المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثورة أبي حمارة: - إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس - جـ ١

[ابن زيدان السجلماسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة هذه الطبعة

- ‌المؤلف وإسهاماته في الحياة الثقافية بالمغرب:

- ‌الإهداء

- ‌كلمة تقديم

- ‌تصدير تواريخ المغرب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌المقدمة

- ‌[المطلب الثالث][في تراجم السلاطين والأمراء والأعيان والعلماء]

- ‌[حرف الألف]

- ‌1 - منهم: أبو إسحاق إبراهيم بن يحيي بن أبي حفاظ مهدي الأمام المكناسي

- ‌2 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى المصمودي التلمساني

- ‌3 - ومنهم: إبراهيم بن عبد الكريم أبو إسحاق

- ‌5 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد القادر الزرهوني

- ‌6 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز الخياطي

- ‌7 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن القائد الطبيب الأندلسي المراكشي ثم المكناسي ثم التونسي

- ‌8 - أحمد الذهبي السلطان أبو العباس أحمد

- ‌علائقه السياسة

- ‌9 - أبو العباس أحمد بن محمد بن حماد بن محمد بن زغبوش المكناسي التاودي

- ‌10 - أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن الولي الصالح المتبرك به عبد المغيث زغبوش القرشي المكناسي النشأَة والدار والإقبار

- ‌12 - أبو العباس أحمد بن على الزرهوني المكناسي

- ‌13 - أبو العباس أحمد: هو الفقيه القاضي أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد البكري

- ‌14 - الولي الصالح المولي أحمد الشبلي الشريف الحسني

- ‌15 - أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن تميم اليَفَرتِي الشهير بالمكناسي

- ‌16 - أبو العباس أحمد بن العربي الغُمَاري الكَومي، قاضي مكناس

- ‌17 - أبو العباس أحمد بن عمر بن محمَّد بن عاشر الأندلسي الأنصاري الجزيري

- ‌18 - أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبد المنان أبو العباس الخزرجي

- ‌19 - أبو العباس أحمد بن سعيد القيجميسي

- ‌20 - أحمد بن سعيد المكناسي يكني أبا العباس

- ‌21 - أحمد بن محمَّد الحباك المكناسي

- ‌22 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد بن بن محمَّد بن محمَّد بن على بن غازي العثماني المكناسي

- ‌23 - سيدي أحمد الشبيه بن عبد الواحد بن عبد الرحمن

- ‌24 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن ميمون المسطاسي المكناسي

- ‌25 - قاضيها أبو العباس أحمد بن أحمد بن على بن عبد الرحمن بن القاضي الأعدل الخير الدين أبي العز بن أبي العافية المكناسي

- ‌26 - أبو العباس أحمد بن على بن عبد الرحمن بن عبد الله المنجور

- ‌27 - أبو العباس أحمد بن عمر الحارثي السفياني

- ‌28 - أحمد بن إبراهيم الأوسي الجنان أبو جعفر

- ‌29 - أبو العباس أحمد بن سعيد المِجْلَدِى

- ‌30 - أبو العباس أحمد الغماز أستاذها

- ‌31 - الشاب أبو العباس أحمد بن عمر بن مبارك الحصيني المكناسي

- ‌32 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن محمَّد المكناسي الزناتي الشهير بابن القاضي

- ‌33 - الولي الشهير. المجذوب الكبير. سيدي أحمد بن بلعيد المدعو ابن خضراء

- ‌34 - أحمد بن عبد القادر بن عبد الوهاب بن موسى بن الشيخ سيدي محمَّد بن مبارك التاستاوتي

- ‌35 - أبو العباس أحمد الخضر بن أبي عبد الله محمَّد بن أبي محمد عبد القادر زغبوش المكناسي النشأة والدار

- ‌36 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بصري

- ‌37 - القاضي أبو العباس أحمد بن ناجي السجلماسي الأصل المكناسي الوفاة والإقبار

- ‌38 - أبو العباس أحمد بن محمَّد العربي بن محمَّد الكَومى عرف بالغماري

- ‌39 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن محمَّد بن يعقوب الوَلَّالي -بفتح الواو وتشديد اللام دفين مكناس

- ‌40 - أبو العباس أحمد بن أبي يَعْزَى الأودي قاضيها

- ‌41 - أبو العباس أحمد الصيقال المكناسي

- ‌42 - أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمَّد الشدادي الشريف الحسني الإدريسي العمراني

- ‌43 - الفقيه سيدي أحمد بن عزو

- ‌44 - الفقيه سيدي أحمد الحزميري

- ‌45 - الفقيه سيدي أحمد بن سعيد السوسي

- ‌46 - الفقيه السيد أحمد بن مومو

- ‌47 - الفقيه السيد أحمد بن مسطار

- ‌48 - السيد أحمد بن عبد الرحمن زغبوش الفقيه النبيه العدل الرضي الثقة

- ‌49 - أبو العباس أحمد بن العباس النسب السيد الأتقى، الزكي الأنقى

- ‌50 - أبو العباس أحمد بن عبد القادر النسب الفقيه المعظم. المرتضى المحترم

- ‌51 - أبو العباس أحمد بن الولي الصالح سيدي مغيث زغبوش القرشي الفقيه المرتضى الزكي الأحظى

- ‌52 - أبو العباس أحمد بن سعيد العميري

- ‌53 - أحمد بن عبد الرحمن المجاصي الشهير بالمكناسي الشيخ الأستاذ المقرئ الصالح

- ‌55 - الشريف أبو العباس أحمد بن على بن الحسن

- ‌56 - أبو العباس أحمد بن أحمد الحَكمِي الأول الرباطي

- ‌57 - أبو العباس أحمد العمراني الفقيه الشريف

- ‌58 - أبو العباس أحمد المكناسي

- ‌59 - مولاي أحمد بن عبد المالك العلوي

- ‌60 - أبو العباس أحمد بن الرضي بن عثمان المكناسي

- ‌61 - أبو العباس أحمد بن على العلوي

- ‌62 - أبو العباس أحمد بن المجذوب ابن عزوز المكناسي

- ‌63 - أبو العباس الحاج أحمد بن محمَّد المعروف بالمزيان

- ‌64 - السيد أحمد بن عبد الرحمن بن محمَّد بن الطيب بصري

- ‌65 - أبو العباس أحمد بن على السوسي

- ‌66 - الأستاذ السيد أحمد بن عبد الله بن محمَّد بن يوسف بن محمَّد الكبير ابن الشيخ محمَّد -فتحا- الناصري

- ‌67 - السيد أحمد بن عبد الله الناصري: المقرئ من ذرية سيدي محمَّد الصغير ابن الشيخ سيدي محمَّد

- ‌68 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد بن الطاهر بن محمَّد فتحا ابن أحمد الكنكسي الشهير بالجبلي

- ‌69 - أبو العباس أحمد بن على بن أحمد بن على بن عبد الكريم بن على: ابن طاهر بن مولانا الحسن الحسيني العلوي

- ‌70 - أبو العباس أحمد بن مبارك

- ‌71 - أبو العباس أحمد بن الطاهر بادو

- ‌72 - أبو العباس أحمد بن عمر بن العربي بن عمر

- ‌73 - الوزير الأعظم أحمد بن موسى بن أحمد بن مبارك

- ‌إسقاطه وزارة الجامعيين وسبب ذلك:

- ‌وزارته وصدارته العظمى:

- ‌بعثة السفارة لأسبانيا وما حصل لها:

- ‌ثورة الرحمانة بزعامة مبارك ابن سليمان:

- ‌ثورة الأعشاش:

- ‌قصوره وجنّاته:

- ‌عبقريته السياسية:

- ‌أمانته:

- ‌متخلفه وما وقع فيه:

- ‌ونص الثاني بعد الحمدلة والصلاة والطابع:

- ‌اختلال الأحوال بعده:

- ‌بعث السفارات لأوروبا ونتائج ذلك:

- ‌ثورة أبي حمارة:

- ‌ثورة الريسولى:

- ‌مقتل الدكتور موشان واحتلال وجدة:

- ‌احتلال الدار البيضاء:

- ‌البيعة الحفيظية:

- ‌74 - أحمد أبو العباس ابن الحاج عبد القادر بن علال العرائشى المكناسى النشأة والدار والإقبار

- ‌75 - أحمد بن الطالب بن سودة المَرِّى

- ‌76 - أحمد بن إدريس الخطابى أبو العباس المرابط الزرهونى

- ‌77 - أحمد بن الفاطمى بن محمد بن محمد بن النقيب مولاى عبد القادر الشريف الإدريسى الشبيهى

- ‌78 - أحمد بن محمد بن عزوز أبو العباس

- ‌79 - أحمد بن شيخ الجماعة في وقته بمكناس السيد مبارك بن عبد الله السلجلماسى

- ‌80 - أحمد بن الحاج رحال البخارى

- ‌81 - أحمد بن محمد بن المأمون بن هشام بن محمد بن عبد الله بن فخر الملوك وجد سلاطين المغرب المولى إسماعيل

- ‌83 - أحمد بن القائد محمد الشاذلى البخارى

- ‌84 - أحمد بن العالم -اسما- ابن عبد الله الشريف القادرى

- ‌85 - أحمد بن الصديق المعروف بالتواتى

- ‌86 - أحمد بن العربى بن الحنفى بن الطالب بن العربى بن الطالب الشريف الحسنى العلوى الأمْرانى يدعى صميم

الفصل: ‌ثورة أبي حمارة:

ثم بإثر هذا وقع اتفاق الوزراء على أنه لا يختص واحد منهم بإبرام شيء أو نقضه من كل ما يتعلق بالأمور السياسية والأحكام المخزنية إلا بعد اجتماعهم على ذلك واتفاقهم عليه، وكل من وقع منه استبداد بنقض أو إبرام. تجري عليه العقوبة الصارمة ويطرد من البساط الملوكي، وتعاهدوا على ذلك وتحالفوا، وكل من تولى أمر شيء يحلف يمينا مغلظة بالمصحف الكريم أنه لا يخون فيما أُسند إليه، ومن كان متوليا كذلك يحلف هذه اليمين حتى حلف سائر الموظفين.

كما اتفق رأْيهم على إنشاء الترتيب الجاري به العمل الآن فلم يتم أمر ذلك، إذ لم يكن وقع عليه اتفاق جميع الدول الأجنبية.

وظهر في قبيلة بني مسارة اختلال وانحراف عن الطاعة، وكذلك قبيلة بني عروس وغيرهما من القبائل الجبلية التي أفضى بها الحال والاشتغال بالمحال إلى أخذ صبي وصبية من أبناء الإسبان بنواحي أصيلا على وجه التعدي، فجهز السلطان جيشا لإرغامهم على الرجوع إلى الطاعة، ورأس عليه الشريف المولى عبد السلام الأمراني وعزره بالآغا (1) الحاج على السوسي بمن معه من العساكر، وما بلغوا أمنيتهم من الانتقام من جميعهم حتى طلع طالع نحس الفتان أبي حمارة بتازا.

‌ثورة أبي حمارة:

ومن الأحداث العظيمة بعد وفاة المترجم الوزير أحمد بن موسى حادثة قيام الجيلاني الزرهوني المدعو أبا حمارة التي كانت أعظم حادث وأقوى سبب في فاس الدولة ووهن قوتها المادية والأدبية بل فشل ووهن المغرب كله.

أصل هذا الفتان المارق من مدشر أولاد يوسف أحد المداشر الشهيرة بجبل زرْهُون، قدم في أول أمره فاسا وانتظم في سلك أعوان القائد عبد الكريم ولد أب

(1) الآغا: كلمة تركية الأصل، تعنى: الأخ الأكبر، وفي اللغة التركية العثمانية تعنى: سيد ورئيس وقد منح هذا اللقب لكثير من الموظفين وبخاصة العسكريين.

ص: 465

محمَّد الشركي، ثم انتقل للخدمة مع الخليفة اللسلطاني بفاس رفيقنا في الطلب أبي حفص عمر بن السلطان مولانا الحسن، وكان أيا خدمته مع الخليفة المذكور يرافق السيد المهدي بن العربي المنبهي.

ولما تولى المنبهي المذكور الخدمة مع صاحب الترجمة لم يزل يتقرب إليه حتى صار من أخص الناس به وأقرب أعوانه إليه لنباهته وحزمه وشدة ملازمته حتى حصل بعد وفاة المترجم على رتبة الوزارة، جاء الفتان المذكور إلى المنبهي زمن وزارته يمت إليه بسابقية التعرف والصحبة فلم يصادف منه قبولا حسنًا، فأقسم إذ ذاك الجيلاني الثائر يمينا ليرجعن أميرا، حيث صار رفيقه المنبهي وزيرا.

وخرج من حينه يجوب البلاد في صفة ناسك متقشف يدعو إلى الله ودخل الجزائر وجاب أكنافها وأكثر التردد بين وهران ومعسكر ولقي أبا محمَّد عبد القادر ابن عدة أحد شيوخ الطريق ثَمَّةَ، وذلك بمدينة غيلزان قرب مستغانم، ولازمه مدة فبث له هذا الشيخ من التعاليم ما صيره متأهلا لإيقاد نيران الفتن بالأرض المغربية وذلك عام تسعة عشر وثلاثمائة وألف.

وفي عام عشرين دخل وجدة على الصفة المذكورة، وتردد بين قبائل آنكاد وقرر لمن اتبعه ودخل في شبكة تدجيله مقاصده، ثم حل بثغر طنجة متخذا حلية المتصوفة شعارا، والتصنيع بزيهم دثارا، فتظاهر بين بعض بسطاء العقول بالنسك والخشوع، وربما قطع أمامهم ليله بالسجود والركوع، ومتر، قام للرقص معهم اعتراه ذبول وقوله، واصفرار وتدله، وأسمعهم من رقيق الأرجال، ما يطرب سامعه في الحال، وربما نطق بعبارات، كأنه من ذوي الإشارات.

ولما عزم على مبارحة طنجة راود من كان يجالس فيها من الخياطين على مصاحبته، ليكون من أعوانه وبطانته، فلم ينخدع الخياط لدعوته، ولم يتابعه في غوايته، فغادرها إلى الموضع الذي اختاره لنشر دعوته، وأظهر النأفف من الحكومة

ص: 466

المخزنية، وأنها ذات خضوع للتمدن الأوربي، واختلق أشياء من هذا القبيل توجب النفرة من الحكومة ورؤسائها فوجد من أولئك الرعاع الساذج آذانا صاغية وقلوبا قابلة لما يبذر فيها من البغض والعداوة للسلطان ورجال دولته.

وفي عام واحد وعشرين دخل مدينة فاس يتجسس الأخبار ويتطلع على الأحوال، ولقي بعض من له به معرفة وصداقة فعرفه بأن الملأ يأتمرون به وأن في ظهوره بالمدينة خطرًا، فخرج لقبيلة الحياينة حاملًا على أتان كتبا وأوراقا متلاشية، فصادف بالقبيلة المذكورة موسم أبي عبد الله محمَّد -فتحا- ابن الحسن الجاناتي معمورا بمجموع أعيان القبائل الزناتية من غياثة والتسول والبرانيس وغيرهم، فأخذ ينشر بينهم معايب الدولة ورؤسائها ويحبب لهم الخروج عليها، ورفض طاعة المخزن والسلطان ويرمي الجميع بالعار والشنار ويلصق بهم ما هم برآء منه.

فوجد من بسطائهم من اتبعه ونقل أقواله الكاذبة، ونشرها في الآفاق الشاسعة، فصادفت قلوبا خاوية، فتمكنت فيها العداوة والبغضاء للمخزن ورجاله وأصبحوا يسعون جهدهم وطاقتهم في الانتقام من السلطان وأرباب دولته، ويرون أن الخروج عليه وخلع ربقة طاعته من أعناقهم قربة وطاعة لله تعالى وخدمة للدين والوطن، ثم بعد الموسم انتقل لجبل غياثة ونزل على أهل الطاهر منهم.

وكان لهذا المعتدي الأثيم معرفة بفنون من السحر أضل بها كثيرا من الغوغاء، وصار يدعي أنه هو المولى محمَّد نجل السلطان المقدس مولانا الحسن وصنو السلطان المولى عبد العزيز، وأنه إنما يتستر باسم غيره خوفا على نفسه ممن استولى على ملك والده واستبد به واستعبد الرعية التي أمر الله السلطان بحمايتها ورعايتها والذب عنها والسعي وراء مصالحها، واشتغل ببيع دينه بدنياه، ومال كل الميل لشهواته ولذاته وتتبع أغراضه الشخصية، وفتح باب كنز زوره وبهتانه، وزعم

ص: 467

أن قسطاس العدل لا يقوم إلا على يده، وأنه قام يطلب ملك أبيه إذ هو أحق به من غيره.

وبذلك ازداد مكانة في قلوب الرعاع والذين لا يعلمون، وقوي استيلاؤه على بعض سخفة العقول ومن في قلبه مرض من طاعة المخزن، فالتفت عليه أولا سفهاء تلك القبيلة وبايعوه على نصرة الدين، ولما فشا أمره أهداه بعض أشراف تلك القبائل فرسا من عتاق الخيل وخباء وصار يكثر في كل مجتمع الثناء عليه فاعتز الأعيان بذلك، وتهافتوا عليه، وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه.

ولما رأى الزنيم إقبال الناس عليه وحصولهم في شبكة تدجيله وشعوذته وتيقن أن أفئدتهم هواء، أخذ عليهم المواثيق والعهود على تعزيزه ونصره وحمايته من كل من يرومه بسوء، فحالفوه على أن لا يخالفوه وأن يضحوا أنفسهم وأموالهم وأولادهم دونه شأن ضعفاء الأحلام سخفة لعقول المتمسكين بأذيال كل دجال أفاك.

ولما حصل على ضالته المنشودة من الاستيلاء على عقولهم وتيقن بصلاح ما بذر في قلوب أولئك الأغبياء الأغمار من التمرد عن طاعة المخزن والعداوة والبغضاء له ولسائر أتباعه والمنتمين إليه، وكان من جملة من ركن إليه وقام بدعوته وتسابق إلى الإعلان بنصرته قبيلة غياثة، ولما تمت له البيعة بها تهافت عليه زعماء تلك النواحي من التسول والبرانيس وصنهاجة ومن جاورهم، فطير الإعلام بذلك عاملها وهو إذ ذاك الحاج عبد السلام الزمراني للحضرة السلطانية، وطلب إمداده بقوة عسكرية يبادره بها قبل اضطرام نار فتنته وتفاحش ضرره، فقوبل طلبه بالرفض ولم يرفع لمقاله رأْس، وأُهمل الثائر حتى استفحل أمره ونسلت إليه سماسرة الفتن والمتمردون من كل حدب وصوب.

ص: 468

[صورة]

مولاي الكبير نجل السلطان مولانا الحسن رحمه الله

ص: 469

فعند ذلك جهز له السلطان جيشا عرمرما يرأسه صنوه مولاي الكبير ووجه له به، فنزلت المحلة بإزاء عين القدح من بلاد الهبارجة، وما استقر بهم الثوى حتى هجمت عليهم محال الزنيم الفتان صبيحة يوم الثلاثاء وكان من دعاته في سائر حروبه استقبال المحلة التي يروم قتالها يوم الاثنين وابتداءها بالقتال يوم الثلاثاء، كذا أخبرني من حضر جميع معاركه فانهزمت جيوشه أمام الجنود المخزنية هزيمة شنيعة، وأسر منه خمسة أنفار وقطعت سبعة رءوس ووجه بالكل للحضرة السلطانية بفاس.

ولما اتصل الخبر بذلك لفاس فرح الناس واستبشروا، وظنوا أن الأمر قد تم، فأصدرت الأوامر لمولاي عبد السلام الأمراني الذي كان نازلا بجيش كثيف ببني مسارة بالإتيان بما معه من الجيوش والتخييم بها مع مولاي الكبير المذكور باوطى بوعبان ونهض السلطان لمراكش.

ثم في يوم السبت من رمضان ساقت المحلة لهم مقتفية إثر الفتان بجبل غياثة من ناحية قصبة بني مطير فانهزمت المحال المخزنية هزيمة لم تعهد قبل، ولما علم السلطان بذلك رجع من وجهته ودخل فاسا وعقد لسيدي محمد الأمراني على جيش جرار من العساكر الأبطال، وأمره باللحوق بالمحلة التي هزمت، ثم عقد لعامله عيسى بن عمر العبدي على جيش من المحال الحوزية له بال وألحقه بهم أيضًا، ولما لحقت المحلتان الأخيرتان بالمحلة الأولى اتفق رأْيهم على النهوض من أوطى بوعبان والتخييم على قبيلة التسول، حيث لم يتمحض للمحال المخزنية منهم صداقة ولا عداوة قالوا: إذا نزلنا عليهم نقدمهم أمامنا لقتال الفتان، وبذلك يظهر ما تكن صدورهم فإن قاتلوه ضممناهم إلينا، وإلا ابتدأناهم بالقتال، فنهضوا ونزلوا بمحل يسمي قعدة الأرانيب على رأس وادي اللبن، وكان ذالك يوم الأربعاء، ثم وجهوا للتسول يأتون إليهم مرارا فلم تقع منهم إجابة، فعند ذلك

ص: 470

صممت المحال المخزنية على محاربتهم، ونهضت إليهم يوم السبت، وكانت الحرب بينهم سجالا في ذلك اليوم ثم رجعت المحال لمحل نزولها.

وفي عشية يوم الأحد ورد الفتان على التسول وقابل الجند المخزني، ثم أصدر أوامره لقبية الحايينة بمناوشتها القتال مع المحال السلطانية، فإذا ساقت إليه يأتون هم من خلفهم ويحولون بينها وبين الأخبية والأمتعة فيهجم عليهم هو وجنوده، فإذا انهزموا يجدون الحياينة من خلفهم فلا يجدون خلاصا، وإذا كان العكس وتقدموا يقع الطعن والضرب فيهم من ورائهم فيفشلوا وتذهب ريحهم على كلا الأمرين.

وفي يوم الاثنين مر المارق الفتان أمام المحال المخزنية كالمتفرج تقاد خلفه تسعة من عتاق الخيل مسرجة فرمتة المحال المخزنية ببعض قنابلها فلم يلتفت لذلك.

وفي يوم الثلاثاء بدأت المناوشة بين الجيشين مع الزوال، ثم اشتبك القتال وارتبك ودام إلى غروب الشمس، وكانت الكرة على المحال المخزنية وتشتتت شذر مذر، ودخلت فاسا مهزومة شر هزيمة، جلها حفاة عراة، واستولى الثائر على الأسلحة والخيام والمئونة والدواب، وكان هذا الحادث المحزن في رمضان، ولما دخلوا فاسا على الصفة المذكورة عظم المصاب ووقع أهل الديوان الملوكي في حيص بيص، ثم جهزوا محلة أخرى وأمروها بالتخييم بالمحل المعروف بالمطافي قرب وادي سبو، من قبيلة أولاد جامع، وخيمت أحزاب الفتان على ضفة وادي ايناون بثلاثاء النخيلة، وفي يوم الخميس ساقت إليه المحال المخزنية فانكسرت جموعه وترك جل ما كان أخذ من الحال المخزنية في الهزيمة قبل، وفر نحو عين مديونة، وهجم على المحلة المخزنية التي كانت منتظمة من الشراردة وشراكة فأوقعت به فهرب وترك موتى أحزابه صرعى فريسة للذئاب والغربان

ص: 471

ومن الغد اقتفت المحال أثره بعين مديونة فمزقت جموعه الباغية كل ممزق، وبعد ثلاثة أيام أعادت المحلة السلطانية السوقة لهوارة الحجر فأوقعت بهم وأزاقتهم أليم النكال والنكاد.

ثم بعد هذا حشد وزير الحربية المهدي المنبهى جنودًا جرارة تنتظم من القبائل المغربية من أقصى بلاد السوس وتافيلات إلى حضرة فاس وترأسها هو ورئيس المشور القائد إدريس بن يعيش، وتوجها بها لمدينة تازا التي اتخذها الفتان محل كرسي إمارتة، وخطب به على منابرها باسم مولاي محمَّد الحسن، ولما خيمت تلك الجنود المجندة التي تربو على السبعين ألف مقاتل بوادي الحضر هجمت عليها التسول والبرانيس شيعة الفتان ليلاً فردتهم المحال الخزنية ناكصين على الأعقاب، ولما أصبح الصباح اقتفت آثارهم وأخذت منهم المساجين وطردتهم طرد الرعاء للذئاب.

ودخل الجنود المخزنية مدينة تازا عنوة وفعلت بالمستضعفين من أهل البلد الأفعال التي تخجل منها المروءة ولا ترضاها الإنسانية، فقد افتضت الأبكار. وهدمت الديار، وذلك في شهر صفر الخير سنة 1321.

وكان دخول المنبهي المذكور بجنودة تازا بمساعدة الشيخ أبي هاشم المدني الوركيني السملالي الحسني المعتمد عند أولئك القبائل النافذ الكلمة فيها ولكنه لم يتخذ الاحتياطات اللازمة للخروج بعد الدخول، وفاته أن يسلك، مع المستضعفين من أهل تازا مسلك اللين والمجاملة فكان ما سيمر بك بعضه.

ثم بعد دخول تازا رجع المنبهي الذي كان يرأس هذه المحال مع ابن يعيش لفاس والفتان إذ ذاك بوجدة كان قد احتلها بدون قتال في ربيع النبوي عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف حيث إن عاملها كان ملتجئا بمغنية.

وذلك أنه لما ظهر أمر أبي حصيرة عبد القادر العتيكي اليزناسني الذي ثار بالمقام -محل بالظهراء- وزعم أنه الولي عبد العزيز السلطان هرب من لوندرة

ص: 472

وحج وجاء يعين أخاه مولاي محمَّد (أبا حمارة) عقد السلطان المزكور لعمه مولاي عرفة على شرذمة وأعطاه مالا ووجهه لتجهيز جيش من العرب وبربر بني يزنانس محافظة على وجدة من أبي حصيرة المذكور.

ولما اجتمع الجيش توجه عامل وجدة أحمد بن كروم المكناسي الجبوري به إلى برديل قرب دار البشير ومسعود، وبمجرد ما أقبل عليه أبو حصيرة انهزم ورجع إلى وجدة فحمل منها ما يعز عليه والتجأ إلى مغنية هو ومولاي عرفة فأقبل أبو حمارة من الريف بعد طرده لسيدي محمَّد الأمراني من جنادة وسلوان واحتل وجدة وبويع له بها وخطب به على منابرها باسم مولاي محمَّد وهيأ بها لوازم الإمارة من صيوان ومظلة وأتباع وأرباب الخدمات الخصوصية، وبينما هو يهيئ هذه التراتيب إذ بلغه خبر دخول عسكر المخزن مدينة تازا فسقط في يده.

وبينما هو يهيئي أسباب الانقلاب إلى المغرب إذ وصلت لحدود وجدة من طريق الجزائر هيئة من حكومة المخزن مؤلفة من الحاجب أحمد الركينة بصفة كونه رئيسا على تلك المحال المخزنية والقائد عبد الرحمن بن عبد الصادق الريفي بصفة كونه معينا ومستشارا، فنزلوا بمغنية وجعلوا يخابرون رؤساء القبائل وأعيانها ويحبذون إليهم الرجوع عن غيهم، وبسب ما نثروه من الدرهم والدينار أمكنهم استجلاب رؤساء قبائل آنكاد وترجيعهم لطاعة السلطان والبراءة من الدعي الثائر واسترجعوا مدينة وجدة وطردوا عنها حمية الثائر وجعلوها مركز أعمالهم.

ثم إن ابن عبد الله الصادق المزكور دس للركينة عند السلطان ما أوجب عزله عن رياسة الحال واسترجاعه لفاس وإسناد الأمر في ذلك للداس.

ولما بقي الثائر مع من بقي معضدا له من اللقطاء السقطاء بين نارين أكد العزم إلى الجهة الغربية وقصدت تازا، فبينما هو في الطريق إذ وافاه الطيب بن أبي عمامة في جماعة من ذويه وفي معيته عبد المالك بن عبد القادر بن محيي الدين

ص: 473

الذي جاء لتلك النواحي من فجيج يقصد ترويض النفس والسياحة ونزل على أبي عمامة.

فلما ظهر هذا الثائر اشتاقت نفسه أن يطلع على كهنه على عادة رجال الحرب فتقوي بهم ونزل ماوية ولما قرب من قصبة مسون من أرض هوارة لقيتة مقدمة جيش تازا التي كان يرأسها القائد المدني ابن محمَّد الأجلاوي، وكان قد أنزل بالقصبة المزكورة حامية من الجيش تحت رياسة القائد عبد الملك المتوكي فوقع بين الفريقين معارك أصيب فيها الزنيم برصاصة أعجزته عن القيام والقعود ففر به أنصاره جريحا لقبيلة البرانيس، وعسكروا بوادي الأربعاء من بني فراسن من التسول في أوعار وحصن حصين، ودام القتال بين أشياعه والمحلة المخزنية بتازا وانقطع خط الرجعة بين من بتازا وأوطي بو عبان إلى أن دخلت سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وألف واندمل جرح المارق الفتان ودخل تازا من غير مقاوم ولا معارض.

ثم إنه لما كان خرج الفتان من وجدة عمرها الجيش السلطاني الذي كان بمغنية مع فرقة عسكرية وجهت مددا من فاس على طريق طنجة ومنها نزلت بالغزوات ثم سعيدة عجرد ثم وجدة من غير قتال أيضًا وذلك في ربيع الثاني عام 132 واحد وعشرين.

ولما ضاق المتسع بمن بتازا من الجنود المخزنية وذاقوا بسبب ذلك من العذاب ألوانا وكابدوا من الأهوال والخصاصة، وعدم القوت ما تحدثت به الركبان، وتيقنوا أن الفئة الباغية أجمعوا أمرهم وصمموا على الأخذ بثأرهم منهم فيما فعلوه بتازا من الأعمال الوحشية، طيروا الإعلام للسلطان بما وقعوا فيه وطلبوا منه أن يمدهم بمدد يخلصهم من الورطة التي ورطوا أنفسهم فيها، فرأى أنه لا بد له من التوجه لانقاذهم بنفسه فحشد الجنود من الأغوار والنجود، وأفاض فيها العدة والمال، وعزر تلك الجنود بعساكره الوافرة وسار إلى أن خيم ببلاد الحياينة وهناك انضم إليه الجيش السابق الذي كان بأوطى بوعبان.

ص: 474

ثم نهض إلى قبيلة التسول فتفرقت أتباع المتمرد الزنيم في وعر تلك الجبال ورموا بالقنابل المحرقة وشدد عليهم في الحصار، ولكن لم يمكن اجتثاث أصل عيثهم بالكلية حيث حان إبان (1) البرد والمطر، ورأى الأمير أن تمادى جيوشه على الحصار فيه أعظم خطر، انقلب إلى فاس وكتب لإيالته بشرح أسباب أوبته ودونك لفظ ما كتب به بعد الحمدلة والصلاة.

وبعد، فقد كان الغرض من نهوض ركابنا الشريف هو القيام بما أوجبه الله من إخماد فتنة المفسدين، وتربية قبيلة التسول وأشكالهم المعتدين، وقد خيمت جيوشنا السعيدة على أوديتهم وهضابهم، وخفقت بنودنا المنصورة على جبالهم وشعابهم، ونحن نحاول استرجاعهم من الغى إلى الرشاد، ونسترعى عليهم قبل أن يعمهم من الهلاك ما لا يمكنهم معه استنجاد، وكررنا عليهما زحف الصوكات من جهات متعددة، وأشهدناهم أثر سطوة الله المتجددة، وضيقنا عليهم المذاهب، حتى أوهنهم الحصار في كهوف الشواهق ومغارات المسارب، وفي كل صوكة يقع فيهم عدد من الجرحى والقتلى، وتبلغ فيهم العقوبة مبلغا يزيدهم محنة وهولا ولما كان سبب تماديهم على ما هم فيه من الضيق والمحنة هو استعظامهم لما فرط منهم من الشقاق والفتنة، حتى عدوا ذلك من الذنوب التي لا تسلم من عاقبتها عواقبهم، ولم يعتبروا أن المقصود عندنا هو استرشادهم لما تصلح به أحوالهم، وتتطهر به عقائدهم.

ورأينا استمرار الحرب عليهم يفضى بهم إلى عموم الهلاك والتدمير، مع أن المراد هو إنقاذهم من مصارع الضلال بتربية واسترشاد وتحذير، وتحققنا ببقاء الفاسد الفتان في حكم العدم، من الجرح الذي لم يطق معه من تحريك يد ولا قدم.

وحل مع هذا إبان الشتاء الذي أشفقنا منه على المسلمين لاضطرارهم إلى

(1) إبان الشيء: أوانه.

ص: 475

حراثة أقواتهم واقتناء معيشتهم وضرورياتهم، أمرنا محلتنا السعيدة التي كانت مخيمة بتازا للتوجه إلى نواحى وجدة وآنكاد، وتكميل الغرض بها هنالك في حسم مواد، ورددنا وجهتنا السعيدة لمحروسة فاس، مصحوبين بعناية الله التي هي عمدة التدبير وجنة الاحترس. ريثما نجدد تقويم الحركة والاستعداد، ونترقب ما يظهر من أحوال هؤلاء الأوغاد، فإن أراد الله بهم خيرا وتابوا وأنابوا فذاك، وإلا فننهض لهم في الإبان الذي يقتضيه بما لا قبل لهم بحول الله، وأعلمناكم لتعرفوا حقيقة الواقع وتأخذوا حظكم من فرح الأوبة في عناية الله التي ليس لها من دافع، ونسأله سبحانه أن يحتسب اجتهادنا في حياطة دائرة النظام والدين، إنه ولى التدبير والمستعين والمعين، والسلام في فاتح شعبان عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف.

أما المحال التي كانت بتازا فقد أصدر السلطان أمره إليها بعد رجوعه لفاس بالذهاب لوجدة، وبعد رجوع السلطان لفاس ردت أحزاب الفتان، وجهتها للمحال الحالة بوجدة وذلك عام اثنين وعشرين.

ولما وصلها نزل بلاد بني بوزكو فرقة من زناتة، وبعث إليه رئيسهم حمادة البوزكاوى بالطاعة، فطلب منه مصاهرته على ابنته، فأجابه لذلك واقترح عليه أن يوجه أعيان القواد والوزراء لمصاحبة العروس، فوجه الثائر من أعيان حزبه الخاسر نحو السبعين.

ولما دخلوا دار الرئيس المذكور هش وبش وبالغ في الإكرام وبسط الموائد وعدد الأطعمة فأكلوا وشربوا وانبسطوا، ثم عرض عليهم دخول الحمام وأنه أحماه وهيأه لهم فتجردوا من سلاحهم ودخلوا الحمام زرافات فاستحال حماما، فكانوا طعمه لحد سيفه، ثم لحق الرئيس حمادة من ليلته في أهله وأولاده بمدينة وجدة ودخل في عموم المحلة المخزنية بها.

ص: 476

ثم فارق الطيب البوشيخى أبا حمارة واستأذن معتمد الدولة بوجدة ابن الصادق المذكور في اللحوق به، فأذن له، وتوجه إليه وفي معيته رفيقه الأمير عبد المالك في طائفة من فرسانه، وكان منهم في خدمة السلطان وحاربه طائفة الفتان، ما سارت به الركبان، رغما عن كون أبي عمامة والد الطيب لم يرض عن صنع ولده وظل مواليا للفتان بسائر قبيله وأتباعه فكان عمدته في حروبه، ومساعده فيما ظهر بعد ذلك من الخطوب وقسيمه في ذنوبه، ثم وقع الخلاف والنكران، بين أبي عمامة والفتان، ففارقه أبو عمامة وأبعد النجعة بقومه ونزل بأطرف، الظهرة.

هذا ولما اتصل خبر مذبحة دار البوزكاوى بالثائر قصد محل وقوعها وضربه وعاث فيه، ثم نزل على وجدة وشب القتال بينه وبين المحلة التي بها، وكان الحرب سجالا ودام متواصلا بقية السنة وجزءا من سنة ثلاث وعشرين، ثم رجع الثائر لقصبة سلوان وخرجت المحال من وجدة وذهبت للمحل المعروف بالجزيرة قرب مليلة.

ثم رجع ركن الفساد أبو حمارة لبلاد الريف مكسور الجناح، في عناء وجناح، ثم رجع لنواحى فاس وتازا تارة في انطفاء وأخرى في انضرام والأموال الباهظة تصرفها الدولة في سبيله، حتى نضب ما في خزائن الدولة وفرغت أفئدة بيوت أموالها واضطرت للاستقراض من دول أوروبا بعد ثرواتها الضافية، واقترضت منهم فعلا مرات متعددة والرؤساء النهاب يملئون جيوبهم وأوعيتهم من الآلاف المؤلفة من الدراهم والدنانير إلى زمن الدولة الحفيظية.

ثم أفاق من نومته، وتوهم أنه آن زمان بلوغ أمنيته فنهض إلى بلاد الحياينة، وصار يشن الغارة المرة بعد الأخرى على القبائل المجاورة لفاس إلى أن بلغ لأولاد الحاج، فنظم السلطان المولى عبد الحفيظ جنودا مجندة من أبطال ذوى حزم وعزم ووجهها إليه، فلما التقى الجمعان كانت النتيجة بتبديد جموعه

ص: 477

[صورة]

الفتان أبو حمارة الجيلاني الزرهوني في قفصه

ص: 478

والاستيلاء على أمواله وذخائرة وغنيمة عياله وعبيده ثم القبض عليه والإتيان به حقيرًا مهانا.

وكان الظفر به بمدشر أولاد كنون من قبيلة بني مسارة في زريبة السيد عمران عشية يوم الأحد خامس من شعبان عام سبعة وعشرين وثلاثمائة وألف، موافق ثانى عشرى غشت سنة تسع وتسعمائة وألف، ودخل لفاس في قفص من حديد على جمل ضحى يوم الثلاثاء المتصل الولاء بيوم القبض عليه.

وكان الذي تولى القبض عليه عسكرى من قبيلة الشاوية من طابور بوعودة يسمى العشى، ولما ظفر به نزع له المفاتيح التي كانت بطوقه والخاتم الذي كان بإصبعه ثم تسلط عليه النهاب والأوباش وسلبوه من كل ما يطلق عليه شيء وتركوه مكشوف العورة وأذاقوه أليم النكال، ولولا أن القائد الناجم كفهم عنه لأتلفوا مهجته، هكذا أخبرنى من حضر الواقعة وعاين ما ذكر من الثقات الأثبات.

ولما مثل بين يدي السلطان مولاى عبد الحفيظ أظهر من التجلد والوقاحة ما لا مزيد عليه، ثم بنيت له دكة بمشور باب البوجات، ووضع عليه قفصه وشُهِرَ أيامًا حتى رآه الحاضر والباد، وأقيمت عليه الفرجات والأفراح في سائر البلاد، ثم بعد ذلك أدخل للقصور السلطانية بفاس، وكان ذلك آخر العهد به، وبها قتل تنفيذا للحكم الشرعى المتعين في شأنه الذي كان التخيير في كيفيته للإمام، فأعدم رميا بالرصاص في أصح الروايات خلافًا لما يشيعه بعض ذوى الأغراض من الأوروبيين وغيرهم، من أنه طرح للأسود التي كانت بالقصر السلطانى فمزقتْ شلوه.

ولما لم يشهر قتله أمام الجمهور صار بعض الحمقى يعتقدون عدم موته، ولا سيما خاصته كصهره محمَّد بن شلال الريفى القلعى، فإنه كان يجزم بعدم موته ورجوعه يوما ما لسطوته، فحمله اعتقاده الفاسد على منع أخته التي كانت تحت

ص: 479