الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاصة به وعمل صهريجا يجتمع فيه الماء للسقي منه، ولا زال قائم العين إلى الحين الحالي، ومن قصوره المدهشة بمراكش (قصر الباهية) المعد اليوم اسكني المقيم العام بالديار المغربية.
عبقريته السياسية:
وبالجملة فقد كان المترجم في الدهاء آية، وفي السياسة بحرًا ليس له من غاية، علم الخاص والعام رسوخ قدمه في التثبت والمهارة في تدبير الشئون الملوكية، ولا غرابة في ذلك إذ ليس لغيره من معاصريه ما له من الاطلاع على النواميس الملوكية والخبرة بسرائرهها وسرها تغذي بلبان ذلك من ثدي أبويه وجده، وشب في ذلك وشاب، وقد ساعده السعد فاشرأبت له الأعناق، وطأطأت له الرءوس، وخضع لسطوته المشروف والشريف، وامتلأت قلوب الحواضر والبوادي مهابة منه ورعيا، ولم يبق ناه ولا آمر سواه، واستولى بسبب ذلك على نفيس الذخائر الملوكية ولكنه صانها أي صون.
أمانته:
أخبرني صديقنا العدل الرضي السيد العلمي بن أحمد بن رحال وقد كان من جملة خاصة الملازمين لبابه المطلعين على حركاته وسكناته البيتية العالمين بتفاصيل خزائنه وذخائره أن المترجم لما حانت وفاته أمر صاحبه الخصوصي الطالب حمان بن عبد العزيز المكناسي أحد أصحاب الفراش السلطاني، أن يحمل بعد موته جميع ما بداره من الأموال السلطانية والذخائر الملوكية ويذهب به للقصور المولوية، ويحضر معه الوصيف ابن يدر أحد أصحاب الوضوء، إذ كان هو الواسطة في نقل تلك الأموال والذخائر من القصور السلطانية إلى القصور الوزيرية. وأن مفاتيح الصناديق الحاوية لتلك الذخائر النفيسة الغالية كان المترجم سلمها للسلطان مولاي عبد العزيز لما أحس بعضال دائه وأيقن بمبارحة دار الفناء.
كما أخبرني بعض العدول بأن الطالب حمان المذكور أظلعه على كناش إحصاء الأموال السلطانية التي كانت مصونة بدار المترجم وطلعت للدار السلطانية مختوم ذلك الكناش بخط صاحب الترجمة وأن ذلك القدر هو الذي دخل عليه للجناب السلطاني العالي من العمال وغيرهم.
وقد تفرقت تلك الأموال شذر مذر، ولم ينفع حذر من قدر، انتهبها الخائنون وبذروها في شهواتهم وحرم منها المستحقون، وكان ما كان مما لست أذكره وما مكث السلطان بفاس، حتى أصيبت المالية بداء الإفلاس، قضت الظروف، بالافتراض من الدول للوازم المصروف، وما قدر على الجبين، يستوفى ولو بعد حين.
وابن عبد العزيز المذكور هو الذي صار خليفة لحاجب الدولة العزيزية أبي العباس أحمد الركينة ثم صار في الدولة الحفيظية أمين الصائر على الدار السلطانية بالحضرة المكناسية وأمين مستفادات أسواقها، ثم انفرد بأمانة الصائر فقط أوائل المخزنية الدولة اليوسفية.
ثم إن المترجم لما صفا له الجو وتم له الاستبداد رشح سائر إخوته للوظائف المخزنية الهامة كالحجابة لإدريس، ووزارة الحرب لسعيد، واستأثر بالسلطة الاستبدادية التي كانت عاقبتها خراب بيته وبيوت عائلته والمغرب أجمع.
وفاته: توفي بمراكش سابع عشر المحرم عام ثمانية عشر وثلاثمائة وألف، وحضر السلطان فمن دونه جنازته، ودفن داخل قبة ضريح جد العائلة الملوكية المولى على الشريف حذاء ضريح القاضي عياض رحم الله الجميع ورضي عنهم وعنا بهم آمين.