الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثائر المذكور من التزوج بغيره لئلا يرجع ويجدها متزوجة فنعوذ بالله من الجهل والغباوة.
ثورة الريسولى:
ومن ذلك ثورة أبي العباس أحمد الريسولى الذي كان في أول أمره من اللصوص النهاب قطاع الطريق بالعقبة الحمراء وما والاها.
وقد اتفق أن كان بين النائب السلطانى بطنجة الحاج محمَّد الطريس التطوانى، وبين عامل طنجة الحاج عبد الرحمن بن عبد الصادق منافسة وشحناء، فوشى الطريس بالعامل المذكور للسلطان زاعما أنه المغرى للريسولى على العيث في الطرقات وأنه يشاطره جميع ما سلب ونهب، وذلك محض زور وافتراء فأصدر السلطان عند ذلك بالعامل أمرا باتا بالقبض على اللص المذكور وإلا فيكون مسئولا ولما بلغه هذا الكتاب ضاق به المتسع وصار يضرب أخماسا في أسداس، ولما رأى أن لا ملجأ ولا منجى له إلا بنصب حبال المكر والخديعة، أوعز لبعض الخاصة من أصحاب الريسولى بأنه يريد أن يرشح المذكور شيخا ولكن لا بد من أن يدفع عن تسنم ذلك المنصب مبلغا من الدراهم لا يقل عن ثلاثين ألف بسيطة حسنية، فنشط الخدن لتولية صاحبه واستعظم العدة وصار يطلب من العامل الحط من ذلك القدر وهو يشدد ويظهر الإباية من أن يضع ولو شيئًا ما، ثم ذهب الصديق لصديقه وأخبره بما راج بينه وبين العامل في شأنه فارتاح لذلك، وأجاب لأداء العدة المذكورة، وإنما يطلب دفعها مقسطة، ثم تأبط ثلاثة آلاف بسيطة حسنية ليقدمها بين يدي نجواه للعامل، وتوجه مع الواسطة.
فلما أخبر العامل بما ذكر أمر بإنزال الريسولى بمحل معدل الضيوف الأعيان، وكلف من يذهب إليه بالطعام والشراب وأظهر الاعتناء الزائد ودخل هو لداره مع الواسطة.
ثم نادى بعد الأبطال من خاصة أنواعه يسمى عبد السلام الأشخر وقال له: إنى أريد القبض على الريسولى، وأنه لا في قوم بهذه المأمورية غيرك، وإننى لم أفضى بهذا السر لبشر من خلق الله سواك، ولا يقبل منك عذر فيه بحال، فإن فهت بهذا أو توانيت فيه فإنك تقبض مكانه وتذوق ألم طويل المحن، فأجاب الشرطى بالسمع والطاعة، واختار من أصحابه من يعتمد على إخلاصه وشجاعته وأفضى إليه بما شافهه به العامل، وقال له: إنى إذا حضر الطعام وناولته الطست ومد يده للغسل أسقط عليه وأضمه إلى فإذا رأيتنى فعلت ذلك أدركنى وأعنى فيه فتوافقا على ذلك.
ولما مد الشرطى يده في المسجون قال له: إنه مسجون السلطان فمد يده لجنبه يريد سل سكين كان متأبطا له فنزعه العون الآخر منه وأوثقوا يديه خلف ظهره، وذهبوا به للسجن، وجعلوا عليه السلاسل والأغلال ثم أعلموا العامل بالواقع، فارتاح بذلك وسر به، ثم وجه به سجينا لثغر الصويرة.
وبعد مدة جاء أقاربه وبنو عمه وتطارحوا على الطريس في الشفاعة فيه فأسعف رغبتهم وتشفع فيه للسطان فسرح، ولما رجع لمحله ضاق المتسع بالعامل وشيعته فطلب الانتقال فنقل لعمالة فاس.
وعاث الريسولى وزاد عتوا وفسادا وصار لا يرقب في إنسان إلا ولا ذمة، كم أباد من عائلات وأراق من دماء في سبيل شهواته وأغراضه الشخصية! وأوقد من فتن حبا في الرياسة حتى أهلك البلاد والعباد وأسر (القرونيل مكليل) الحراب الشهير في الدولتين الحسينة والعزيزية ودعا بالملك لنفسه وخطب به على منابر تازروت وما والاها، والتفت حوله الصعاليك وسخفاء العقول وسماسرة الفتن اللذين حبب إليهم تقدير الراحة والسلم العام وصار آونة يجنح للإسبان وأخرى يكون عليهم، وقد تفننت الجرائد والمجلات في نشر تفاصيل أخباره داخل الإيالة المغربية وخارجها فلا حاجة بنا لجلب ذلك وتتبع وقائعه.