الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصدير تواريخ المغرب
" نبذة صغيرة"
* * *
التاريخ أنباء الخلف بأحوال السلف، وهو معيار توزن به أعمال الأمة في هذا الوجود ويعلم منه مكانها بين الأمم غيرها على هذه الأرض، وهو السائق للعزة والدليل الخريت في الدلجة.
وللمغرب تاريخ معروف في إجماله، مملوء بالبطولة، حفيل بالمآثر العظمى والوقائع الفاصلة الكبرى، وصحفه دالة على استبحار عمرانه وتمدن سكانه وإدراكه البسطة في أغراض الحياة ومذاهبها، وبلوغه يفاع المجد وذُرَا الحضارة، لما قام فيه الأفذاذ الذين قادوا الأمم فأحسنوا مقادها وساقوها إلى مواطن العزة فبلغوها ومثله في ذلك كمثل هذه الأقطار المتألف من مجموعها عالم الإسلام ولا سيما وقد كان منها عضوا بارز المكانة محسوس الأثر. و"مراكش" و"فاس" و"سبتة" و"سجلماسة" ثم "مكناسة" حواضر مغربية كان لها شأن في العلم والأدب والحضارة بحيث يصح إدراجها بجانب غيرها من كراسى الإسلام وحواضره في الشرق والغرب.
وقد نشأ التاريخ المغربى متدرجا على ناموس النشوء والارتقاء، فلذلك يغلب على عهوده الأولى أن يكون مؤرخوها المعاصرون لها أجانب من هذه الديار، ثم لما استقام للبلاد أمرها وبلغت أشدها صار لكل دولة وعصر مؤرخون معاصرون يحفظون للأجيال القادمة أنباء العصور السالفة وينقلون للآتى خبر الذاهب بما استطاعوا من جمع وتدقيق، وأعانهم على ذلك أن جمهورهم كان متصلا بالدولة مطلعا على ما قد يحتاج إليه إذ ليس فيهم -في الغالب- إلا وزير أو كاتب أو نحوهما.
فكان منهم في عهد المرابطين شاعرهم أبو بكر بن الصيرفى الغرناطى (-557) وكان في عهد المهدى والموحدين مؤرخون منهم: "صاحب الأنساب" في معرفة الأصحاب أصحاب الإمام المهدى، وأبو بكر بن على الصنهاجى البيذق صاحب "تاريخ الموحدين"، وعبد الواحد بن على التميمى المراكشى مؤلف "المعجب" وغيرهم كالقاضى يوسف بن عمر الإشبيلى وابن حمويه السرخسى والقاضى الأكرم على بن يوسف القفطى (568 -) صاحب تاريخ المغرب ومن تولاه من الموحدين فلما انقرضت دولتهم وقام المرينيون بجليل أعمالهم ونضجت في عهدهم الحضارة بالمغرب قام بتدوينها أصحاب الذخيرة السنية وروضة النسرين وروض القرطاس وشاعر ذلك العصر الكاتب عبد العزيز الملزوري في نظم السلوك وغيرهم كالسفير الخطيب بن مرزوق في المسند الصحيح الحسن في مآثر أبى الحسن وكاتب الدولة ابن خلدون وضيفها ابن الخطيب في آثاره، ثم دالت الدولة للوطاسيين منهم فما لبثوا بها إلا أياما واستلمها منهم السعديون، فظهر بليغهم الوزير الفشتالي بمناهل الصفا والجزولي بالنفحة المسكية، والرئيس ابن عيسى بالممدود والمقصور من سنا الملك المنصور، وابن القاضي بالمنتقى المقصور ودرة الحجال، وغيرهم بغير ذلك، ثم صار الأمر للعلويين فكان لهم مثل ما تقدم فكتب عن صدر دولتهم اليفرني ثم تلاه ابن إبراهيم الدكالي والغزال والضعيف والزياني، ومثله في الدولة العلوية كمثل ابن القاضى في الدولة السعدية في الاعتبار بالتاريخ والتدوين فيه، واكنسوس وابن الحاج والسملالي والسباعي وصاحب الاستقصاء وغير هؤلاء.
ومن المؤرخين طائفة تخللت تلك الأدوار وعاشت في ظل أفيائها ولكنها انتحت بكتبها ناحية خاصة منها، ولهؤلاء في ذلك طرق مختلفة وأساليب شتى:
فمنهم من كان ذا منزع صوفى فرأى الاقتصار على أخبار الزهاد والمتصوفة، وعددهم في هذه الأمة كثير ولهم فيها أى تأثير، وتدوين أحوالهم وما يتصل بهم
من قول أو عمل وهؤلاء فريقان: فريق له مؤلفات عامة كتآليف ابن الزيات المراكشي والبادسى والصومعى. وفريق له كتب ورسائل تخص أبا محمد صالحا، وأبا يعزى وأضرابهما ومؤلفات هؤلاء وموضوعاتهم كثيرة.
ومنهم من ألف في أنساب الملوك والقبائل والبيوت الجليلة القدر الكريمة الأصل وأكثر ما ألف في هذا المعنى في أهل فاس وأقله في غيرها من الجهات والكاتبون هنا كثير.
ومنهم أرباب الفهارس والأثبات وهى تفيد من شاء الاطلاع على حالة المغرب العلمية في الجملة، وقد ألف في ذلك عياض كتابه "الغنية"، ثم ابن رشيد وابن الشاط وعبد المهيمن الحضرمى وأبو زكريا السراج وزروق وابن هلال وابن غازى والمنجور والجادرى وابن القاضى وعبد الواحد السجلماسى المراكشى والفاسيون والعراقى ويحيى البكرى السوسى والمنجرة واليوسى والمرغيثي والحضيكى والعميرى والبنانيان ابن عبد السلام وابن الحسن والتاودى والهشتوكى والورزارى والكوهن وغيرهم.
ومنهم من كتب في طبقات الرجال وتراجم الأعلام كطبقات المالكية للقاضى عياض وتسمى بالمدارك، وقد اختصرها ابن سهل وابن علوان المصرى وابن حمادة السبتى تلميذ القاضى وزاد عليها زوائد، وطبقات الأعيان لابن عجيبة ورجال القرن العاشر لابن عسكر وطبقات القرنين الحادى عشر والثانى عشر للقادري ورجال القرن الحادى عشر المسمى بالإِعلام بمن مضى وغبر لعبد الله الفاسى وطبقات أهل الحساب والفرائض لابن القاضى وله ذيل علي ابن خلكان هو المسمى "بدرة الحجال في أسماء الرجال" وله ذيل آخر على ابن قنفذ من أول المائة الثامنة إلى تمام العاشرة وكذلك ذيل على الصلة أحمد بن فرتون الفاسي (-660) وابن عبد الملك المراكشى (634 - 703) قاضى أبى يعقوب المرينى على مراكش في كتابه "الذيل والتكملة على الموصول والصلة"، وسلك الفتح بعض أدباء المغرب في
قلائده التي خدم بها مجلس الأمير إبراهيم ابن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ثم جمع ابن هانى السبتى كتابا في شعراء المائة السابعة سماه "الغرة الطالعة" وجاء بعده أبو الوليد ابن الأحم فجعل لأدباء العدوة قسما من كتابه نثير الجمان فيمن ضمه وإياهم الزمان، واقتصر العلمى على من لقيه من أدباء عصره في أنيسه المطرب، ومن هذا الباب ما وضع خاصا ببعض الأفراد الممتازين كاليحمدى وزير مولاى إسماعيل والعياشى زعيم السواحل وأمثالهما من الفضلاء.
ومنهم المؤلفون في المدائن يذكرون أخبارها وما تقلبت فيه من الأحوال وكيف تداولتها الدول ومن كان فيها من الرجال والأسر النبيهة وقد ألف محمد بن يوسف الوراق القيروانى (292 -) في أخبار سجلماسة ونكور والبصرة تآليف حسانا كما يقول ابن حزم. وفى فاس ألف عبد الملك بن موسى الوراق كتابه "المقباس في أخبار فاس" وألف في تاريخها ابن حنون وابن عبد الكريم وابن أبى زرع وفى رجالها ابن القاضى وابن الأحمر وابن عيشون والمدرع والفاسى والكنانى وجمع المقرى كتابا فيمن لقيه من الأعلام بها وبمراكش. وألف ابن أبى بكر الحضرمى السلسل العذب والمنهل الأحلى في سلك من تحلى سلكهم في الأربعين من جيل فاس ومكناسة وسلا. وفى سبتة ألف القاضى عياض العيون الستة وهى من كتبه التي لم تتم. وألف غيره بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدول المرينية من مدرس وأستاذ وطبيب والكوكب الوقاد فيمن دفن بسبتة من العلماء والزهاد. وفى مكناسة ألف ابن جابر نزهة الناظر وابن غازى روضه الهتون والجبلى النفحات الوردية. وفى راوية الدلاء ألف الحوات واليازغى. وفى درعة ألف محمد المكى الناصرى الدرر المرصعة.
ولا يزال هذا التاريخ المغربى تعمل فيه الأقلام وتنضب في تدوينه المحابر وتعمل فيه الليالى والأيام وهو لا يزداد إلَّا نُدْحَة في البحث واستقصاء وتنقيبا ومن
ذلك هذه الحركة المباركة التي قام بها ثلة من أرباب الأقلام في بعض أرجاء المغرب فاختص كل واحد بتدوين تاريخ مدينة من مدنه -كمراكش وفاس وسلا والرباط وطنجة- وتبيان ما كان لها من عهد زاهر ومجد غابر وذكر زعماء رجالها الذين كانت لهم يد في العلم والأدب منها، وجمع ما كان من ذلك متناثرا بعد أن أدركه التلاشى وكاد يصبح مضمحلا داثرا، وهى فكرة حميدة كان سعى أربابها مشكورا وعسى أن تعم أصقاع المغرب فيقوم بتنفيذها من يأنس من نفسه اقتدارا على ولوج هذا الميدان والإجادة من نصيبه منه حتى نرى تلك التواريخ يوما وقد أحكم وضعها وأتقن ترتيبها وجمعها وأصبحت مادة فوارة لتاريخ المغرب العام.
وهذا أثر جليل من ذلك النحو قد جمع فأوعب واستدرك فأعجب وأغرب، وسيكون ولا ريب من أهم مؤلفات المغرب التاريخية وأغزرها مادة وأكثرها إفادة وجمعا، وقد اجتمعت فيه ثلاث من كن فيه كان حقيقا بالامتياز عن غيره والحظوة بالخصوصية ألا وهى، قيمة الكتاب وأهمية الموضوع واقتدار المؤلف في فنه:
أما عن المؤلف فسماحة الأستاذ النقيب مؤلف هذا الكتاب أحد حملة التاريخ عندنا الذين يقول لسان حالهم:
فجسمى في دهره ماكث
…
وعقلى في أول الدهر ناء
وهو غنى بشهرته ومكانته وخزانته الزيدانية عن زيادة التعريف والتبيين.
وأما عن الموضوع فإن مكناس جمعت بين الطريف والتليد والقديم والجديد، وهى إحدى حواضر المغرب بعد سجلماسة مركز بنى مدرار وفاس كرسى الأدارسة ومن اقتفاهم ومراكش دار المرابطين ومن بعدهم. وقد مرت عليها أيام كسيت فيها نضارة الحضارة وظللها جلال الملك والإمارة وكانت فيها قلب المغرب ومأوى الوزراء والكتاب والشعراء وأرباب العلوم والصنائع والفنون.
وأما عن الكتاب فإن المؤلف متى كان قائما على فنه مضطلعا بأعبائه منقطعا إليه جاء في كتابه بنتيجة ذلك كله، وفى هذا الكتاب ما لا يكاد يتأتى لغير مؤلفه الإتيان به أو العثور عليه، وقد أحيا الله به مواتا ونشر بإبراره رفاتا وإن فيه فوائد هى أعز ما يطلب، ووثائق تكشف عن كثير من الأسرار المكتومة وتراجم هى لب التاريخ وحليته، ولولاه ذهبت وكأن لم يكن أربابها شيئًا مذكورا إلى ما حلى به من نادر الصور وقيم الغرر.
وإن أقل ما يجارى به مؤلف وقد أبدى للناس كتابه -بعد أن أنفق عليه من ذهنه ووقته وجهده ويده- أن يقال له: أحسنت وأفدت ولا زال قلمك منهلا.
الرباط 11 جمادى الثانية 1348
عبد الكريم بن الحسنى
الحمد لله حق حمده
وللفقيه الأديب السيد محمد غريط لما وقف على رسم المؤلف:
يا مرسل الفكرة في جنة
…
أتت من الزهر بألوان
جنة أخبار يتوق لها
…
من ليس بالمستكبر الجانى
إن شئت أن تبصر مبرزها
…
نزهة ألباب وأعيان
فانظر إلى رسمه تلف به
…
لوصفه أحسن تبيان
وهو أبو زيد النقيب الذى
…
ينمو لفرع الملك زيدان
[صورة]
علمي غذا روحي وراحة بنيتي
…
وتفكري فرضي وخير مجالس
وتدبري راحى وريحاني وكتـ
…
بي في انفرادي مطربي ومؤانس
وأرى حياتي دون ذلك ما لها
…
نفع كعيشة عابث متقاعس
عبد الرحمن بن زيدان
إتحاف أعلام الناس
بجمال أخبار حاضرة مكناس
لابن زيدان