها التوثيق، وإثبات العقد جعلها شرط تمام، أو اكتفى بمجرد الإعلان، لأنه يقوم مقامها. (5)
(1) بدائع الصنائع 2/ 523، بلغة السالك لأقرب المسالك 1/ 348، 349، معني المحتاج 3/ 194، الروض
…
المربع 1/ 366.
(2)
مجموع الفتاوى 32/ 130
(3)
بدائع الضائع 2/ 523، المدونة الكبرى 2/ 193، 194، الأم 5/ 35، مغني المحتاج 3/ 194، الروض
…
المربع 1/ 366
(4)
مجموع الفتاوى 32/ 158
(5)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد 3/ 35، بتصرف.
القائلون باشتراط الشهادة في عقد النكاح
أولاً من الصحابة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين.
ثانياً من التابعين: سعيد بن المسيب، وجابر بن زيد (1)، والحسن، والنخعي، وقتادة (2)، والثوري، الأوزاعي. (3)
ثالثاً من الفقهاء: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد في المشهور عنه. (4)
قال ابن رشد (5): وكثير من الناس رأي هذا داخلاً في باب الإجماع وهو ضعيف. (6)
(1) هو جابر بن زيد، أبو الشعثاء الأزدي اليحمدي الجوفي. قال ابن عباس: لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً من كتاب الله. وقال الزيات: سألت ابن عباس عن شيء فقال: تسألوني وفيكم جابر بن زيد وهو أحد العلماء؟ .مات سنة ثلاث وتسعين أو ثلاث ومائة أو أربع ومائة. انظر طبقات الحفاظ - (ج 1 / ص 37، برقم 65) وتقريب التهذيب - (ج 1 / ص 136، برقم 865)
(2)
هو أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السدوسي البصري الأكمه، من كبار فقهاء البصرة، ولد وهو أعمى، وعنى بالعلم فصار من حفاظ أهل زمانه، وعلمائهم بالقرآن والفقه، قال معمر: قلت للزهري أقتادة أعلم أم مكحول؟ قال: لا، بل قتادة، ما كان عند مكحول إلا شيء يسير. ولد سنة 60 هـ، ومات 117 هـ. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر 8/ 315.
(3)
انظر الحاوي 9/ 57، والمغني 9/ 347.
(4)
المبسوط 3 ج 5/ 30، الأم 9/ 35 وما بعدها، المعني 9/ 347.
(5)
هو - ابن رشد الحفيد * العلامة. فيلسوف الوقت، أبو الوليد، محمد بن أبي القاسم أحمد ابن شيخ المالكية أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي، مولده قبل موت جده بشهر سنة عشرين وخمس مئة، عرض (الموطأ) على أبيه. وأخذ عن أبي مروان بن مسرة وجماعة، وبرع في الفقه، وأخذ الطب عن أبي مروان بن حزبول، ثم أقبل على علوم الاوائل وبلاياهم، حتى صار يضرب به المثل في ذلك. قال الابار: لم ينشأ بالاندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، وكان متواضعا، منخفض الجناح، يقال عنه: إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، وإنه سود في ما ألف، وقيد نحوا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الحكماء، فكانت له فيها الامامة.، وكان يفزع إلى فتياه في الطب، كما يفزع إلى فتياه في الفقه، مع وفور العربية، وقيل: كان يحفظ ديوان أبي تمام والمتنبي. وله من التصانيف: (بداية المجتهد) في الفقه، و (الكليات) في الطب، و (مختصر المستصفى) في الاصول، ومؤلف في العربية. وولي قضاء قرطبة، فحمدت سيرته. قال ابن أبي أصيبعة في (تاريخ الحكماء): كان أوحد في الفقه والخلاف، قال شيخ الشيوخ ابن حمويه: لما دخلت البلاد، سألت عن ابن رشد، فقيل: إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب، لا يدخل إليه أحد، لأنه رفعت عنه أقوال ردية، ونسبت إليه العلوم المهجورة، ومات محبوسا بداره بمراكش في أواخر سنة أربع. وقال غيره: مات في صفر، وقيل: ربيع الاول سنة خمس. ومات السلطان بعده بشهر. انظر سير أعلام النبلاء - (ج 21 / ص 307).
(6)
بداية المجتهد 3/ 35.
وأما من قال بعدم اشتراط الشهادة في عقد النكاح، واكتفى بمجرد الإعلان فهم:
أولاً من الصحابة: ابن عمر رضي الله عنه والحسن بن علي، وابن الزبير (1).
ثانياً من التابعين: سالم (2)، وحمزة (3) إبنا عبد الله بن عمر، وعبد الله بن إدريس (4)،
وأبو ثور (5)، وابن المنذر (6)، والليث (7) وغيرهم. (8)
(1) هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد أمير المؤمنين أبو بكر وأبو خبيب القرشي الأسدي المكي ثم المدني، أحد الأعلام، ولد الحواري الإمام أبي عبد الله بن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه، ومسنده نحواً من 33 حديثاً، كان أول مولود للمهاجرين في المدينة سنة 2 هـ وقيل 1 هـ، وله صحبة، ورواية، عداده في صغار الصحابة، وإن كان كبيراً في العلم والشرف، والعبادة، بويع للخلافة سنة 64 هـ وحكم الحجاز واليمن ومصر وبعض الشام والعراق وخراسان، ولم يستتب له الأمر، قتل في جمادى الآخرة سنة 73 هـ كما قال ابن إسحاق. انظر تهذيب سير أعلام النبلاء 1/ 102 وما بعدها.
(2)
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي، العدوي، أبو عمر أو أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة وكان ثبتا عابدا فاضلا، كان يشبه بأبيه في الهدي والسمت من كبار الثالثة، قال ابن معين: سالم والقاسم حديثهما قريب من السواء وابن المسيب قريب منها وقيل له: فسالم أعلم بابن عمر أو نافع؟ قال يقولون؟ إن نافعا لم يحدث حتى مات سالم. وقال أحمد وابن راهويه: أصح الأسانيد الزهري عن سالم عن أبيه، مات في ذي القعدة أو الحجة سنة ست ومائة أو سبع أوثمان. انظر تقريب التهذيب - (ج 1 / ص 226، برقم 2176) وانظر طبقات الحفاظ - (1/ 34، برقم 75).
(3)
هو حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عمارة، روى عن أبيه وعمته حفصة وعائشة، وروى عنه أخوه عبد الله وابن أخيه خالد بن أبي بكر والزهري والحارث بن عبد الرحمن وغيرهم، قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث، وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره ابن المديني عن يحيى سعيد في فقهاء أهل المدينة، وهو شقيق سالم. انظر تهذيب التهذيب 2/ 443، لابن حجر العسقلاني، ط، دار الفكر، الطبعة الأولى، تأريخ الطبع 1415 هـ 1995 م.
(4)
هو عبد الله بن إدريس الاودي الكوفي: من أعلام حفاظ الحديث، كان فاضلا عابدا، حجة في ما يرويه، أراد الرشيد توليته القضاء، فامتنع تورعا، ووصله، فرد عليه صلته، وسأله أن يحدث ابنه، فقال: إذا جاءنا مع الجماعة حدثناه! فقال: وددت أني لم أكن رأيتك. فقال: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك! .وكان مذهبه في الفتيا مذهب أهل المدينة، توفي سنة اثنتين وتسعين وله بضع وسبعون سنة .. انظرتقريب التهذيب - (ج 1 / ص 295، برقم 3207) وانظر أيضًالأعلام للزركلي - (ج 4 / ص 71)
(5)
هو إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه، أحد الأعلام، تفقه وسمع من ابن عيينة وغيره، وبرع في العلم ولم يقلد أحداً، الإمام، مفتي العراق، لقبه أبو ثور، ويكنى بأبي عبدا لله، كان يتفقه أولاً بالرأي، ويذهب إلى قول العراقيين، حتى قدم الشافعي فاختلف إليه، ورجع عن الرأي إلى الحديث، قال عنه ابن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقهاً، وعلماً، وورعاً، وفضلاً، صنف الكتب، وفرع على السنن، وذب عنها رحمه الله تعالى. ولد في حدود سنة 170 هـ، وتوفي سنة 240 هـ. انظر سير أعلام النبلاء للذهبي 12/ 72، وما بعدها.
(6)
هو الامام الحافظ العلامة، شيخ الاسلام، أبو بكر، محمد بن إبراهيم ابن المنذر النيسابوري الفقيه، نزيل مكة، وصاحب التصانيف " الاشراف في اختلاف العلماء "، وكتاب:" الإجماع "، وكتاب:" المبسوط "، وغير ذلك. ولد في حدود موت أحمد بن حنبل. وروى عن: الربيع بن سليمان، ومحمد بن عبدا لله بن عبد الحكم، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن ميمون، وعلي بن عبد العزيز، وخلق كثير مذكورين في كتبه، حدث عنه: أبو بكر بن المقرئ، ومحمد يحيى بن عمار، توفي سنة 318 هـ. انظر سير أعلام النبلاء - (ج 14 / ص 490)
(7)
هو الليث بن سعد عبد الرحمن الفهمي: بالولاء، أبو الحارث: إمام أهل مصر في عصره، حديثا وفقها، ولد سنة 94 هـ، قال ابن تغري بردي:" كان كبير الديار المصرية، ورئيسها وأمير من بها في عصره، بحيث أن القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته ".أصله من خراسان، ومولده في قلقشندة، ووفاته في القاهرة، سية 175 هـ، وكان من الكرماء الاجواد، قال الامام الشافعي: الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به. انظر تقريب التهذيب 2/ 48، وانطر الأعلام للزركلي - (ج 5 / ص 248)
(8)
المغنى م 9/ 347
ثالثاً من الفقهاء: الإمام مالك بن أنس، ورواية للإمام أحمد. (1) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. (2)
إلا أن المالكية يرون أن الإشهاد كالمهر، إنما يجب عند الدخول، وليس من شروط صحة العقد، فإن لم يوجد شهود وقت العقد ولا قبل الدخول، كان العقد فاسداً ويتعين فسخه. (3)
(1) المدونة الكبرى 2/ 192 ، 193 ، المغني م 9/ 347
(2)
مجموع الفتاوى 32/ 35
(3)
انظر الفقه المالكي الميسر 2/ 49، الدكتور وهبة الزحيلي، ط، دار الكلم الطيب، دمشق بيروت، والطبعة الأولى، 1420 هـ 2000 م.
أدلة القائلين باشتراط الشهادة عند العقد
استدل أصحاب هذا القول بعدة أحاديث لكن أكثرها ضعيف، وأقواها ما يلي: ـ
1) حيث عائشة رضي الله عنها، وقد جاء أيضاً من حديث أبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وجابر بن عبدا لله رضي الله عنهم أجمعين، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل "(1)
وهذا النفي كما سبق يتوجه على الأرجح إلى نفي الوجود الشرعي، لأن ذلك أقرب إلى مراد الشارع، وإذا كان الأمر كذلك، كان النكاح بغير شهود باطلاً، وفاسداً؛ لأنه فقد شرطاً من شروط صحته، يؤكد هذا
2) حديث ابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينه "(2) قال الشافعي رحمه الله تعالى وهو ثابت عن ابن عباس وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. (3) ففي هذا الحديث دليل على أن النكاح كان يجري في زمنهم، ومجتمعهم، ببينة ووصف البغايا فيه، يدل على بطلان النكاح بغير بينة، والتي تعنى الشهود، يزيد هذا وضوحاً
3) حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا بد في النكاح من أربعة، الولي والزوج، والشاهدان "(4) وهو تصريح بضرورة هذه الأربع الخصال، أن تتوفر في عقد النكاح، وأن النكاح بدونها لا يحل، يقرر هذا
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه م 3 جزء 6/ 152 برقم 4063 في كتاب النكاح، وقال: قال أبو حاتم: لم يقل أحدٌ في خبر ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري هذا "وشاهدي عدل" إلا ثلاثة أنفس، سعيد بن يحيى الأموي عن حفص بن غياث وعبدالله بن عبدا لوهاب الحجي عن خالد بن الحارث، وعبد الرحمن بن يونس الرقي عن عيسى بين يونس ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر. وأخرجه أيضاً الدارقطني في السنن م 2 جزء 3/ 221 في كتاب النكاح، وصححه الألباني في إرواء الغليل م 6/ 258 برقم 1858.
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب النكاح 3/ 411 برقم 1103 وقال: رفعه عبد الأعلى في التفسير ووقفه في الطلاق، وأخرجه أيضاً البيهقي في السنن الكبرى في كتاب النكاح 7/ 204 برقم 13723، وصحح الألباني وقفه على ابن عباس كما في الإرواء 6/ 261 برقم 1862.
(3)
انظر سنن البيهقي 7/ 402.
(4)
أخرجه الدارقطني في السنن كتاب النكاح م 2 جزء 3/ 224 برقم 19 وقال فيه أبو الحصين مجهول وهو نافع بن ميسرة وضعفه الألباني في الإرواء 6/ 260 برقم 1859.
4) ما روي عن الحسن رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل نكاح إلا بولي، وصداق، وشاهدي عدل "(1) قال الشافعي هذا وإن كان منقطعاً دون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أكثر أهل العلم يقولون به، وقال هو الفرق بين النكاح والسفاح. (2)
5) وروي عن الحسن، وسعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنهم قال: لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل. (3)
6) وروى مالك عن أبي الزبير رضي الله عنهم أنه قال: أُتي عمر بن الخطاب بنكاح لم يشهد عليه، إلا رجل وامرأة، فرده وقال هذا نكاح سر، ولا أجيزه، ولو تقدمت فيه لرجمت. (4)
7) وما روي عن ابن عباس أنه قال: " لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد"(5)
هذه الآثار عن الصحابة تدل على أن الاشهاد في النكاح، كان على عهدهم، وفي زمنهم، لابد منه، بل لا يجيزون النكاح بدونه.
أما الأحاديث فجميعها تدل على أن الشهادةَ شرط صحة في عقد النكاح، وهو المفهوم من النفي فيها «لا نكاح» والذي يتوجه إلى نفي الوجود الشرعي، أو نفي الصحة كما يعبر عنه.
كما أن الاشهاد على النكاح فيه نوع من الإعلان وعدم الإسرار، وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسرار بالنكاح كما في حديث
8) أبي هريرة رضي الله عنهم قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر "(6) وهذا النهي يدل على فساد المنهي عنه، يؤيد ذلك ما سبق من الأحاديث والآثار. والله أعلم
هذه الأحاديث والآثار، هي أهم ما يمكن أن يستدل به أصحاب هذا القول، في اشتراط الشهادة كشرط صحة في عقد النكاح. والله أعلم
(1) أخرجه البيهقي في السنن في كتاب النكاح 7/ 203 برقم 13720.
(2)
المصدر السابق
(3)
أخرجه البيهقي في السنن كتاب النكاح 7/ 204 برقم 13727 وقال البيهقي هذا إسناد صحيح.
(4)
انظر موطأ مالك 1/ 337 برقم 603، والأم للشافعي 5/ 35، وانظر سنن البيهقي، كتاب النكاح، 7/ 204
…
برقم 13726، وضعفه الألباني في الإرواء لانقطاعه بين أبي الزبير وعمر 6/ 261 برقم 1861.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن كتاب النكاح 7/ 204 برقم 13725 وسبق أن ذكرنا كلام الشافعي قال: إنه تابت عن ابن عباس وغيره من أصاحب النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم يقولون بذلك.
(6)
أخرجه الطبراني في الأوسط 7/ 446 برقم 6870، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني عن محمد بن عبد الصمد بن أبي الجراح ولم يتكلم فيه أحد، وبقية رجاله ثقات، انظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، 4/ 523 رقم 7508.
أدلة القائلين بعدم اشتراط الشهادة أثناء عقد النكاح وأنه يكفي الإعلان به فقط: ـ
استدل أصحاب هذا القول في عدم اشتراط الشهادة بالآتي: ـ
أولاً: الأخبار والآثار:
1) حديث أنس رضي الله عنهم عنه قال: اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بسبعة أرؤس، وهي صفية بنت حيي
…
وفيه فقال الناس لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد، فقالوا إن حجبها فهي امرأته وإن لم يحجبها فهي أم ولد، فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير فعرفوا أنه قد تزوجها (1) وجه الاستدلال في الحديث، أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج صفية رضي الله عنها وهي المذكورة في الحديث ولم يشهد، بل استدل الناس على زواجه بها بالحجاب فقط، يؤكد ذلك ما
2) روى مالك عن عباد بن سنان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألا أنكحك أميمة بنت ربيعة بنت الحارث، قال بلى، قال قد أنكحتكها ولم يشهد"(2)
3) وقد روي أن الحسن بن علي وكذا ابن الزبيرـ رضي الله عنهما أنهما فعلاه (3)
4) وقد روي أيضاً أن سالم، وحمزة ابنا عبدا لله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين ـ روي أنهما فعلاه. (4)
ثانياً: المعقول:
1) عدم وجود الدليل الصحيح، الذي يدل على اشتراط الشهود في عقد النكاح، وما روي في ذلك من أحاديث وأخبار فهي غير صحيحة، قال الإمام أحمد: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاشهاد على النكاح شيء (5)
(1) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب النكاح، باب اعتاق أمة ثم يتزوجها، 2/ 847، برقم 1365. وأخرج نحوه النسائي، في سننه، كتاب النكاح، باب البناء في السفر، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 461، برقم 3382. ط، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1998 م.
(2)
رواه مالك في المدونة الكبرى باب النكاح بغير بينة م 2/ 193.
(3)
شرح الزركشي على متن الخرقي 3/ 117
(4)
المعني لابن قدامه 9/ 347.
(5)
شرح الزركشي 3/ 117.
وقال ابن المنذر فيما نقله عنه الزركشي وابن قدامة: لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر ونقل تضعيف ابن عبد البر للحديث الذي يشترط الشاهدين (1)
ج
2) لو كان ذلك شرطاً لبينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقرر في علم الأصول أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؛ ولا شك أن المسلمين محتاجون أشد الحاجة إلى بيان مثل هذا الشرط في أمرٍ يفعلونه في كل حين وزمان، وقد عقد المسلمون من عقود الزواج في عصره صلى الله عليه وسلم شيئاً كثيراً، يصعب حصره، وكذلك في عهد صحابته من بعده، فكيف لا يبين الله ولا رسوله ولا صحابته أن الشهادة شرط في هذا الأمر الذي تعم به البلوى، وتبطل بتركته العقود (2).
3) إن الذين يشترطون الشهود، مضطربون فيه اضطراباً يدل على فساد هذا الأصل، فليس لهم قول يثبت على معيار الشرع، إذ كان فيهم من يجوزه بشهادة فاسقين، ومنهم من لا يجوز ذلك. (3)
4) قياس عقد النكاح على عقد البيع، فإن البيع لا يلزم فيه إشهاد، مع أن الله تعالى قد ذكر الاشهاد فيه فقال:{وَأَشْهِدُوْا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (4) فالأمر هنا محمول على الاستحباب، وكذا نقول في عقد النكاح من باب الأولى، لأن الله ورسوله لم يبينا ضرورة الاشهاد فيه؛ ولهذا قال يزيد بن هارون (5): مما يعاب به أهل الرأي أن الله أمر بالإشهاد في البيع، دون النكاح، وهم أمروا به في النكاح دون البيع، قال ابن تيمية: وهو كما قال (6)
جج
لهذه الاعتبارات لم تكن الشهادة شرطاً عند أصحاب هذا القول، مع قولهم بضرورة إعلان النكاح، وأن لا يكون سراً.
(1) شرح الزركشي 3/ 117، مغني ابن قدامة 9/ 347،
(2)
أحكام الزواج 166، وانظر مجموع الفتاوى 32/ 127 وما بعدها.
(3)
انظر المبسوط، م 3 ج 5 صـ 31، وانظر مقابل ذلك الأم للشافعي 5/ 35، والمغني لابن قدامة 9/ 349.
(4)
سورة البقرة الآية رقم 282.
(5)
هو يزيد بن هارون بن زاذان الو اسطي السلمي، أبو خالد، أحد الأئمة روى عن شعبة والثوري، ومالك، والحما دين، وابن إسحاق، وخلق. وروى عنه أحمد، ويحيى، وإسحاق، وابن المديني، وخلق، .قال أحمد كان حافظاً متقناً صحيح الحديث. وقال ابن المديني: ما رأيت رجلاً قط أحفظ منه، مات في أول سنة ست ومائتين. انظر طبقات الحفاظ 148/ برقم 286، جلال الدين السيوطي، ط، مكتبة الثقافة الدينية، شارع بور سعيد، بتحقيق، د/ علي محمد عمر، وانظر تقريب التهذيب 1/ 606، برقم 7789.
(6)
انظر مجموع الفتاوى 32/ 129.
المناقشة والترجيح
بعد هذا العرض الموجز لأهمّ ما يمكن أن يستدل به الفريقان؛ وبعد إمعان النظر، نجد أن المسألة دائرة في مجال الاجتهاد، ويمكن أن يكون القول بوجوب الإعلان، وعدم وجوب الإشهاد متجهاً من ناحية أن إعلان النكاح أقوى من الاشهاد عليه، فلا يحتاج مع الإعلان إلى الاشهاد، فالشاهدان قد يموتان، أو تتغير أحوالهما، بخلاف النكاح المعلن فإنه يشتهر بين الناس، ويكون بمثابة الاشهاد الجماعي، ويصعب التجاحد فيه، ثم إن الشارع قد أمر بإعلان النكاح، ونهى عن الإسرار به، في أحاديث صحيحة فقد جاء من حديث محمد بن حاطب الجمحي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" فصل ما بين الحلال والحرام، الصوت، والدف في النكاح "(1) وسبق حديث أبي هريرة في النهي عن نكاح السر في أدلة الفريق الأول، فأغنى هذا كله عن الاشهاد.
فالإعلان بالصوت، وضرب الدف، يشهر النكاح بين الناس، ويغني عن الاشهاد عليه كالنسب، فإنه لا يحتاج إلى الاشهاد فيه، لاشتهاره بين الناس، فإن المرأة تلد ويعلم الناس أنها ولدت لفلان ولا يحتاج إلى الاشهاد فيه.
وهذا الإيراد متجه إن سُلّم أن الاشهاد في النكاح ليس أمراً تعبدياً ثبت بالشرع؛ وأن المقصود منه حفظ هذا العقد عن التجاحد، وصيانة النسب فحسب.
ولكن إذا ما نظرنا في أدلتهم، فإنا نجد أنهم اعتمدوا في أغلب ما استدلوا في الجملة على أربعة أمور هي:
1) عدم وجود النقل الصحيح المثبت للشهادة كشرط صحة.
2) فعل النبي صلى الله عليه وسلم في تزوجه من صفيه، وكان بغير شهود كما في ظاهر الروايات.
3) ما روي من فعل بعض الصحابة، وبعض التابعين.
4) قياس عقد النكاح على عقد البيع، في عدم اشتراط الشهادة.
وإذا أمعنا النظر في هذه الأدلة، فإنه يمكن أن تتجه عليها الإيرادات التالية:
(1) أخرجه أحمد في المسند 24/ 189 برقم 15451، وابن ماجة في كتاب النكاح م 1 جزء 2/ 605 برقم 1896 ،
…
والترمذي في كتاب النكاح 3/ 398 برقم 1088 ، والنسائي في كتاب النكاح م 3 جزء 6 - 437 برقم 3369 ، والحاكم في المستدرك في كتاب النكاح م 2/ 184 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، وحسنه الألباني في الإرواء م 7/ 50
…
برقم 1994.
أولاً: قولهم بعدم وجود الدليل الصحيح، مدفوعٌ بأنه قد صحح بعض تلك النقول عدد من أئمة الحديث فمن ذلك.
أ) ابن حبان في صحيحه فإنه قال في حديث عائشة السابق: " ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر "(1)
ب) ذكر الدارقطني لحديث عائشة السابق، طرق، ومتابعات كثيرة، مما يدل على أن الحديث ثابت، حتى قال الألباني إن الحديث يرتقي بها إلى مرتبة الصحة. (2)
ج) قال الترمذي وهو يتكلم عن حديث ابن عباس "البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة" قال: والعمل على هذا عند أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومَن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود، لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم، إلا قوماً من المتأخرين من أهل العلم. (3)
ثانياً: أما استدلالهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم عند زواجه بصفية، فإنه يتجه القول عليه بأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فكما أنه يجوز له الزواج بأكثر من أربع، فإنه يجوز له الزواج بغير شهود. (4) لكثرة اختصاصه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.
ثالثاً: أما عن فعل بعض الصحابة، وبعض التابعين بأنهم تزوجوا بغير شهود، فإن ذلك معارض بفعل، وقول، الأغلب الأكثر منهم، كما يفهم من كلام الترمذي السابق؛ وبهذا يكون قد اختلف القول بين الصحابة في ذلك، ويمكن ترجيح قول المثبت منهم، لكون معه زيادة علم، فيكون مقدم على النافي، ناهيك عن كثرة عدد المثبتين في ذلك. (5)
رابعاً: أما قياسهم عقد النكاح على عقد البيع، فإن ذلك ممتنع لوجود النص الصحيح، كما سبق ثم إنه قياس مع الفارق، وذلك أن عقود البيع ترجع بآثارها فقط على المتابعين؛ لكنَّ
(1) صحيح ابن حبان كتاب النكاح 9/ 386.
(2)
سنن الدارقطني كتاب النكاح م 2 جزء 3/ 220 وما بعدها إلى 227، وإرواء الغليل م 6/ 258 ـ 259 برقم 1858.
(3)
سن الترمذي كتاب النكاح 3/ 412.
(4)
شرح الزركشي على متن الخرقي 3/ 117، والمغني 9/ 348.
(5)
انظر البرهان في أصول الفقه 2/ 780 مسأله برقم 1250، لإمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، المتوفى 478 هـ، ط، دار الوفاء، مصر، الطبعة الثالثة، تأريخ الطبع 1420 هـ 1999 م. وروضة الناظر وجنة المناظر 2/ 461، لشيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الدمشقي، ط، دار النشر مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، تأريخ الطبع 1404 هـ 1984 م، وانظر كذلك إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول 1/ 460 ـ 464، للإمام العلامة الفقيه المجتهد محمد بن علي بن محمد الشوكاني، المتوفى 1250 هـ، ط، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة، تأريخ الطبع 1417 هـ، 1997 م.
عقد النكاح خالفها في تجاوزه عن المتعاقدين إلى ثالث، وهو الولد الغائب الذي يلزم حفظ نسبه في الشرع، فاحتاط الشارع لذلك باشتراط الشهادة على عقد النكاح. (1)
بعد هذه المناقشة والتي تبين من خلالها، متانة أدلة الفريق الأول، مقارنة بأدلة الفريق الثاني؛ والنظر في واقع الناس وأحوال المجتمعات، فإنه يترجح ـ والله أعلم ـ القول باشتراط الشهادة في عقد النكاح، لقوة أدلتهم مع الاعتبارات التالية:
أولاً: إنه قد صح الخبر في ذلك كما سبق، صححه عدد من أئمة الحديث، وأساطين العلم كابن حبان، والأوزاعي، والدارقطني، والألباني، بل قال الترمذي العمل عليه عند أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم لا يختلفون في ذلك، كما مر معنا.
بل وقال الشافعي رحمه الله وهو يتكلم عن حديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل نكاح إلا بولي، وصداق، وشاهدي عدل " قال: وهذا وإن كان منقطعاً دون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أكثر أهل العلم يقولون به، ويقول: وهو الفرق بين النكاح والسفاح. (2)
ثانياً: ثم إن في اشتراط الشهادة في عقد النكاح فوائد عديدة منها: ـ
1) إثبات النكاح عند العقد، وصيانة له عن الجحود، خصوصاً ونحن في زمنٍ تهاون فيه كثير من الناس في التقاء الخاطب بخطيبته قبل العقد، وأحياناً الخلوة، والخروج معها وقد يواقعها، مما استدعى الأمر معه إلى إثبات النكاح، عند العقد وليس عند الدخول.
2) من المقرر عند الفقهاء إن الأصل في الأبضاع الحرمة، فإذا تعارض دليلان أحدهما موجب للحل، والأخر موجب للحرمة، رُجِّح الموجب للحرمة للأصل. (3)
(1) الحاوي 9/ 58 بتصرف.
(2)
الحديث سبق تخريجه، أنظر سنن البيهقي كتاب النكاح 7/ 203
(3)
أنظر الأشباه والنظائر في فقه الحنفية / 67، لابن نجيم الحنفي.
3) الناس يختلفون في إعلان النكاح، بحسب أعرافهم، وواقعهم، وقد يطرأ عليهم ما يمنع من إعلانه، ثم إن ضابط الإعلان مختَلفٌ بينهم، فكان اشتراط الشهادة في العقد أولى من عدمه؛ لأن الشهادة لا مجال فيها للتفاوت، أو الاختلاف. (1)
ثالثاً: إن الآثار المترتبة على القول بعدم اشتراط الشهادة، سلبية في الأغلب، ويكفي منها انتشار نكاح السر، بمفاسده الوخيمة، وأضراره العظيمة، على الفرد والمجتمع على حد السواء. (2)
رابعاً: إن القول في اشتراط الشهادة في عقد النكاح، في واقعٍ كثرة فيه الحيل، والتحيل، وماتت فيه الغيرة في نفوس بعض الناس، ناهيك عن غياب الوازع الديني، القول باشتراط الشهادة فيه، أقرب إلى الورع والاحتياط، وسد باب الفساد والإفساد؛ وقد رأينا وسمعنا من القصص الكثير في هذا الزمن، ممن أهمل فيه هذا الشرط في عقد النكاح. (3)
هذا وقد اشترطت قوانين الأحوال الشخصية، التي يتم فيها تسجيل وتوثيق عقود الأنكحة، أن تكون ورقة العقد قد شهد عليها شاهدان، أثناء انعقاده؛ وعليه فإن العقود اليوم لا تسجل لدى الجهات الرسمية إلا إذا شهد عليها شاهدان؛ وإذا ما تم تسجيلها وتوثيقها بعد ذلك، فقد تم إعلان هذا النكاح، ويكون النكاح بذلك قد صح على مذاهب أهل العلم، من غير خلاف بينهم ولهذا قلنا بضرورة تسجيل وتوثيق عقود الانحكة.
(1) نقلاً عن بحث بعنوان الشهادة في عقد النكاح للدكتور / عبد الرحمن بن عبد الله المخضوب، عبر موقع المسلم على شبكة الإنترنت.
(2)
راجع المطلب الثالث من المبحث السابق.
(3)
راجع المطلب الثالث من المبحث الأول في الفصل الثالث.
وإذا تبين رجحان القول باشتراط الشهادة، لصحة عقد النكاح، فإنه يشترط في الشاهدين شروط بينها الفقهاء، واختلفوا في بعضها، ونحن نوجز أهم تلك الشروط مع الإشارة إلى ما هو مختلف فيه، فيشترط في الشاهدين: ـ
1) البلوغ والعقل، فلا تصح شهادة الصبيان ولا شهادة المجانين. (1)
2) الإسلام فلا تصح شهادة الكافر، على عقد الزوجين المسلمين، بلا خلاف بين الفقهاء؛ لأن الشهادة فيها نوع من الولاية، ولا ولاية لكافر على مسلم، وأيضاً فإن الله تعالى قال:
…
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ} (2) والكاف خطاب للمسلمين؛ (3) أما إن كان الزوج مسلماً والزوجة ذمية فقد منع أيضاً شهادة الذميين على هذا العقد زفر، ومحمد بن الحسن من الحنفية، ومالك، والشافعية، والحنابلة، (4)؛ وجوز شهادتهم أبو حنيفة، وأبو يوسف رحمهما الله تعالى. (5)
3) الذكورة في الشاهدين، وقد اشترط ذلك، المالكية، والشافعية، والحنابلة؛ كلهم قالوا لا يجوز أن تشهد النساء على عقد النكاح (6)؛ أما إن كان النكاح بشهادة رجل وامرأتين فقد جوز ذلك الحنفية، ورواية لأحمد، خرجها بعض أصحابة وأنكرها البعض الآخر (7) ومنع ذلك الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة. (8)
4) العدالة، وهي الصلاح في الدين والمروءة، وألا يكون الشاهدان فاسقين، وقد ذهب إلى اشتراط ذلك الشافعية، والحنابلة، وقالوا في حدها أنه يكفي أن يكون الشاهدان مستورَي الحال غير معروفَين بفسق (9) وقد أجاز شهادة الفاسقَين الأحناف، ورواية لأحمد. (10)
(1) بدائع الصنائع 2/ 254 ، وكفاية الأخيار 1/ 474 ، والكافي 3/ 22.
(2)
سورة البقرة الآية رقم 282.
(3)
بدائع الصنائع 2/ 254، وكفاية الأخيار 1/ 474، والكافي 3/ 22.
(4)
أنظر بدائع الصنائع 2/ 525، والمدونة الكبرى 2/ 193، والأم للشافعي 5/ 35، ومغني المحتاج 3/ 196، وانظر المغني لابن قدامة 9/ 349.
(5)
المبسوط م 3 ج 5 / صـ 33، وبدائع الصنائع 2/ 525.
(6)
انظر البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل 9/ 461، وانظر الحاوي 9/ 59، وانظر المغني 9/ 349، 350.
(7)
المبسوط م 3 ج هـ / 32، وبدائع الصنائع 2/ 527، وانظر الكافي 3/ 22، والمغني 9/ 350.
(8)
الحاوي 9/ 59، وكفاية الأخيار 1/ 476، وانظر الكافي 3/ 22، والانصاف 8/ 99.
(9)
الحاوي 9/ 60، وكافية الأخيار 1/ 476، والكافي 3/ 22.
(10)
بدائع الصنائع 2/ 527، والكافي 3/ 22.
5) سلامة الحواس، ويعنون به السمع، والنطق، لا الإبصار على الراجح، فالسمع ليسمعا الإيجاب والقبول من المتعاقدين، والنطق لينطقا بالشهادة. (1)
هذه هي الشروط اللازم توفرها في الشاهدين، والمعنى في اشتراطها هو الاحتياط للأبضاع وصيانة النكاح عن الجحود، ولحفظ الأنساب، فينبغي أن يتنبه لمثل ذلك، ويتحرى مريد النكاح شهوداً عدولاً. (2)
(1) بدائع الصنائع 2/ 527، ومغني المحتاج 3/ 195، كفاية الأخيار 1/ 477، والكافي 3/ 22.
(2)
كفاية الأخيار 1/ 477.
القسم الثاني: حكم النكاح بغير ولي ولا شهود
أما عن نكاح السر الذي يكون بلا ولي، ولا شهود، فإن هذا النوع من الأنكحة قد جمع بين فقدان شرط الولي اللازم لصحة النكاح، وفقدان شرط الشهادة، واللازم أيضاً لصحة هذا العقد.
وإذا كان كذلك فإنه يكون باطلاً، وفاسداً، باتفاق أهل العلم؛ لفقدان هذا العقد شرطين من شروط الصحة، إذ لا يقول أحدٌ من أهل العلم بجواز فقدانهما جميعاً، في عقد واحد، ولن نبعد النجعة إن قلنا، إنه من جنس الزنا، واتخاذ الخليلات، والأخدان، إذ لا فرق ظاهر بينهما، وإن حاول بعض الناس إلباسه ثوب الشرعية، بمبررات هي أوهى من بيوت العنكبوت، كحل اضطراري، أو ضغط واقعي، أو ما شاباه ذلك من المزاعم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فإن نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان، شبيه به لاسيما إذا زوجت نفسها بلا ولي ولا شهود وكتما ذلك، فهذا مثل الذي يتخذ صديقة، ليس بينهما فرق ظاهر، معروف عند الناس، يتميز به عن هذا، فلا يشاء من يزني بامرأة صديقة له، إلا قال تزوجتها، ولا يشاء أحد أن يقول لمن تزوج في السر إنه يزني بها، إلا قال ذلك؛ فلا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق مبين، قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1) وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} (2) فإذا ظهر للناس أن هذه المرأة قد أحصنها، تميزت عن المسافحات، والمتخذات أخدان، وإذا كان يمكنها أن تذهب إلى الأجانب، لم تتميز المحصنات؛ كما أنه إذا كتم نكاحها فلم يعلم به أحد لم تتميز من المتخذات أخدان. (3) وعليه فإن ما يجري اليوم في الواقع، من زواج يسمى (زواج عرفي، أو زواج سري) ليس من سلك الشريعة في شيء، ولا في فلك الإسلام بصدد، وإن زعم الزاعمون، ولبَّس الملبِّسون، بل إن بعض أهل العلم يوجب في هذا النكاح الحد، حتى وإن كان فاعله ظاناً حليته، ومشروعيته؛ لانتفاء الشبهة الدارئة للحد فيه، أو لضعف مدركها، قال في مغني
(1) سورة التوبة الآية رقم 115.
(2)
سورة الأنعام الآية رقم 119.
(3)
مجموع الفتوى 32/ 126 ـ 127.
المحتاج: الضابط في الشبهة [التي تدرأ الحد] قوة المدرك، كما صرح به الروياني وغيره، لا عين الخلاف كما ذكره الشيخان (1) فلو وطء أمة غيره بإذنه، حد على المذاهب، وإن حكي عن عطاء حل ذلك (2) وقال في موضع أخر: أما الوطء في نكاح بلا ولي، ولا شهود، فإنه يوجب الحد جزماً؛ لانتفاء شبهة العلماء. (3)
وقد ذكر الفقهاء أنه يشترط في جواز تقليد مذهب الغير، أن لا يكون موقعاً في أمر يجتمع على إبطاله إمامه الأول وإمامه الثاني، فمن قلد مالكاً في عدم النقض باللمس الخالي عن الشهوة، فلا بد أن يدلك بدنه، ويمسح جميع رأسه، وإلا فتكون صلاته باطلةً عند الإمامين؛ إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة
إذا نكح بلا ولي، تقليداً لأبي حنيفة، أو بلا شهود، تقليداً لمالك ووطء، فإنه لا يُحد؛ فلو نكح بلا ولي، ولا شهود أيضاً حد كما قاله الرافعي لأن الإمامين قد اتفقا على البطلان. (4)
(1) المقصود بالشيخين، الأمام الرافعي، والإمام النووي كما قال المصنف في المقدمة 1/ 20.
(2)
مغني المحتاج 4/ 188 ـ 189.
(3)
المصدر السابق 3/ 199.
(4)
التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، 1/ 528، عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي أبو محمد، ط، مؤسسة الرسالة - بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1400 هـ، تحقيق: د/ محمد حسن هيتو