الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تم أرادت زوجته أن تدفن بنتها معه فوقع بينها وبين أرباب الروضة شيء فأخذته ودفنته في دارها ودفنت البنت في محله، ثم بلغ الخبر لأمير الوقت جدنا من قبل الأم المولى عبد الرحمن بن هشام فقال: القبر حبس على صاحبه وأمر برده لمحله المذكور وإخراج البنت منه، أخبر من حضر من أهل الروضة أن البنت لما أخرجت من القبر كان الناس يسدون أنوفهم من شدة النتن، وأما هو فلم يوجد له شيء من ذلك لا أولا ولا ثانيا، وجسده لم يتغير ووضع يده على الكفن فوجده كالعنكبوت. وقبره في الروضة المذكورة معروف أخبرني بذلك شيخنا العرائشي.
60 - أبو العباس أحمد بن الرضي بن عثمان المكناسي
.
حاله: نابغة زمانه، علامة مشارك محدث نقاد فصيح بليغ، ذو ملكة واقتدار، ناظم ناثر، محاضر محبر نحرير، وجيه نزيه، استكتبه السلطان الأعظم سيدي محمَّد ابن عبد الله في بساط ملكه وقَدَّره قَدْرَه وأسبل عليه أردية الإجلال والإكبار.
ذكره أبو القاسم الزياني في خاتمة في "يستانه" من جملة كتاب الحضرة السلطانية المحمدية ووصفه بالمشاركة، وحلاه النسابة الثبت المطلع سيدي سليمان الحوات: بالأديب البليغ الهمام فيما وقفت عليه بخط يده وذكر له أشعارا رائقة فائقة تدل على مهارة الرجل ومكانته في العلم والأدب والتفنن في أفانين البلاغة وحسن الصياغة.
وهو من جملة العلماء المحدثين الذين نقلهم السلطان المذكور لمراكش وفرقهم على مساجدها بقصد تدريس العلم بها، وبثه في صدور رجالها، والذين يحضرون مجالس دروسه الحديثية وغيرها كما في "الترجمانة الكبرى" وناهيك بمن رشحه ذلك السلطان الطائر الصيت في المشارق والمغارب المتضلع في سائر الفنون المقتدر الريان.
مشيخته: أخذ عن أبي حفص الفاسي المتوفي منسلخ رجب عام ثمان وثمانين ومائة وألف المدفون بزاويته بالمخفية من مدينة فاس، والشيخ أبي عبد الله محمَّد التاودي ابن سودة، وأبي عبد الله محمَّد بن الحسن بناني، المتوفي سنة أربع وتسعين ومائة وألف وغيرهم، ممن هو في طبقتهم من أعلام عصره.
شعره: من ذلك قوله مخاطبا شيخه أبا عبد الله محمَّد بن الحسن بناني:
أبدرا لاح بين الشهب بدرا
…
فنارت منه نيرة الشموس
وروضا فاح مندله سحيرا
…
فأحيا نشره ميت النفوس
وبحرا خاض بحر العلم حتى
…
انثني بالجوهر الصدفي النفيس
بمالك من طريق الفخر شنف
…
مسامعنا بمختصر السنوسي
وألبس عاري الطلاب مما
…
به حشيته أسنى لبوس
وبرد غلة الصادي بأحلى
…
مذاقا من معتقة الكئوس
ولا تردد يد الأبيات صفرا
…
وجد بمني ولو يوم الخميس
بقيت لفك مشكل كل فن
…
ففتحك في المجالس والطروس
ولا تنفك بين الناس تاجا
…
أبا عبد الإله على الرءُوس
وقوله:
وأشنب أبدى الحسن فيه بدائعا
…
أزاهرها تجلى على غصن القد
ترى العود إن جسته منه أنامل
…
كغيداء قد تاهت فرنت من الوجد
على أنه مهما ترنم منشدا
…
أراك حلول الروح في الحجر الصلد
فديتك بدرا في سما الحسن كاملا
…
به بين أرباب النهي وريت زندي
وقوله مخاطبا بعض بطارقة الملك وخاصته، وواسطة عقد جهابذ الوزراء من دولته، على لسان بعض من لا يصل لمحتاجه من الأمير، إلا بواسطة هذا الوزير، وقد بلغ به الاحتياج الغاية، والإملاق فوق النهاية:
عماد الملك ما أعلى منارك
…
وما أجرى من الجدوى بحارك
بك القلم استطال على رماح
…
فلا لسن يشق له غبارك
وصرت من المكارم في مقام
…
تخذت به ذرى الجوزا وجارك
فكم طوقت من در الأماني
…
مخانق عاطل أضحى جوارك
وإني مزقت ثوبي الليالي
…
وأودت في نوائبها تدارك
فلا زالت تخاطبك المعالي
…
هلم معظما يا بن المبارك
وقوله يرثي شيخه أبا حفص الفاسي:
الدمع يروي عن فؤاد الأكمد
…
بمسلسل وبمرسل وبمسند
فاجعل حديث الدمع عندك حجة
…
واطرح مقالة جاهل لم يرشد
وابك العلوم أصولها وفروعها
…
وابك الدروس ولا تكن كالجلمد
وابك السماحة والصباحة والفصاحة
…
والبراعة واليراعة تهتدي
وابك المجادة والجلالة والمكانة
…
والمهابة والنزاهة تسعد
وابك المآثر والمفاخر والعلا
…
وابك المواهب والمناقب تحمد
أو ما فقدت الدين والدنيا معا
…
لما فقدت حياة أفضل سيد
عظم المصاب بفقد من ساد الألى
…
قد أحْرَزوا رُتَب العلا والسودد
بحر المعارف والعوارف والهدى
…
كهف المريد السالك المسترشد
نور العلوم وتاجها وبهاؤها
…
وضياؤها قطب الشيوخ الرشد
العالم العلامة الفهامة
…
النسابة الأسمى الولي المهتدي
عمر أخو التحقيق والتدقيق
…
والتحرير سبي العارفين الزهد
من معشر فوق السماك منارهم
…
شم الأنوف من الطراز الجيد
ورث التقى والعلم ليس كلالة
…
بل سيدًا عن سيد عن سيد
لله يوم فيه غابت شمسه
…
يوم يشيب الطفل قبل الموعد
المسلمون جميعهم بنفوسهم
…
وبمالهم يفدونه أن لو فدي
ما شاءه الرحمن كان وإن ما
…
لم يقضه في خلقه لم يوجد
ياليت شعري من أرجي بعده
…
أم من به أجلو ظلما قلبي الصدي
أم من يزيح جهالتي وضلالتي
…
وكآبتي عند اشتباه المقصد
أم من يفرج كربتي أم من يؤ
…
نس وحشتي في غربتي وتفردي
أم من يزيل تولهي وتلهفي
…
وتفجعي وتوجعي وتنهدي
بخل الزمان بمثله هيهات لا
…
يسخو به طول المدى والمسند
أسفا لأيام مضت في سلوة
…
ومسرة أوصافها لم تنفد
ولألفة ومودة ومواصلات
…
عذبة في كل وقت مسعد
ومجالس قد أشرقت أنوارها
…
وتلألأت فيها وفي كم مشهد
يا جملة الإخوان صبرا إنه
…
من لم يذق ما ذاقه فكأن قد
والله يسقيه سحائب رحمة
…
ويتيحه الفردوس دار الخلد
وينيلنا ذاك المقر تفضلا
…
معه وينعم بالنعيم السرمدي
فالمرء مع محبوبه هذا الذي
…
يروي حديثا للنبي محمَّد
صلى عليه الله خير صلاته
…
والحمد للباقي العلي الأوحد
وقوله:
شعر نظامك أم رياض الآس
…
متهذب الأخلاق والأنفاس
فكأنما ألفاظه نشر الصبا
…
أم كالمدامة طرسه كالكاس
لولاك ما حي القريض لثامه
…
عن ثغره متبسما للناس
لازلت موفور المجادة والسنا
…
طودا على من المكارم راس
وقوله مادحا مخدومه السلطان العظيم المقدار سيدي محمَّد بن عبد الله برد الله ضريحه:
غرام لا يحيط به بيان
…
وشوق ليس يشرحه لسان
وقلب لا يزايله اضطراب
…
عظي كيف يمسكه العنان
لحي الله المتيم لا يبالي
…
بما يلقى وإن عظم الهوان
أطارحه الهوى آثار قوم
…
عليها الحصر يقصر والبيان
تقروا مسلكا صعبا تساوى
…
به البطل المسود والجبان
ولكن لو لناظرهم تبدى
…
سنا الملك المؤيد ما استكانوا
مليك في بساط الحسن شدت
…
مناطقها لخدمته الحسان
بطاعته قضوا لما رأوها
…
سبيلا فيه رشدهم استبانوا
وقلبهم رأينا الشمس تعنو
…
له وبذا لعمرك ما تهان
تقبل أخْمَصَيْهِ لَدَى شروق
…
وإن غربت كما شهد العيان
بديع الحسن من لحظيك هل لي
…
إذا سددت أسهمها أمان
أعارت أعينا حورا وثارت
…
بصارمها يحدده سنان
فكم مثلي صريع هوى لديها
…
طريحا لا يطاوعه بنان
أخدك ما أرى أم غض ورد
…
وثغرك ما تنظم أم جمان
كان سناه بالآجال يقضي
…
لبارق مبسميك به اقتران
تعالى الله حتى البرق يهدي
…
لمكر لَا تُمَاكِره القيان
يؤمل أن يخادعه عسى أن
…
بضوء من ثناياه يعان
ولو أبدى قوامك بعض لين
…
لسارع بالسجود إليه بأن
بلى في كل عضو منك معنى
…
تنزه أن يكفيه لسان
وما ظني (وبعض الظن إثم)
…
على الدنيا تجود بك الجنان
متى يأمن أنال البدر حسنًا
…
بقرب منك يسعدني الزمان
رعاك الله من زمن تقضى
…
وغصن الوصل وجه افتنان
بربع كنت آلفه رياضا
…
وبعدك ما به قمري يزان
فلا صحبت رياح اليمن ركبا
…
بنور سناك عن عيني ران
أما علموا بأن الدهر حق
…
عليه كما يدين فتى يدان
مطايا الشوق أتبعهم كأني
…
أسايرهم بذاتي حيث كانوا
لمن أشكو ضني يعتاد جسمي
…
ولا أشكو إذا ناب امتحان
معاذ الله أن أسلو بشيء
…
سواك ولا تنسيه دنان
فكم أودعته صدرا فسيحا
…
عسى أن لا يبين له عيان
قسمت العمر أجزاء لعلي
…
على حمل الغرام به أُعان
أرجي الوصل أحيانا وحينا
…
أُشخصه فيعروني افتنان
ولو أهل الصليب رأوه يوما
…
على قدر بدين هداه دانوا
وقوله مخاطبا بعض الأدباء وهو مريض:
أحبتنا حتى الحروف تحرفت
…
وحتى يراع المسلم قد حارب الحيرا
فأصبح معمور الرسائل منكم
…
مهامه لا تنفك موحشة قفرا
وعذبتمونا بالجفا دون زلة
…
كأنا جنينا الود في دينكم وزرا
وقوله:
ذوو الذوق إذ كانوا بروضهم مكثا
…
بأجمعهم قالوا فجئت به بثا
إذا موهت أقلام ذي أدب فمن
…
خشونة طبع المرء يستعمل البحثا
وليس كلام الشاعرين بعمدة
…
يحث على تحقيقه ذو النهي حثا
مغالطة حينا وحينا خطابة
…
وحينا وحينا فهو لم يستدم مكثا
وقد عده أهل اللطافة وردة
…
تشم فإن تضمم تكسبها رثا
فكن ناهقا إن لم تذق ذوقهم ولا
…
تحثث علينا من فويهك الروثا
وقوله مخاطبا شيخه أبا عبد الله التاودي ابن سودة:
إن كان في العلوم روضا نضيرا
…
فلقد كنت ثم لازلت مائي
أو أكن هاديا فعلمك نور
…
أو أكن نَجْمًا (1) فأنت سمائي
(1) في متن المطبوع: "قمرا" وبهامشه "كذا" وما أثبته مناسب عروضيا. ولعله مناسب للسياق. والبيتان من المديد.
وقوله:
ملئت بجهل جاهل قد جهلته
…
ومن ظن فيك العلم في الناس جهلًا
وهب عندك العلم الذي أنت تدعي
…
ولا خير في علم من أسفل أُدخلا
وقوله وقد أبدع:
أهذي سطور أم بحور تدفقت
…
فأكسبت البحر المحيط وجوما
أهذي معان أم غوان ترقرقت
…
فأطلعها ليل الحداد نجوما
فتشرق نوراً يهتدي بسنائه
…
وتحرق سراق القريض رجوما
وقوله:
رويدا فما قول الوشاة يضير
…
وأنت على رغم الأنوف أمير
ولا يوجب الهجران والعذر بين
…
وأنت بما في الحالتين خبير
فما لك يا بدر الجمال تركتنا
…
وقد نميت في جنح السقام يسير
وقوله متغزلا:
لهفي على تلك العشايا التي
…
قضيتها تحت وريف الظلال
ما بين أزهار زهت بالرذا
…
ذ أو بين أنهار جرت بالزلال
والورق في الأوراق راقصة
…
وجامات الراح براح الغزال
قد اودعت في خده لونها
…
وأثرت رقتها في الشمال
وأكسبت ألحاظه فعلها
…
وطعمها المرشف عند النوال
لازلت في سكر لواحظه
…
فكيف أقوي سكر بنت الدوال
وكلما رمت اقتطاف جنى
…
من وجنتيه رشقتني النبال