المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌8 - أحمد الذهبي السلطان أبو العباس أحمد - إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس - جـ ١

[ابن زيدان السجلماسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة هذه الطبعة

- ‌المؤلف وإسهاماته في الحياة الثقافية بالمغرب:

- ‌الإهداء

- ‌كلمة تقديم

- ‌تصدير تواريخ المغرب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌المقدمة

- ‌[المطلب الثالث][في تراجم السلاطين والأمراء والأعيان والعلماء]

- ‌[حرف الألف]

- ‌1 - منهم: أبو إسحاق إبراهيم بن يحيي بن أبي حفاظ مهدي الأمام المكناسي

- ‌2 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى المصمودي التلمساني

- ‌3 - ومنهم: إبراهيم بن عبد الكريم أبو إسحاق

- ‌5 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد القادر الزرهوني

- ‌6 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز الخياطي

- ‌7 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن القائد الطبيب الأندلسي المراكشي ثم المكناسي ثم التونسي

- ‌8 - أحمد الذهبي السلطان أبو العباس أحمد

- ‌علائقه السياسة

- ‌9 - أبو العباس أحمد بن محمد بن حماد بن محمد بن زغبوش المكناسي التاودي

- ‌10 - أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن الولي الصالح المتبرك به عبد المغيث زغبوش القرشي المكناسي النشأَة والدار والإقبار

- ‌12 - أبو العباس أحمد بن على الزرهوني المكناسي

- ‌13 - أبو العباس أحمد: هو الفقيه القاضي أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد البكري

- ‌14 - الولي الصالح المولي أحمد الشبلي الشريف الحسني

- ‌15 - أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن تميم اليَفَرتِي الشهير بالمكناسي

- ‌16 - أبو العباس أحمد بن العربي الغُمَاري الكَومي، قاضي مكناس

- ‌17 - أبو العباس أحمد بن عمر بن محمَّد بن عاشر الأندلسي الأنصاري الجزيري

- ‌18 - أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبد المنان أبو العباس الخزرجي

- ‌19 - أبو العباس أحمد بن سعيد القيجميسي

- ‌20 - أحمد بن سعيد المكناسي يكني أبا العباس

- ‌21 - أحمد بن محمَّد الحباك المكناسي

- ‌22 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد بن بن محمَّد بن محمَّد بن على بن غازي العثماني المكناسي

- ‌23 - سيدي أحمد الشبيه بن عبد الواحد بن عبد الرحمن

- ‌24 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن ميمون المسطاسي المكناسي

- ‌25 - قاضيها أبو العباس أحمد بن أحمد بن على بن عبد الرحمن بن القاضي الأعدل الخير الدين أبي العز بن أبي العافية المكناسي

- ‌26 - أبو العباس أحمد بن على بن عبد الرحمن بن عبد الله المنجور

- ‌27 - أبو العباس أحمد بن عمر الحارثي السفياني

- ‌28 - أحمد بن إبراهيم الأوسي الجنان أبو جعفر

- ‌29 - أبو العباس أحمد بن سعيد المِجْلَدِى

- ‌30 - أبو العباس أحمد الغماز أستاذها

- ‌31 - الشاب أبو العباس أحمد بن عمر بن مبارك الحصيني المكناسي

- ‌32 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن محمَّد المكناسي الزناتي الشهير بابن القاضي

- ‌33 - الولي الشهير. المجذوب الكبير. سيدي أحمد بن بلعيد المدعو ابن خضراء

- ‌34 - أحمد بن عبد القادر بن عبد الوهاب بن موسى بن الشيخ سيدي محمَّد بن مبارك التاستاوتي

- ‌35 - أبو العباس أحمد الخضر بن أبي عبد الله محمَّد بن أبي محمد عبد القادر زغبوش المكناسي النشأة والدار

- ‌36 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بصري

- ‌37 - القاضي أبو العباس أحمد بن ناجي السجلماسي الأصل المكناسي الوفاة والإقبار

- ‌38 - أبو العباس أحمد بن محمَّد العربي بن محمَّد الكَومى عرف بالغماري

- ‌39 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن محمَّد بن يعقوب الوَلَّالي -بفتح الواو وتشديد اللام دفين مكناس

- ‌40 - أبو العباس أحمد بن أبي يَعْزَى الأودي قاضيها

- ‌41 - أبو العباس أحمد الصيقال المكناسي

- ‌42 - أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمَّد الشدادي الشريف الحسني الإدريسي العمراني

- ‌43 - الفقيه سيدي أحمد بن عزو

- ‌44 - الفقيه سيدي أحمد الحزميري

- ‌45 - الفقيه سيدي أحمد بن سعيد السوسي

- ‌46 - الفقيه السيد أحمد بن مومو

- ‌47 - الفقيه السيد أحمد بن مسطار

- ‌48 - السيد أحمد بن عبد الرحمن زغبوش الفقيه النبيه العدل الرضي الثقة

- ‌49 - أبو العباس أحمد بن العباس النسب السيد الأتقى، الزكي الأنقى

- ‌50 - أبو العباس أحمد بن عبد القادر النسب الفقيه المعظم. المرتضى المحترم

- ‌51 - أبو العباس أحمد بن الولي الصالح سيدي مغيث زغبوش القرشي الفقيه المرتضى الزكي الأحظى

- ‌52 - أبو العباس أحمد بن سعيد العميري

- ‌53 - أحمد بن عبد الرحمن المجاصي الشهير بالمكناسي الشيخ الأستاذ المقرئ الصالح

- ‌55 - الشريف أبو العباس أحمد بن على بن الحسن

- ‌56 - أبو العباس أحمد بن أحمد الحَكمِي الأول الرباطي

- ‌57 - أبو العباس أحمد العمراني الفقيه الشريف

- ‌58 - أبو العباس أحمد المكناسي

- ‌59 - مولاي أحمد بن عبد المالك العلوي

- ‌60 - أبو العباس أحمد بن الرضي بن عثمان المكناسي

- ‌61 - أبو العباس أحمد بن على العلوي

- ‌62 - أبو العباس أحمد بن المجذوب ابن عزوز المكناسي

- ‌63 - أبو العباس الحاج أحمد بن محمَّد المعروف بالمزيان

- ‌64 - السيد أحمد بن عبد الرحمن بن محمَّد بن الطيب بصري

- ‌65 - أبو العباس أحمد بن على السوسي

- ‌66 - الأستاذ السيد أحمد بن عبد الله بن محمَّد بن يوسف بن محمَّد الكبير ابن الشيخ محمَّد -فتحا- الناصري

- ‌67 - السيد أحمد بن عبد الله الناصري: المقرئ من ذرية سيدي محمَّد الصغير ابن الشيخ سيدي محمَّد

- ‌68 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد بن الطاهر بن محمَّد فتحا ابن أحمد الكنكسي الشهير بالجبلي

- ‌69 - أبو العباس أحمد بن على بن أحمد بن على بن عبد الكريم بن على: ابن طاهر بن مولانا الحسن الحسيني العلوي

- ‌70 - أبو العباس أحمد بن مبارك

- ‌71 - أبو العباس أحمد بن الطاهر بادو

- ‌72 - أبو العباس أحمد بن عمر بن العربي بن عمر

- ‌73 - الوزير الأعظم أحمد بن موسى بن أحمد بن مبارك

- ‌إسقاطه وزارة الجامعيين وسبب ذلك:

- ‌وزارته وصدارته العظمى:

- ‌بعثة السفارة لأسبانيا وما حصل لها:

- ‌ثورة الرحمانة بزعامة مبارك ابن سليمان:

- ‌ثورة الأعشاش:

- ‌قصوره وجنّاته:

- ‌عبقريته السياسية:

- ‌أمانته:

- ‌متخلفه وما وقع فيه:

- ‌ونص الثاني بعد الحمدلة والصلاة والطابع:

- ‌اختلال الأحوال بعده:

- ‌بعث السفارات لأوروبا ونتائج ذلك:

- ‌ثورة أبي حمارة:

- ‌ثورة الريسولى:

- ‌مقتل الدكتور موشان واحتلال وجدة:

- ‌احتلال الدار البيضاء:

- ‌البيعة الحفيظية:

- ‌74 - أحمد أبو العباس ابن الحاج عبد القادر بن علال العرائشى المكناسى النشأة والدار والإقبار

- ‌75 - أحمد بن الطالب بن سودة المَرِّى

- ‌76 - أحمد بن إدريس الخطابى أبو العباس المرابط الزرهونى

- ‌77 - أحمد بن الفاطمى بن محمد بن محمد بن النقيب مولاى عبد القادر الشريف الإدريسى الشبيهى

- ‌78 - أحمد بن محمد بن عزوز أبو العباس

- ‌79 - أحمد بن شيخ الجماعة في وقته بمكناس السيد مبارك بن عبد الله السلجلماسى

- ‌80 - أحمد بن الحاج رحال البخارى

- ‌81 - أحمد بن محمد بن المأمون بن هشام بن محمد بن عبد الله بن فخر الملوك وجد سلاطين المغرب المولى إسماعيل

- ‌83 - أحمد بن القائد محمد الشاذلى البخارى

- ‌84 - أحمد بن العالم -اسما- ابن عبد الله الشريف القادرى

- ‌85 - أحمد بن الصديق المعروف بالتواتى

- ‌86 - أحمد بن العربى بن الحنفى بن الطالب بن العربى بن الطالب الشريف الحسنى العلوى الأمْرانى يدعى صميم

الفصل: ‌8 - أحمد الذهبي السلطان أبو العباس أحمد

‌7 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن القائد الطبيب الأندلسي المراكشي ثم المكناسي ثم التونسي

.

أحد أطباء الحضرة السلطانية الإسماعيلية.

حاله: طبيب ماهر حكيم عظيم الشأن من أجلاء الحكماء المتقين الكامِلي المهارة، الملازمين لسيدنا الجد الأكبر السلطان الأعظم مولانا إسماعيل، المرجوع إليه في المعضلات من الداء، وكانت مسائله كلها متقنة.

وكانت له بمكناس حانوت اتخذها ليقصده الناس للسؤال عن مسائل الطب ولاشتراء الأدوية منه، ثم انتقل إلى تونس واتخذ بها حانوتا لما ذكر وسمي نفسه هنالك محمدا الأندلسي، فغير اسمه لأمر معلوم أَحوجه إلى ذلك، والضرورات تبيح المحظورات، كذا أخبر عنه تلميذه ابن شقرون الطبيب المكناسي صاحب الشقرونية المتداولة بين أيدي عامة الناس وخاصتهم، حسبما وقفت على ذلك بخط العلامة الثبت المتقن السيد محمد فتحا الخياط بن إبراهيم المشنزائى -بنون فزاى- الدكالى الأصل، من أولاد ابن إبراهيم الدكاليين بفاس، بيتهم بيت علم وصلاح ومتانة دين ورياسة وجلالة.

الآخذون عنه: أخذ عنه أبو محمد عبد القادر بن شقرون المكناسي مسائل كثيرة من الطب.

‌8 - أحمد الذهبي السلطان أبو العباس أحمد

(1) الذهبي بن فخر ملوك المغرب وأعظم سلاطينه سيدنا الجد مولانا إسماعيل بن الشريف الحسني العلوي.

آتي الترجمة قريبا بحول الله.

8 - من مصادر ترجمته: نشر المثاني في موسوعة أعلام المغرب 5/ 2001.

(1)

في هامش المطبوع: قال الحافظ العسقلانى في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: "والمشهور أن أول من تسمى بأحمد بعد نبى الله صلى الله عليه وسلم والد الخليل بن أحمد. لكن زعم الواقدى أنه كان لجعفر بن أبى طالب ابن اسمه أحمد. أفاد ذلك أبو بكر بن فتحون في ذيله على الاستيعاب.

ص: 313

حاله: كان جوادا كريما شفيقا حليما، وكل ما صدر من الشدة والقساوة وقتل الأنفس في دولته فبإلزام من العبيد وإكراه له على فعله، وقد كان قيد حياة أبيه ساعيا فيما يرضي ظاهره، استخلفه والده بقطر تادلا وغيره حسبما أوضحنا ذلك في "المنزع اللطيف" ولم يسمع عنه ما يريب مدة تقلباته في أطوار الخلافة على والده، وسيره مبسوطة بوافر العطاء الشامل للقاصي والداني.

ولما نقل الله والده إليه -وذلك يوم السبت ثامن عشرين رجب عام تسعة وثلاثين ومائة وألف- اجتمع رأْي قواد العبيد ذوي الشوكة وأبطال الودايا ورؤسائها ثم العلماء والأشراف والوزراء والكتاب وصدور الدولة على بيعة المترجم فبايعوه بإلزام لهم من العبيد وزرعوا بيعته بذر الفوضي والعتو، وأوقدوا نيران الفتن.

وحملهم على اختيار المترجم دون باقي إخوته ما عرف به من الجود والبذل الواسع، حتى إِن الأسير الإنجليزى البحرى "تومابلودام" حكى في رحلته المطبوعة باللغة الإنجليزية أن العسكر فرحوا بتوليته لكونه كان يسدل لهم جم العطاء، ولم يكن والده عهد إليه كما زعم الزياني، فقد ذكر صاحب "الجيش" أن السلطان العادل مولانا سليمان كان يحكي لهم مرارًا أن مولانا إسماعيل لما أيقن بالموت دعا رفيقه وعالم حضرته أبا العباس اليحمدي وأكد عليه في أن يشير عليه بمن يصلح للولاية على المسلمين من بعده، وكان آخر الأمر بعد الممانعة التامة قوله: يا مولانا، اعلم أنه ليس لك ولد، أوْلا ولد لك. فقال له السلطان صدقت والله، وودعه وخرج ولم يعهد لأحد، قال: وكان مولانا سليمان يحكي ذلك في شأن بعض أولاده، وأما قول الزياني: إن مولاي أحمد ولي العهد فليس كذلك، ومن العجب أنه قال إنه سمع هذه الحكاية من مولانا سليمان كما سمعناها منه ولا بعد فيه ثم يقول: إِنه ولي العهد، مع أن مولاي أحمد رحمه الله قيل إِنه كان لا ينفع نفسه لعدم صحوه فهو طافح دائما. انتهى.

ولم يعرج على العهد له في "درة السلوك وريحانة العلماء والملوك" مؤلفه

ص: 314

العلامة الأصيل، المفوه الجليل، مولانا عبد السلام بن السلطان الأعظم سيدي محمد بن عبد الله، ورب البيت أدري بما فيه، وأهل مكة أدري بشعابها، ولا سند ولا سلف للزياني فيما تقوله واختلقه، وإنما التقديم والتأخير إذ ذاك كان بيد العبيد حسب أغراضهم الشخصية حسبما علم بالاستقرار من أحوالهم الاستبدادية: أشاعوا أن والده عهد إليه كي لا تتشوف نفوس إخوته لمنازعته الأمر، واختلقوا له طابعا باسمه وكتبوا عدة مكاتب لسائر البقاع المغربية وطبعوها بطابعه مظهرين أن والده عهد إليه بالخلافة من بعده، ومموهين بما كان له من الحظوة والمكانة مدة خلافته لديه، وأنه لم يحفظ عنه إذ ذاك ما يدنس سمعته أو ينتقد عليه، وأوعدوا من شق عصا طاعته بما يلزم البغاة المحاربين، وصرحوا بكينونتهم عند أمره في الشدة والرخاء والمنشط والمكره، والحال أنهم مصرون على خلاف ذلك إن لم يكن رهين نظرهم.

ولما شاهد أهل مكناس الجد من المترجم وأنه عزم على تدمير مدينتهم بما نصبه عليها من المدافع -حسبما ذكر ذلك الأسير تومى الإنجليزي في رحلته ونقله عنه مختصر الرحلة صحيفة 9 - بايعوه خوفا من تدمير المدافع وصولة العبيد وقواهم على الامتثال ما سمعوا المترجم يعلن به من أنه لا يقبض من الرعية غير الزكوات والأعشار فتمت له البيعة بمكناس.

وبلغ نعي والده أهل فاس -وقد كانوا قاموا قومة شنعاء في وجه عاملهم أبي على الروسي- فاجتمع العلماء والأعيان وذوو الحل والأبرام بالضريح الإدريسي الأزهر وبايعوا المترجم وأوفدوا عليه ببيعتهم للعاصمة المكناسة جماعة مؤلفة من وجوه الأشراف والعلماء والتجار وذوي الحيثيات، وقلوبهم مملوءة رعباً بما صدر منهم من الإيقاع بعاملهم المذكور ونهب أمواله، معتقدين أنه يقابلهم بما يقابل به من ارتكب ما ارتكبوه من الإجرام لا يدرون أي باب من أبواب الاعتزار يلجون، ولما مثلوا بين يديه لم يبال بما اقترفوه ولا رفع لافتياتهم رأْسا كأنه لم يكن

ص: 315

له أدني علم بذلك الحادث الجلل، مع أنهم قتلوا العامل وثمانين من أصحابه كما في اختصار رحلة تومي الإنجليزي. بَلْ هشَّ، وبشَّ، وأَكرم، وعظم، وخص كل واحد على حدته بعطاء له بال، وأجري عليهم ببلادهم جرايات مشاهرة ومسانهة ورشح الفقيه السيد محمد المسكيني لقضاء فاس والطيب المريني لحسبتها ولعمالتها القائد محجوب العلج، ورجع الوفد الفاسي يرفل في حلل النشاط والانبساط بعد الخوف والقنوط، وفي اختصار رحلة تومي الإنجليزي التصريح بأن أهل فاس تأخروا عن البيعة، ولعله شيء تخرصه أو تأخر نسبي، وإلا فسياق أحواله يقتضي أنهم بادروا بالبيعة قبل غيرهم والله اعلم.

ثم وردت البيعات من سائر الأصقاع المغربية على الحضرة السلطانية وتلقي الوافدين على اختلاف طبقاتهم بكل بشاشة وطلاقة، وأحسن لكل فرد منهم على حدته، وأكرم مثواه، وأتبعه الكرامة حيث سار ورد كلا على منصبه الذي تركه فيه والده وأفاض المال ووصل سائر الرعية بصلات سنية فأحبته القلوب واطمأنت النفوس وابتهجت وفرحت الرعية واستبشرت.

ولما رأي العبيد أن الملك لازال قائما تسوسه ساساته المهرة الذين حنكتهم التجارب وأثمرت غروس الإخلاص والصدق للملك في قلوبهم ونبذهم مخازي الشهوة والأغراض الشخصية وراءهم ظهريا، طبق حال تنظيم المملكة أيام والد المترجم، أَظلم الجو في أعينهم حيث حيل بينهم وبين ما يشتهون من نهب بيوت الأموال، وجعل الإمرة أُلعوبة بين أيديهم وكبر ذلك عليهم، وعلموا أنه لا سبيل لتحصيلهم على أعراضهم الفاسدة ما دامت المناصب عامرة بأربابها ذوي النجدة والأفعال السديدة والآراء المصيبة والسياسة المؤسسة البنيان، على تقوي من الله ورضوان.

واتفق رأي كبرائهم على أن يوسوسوا للسلطان في أركان الملك ويختلفون لهم معايب يلصقونها بجنبهم ويدسون لهم دسائس حتى يوغروا قلب السلطان عليهم ويبالغون جهدهم وطاقتهم في إغرائه على قتلهم وتظافروا على ذلك: فصار

ص: 316

كل من اجتمع منهم مع السلطان يبدي له دسائس في قوالب نصائح ويقول له يا سيدي: إن ملكك لازال إلى الآن لم يتم، ولا يؤمن عليك من هؤلاء العمال والوزراء والكتاب الذين كانت بيدهم مقاليد الملك أيام والدك، فإنهم لا يرونك شيئا وأنت محجوب بهم عن الرعية، ولابد من قيامهم عليك وتقديم غيرك من إخوتك وترشيحه للملك دونك، وكان المترجم يميل إليهم كل الميل لضعف فكرته عن السياسة، وتدبير أمر الملك والرياسة، أي ولكونه مغلوبا على أمره يخاف بأسهم ولا يري رأْيا إلا رأيهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا.

ولما تمكنوا منه وأوغروا صدره على من بيده الحل والإبرام من ولاة أمره وأمر والده من قبله أغروه أي بعد أن أقاموا له الحجج على الفتك بأركان السياسة الذين هم للملك عماد كأبي العباس أحمد بن على اليازغي وكان عامل الجبال كلها سهلها ووعرها نافذ الحكم فيها، يرسل رسولا واحد في قضايا متعددة فتنفذ الأوامر كلها وفق ما أمر في أقرب الأوقات، ويأتي الرجل الواحد إليه بالمساجين العديدة من صياصي الجبل والقبائل العظيمة من غير قيد ولا يحدث أحد نفسه بالهروب لعلمه بنفوذ كلمته وطول يده في طول البلاد والعرض، وأنه لات حين مناص، وقد كان هذا العامل ناصحا للسلطان يجمع المال من وجوهه ويودعه في خزائن السلطان يبذل النصح ولا يعرف غشا ولا خديعة، وكان السلطان مولانا إسماعيل يعرف أمانته وصدقه وينزله منزلته ويقدره قدره ولا يسمع فيه مقالة طاعن.

وعلى بن يش: وكان قائد أهل الديوان وعامل البربر ورئيس العمال، وكان من ذوي الرأي والتدبير والعقل الراسخ، لا يقدر أحد من البربر أن يملك فرسا ولا مكحلة ولا يحوم حول ذلك، وبسبب ذلك صارت رءوس الجبال البربرية الصْعبة المسالك تمر فيها الأطفال وضعاف النساء في أمان واطمئنان لا يلحقهم أدني مروع ولا مشوش.

ص: 317

وابن الأشقر: وكان عاملا على جبل زَرْهُون، وعلى يده أعشار البوادي والحواضر من زروع ومواشي وزيوت وغير ذلك، وكان عليه مدار الجيوش، وإليه مرجع أمرها ذا رأْي مصيب وثبات ونصح وإخلاص وتيقظ وحزم وعزم.

وحاجبه المملوك الخصي مرجان الكبير وكان بيده دفتر الداخل والخارج لا يطلع على ذلك غيره قريب أو بعيد، وكان العارف بالعوائد الجارية في الصلات مسانهة ومشاهرة، وما يدفع للجيوش وغيرهم في الأعياد والمواسم وغيرها لا يعرف ضبط ذلك وتحقيقه غيره، وقد كان محور شئون الدولة على هؤلاء الأربعة يدور لتحقق متبوعهم صدقهم وأمانتهم وسياستهم وكياستهم وعلمهم من أين تؤكل الكتف بعد السبر والامتحان والاختبار.

وبموت هؤلاء الأربعة اختل النظام وضربت الفوضي والاستبداد الأطناب، ووقع من العامة استخفاف عظيم بأمر المملكة واشتد النهب في الطرقات وأغلقت المسالك، ولم يأمن المسافر من الوقوع في المهالك.

وحصل أهل الزيغ على غاية مناهم وكثرت الشكوي بباب السلطان والسلطان داخل قصوره ضارب صفحا عما وراء بابه لا يسمع شكوي ولا ينتصر لمظلوم من ظالم، أي لكونه أسند الأمر لرؤساء العبيدِ المتعصبين، وذوي السلطة ومن لا ينفذ له أمر دونهم.

ومن جملة من قتلوه وصلبوه الفقيه العلامة القاضي الوزير السيد محمد بن العياشي الذي كان بيده دواوين الحراطين (1).

(1) وكذا رواية صاحب الاستقصا 7/ 58 - ولديه: والحرطانى معناه في عرف أهل المغرب: العتيق، وأصله الحر الثاني كأن الحر الأصلى حُرّ أول، وهذا العتيق حُر ثان، ثم كثر استعماله على الألسنة فقيل الحرطانى على ضرب من التخفيف.

ص: 318

ثم نظروا فيمن بقي شجي في نحورهم يحول بينهم وبين تمام مرادهم فلم يجدوا غير الحاجب المملوك الخصي مرجان الصغير فقتلوه، ثم قتلوا عامل مكناسة ابن عدو، ثم أشاروا بقتل من بقي ممن يشار إليه بجودة الرأي وحسن التدبير، والنصح للأمير، حتى خلا لهم الجو واتسع الخرق على المرتق.

فبموت أحمد بن على اليازغي ثار أهل الجبال وأضرمت نيران العتو والفساد ورفضت الأوامر السلطانية وانقطعت الجبايات وانتشر العيث والنهب في الطرق واتبعت الأهواء.

وبموت على بن يشو خرج البرابر من السلاسل والأغلال وتنافسوا في اشتراء الخيل والسلاح، ورجعوا لحالتهم الأولى من سفك الدماء وقطع الطرقات، ولم يبق لهم زاجر ولا رادع.

وبموت ابن الأشقر كف الزراهنة عن الأداءات وتحصنوا بجبلهم خوفا من البربر وصمموا على قتال من أتاهم وضاعت أعشار القبائل وزكواتهم ولم يعرف منها نقير ولا قطمير.

وبقتل مرجان الكبير جهل الخارج ولم يدر قدر الداخل وأخرقت الدفاتر الحافظة لذلك، وبسبب ذلك نال العبيد مناهم وحصلوا على ضالتهم المنشودة.

ولما اختل النظام وتفاحشت المظالم وأكل القوي الضعيف واضطربت الأحوال، واشتبكت الأهوال، وثارت الثوار بسائر النواحي خرج المترجم من دار الملك وأفاض المال وزاد للعبيد فوق المعتاد ظنا منه أن ذلك يجدي في رتق ذلك الفتق العظيم، ثم رجع لقصوره أي حيث رأي أنه لا سبيل له لأكثر مما فعل.

قال في "نشر المثاني" ووقعت هدنة بين الناس عن الحرب، إلا أن أهل فاس رفضوا جميع ما كان يجري عليهم من الوظائف السلطانية وحملوا الأسلحة وركبوا الخيل، وضج الناس بالفرح والسرور، واشتغلوا بالملاهي في النزهات والتأنق في اللباس والجلوس في الطرقات أفواجا مقبلين على اللهو واللعب والسريان (1) في

(1) في نشر المثانى: "والهذيان".

ص: 319

كل متسغ من أرقة فاس، ولم يبق للأحكام السلطانية نفوذ فيها بل في سائر المغرب، وليس للسلطان سوى الدعاء على المنابر والاسم، وكمل العام كله على هذه الحالة -يعني عام تسعة وثلاثين- وكثر في المغرب الفتن والأهوال فكان هذا هو الأصل في الفتن التي ظهرت بعده. اهـ. من النسخة الصحيحة من نشر المثاني (1) قاله في الدر المنتخب.

ومن جملة من ثار، وسعي في الأرض الفساد من الثوار: أحمد بن على الريفي واللصوص وقطاع الطريق ونهض بتلك الجيوش يريد دخول تطاوين ومبايعة أهلها له -وقائدهم إذ ذاك عمر الوقاش آتي الترجمة في حرف العين بحول الله وقوته- فقابلوه بأفواه القنابل ووقع بينهما قتال عظيم مات فيه كثير من الفريقين، قيل إنه دخلها وهمّ بأهلها فانتصروا عليه وصدوه.

والذي صححه في "الدر المنتخب" أنه لم يدخلها، وأن الكرة كانت عليه من أول الأمر، ودعا الوقاش لنفسه وكثر الهرج والمرج واشتعلت نيران الفتن، وكتب أهل تطاوين للسلطان المترجم وقصوا عليه القصص وشرحوا له ما هم فيه من الضيق والحرج وطلبوا نصرته وتعزيزهم بجيش ينكس أعلام البغاة المتمردين ويكسر شوكتهم كي ترجع المياه إلى مجاريها ويستتب الأمن في تلك الناحية.

ولما وصلته رسلهم بالكتاب وعلم فحواه، وأحاط علما بسره ونجواه عرضه على المسيطرين عليه من أعيان العبيد وهو إذ ذاك مضروب بأعلى يده من جانبهم فأجابوه بأن هذا الأمر لا يهم ولا يرفع إليه رأس، لأن عادة أهل الريف مع جيرانهم العداوة والقتال دائما، ولو علمنا أن الريفي ادعي هذا الدعوى لبادرنا إلى قتاله وأبدناه بجيوشه وصيرنا جميعهم في خبر كان، فاستصوب رأيهم قائلا هذا رأيي، ولم يدر أنهم إنما تنصلوا خوفا على أنفسهم وركونا للراحة لعلمهم أن الجيش الذي يبعثه السلطان لا يكون إلا منهم، فاختاروا الراحة وأعرضوا عن مصالح الإسلام والمسلمين، وبقيت رسل أهل تطوان منبوذة بالعراء لم يبال بها

(1) نشر المثاني - ص 2000 في موسوعة أعلام المغرب.

ص: 320

أحد مسندًا الأمر لغير أهله، وإذا أخبر بحادث جلل، يقول: كل ما قدر الرحمن مفعول.

ولما رجع رسل تطوان الى بلدهم وأخبروهم بحقيقة الحال وأنه لا سلطان في الحقيقة، وإنما هي فوضي منتظمة من شهاوي وأغراض قاموا في تحصين بلادهم على ساق واشتد القتال بين الريفي والقبائل التي أبت من متابعته على هواه وكان النصر حليفهم والخذلان قرين الريفي إلى أن قتل وأراح الله منه البلاد والعباد.

وفي اختصار "رحلة تومي" الإنجليزي صحائف 12، 13، 14، 15، 16، ما فيه بعض مخالفة لما ذكره صاحب "الدر المنتخب" في الجملة وذلك أنه حكي أن الباشا أحمد هو الذي كان عاملا على تطوان، وأن أهل تطوان ومجاوريها من الجبال هم الذين قاموا على العامل المذكور مع رئيس الفتنة إذْ ذَاك بليز، فقاموا على الريفيين ونهبوا أموالهم وقتلوا منهم من لم يدخل معهم في افتياتهم، فطلب الباشا أحمد الريفي الإعانة على أهل الجبال ومن أقاموا الفتنة من أهل تطوان فامتنعوا، فعند ذلك وجه إليهم عسكر سبتة فامتنعوا من تلبيته وأن أخاه والي.

طنجة لما علم بما ذكر لحق بأخيه أحمد المذكور في خمسمائة فارس، ولما وصل تطاوين ولاه أخوه أحمد مكانه بتطاوين وترك معه أدالة من العبيد وخرج هو في أثر الثائرين، ثم إن أهل تطاوين لم يقبلوا أخا الباشا عاملا عليهم فحصروه في داره وعند ذلك أمر الأخ الذي بتطاوين بإيقاد النار في دار البارود فانهدت وانهد ما حولها من الدور، ثم هرب العامل مع لفيف من أصحابه إلى بعض الأضرحة، ثم إلى طنجة، وأن أهل تطاوين أكلوا داره ونهبوا أجنته وأمتعته، ووجهوا بيعتهم للذهبي وأخبروه بأن سبب قيامهم على العامل هو ظلمه لهم فليحرر.

ولما علمت القبائل حقيقة ما صار إليه الأمر بعد السلطان الأعظم مولانا إسماعيل نبذوا الأوامر السلطانية وراءهم ظهريا وامتطوا متن الاستبداد، وماجوا في الأرض بالفساد، وأكل القوي الضعيف واشتدت شوكة البرير وعظمت ولم يبق إلا

ص: 321

النهب والسلب واشتد الضيق بمكناسة والسلطان بها، حتى صار خارجها مسلوبا، وداخلها منهوبا، تغير البرابر على سرحها وتمنع أهلها من العمل بجنتها.

ولما تيقن العبيد أن السيل بلغ الزبى، أجمعوا رأيهم على أنه لابد من شد الوطأة على متمردة البرابر وكسر شوكتهم قائلين إنهم آذونا وآذوا جوارنا واستضعفونا، ونحن ما مات سيدنا حتى تركنا أصحاب قوة وبأس شديد، يذيب رعبنا الحديد، فركب منهم ما يزيد على الخميس ألفا وأغاروا على سرح البرابر في سائر الجهات والنواحي ورجعوا لمكناسة من غير أن يتعرض لهم بربري ثم اجتمع رءُوس البربر ووجوه العبيد واتفق رأيهم على أن البرابر لا يتعرض لهم أحد داخل المدينة ولا خارجها، وأن البرابر لا يتعرضون لمن أتي لمكناسة ولا لمن خرج منها. انتهى، ما يعول عليه مما ساقه أيضا في "الدر المنتخب" وهذا بعض ما جري عام تسعة وثلاثين الذي جلس فيه المترجم على عرش مملكة والده المقدس.

أما عام أربعين فقد قال العلامة المؤرخ ابن إبراهيم الدكالي في "تقاليد التاريخية"ما نصه: وفي ضحي يوم الخميس رابع عشر ربيع الأول عام أربعين أغار الوداية على سوق الخميس، واشتغلوا بالسلب والنهب وضربوا الناس بالرصاص، فانتدب أهل فاس لقتالهم من الزوال إلى الغروب من جهة المرس، فقبض الأوداية على بعض أهل فاس وسجنوهم بفاس الجديد، وفي آخر النهار أخذ أهل فاس قصبة شراكة واستولوا عليها.

ثم بالغد وقع قتال أيضا بظهر الرمكة، ثم يوم السبت وقع قتال بينهم بناحية بستيون باب الجيسة وكانت الغلبة لأهل فاس.

ثم وقع الصلح بينهم يوم الأحد وذلك بروضة سيدي أبي بكر بن العربي نفع الله به وسرحوا المسجونين بعد أن قتلوا منهم طائفة، ثم أخذ الأوداية في قطع الطريق.

ص: 322

ومن الغد جاء كتاب من عند السلطان يسأل عن الظالم من الفريقين وقرئي بمنبر مولانا إدريس، ثم لما سمع الحياينة وشراكة وأولاد جامع بهذا الأمر جاءوا إعانة لأهل فاس ظنا منهم أن ما فعله الأوداية ليس بإذن السلطان، فلما تحققوا أن ذلك بإذنه انصرفوا لمواضعهم وبقي الأمر يروج إلى يوم الأربعاء الموفي عشرين خرج الأشراف والعلماء بقصد الملاقاة مع السلطان.

وفي يوم الخميس بعده وقع قتال بباب الفتوح وحضر فيه الحياينة ومن انضاف إليهم وبقي من خيل الأوداية نحو من ستة وثلاثين، ووقع قتال بالوادي المالح بباب الجيسة يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر ومات فيه من أهل فاس نحو الستة.

وفي الرابع والعشرين جاء شريف ممن ذهب لملاقاة السلطان وأخبر أنهم لم يتلاقوا مع السلطان وأن على ويش أمر بهم فسجنوا إلا هذا الشريف بخصوصه، وجاء كتاب من أخت الأمير تهددهم فيه وتذكر أُمورًا تقتضي أنهم ظالمون، ثم أجاب أهل فاس عن الكتاب المذكور وبقي الأمر يروج إلى يوم الثامن والعشرين قدم جماعة من عبيد مشرع الرملة يبحثون عن حقيقة الأمر لأن الوداية كتبوا لهم أن أهل فاس شقوا العصا على السلطان، فأضافهم أهل فاس أحسن ضيافة وأخبروهم بحقيقة الأمر، وانصرفوا يوم السبت الموفي ثلاثين، وفي عشية هذا اليوم وقع قتال مع محلة جاءت من عند السلطان قرب بستيون باب الفتوح ولم يمت فيه أحد من أهل فاس.

ثم صار السلطان يبعث البعوث ويكثر الجيوش لحصار فاس وأمرهم بالتضييق على أهلها وقطع عنهم الداخل والخارج وركب الأنفاض والمهاريز ليرمي بها البمب.

وفي ثاني ربيع الثاني رمي البمب على فاس سبع مرات ولم تضر أحدا،

ص: 323

وركب أهل فاس نفضا بالزيات يرمي لناحية المحلة النازلة بظهر الرمكة ثم كتب أهل فاس كتابا لعبيد مشرع الرملة.

وفي زوال يوم الأربعاء رابع الشهر المذكور وقع القتال أيضا بقنطرة ابن طاطو مات فيه من أهل فاس نحو الستة.

ومن الغد وقع قتال كبير واشتد من الزوال إلى الغروب بالموضع المذكور ومات فيه من أهل فاس نحو الثمانية ومن غيرهم عدد كثير، وفي صبيحة هذا اليوم هدم أهل فاس المنزه الذي بدار أبي على الروسي ونهبوا دار صهره المزوار.

وفي الثاني عشر من الشهر كان قتال كبير بناحية باب الحديد، وامتد من الضحي إلى الغروب، مات فيه من أهل فاس نحو الثمانية ومن غيرهم من أهل المحلة نحو أربعين رجلا ونحو الثلاثين من الخيل. وفي عشية هذا اليوم قدم الأشراف الذين كانوا مسجونين بمكناسة ومعهم مولاي المستضيء (1) وأشراف مكناسة ليوقعوا الصلح بين الفريقين، ثم ذهب مولاي المستضيء مع جماعة من أعيان أهل فاس من أشراف وعلماء وتلاقوا مع السلطان ففرح بهم وسامحهم، وقال لهم: أرسل ولدي يسكن معكم وهو أمان بيني وبينكم، وقدم الذين ذهبوا مع مولاي المستضيء يوم الأربعاء الثالث والعشرين من ربيع الثاني المذكور بين المغرب والعشاء وضجت المدينة وظنوا أنهم عَدُو فتبين خلاف ذلك بعد ما وقع الحزام (2).

وفي السادس والعشرين ورد أبو فارس والد السلطان، وتلقاه الناس بظهر هو بالناس، ثم إن بعض الشياطين من الناس أسر في أذنيه أن أهل فاس عزموا على قتلك إن دخلت إليهم فنكص على عقبيه وولى هاربا، فوقعت رجفة وأخذ أهل

(1) في نشر المثاني - ص 2004 في موسوعة أعلام المغرب، إشارة إلى بعض هذه الأحداث.

(2)

في هامش المطبوع: "يريد بالحزام أخذ الأهبة -وسيعيد هذا المؤرخ- أعنى ابن إبراهيم- مثل هذا التعبير العامي.

ص: 324

فاس بعض أصحابه وقتلوه وبات مولاي أبو فارس بالمحلة وتغير الناس لذلك وبالغد أرسلو إليه وألانوا له القول واصطلحوا معه وأتي إلى المدينة معهم.

وفي التاسع من جمادي الأول رحلت المحلة عن فاس بعد ما أصابتهم المشقة العظيمة من الكور والبمب. وفي يوم السبت الثالث عشر من الشهر خرج القائد المحجوب هاربا، وقد كان أهل فاس أعطوه الأمان حين كان القتال مع السلطان.

وفي عشية هذا اليوم وقع الشر أيضا بين أهل فاس والوداية عند بستيون باب الجيسة.

وفي العشرين كان آخر شر بالمحل المذكور وامتد إلى الغروب ومات كثير من الوادية ومن أهل فاس نحو خمسة عشر رجلا وجرح كثير منهم.

وفي الثالث والعشرين كان شر كبير عند باب الجيف بفاس الجديد، وذلك أن أهل فاس اتفقوا أن يذهبوا لفاس الجديد ويأخذوها قهرا، فتحزموا وخرجوا على ظهر الرمكة بعدد كثير، فلما رآهم الوداية أيقنوا بالهلاك وتحققوا أنهم لا يقدرون على ملاقاتهم، ثم إن الله تعالى ألقى في قلوب أهل فاس الرعب فرجعوا من حينهم هاربين وتبعهم الوداية بالقتل والضرب والسلب والنهب، ومات منهم ما بين مفقود وساقط في الوادي ومقتول ما ينيف على عشرين.

وفي يوم السبت خامس جمادي الثانية وقع قتال بوادي المالح خارج باب الجيسة، واشتد من الزوال إلى الليل مات من أهل فاس نحو العشرين ومن الوداية أكثر من ذلك.

وفي ليلة الجمعة الخامس والعشرين رموا على فاس سبعة من البمب.

ومن الغد وقع أيضا شر بالوادي المالح فجاء الوداية بعدد كثير وانهزموا وقطع منهم أهل فاس رءوسا وقتلوا منهم ما يزيد على الأربعين، وأما الجرحى

ص: 325

فكثير، ومات من أهل فاس نحو العشرة، ثم في هذا اليوم نفسه رموا على فاس تسعة من البمب ونزلت في المواضع الخالية، ثم رموا في يومين بين ليل ونهار نحو الثلاثين، ثم رموا تسعا.

وفي يوم الجمعة ثاني رجب وقع حزام قبل الصلاة، وأخرج القائد عبد الوهاب الناس من المسجد خوفا على المدينة، وترك خطيب الأندلس نصر السلطان في الخطبة ونصره خطيب القرويين.

وفي رابع رجب وقع شر كبير لم ير مثله ومع الوداية قبائل كثيرة مات من أهل فاس نحو اثني عشر رجلا.

ومن الغد رموا اثني عشر من البمب.

وفي سادس الشهر جاء جيش عظيم وأحاطوا بالمدينة واجتمعوا بدار ابن عمرو وجاء موسى الجراري إلى باب الجيسة وبعث رسولا يطلب الأمان حتى يتكلم مع علماء فاس، فأجابوه لذلك وتكلموا معه حتى لم يجد حجة وانصرف مع العصر يريد أن يصلح أهل فاس مع السلطان.

وفي الثاني عشر رجب خرج علماء أهل فاس وأشرافها وجماعة من الأعيان صحبة موسى الجراري بعد ما أعطاهم رهائن من قومه تركهم بفاس وقدموا لمكناسة ولم يتلاقوا مع السلطان وإنما تلاقوا مع الدائرة ولم يحصلوا على طائل ورجعوا لفاس تاسع عشر الشهر المذكور.

وفي السابع والعشرين فتح بعض رؤساء فاس باب الفتوح ليلا وأخرج منها بعض أحمال السلع بقصد التجارة على يد بعض أشراف تافيلالت، وقبض من صاحبها نحو العشرة مثاقيل ثم بلغ الخبر للجماعة فأرادوا الانتقام ممن فعله فوقعت فيه الشفاعة، وكان ممن أراد الانتقام منه مولاي عبد الله بن إدريس وأراد عزل

ص: 326

الغرناطي فلم تساعده الجماعة، فبعث إلى موسى الجراري وقال له: إن أهل فاس أرادوا مولاي إدريس فأخذت الجماعة بخاطره حتى سكن.

وفي يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر وقع شر كبير بالوادي المالح مات من أهل فاس نحو الثلاثين، وجرح نحو الخمسين، ومات من الوداية نحو ثلاثمائة وجرح نحو الثمانين، وصاروا يرمون البمب في اليومين بعد على أهل فاس.

اهـ، ما ذكره ابن إبراهيم ونحوه في نشر المثاني.

قال في "الدر المنتخب" ولما ترك الأمير ما كان عليه والده من القوة وحسن التدبير في الأمور وقع في النكبات، حتى عزل ولم يبق إليه التفات، وهكذا يقع لكل ملك ترك التدبير، وعدم التفرقة بين الأمر اليسير والعسير، اجتمع أهل فاس وغيرهم من أعيان القبائل وصناديدهم -غير الأوداية لم تنتظم في سلكهم- واتفق رأيهم على خلع المترجم وبيعة غيره ممن يقوم بأمور المسلمين من إخوته (1).

ولما وصل الخبر بالعبيد تيقنوا أنهم إذا لم يبادروا للدخول فيما دخل إليه أهل فاس ومن انضم إليهم يخرج الأمر من أيديهم وينبذون بالعراء ويحال بينهم وبين ما يشتهون من الاستبداد ونهب بيوت الأموال وأكل أموال الناس بالباطل، فأجمعوا أمرهم بينهم وتفاوضوا في تدبير حيلة يدخلون بها على أهل فاس ومن انتظم في سلكهم من عصبة القبائل، ورأوا أن لا حيلة تخلصهم إلا إظهار الأنفة والضجر من المترجم وتصميم العزم على خلعه لعجزه عن القيام بتدبير أُمور الرعية حتى عم الفساد وضربت الفوضي في سائر الأيالة الأطناب، وكتبوا لأهل فاس والوداية، بأن السلطان عجز عن الولاية، وأنه لابد من تقديم من يقوم بأمور المسلمين، من نبهاء إخوته المقتدرين، وأن هذا الخرق كان وقوعه منهم وأنهم يريدون جبر كسره

(1) نشر المثاني - ص 2005 في موسوعة أعلام المغرب.

ص: 327

على أيديهم وأن مولاي عبد المالك (1) بسوس هو أحق وأولي بالقيام بأعباء الخلافة ورتق ما تسبب فيه أخوه المترجم من الفتق، وأنهم يطلبون من أهل فاس والوداية الموافقة على هذا الأمر الذي فيه صلاح الأمة وغلق باب التهور والافتيات، فاستحسن أهل فاس والوداية ذلك منهم وتمت الحيلة عليهم وأجابوا العبيد بتحبيذ ما رأوا، وأنهم لا خروج لهم عما أبرموه واتفق رأيهم عليه، ففرح العبيد واستبشروا وأرسلوا إلى مولاي عبد المالك بسوس، ولما بلغه الخبر لبي دعوتهم. وأجاب رغبتهم، وجد في المسير وطوى المراحل وصاحب الترجمة في غمرته ساه.

ولما وصل مولاي عبد المالك لوادي بهت واتصل الخبر بالعبيد دخلوا على المترجم لدار ملكه وألقوا عليه القبض وأخرجوه من دار الملك وسجنوه بالدار التي كانت معدة لسكناه قبل ولايته على عهد والده، وأحاطوا به شرذمة من الحرس لحراسته ونادوا بخلعه والضرب على يده، وقيل: إنهم فعلوا به ذلك قبل تعيين السلطان في سابع شعبان، ومن الغد وصل الخبر لفاس.

وفي تاسع شعبان قدم العبيد إلى مشرع الرملة والعلماء والأشراف على فاس فتهيأَ أهل فاس لملاقاتهم في ثمانين ألفا من الرماة ورحبوا بهم وأضافوهم أحسن ضيافة، وشرحوا لهم عجز المخلوع عن القيام بمصالح الرعية وما آل إليه بسبب إهماله البلاد والعباد، من انعدام الأمن، وتساقط القوى على الضعيف، وأن رأيهم اجتمع على بيعة أخيه المولي عبد المالك لنجدته وشجاعته وحزمه وعزمه وضبطه وحسن سيرته وسياسته وعدله وميله للسلم والإصلاح بين الناس، وأنهم شهدوا منه ذلك في حياة والده حيث خالف عليه وبويع بتارودانت، ففرح أهل فاس بولايته لأنهم حركوا معه فكان يحسن إليهم ويواسي ضعيفهم ويصبرهم ويطيب

(1) خبر الخلع للمترجم له: أحمد الذهبي ومبايعة أخيه عبد المالك ورد في نشر المثاني - ص 2005 وما بعدها في موسوعة أعلام المغرب.

ص: 328

أنفسهم على ما يقاسون من أذي عمال والده، فتوافق الجميع على نصره وخلع أخيه المولي أحمد، وأعلنوا بذلك في الأسواق والأندية، قيل: كان ذلك في عاشر شعبان.

وفي يوم الجمعة رابع عشر منه خطب به على المنابر في سائر المساجد وخلفوا بمكناسة الزيتون ولده، وأبردوا بريدا لمولاي عبد المالك يعلمه بسائر ما وقع ويحثه على تعجيل القدوم عليهم للعاصمة المكناسية، فصار الرسول يطوي المراحل متأبطا المكاتب بشرح الواقع، وبِفَور وصول الخبر لمولاي عبد المالك أسرع السير إلى أن حل بالضريح الإدريسي الأكبر تاسع رمضان، وهناك لحق به وفد شرفاء فاس وعلمائها وأعيانها ورماتها مع القبائل المجاورة لهم فكرم وفادتهم وأنزلهم بوادي الشجرة بجنان هلال وأفاض عليهم موائد الإنعام والإكرام والصلات الضافية فسروا واستبشروا.

ومن الغد دخل مكناسة فتلقاه وجوهها على اختلاف طبقاتهم وقدموا إليه بيعتهم.

وفي الثالث والعشرين من رمضان شرع في قراءة صحيح البخاري في جمع من أعيان العلماء وأصدر أوامره لجميع القبائل بحضور العيد بحضرته فامتثل الكل فغمرهم موائد وصلات وعوائد.

وفي رابع شوال عزل التماق عن قضاء فاس، وولي مكانه العلامة أبا العباس الشدادي وولي العمالة العربي العسعاسي.

ولما تم له الأمر واستقر على عرش ملكه بمكناس قام أهل فاس وغيرهم يطلبون أخذ ثأرهم من أخيه السلطان المترجم وألصقوا به أمورا زعموا أنه ارتكبها تبعا لأهل الظلم والتعدي. قال في "الدر المنتخب" نقلا عن نشر المثاني: إن مولاي

ص: 329

عبد المالك، استفتى العلماء في أمور شنيعة شنعوها على أخيه مولاى أحمد توجب القتل لمن ارتكبها وفعلها، وكثر بها الكلام على الألسنة منها طلب أهل فاس أن ينصفهم من أخيه مولاي أحمد المذكور بكونهم لم يخرجوا عنه ولا قدرة لهم على ذلك ولا على حرب من يريد ذلك ولا على موافقته بقول ولا فعل، فنهبت أموالهم وحطبت أشجارهم وهدمت دورهم بالبمب، وماتت نساؤهم وأولادهم وآباؤهم وأهلوهم بالهدم، مع أن من ينسب له الخروج عليه لم يتحقق منه ذلك ولم يثبت عليه وإنما يدفع عن نفسه الوداية وغيرهم من الجيش الذين كانوا ينهبون أموالهم ويريدون الوثوب على نسائهم كما فعلوا بالبوادي والحواضر فنسبوا الخروج إليهم ليحصلوا ما أرادوا فيهم، ووشوا بأهل فاس إلى مولاي أحمد ونسبوا لهم الخروج عليه فقبل منهم ذلك من غير ثبوت لهم على أهل فاس، فأَطلق يدهم عليهم فخاض العلماء في ذلك ولم تتفق أقوالهم ولا آراؤهم في شيء فلم يجيبوا عن شيء واتفقوا على أن التفويض في ذلك للسلطان يجتهد ويحكم باجتهاده، فاستشار في ذلك كاتبه أبا عبد الله محمد بن أحمد الفاسي فأجابه بأنه لم يتم موجب قتله بما طلبه به بعض الضعفاء من أهل فاس من المؤمنين فرجع عما استفتي فيه العلماء من قتله. انتهى.

ثم أرسل مولاي عبد المالك أخاه الولي أحمد المترجم مسجونا لسجن فاس الجديد، فأُتي به إليه مقيدا بالحديد تاسع الشهر قيل إنه رق له بعد ذلك وسرحه وبقي مسرحا نحو ثمانية أيام، ثم بداله سجنه وإجلاؤه إلى الصحراء ظانا أنه يستريح منه، وقبض عليه ووجهه في الثامن والعشرين من الشهر المذكور، وأمر ولده بسمل عين عمه المترجم بمجرد وصوله إليه، فكان من لطف الله به أن بلغه ما أضمر له أخوه القائم عليه فهرب لزاوية أبي عثمان سعيد أحنصال بقبيلة آيت عطة، وكان قيم الزاوية إذ ذاك ولده أبو يعقوب يوسف بن سعيد -وكان من المحدثين- فأخبره برجوعه لملكه وعود الأمور إليه.

ص: 330

ثم لما بدا للعبيد من المولي عبد المالك ما لم يوافق هواهم من التبذير وتفريق الأموال في غير مستحقها بل حتى في مستحقها وقيامه بأمور المملكة بنفسه واستروحوا رائحة عزمه على الإيقاع بهم ضاق بهم المتسع وشمروا على ساق في خلعه، ورد المولي أحمد لبسط كفه وإلقائه زمام الملك بأيديهم يتصرفون في الرعايا والجبايات وبيوت الأموال كيف شاء هواهم.

ولما أحَسَّ بذلك المولي عبد المالك أخذ في الاحتياط لنفسه وتربص الدوائر بهم، ولكن بادت حيله ولم تغن عنه احتياطاته شيئا كما سيقص عليك في ترجمته بعد بحول الله.

وفي صبيحة عيد الأضحى من العام أعلن العبيد بخلع ربقة بيعته من أعناقهم ومنعوا خطيب مشرع الرملة من التعرض لذكره في خطبته وألزموه ذكر مولاي أحمد المترجم وطيروا الأعلام إليه، ولما اتصل به الخبر أسرع المسير إليهم وفي معيته صاحب الزاوية الحنصالية المذكور وقد انضم إليهم بنو حسن وتحالفوا وتعاقدوا على بيعته والموت تحت رايته وارتحلوا جميعا إلى مكناسة حيث عرش المملكة، فهم المولي عبد المالك بالبروز إليهم ومقاتلتهم، فجهر الوداية بالخروج عليه وبيعة أخيه وشرعوا فورا في قتال جيشه، ولحق بهم العبيد إلى مكناسة يوم الاثنين رابع عشري ذي الحجة عام أربعين (1).

ثم نادي بعض رؤساء العبيد على بعض من بباب قصبة السلطان الموالي للقبة الخضراء بنصر أخيه مولاي عبد الله وكانت خناثة بنت (2) بكار المغفري -زوجة مولانا إسماعيل- هي الساكنة بتلك الدار الموالية لذلك الباب، فلما سمعت النداء بنصر ولدها فتحت الباب من ناحيتها فبينما الناس يقاتلون بنواحي مكناسة إذ سمعوا بدخول العبيد للقصبة فسقط في أيديهم، وخرج السلطان ناجيا بنفسه في

(1) نشر المثاني - ص 2008 في موسوعة أعلام المغرب.

(2)

في نشر المثاني الذي ينقل عنه المصنف "خناته" وفى الاستقصا 7/ 58: "خناثى بنت بكار المغفرى".

ص: 331

نحو ثلاثمائة من أصحابه، وسلك غير طريق فاس المشهورة، ووقع في القصبة نهب عظيم وأعادوا الغارة على مكناسة بمثل ذلك نهبا وسبيا وهتكا للحرمات، وارتكاب سائر المحرمات، وكان ذلك ثاني اليوم المذكور (1).

ولما وصل مولاي عبد المالك أبواب فاس اضطرب رأي أهلها، فمنهم من رأي أن الأولى صده عن الدخول إليها لعجزهم عن مقاومة حرب العبيد الساعين في الأرض الفساد، وخافوا أن يوقعوا بهم ما أوقعوه بمكناس وقصبته، ورأي السواد الأعظم منهم دخوله والمقاتلة دونه، لأنه الخليفة الذي بيعته في أعناقهم وطاعته واجبة عليهم والحال أنه بين أظهرهم فأدخلوه واستوطن دار القيطون، وما رأى الجمهور من إدخاله هو رأْي جل علمائهم، وانضم إلى أهل فاس كل من لم يخرج عن المولي عبد الملك من القبائل على ما سيبين في محله بحول الله (2).

وقيل: إن مولاي أحمد المترجم وصل مكناسة في أواخر ذي الحجة من العام المذكور، وأن مولاي عبد المالك لما فر ترك رماة أهل فاس بقصبة مكناسة وكانوا نحو الألفين، وأن مولاي أحمد لما حل بمكناس قبض على الرماة المذكورين وقيدهم وأودعهم بالسراديب رجاء أن يرجع أهل فاس إلى طاعته، ولما اتصل الخبر بأهل فاس خرجوا خيلا ورجالا إلى زواغة ونهبوا للوداية جميع ما وجدوه من الماشية، وجاءوا بذلك لفاس، فبيع الكبش بثلاث موزونات والبقر بثمانى عشرة موزونة فاستغاث الوداية بإخوانهم الحالين بمكناس والعبيد.

وفي أول يوم من المحرم جاء المولي أحمد لقتال فاس بجنود لا حصر لها وهم لا يشكون في دخول فاس والإيقاع بأهلها أفظع مما فعلوه بمكناس، ثم بدا لمولاي أحمد أن يوجه القائد صالح الليريني قائد الرماة المسجونين بكتاب لأهل

(1) نشر المثاني - ص 2008 في موسوعة أعلام المغرب.

(2)

نشر المثاني - ص 2008 في موسوعة أعلام المغرب.

ص: 332

فاس يحذرهم ما صنعوا ويغريهم على بيعة المترجم والدخول تحت طاعته، ويعدهم بتسريح إخوانهم الرماة المسجونين، ولما وصل الليريني إليهم وقرءوا الكتاب المذكور وثبوا على الليريني فقتلوه وصلبوه على التوتة الكائنة بسوق الصفارين، وقتلوا الحاج الخياط عديل بداره بالمعادي، وتمادوا على قتل كل من ذكر المترجم حتى لم يبق لاسمه ذكر بفاس.

وفي سادس محرم نودي في وقت الصلاة بهجوم العدو وخرج الناس من المساجد وصلوا الجمعة ظهرا فكشف الغيب أن لا عدو فاطمأنوا وأقاموا صلاة الجمعة وخطبوا بمولاي عبد المالك.

وفي يوم السبت سابع محرم وقع قتال كبير بين أهل فاس والوداية والعبيد، مات من أهل فاس نحو ثمانية وجرح نحو العشرين، ومات من الوداية ومن انضم إليهم نحو أربعمائة.

قال في "نشر المثاني" وفي تاسع المحرم قدم على السلطان مولاي أحمد مَن بقي (1) من جيشه من قبائل المغربْ فأحاطت الجيوش بمدينة فاس كالخاتم، فلما أصبح يوم عاشوراء برر (2) جيش العبيد على فاس، وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم، وقصدوها دفعة واحدة ولم يخرج لهم أحد من أهل فاس، وإنما حاربوهم من أسوارها إلا القليل خرج إليهم، فهزم الله تعالى الجيوش كلها، ولم يمت من أهل فاس أحد إلا الولي الصالح سيدي العربي بن عيسون، لأنه خرج على باب المسافرين فأصابته رصاصة فقتلته، وحكموا أنهم منعوه من الخروج أولا خوفا عليه فقال: إن لم تتركوني أخرج يدخل عليكم العبيد يشير أنه الطالب من الله تعالى أن يصرفهم عن فاس وأنه افتداهم بنفسه وأنه حصل لأهل فاس دهش

(1) تحرف في المطبوع إلى: "ما بقى" وصوابه من نشر المثاني الذي ينقل عنه المصنف.

(2)

في نشر المثاني: "ميّز".

ص: 333

عظيم. ثم كتب لهم مولاي أحمد رسائل يدعوهم إلى خلع مولاي عبد المالك والدخول في طاعته فامتنعوا، وهو في ذلك مساعف للعبيد، وإلا فقد كان حاله إنما يريد الراحة لكن كان الأمر والنهي للعبيد، وليس له من الملك إلا الاسم لا المسمي لا يقطع أمرًا إلا بما يأمرونه [به] وبهذا اعتذر أهل فاس وامتنعوا من الدخول تحت العبيد. ثم حمي وطيس الفتنة وبقي الحرب سجالا (1).

وورد الخبر بأن سفيان وبني مالك وشراكة وأولاد جامع والحياينة اجتمعوا يريدون أن ينصروا موالي عبد المالك لأنهم باقون على عهده ولم يخلعوه، فوجه لهم العبيد جيشا فاقتتلوا مع القبائل قرب وادي إينول (2) فانهزمت القبائل وبقي منهم قتلي كثيرون (3).

ومن جملة من قتل مع (4) القبائل وزير مولاي عبد المالك مولاي المنتصر بن مولانا إسماعيل، وحمل إلى فاس ودفن بروضة سيدي الخياط بالدوح من فاس القروس، قتله الوداية وأرسلوه مع بعض المحبوسين من أهل فاس، وقصدهم بذلك تحقق مولاي عبد المالك بهزيمة جيشه، فحينئذ يئس وانقطع رجاؤه من المدد (5).

وفي رواية أن الذي قدم بمولاي المنتصر سيدي عبد الله القصري في الرابع عشر من المحرم ودفن ليلا، وحضر جنازته السلطان مولاي عبد المالك وأعيان المدينة، وشد العبيد الحصار على فاس، وقطعوا الماء عن عدوة القرويين وأدنوا محلتهم لسورها.

(1) نشر المثاني - ص 2018 وما بين حاصرتين منه.

(2)

في المطبوع: ايناون" والمثبت من نشر المثاني الذي ينقل عنه المصنف.

(3)

نشر المثاني - ص 2018 في موسوعة أعلام المغرب.

(4)

تحرف في المطبوع إلى: "من" وصوابه في نشر المثاني.

(5)

نشر المثاني - ص 2018 في موسوعة أعلام المغرب.

ص: 334

وفي ثامن عشر محرم ركبوا نفضين على المدينة قرب سيدي الحسن الدراوي، ورموا في ذلك اليوم نحوًا من أربع وعشرين كورة، وبالغد وقع قتال كبير على جميع الأبواب خصوصا باب الفتوح، لأنهم أرادوا أخذ البستيون وجاءوا إليه بالسلاليم فانهزموا، ومات من أهل فاس نحو العشرين ورموا في ذلك اليوم كورا كبير.

وفي اليوم الموفي عشرين رَمَوْا نحو خمس وأربعين كورة، وبالغد رموا نحو العشرين.

وفي يوم الأحد الثاني والعشرين وقع قتال عظيم عند سيدي الحسن الدراوي، وفيه مات الحاج عبد الرحمن المفرج قائد الأندلس ونحو العشرين رجلا بين قتيل وجريح.

وفي السادس والعشرين وقع قتال عظيم بوادي المالح بباب الجيسة من الضحى إلى الظهر مات فيه من أهل فاس ثلاثة، وجرح ستة ومن الغير عدد كثير، ورموا في ذلك اليوم من الكور والبمب عددًا كثيرا في كورة واحدة نحو سبعه أرباع، وركبوا بقصبة شراكة بالخميس أربعة عشر نفضا وكانوا يرمون بها ليلا ونهارا من كل جهاتها وأحاطوا بها بأشبارات، فكان بينهم وبينها أقل من رمية بمكحلة، وربما كان رصاصهم يبلغ سطح الدور من بعض جهاتها فيصيب من يكون بالأسطحة، ووقع ضيق عظيم بالمدينة وهدم بالبمب كثير، ومات كثير من النساء والأطفال ومن لا يستطيع منعا ولا دفعا من الرجال العاجزين عن القتال، ونهب أهل الحلة المرس الكبير الذي بين سيدي على بن حِرازهم (1) وسيدي الحسن الدراوي إلى سور المدينة وحطبوا الأشجار وتجلدوا على دخول فاس، وأخلي من المدينة الدور التي يصل إليها الرمي بالكور والبمب واقتصروا على سبكني ما لا يصل إليه، ورتب أهل فاس الحرس على الأسوار وحفروا واديا خارج السور

(1) تحرف في المطبوع إلى: "حرازم" وصوابه لدى السبكنى في طبقاته 6/ 258.

ص: 335

محيطا به وآخر أبعد منه من جهة باب الجيسة، وتجلدوا للمدافعة عن أنفسهم وعن أهل المسكنة من المؤمنين الذين لا يستطيعون دفعا ولا منعا العاجزين عن القتال وعن المنع أو القبول بالقول باللسان، متوجهين إلى الله في اللطف والنجاة وإخماد الفتن، متضرعين إلى الله لائذين بحمي الله وحمي رسوله وأوليائه، وظهر في ذلك لطف عظيم وأمور عظيمة وأهل المدينة يخرجون للجيش خارج السور لا يرضون بالاقتصار على السور، وكان جيش العبيد مع ما انضاف إليهم قدر مائة ألف.

ثم إن القبائل التي انهزمت بوادي لشول أعادوا الجمع لأجل مولاي عبد المالك والمدافعة عنه وكانوا يتنهزون الفرصه كيف يصلون إلى فاس من الجيش المحيط بها، واستقروا بموضع يقال له تيسة من أرض الحياينة، وكان العبيد ينهبون زرع الحياينة الذي بأَمْرَاسِهِم ويأتون به للمحلة فخرج العبيد لنهب الحياينة على العادة، فرصدهم القبائل المجتمعة بتيسة واقتتلوا مع العبيد، فهزموا العبيد وقطعوا رءوسهم ونهبوا لهم من الدواب ما يزيد على الستمائة.

ولما وصل الخبر للعبيد أرسلوا جيشا منهم ومن الأوداية ووقع القتال أيضا بتيسة فغلبهم جيش العبيد وهزمهم وتفرقت القبائل في الجهات. ولم تتبع العبيد إلَّا سفيان لكثرة حقدهم عليهم، حتى أدركوهم فأوقعوا بهم مقتلة عظيمة فهرب سفيان لحرم وزان ظنا منهم أن العبيد لا يتبعونهم للحرم، فتبعوهم ودخلوا عليهم داخل وزان، ونهبوا الأمتعة والديار، وكانت هذه الوقعة على الناس بوزان من أعظم الوقائع وذلك في الخامس والعشرين من صفر.

ورجع جيش العبيد (1) من وزان إلى فاس ودخلهم من العجب ما أطمعهم بالاستيلاء على فاس، وقد كان العبيد حين دخلوا لقتال القبائل صادفوا الفقيه

(1) نشر المثاني - ص 2019 في موسوعة أعلام المغرب.

ص: 336

السيد أحمد بن سيدي محمد القسمطيني بحوز الحياينة متوجها إلى فاس، وقد كان قاضيا بتازا فقتلوه ومثلوا به.

وفي صفر أيضا وقع قتال عظيم على جميع أبواب فاس حضر فيه مولاي أحمد السلطان وأصحابه وجاءوا من ناحية باب الجيسة، وأظهر اللمطيون في ذلك اليوم قوة عظيمة وقتلوا من الجيش ما يزيد على مائة وخمسين وجاءوا بخَيْلِهم وأسلحتهم، ومات فيه من أهل فاس نحو خمسة عشر رجلا منهم التاجر بو عزة الشرايبي.

وفي الخامس من ربيع الأول كان قتال كبير أيضا بباب الجيسة مات من أهل فاس نحو اثني عشر رجلا، وجرح نحو العشرين ومات من الفريق الآخر عدد كبير.

وفي التاسع منه كان القتال بمصلي باب الفتوح وباب المسافرين وباب الجيسة، مات من أهل فاس عدد عديد يقارب المائة ومن القبائل أضعاف ذلك.

وفي يوم الأربعاء الخامس عشر منه أو الرابع عشر سردوا جيشهم على أن يدفعوا على فاس دفعة واحدة من كل ناحية، وعلامة ذلك خروج نفض في كل محلة عند طلوع الفجر على حين غفلة من أهل فاس، فكان من قدر الله تعالى أن أخبر بذلك بعض أهل المخزن (1) بعض أهل الصلاح والولاية برسالة، فدفع الرسالة التي أَتته من المحلة لأهل فاس فباتوا على سهر يترقبون ذلك (2).

فلما خرجت الأنفاض كان أهل المدينة على حذر، فإذا هم من كل حدب

(1) في هامش نشر المثاني - ص 2020 هو: "صالح بن صالح الأودي، وكان من أصحاب الشيخ مولاي التهامي، والمراد ببعض أهل الصلاح: سيدي محمد بن التهامي المذكور، كان نازلا بحومة الشرشور"، والمخزن = الحكومة في بلاد المغرب.

(2)

نشر المثاني - ص 2020 في موسوعة أعلام المغرب.

ص: 337

ينسلون إلى أسوار المدينة، وجاء العبيد بسلاليم كل سُلَّم (1) يسع عشرة رجال في الدرجة الواحدة، وكانوا حفروا مينة تحت بعض الأسوار قرب سيدي الحاج بودرهم، وجعلوا فيها البارود وأوقدوا فيها النار، وكان من لطف الله أَن صعد السور بالبارود ورجع لمحله ولم يعمل فيه البارود صدعا فرجع العبيد في قيود الحزن ترتاع ولم ينالوا شيئًا (2).

ولما بدا النهار ووضعت الحرب أوزارها وجدت قتلي العبيد صرعي على كل ناحية، وأكثرهم بباب الفتوح، وهم عدد كبير. ومات من أهل فاس نحو الخمسين منهم الطالب عبد الواحد الجامعي، والطالب مسعود بن محمد الفيلالي، والسيد علال التونسي (3).

فمن هذه الوقعة أيس العبيد من دخول فاس عنوة، واستبشر أهل فاس وزال عنهم الفزع.

ثم صرف العبيد وجهتهم إلى استعمال الحيلة والمكيدة، وإرسال الكور والبمب (4)، وطال الأمر وانقطع من يقوم بدعوة مولاي عبد المالك من كل موضع إلا بفاس، وانقطع عنها اللحم والصابون وجميع ما يجبي إليها من خارجها إلا الزرع والإدام كانا بها [كثيرا في هذا الحصار](5).

وبقي كل من الريفيين مصابراً للآخر إلى سادس عشر ربيع الثاني، جاءت محلة عظيمة ونزلت على فاس قائدها الباشا مساهل وهم أخلاط ملتقطون من بني

(1) في المطبوع: "كل سلوم وبجانبها كلمة (كذا) والمثبت من مختار الصحاح، وفيه: المسلم، بفتح اللام واحد السلاليم التي يرتقى عليها.

(2)

نشر المثاني - ص 2020 في موسوعة أعلام المغرب.

(3)

نشر المثاني - ص 2020 في موسوعة أعلام المغرب.

(4)

في نشر المثاني: "البنب".

(5)

نشر المثاني - ص 2020 في موسوعة أعلام المغرب، وما بين حاصرتين منه.

ص: 338

حسن وغيرهم ودفعوا على القلة من باب الجيسة، مات منهم من (1) لا يحصي، ومن فاس نحو العشرين.

ثم في يوم الأحد الرابع والعشرين منه وقع القتال بباب عجيسة، وبالوادي المالح، وبناحية القلل وامتد من الضحي إلى العصر، ومات من أهل فاس نحو الثلاثين، منهم القائد عبد الوهاب الغرناطي. ومن الفريق الآخر من لا يحصى. هـ بنقل "صاحب الدر المنتخب".

ولما اشتد الأمر وطال وكثر الهرج والمرج وعظمت المصائب، واشتعلت نيران الفتن من كل جانب، واشتبكت وارتبكت، والمترجم وحاشيته مجدون في مراودة أهل فاس عن الخروج عن طاعة المولي عبد المالك والرجوع إلى طاعة المترجم، واختلفت آراء الأعلام والعوام في ذلك أفتي الفقيه سيدي محمد ميارة بأنه لا يحل الخروج عن طاعة مولاي عبد المالك ووافقه على ذلك الفقيه أبو عبد الله محمد ابن عبد السلام بناني وأبو عبد الله محمد بن زكري، وخالفهم أبو العباس أحمد ابن مبارك الفيلالي اللمطي قائلا بوجوب خلعه ودفعه لأخيه المتغلب، لأنه لا قدرة له على مقاومته، وبقي الأمر يروج ومال اللمطيون إلى فتوي ميارة ومن وافقه، والأندلسيون إلى فتوى ابن المبارك ومن تبعه كأبي العلاء إدريس المشاط وأبي الحسن على الحريشي.

وفي ضحى يوم الإثنين رابع جمادى الأولى ذهب مولاي عبد المالك إلى زاوية سيدي عبد القادر الفاسي موهما أنه يزور وقصده الكلام مع الأندلسيين والأخذ بخواطرهم فلم يلتفتوا إليه على عادة الغوغاء في الرجوع عن أقوالهم.

قال العلامة ابن إبراهيم الدكالي في "تقاييده التاريخية": ثم إن بعض الطلبة اجتمعوا بجامع الأندلس مع الفقيه السيد أحمد بن مبارك وكتبوا موجبا بإخراج مولاي عبد المالك وعزله ونصر الذهبي، وجعلوا يطوفون به على الناس في

(1) في المطبوع: "ما لا يحصى".

ص: 339

العسات فيقولون: هل تعلمون الشرع أم لا؟ فيقولون: نعم، نعمل الشرع، فيقولون إن الشرع حكم بإخراج مولاي عبد المالك ونصر الذهبي أخيه حتى طافوا بذلك الموجب على جميع أسوار المدينة فتغير الناس بسبب هذا الفعل أشد التغيّر (1)، وبقي الأمر كذلك إلى يوم الجمعة الخامس عشر من الشهر وجاءت غوغاء الأندلسيين إلى أئمة المنابر وأمروهم أن لا يخطبوا بمولاي عبد المالك، فبعضهم ترك نصره على المنبر، وبعضهم نصره، وبعضهم قال: اللهم انصر من نصره الحق المبين، واختلفت الكلمة وكثر الهرج والقيل والقال بين الفريقين، وكاد الأمر يعظم وغلت الأسعار خصوصا الصابون بيع بخمس موزونات للرطل.

ثم اجتمع الأندلسيون واللمطيون بمدرسة الصارفين ليلا وأظهر الذين أرادوا خلع مولاي عبد المالك حجتهم وسكت المخالفون لهم فدل سكوتهم على موافقتهم وانفصل المجلس في الحين.

وفي يوم السبت السادس عشر اجتمع رؤساء الأندلسيين منهم الحاج عبد الرحمن المرابي، والحاج محمد الأندلسي، والحاج محمد يويجر، وأحمد بن عبد الوهاب الغرناطي، والمجذوب اقلال اللمطي، والحاج أحمد بودة اللمطي بروضة سيدي محمد بن عباد مع من وافقهم من طلبة الوقت وكتبوا كتابا لمولاي أحمد الذهبي واشترطوا عليه شروطا إن وفي بها خلعوا أخاه ونصروه وبعثوا له ذلك الكتاب، وبالغد أجابهم بأنه قبل ما شرطوه وذهب إليه جماعة من العلماء والأشراف وأهل الحل والعقد ففرح بهم فرحا شديداً ووعدهم خيرا.

وفي يوم الاثنين الثامن عشر قدموا من عند مولاي أحمد ومعهم كتاب لأهل فاس يشكر فعلهم ويحبذ صنيعهم ويعلن بمسامحتهم فيما صدر منهم ورد القائد المحجوب عليهم فقرأ الكتاب بصحن القرويين وأعلنوا بنصره.

ومن الغد نودي بالأسواق على المخازنية الذين مع مولاي عبد المالك بأن لا

(1) في المطبوع: "أشد الغيار" وبجانبها كلمة (كذا).

ص: 340

يشتري أحد منهم سلاحا ولا غيره، ومن اشتري منهم شيئا لزمته العقوبة، ونودي ثانيا لما دخل مولاي عبد المالك لحرم مولاي إدريس أن لا يدخل عليه أحد.

وفي عشية هذا اليوم جاء كتاب من عند الذهبي بأنه سامح أخاه وشفع فيه أهل فاس، أنه إن أراد الخروج من الحرم الإدريسي والذهاب لتافلالت فله ذلك، ولما أخبر مولاي عبد المالك بذلك امتنع من الخروج وقال: إني في حرم الله ولا حاجة لي بالملك، فشهد عليه بذلك وأرسلت الشهادة للذهبي.

ثم إن مولاي عبد المالك سمع ممن لا خلاق له من أهل فاس يقول في حقه: إن هذا الحرم لا يجير عاصيا، وسمع أن بعض الطلبة الذين أفتوا بخلعه أفتوا بإخراجه من الضريح الإدريسى، فبعث أحد أولاده لعبيد مشرع الرملة يطلب منهم لأمان لنفسه ويخرج معهم فأجابوه كتابة لذلك.

قال ابن إبراهيم: وفي ضحي يوم الخميس الحادي والعشرين من جمادى الأولى قدم الباشا سالم الدكالي رئيس العييد ومعه نحو الخميس من أكابرهم ودخلوا لحرم مولانا إدريس وتكلموا معه وأعطوه الأمان وأنهم لا يغدرونه، فخرج معهم قرب الزوال مع جماعة من أصحابه وكلهم على خيلهم ولما كان مولاي عبد المالك عند السقاية التي بزنقة الحرم الإدريسي لقيه بعض الأندلسيين فقال له نريد من سيدنا السماح فقال لهم: هذا السيد بيني وبينكم وانصرف.

وكان الذي جد في خلعه هم الأندلسيون، وكنا نسمع أن الذهبي بعث إليهم بدراهم كثيرة فاقتسموها بينهم وكانت العامة تقول: أهل الأندلس باعوا سلطانهم بالفلوس.

ولما كان اليوم الذي دخل العبيد للحرم الإدريسي بقصد إخراج مولاي عبد المالك ضج الناس بالمدينة وسد بعضهم الدروب وتحزب اللمطيون وحلفوا أَن

ص: 341

لا يتركوا أحدًا يخرجه كائنا من كان، ثم دخل اللمطيون على مولاي عبد المالك وخيروه في المقام بالضريح الإدريسي والخروج مع العبيد، فاختار الخروج مع العبيد.

ولما ذهب معهم للمحلة أرسلوه لفاس الجديد وتلاقي مع أخيه مولاي أحمد، فتأدب له ونزل عن فرسه وعانقه وسلم عليه وأعطاه مضمة من الذهب وفرسا سرجه ذهب وأنزله بدار ابن شقرة ففرح الناس بذلك.

وفي الغد -وهو الثاني والعشرون من الشهر- بعث مولاي أحمد أخاه مولاي عبد المالك لمكناسة مسجونا فأصاب الناس كدر لا يعلمه إلا الله.

وفي هذا اليوم ذهب أعيان فاس إلى فاس الجديد وصلوا معه الجمعة وفرح بهم وأخذوا بخاطره وقدموا له هدية وشكروا فعله وسرح لهم المساجين الذين كانوا بمكناسة بالدهاليز، وأمر أهل فاس بالصلح مع الوداية فاصطلحوا، وفي الغد وهو يوم السبت فتحت أبواب فاس كلها وأمن الناس بعضهم بعضا.

وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين قلعت المحلة ورحلت وذهب السلطان لمكناسة بعد الزوال، وودعه أهل فاس، وبعد ثمانية أيام ذهب أهل فاس إلى مكناسة طالبين من السلطان أن يرد عليهم ما نهبه لهم الودايا من الخماسي البلدي الذي كان بالبرج بفاس الجديد على يد القصارين فلم يرده لهم.

وفي يوم الاثنين ثالث رجب جاء الفقيه السيد إدريس المشاط من عند السلطان، أنه عزل سيدي أحمد الشدادي عن خطة القضاء وولاها له فلم يقبله أهل فاس.

وفي الرابع عشر رجب جاء المشاط لجامع القرويين وصلى الظهر وجلس بمقصورة القضاء ليحكم بين الناس، فدفع عليه جماعة اللمطيين فقام هاربا.

ص: 342

وفي ثامن عشر رجب جاء كتاب السلطان برد سيدي أحمد الشدادي للقضاء، وعزل المشاط وقرئ على المنبر وفرح الناس.

ثم بعد إبرام الصلح مع أهل فاس مرض المترجم قيل خرج من فاس صحيحا وابتدأه المرض بمكناس، وقيل خرج من فاس مريضا حمله العبيد في المحفة لمكناس، وعلى هذا القول أعني الثاني اقتصر في نشر المثاني (1).

ولما اشتد به المرض أرسل إلى أخويه سيدي محمد بن عريبة ومولاي سليمان ابن الجامعية -على ما قيل- وجماعة من العبيد أهل مشورته وأمرهم بقتل أخيه المولي عبد المالك ليلا من غير أن يشعر به أحد، فخنقوه ليلة الثلاثاء الموفي ثلاثين من رجب وغسلوه بالماء البارد على لوح بِمِيضَأة جامع الزيتونة.

ولما قتل مولاي عبد المالك شهيدا رحمه الله وشاع الخبر في الناس منهم من صدق الخبر ومنهم من أنكره، وكانوا يتبايعون بالأجل الذي هو ظهور مولاي عبد المالك حتى أفضي الأمر إلى إخراجه من قبره برد الله ثراه ووضعه على الشافر حتى شاهدهْ الخاص والعام وزال الريب.

(1) نشر المثاني - ص 2021 في موسوعة أعلام المغرب.

ص: 343