الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاج محمَّد الطريس، على أن خليفته قائد سلا الشهير السيد عبد الله بن سعيد ورجع للرباط لتهيئة الأسباب ومعه المكاتب السلطانية لعمال المغرب وولاته باعتماد أوامره في مأموريته، فدخله يوم الأحد 27 شعبان عامه في يوم مشهود، وجمع محشود، حيته فيه أبراج العدوتين وحُصُونهما بالمدافع الرسمية.
ثم توالت الأحداث التي اقتضت تأخير ذاك وتتابعت تترى، فاستدعي السيد عبد الله ابن سعيد المذكور إلى طنجة آخر رمضان منه، وصعدت السفارة الفرنسية لفاس في شوال منه ثم استدعيت وفود مدن المغرب ومراسيه إلى فاس أواخر القعدة منه للمذاكرة في مطالب السفارة، ثم قدم غليوم إمبراطور الألمان إلى طنجة يوم الجمعة 24 محرم 1323 لمعاضدة السلطان ومعارضة السفارة الفرنسية، فقابله ابن سعيد المذكور إذ كان الطريس بفاس، ثم عقد المؤتمر الدولي بالجزيرة الخضراء في شوال منه ورئيس الوفد المغربي الطريس، وما يتبع ذلك من الحوادث فبقي التازي المذكور بالرباط إلى أن لقي ربه ليلة الخميس 27 صفر عام 1325 محمود المساعي مشكور الأعمال "والذكر للإنسان عمر ثاني".
ولما نهض السلطان من مكناس لفاس أعفى الوزير غريط وولى مكانه عبد الكريم بن سليمان وكان كغيره لا يقطع أمرًا دونه قلّ أو جل، وأضاف عمالة فاس لإدريس بن العلام قائد المشور السلطاني، حيث إنه كان عونا له على الإيقاع بأولاد الجامعي زيادة على وظيفة.
بعثة السفارة لأسبانيا وما حصل لها:
وفي تاسع عشري رجب عام 1312 موافق 26 يناير سنة 1895 وجه الوجيه الحاج عبد الكريم بن محمَّد المدعور بريشة التطواني سفيرًا لدولة الإسبان لإدخال إصلاحات وتعديلات على الوفق الممضي بمراكش بين جلالة السلطان المقدس مولانا الحسن والجنرال (مرطنيس كبو) النائب عن دولته المذكورة فيما يتعلق
[صورة]
سفارة الحاج عبد الكريم بريشة وابن سليمان لدى دولة اصبانيا
بحرب مليلية، وعزره بالسيد عبد الكريم بن سليمان، ولما وصلا لمدريد اقتبلتهما الدوائر الرسمية أحسن مقابلة وأكرمت وفادتهما واعتنت بشأنهما غاية الاعتناء رغما عن كون الشعب ينظر لهم شزرا، وأفكاره لا ترضى بمطالبهم.
ولما حل وقت الملاقاة الرسمية مع الملكة وخرج السفير من محل نزوله للركوب في العربة المعدة له بقصد ما ذكر، اعترضه رجل إسباني بلباس مدني ولطمه على جيده على حين غفلة لطمة كانت تذهب ببصره فرجع السفير من طريقه وامتنع من الملاقاة مع الملكة التي كانت في انتظاره، ووقع القبض على المتعدي وبعد البحث عنه ألفي جنرالا متقاعدًا مختل العقل اسمه (يكل فونتينس) وفي الحين حكم عليه من المحكمة ببقائه طول حياته محجرا في المارستان.
ثم قدم على السفير كثير من المستعطفين ما بين وزراء وكبراء وألح عليه في الاستعطاف غاية طبيب السلطان المقدس مولانا الحسن (روبيلو) والترجمان بسفارة إسبانيا بطنجة (منويل سيبدرا) واعتذروا له وأظهروا تحسرهم على ذلك الواقع الفظيع، ولم يزالوا معه حتى لأن وتوجه معهم للقصر الملوكي.
ولما وصله أبي أن يدخل لملاقاة الملكة حالة كون شرفه ممسوسا فخرج إليه صديق وداده رئيس الوزارة الصنيور (ساقاسطا) والجنرال (مارتينس) وأقنعوه بما يرضي دولته ويحفظ شرفه فساعدهم إذ ذاك على ذلك، وتقدم لغرفة استقبال الملكة ولما دخلها أجملت الملكة استقباله فوق العادة جبرًا لخاطره، ومن غريب ما يذكر في ملاقاته هذه أن الملكة نزلت عن كرسيها وصافحته وهي قائلة:(يا سعادة السفير أتأسف من صميم فؤادي على التعدي الذي وقع عليك وإني أشعر بألم تلك اللطمة داخل قلبي).
ولما تم الاقتبال على أحسن حال ورجع السفير لمحل نزوله تواردت عليه الوفود من المجامع وإدارات الجرائد وزاره كل الوزراء مطيبين لخاطره ورجع الذين
كانوا ينظرونه شزرًا من أخص المتأسفين، وقامت جملة الجرائد وأندية الشعب والأحزاب الساسية ومجلس الأمة ضد ما وقع من التعدي الشنيِع فلم يسع السفير المذكور إلا أن أبْرَقَ إلى جلالة السلطان مرسله بواسطة النائب أبي عبد الله محمَّد الطريس بما لفظه: إن ما يصلكم من التعدي على هو شيء لا أهمية له ولا يمس عاطفة الوداد الإسباني المغربي، ولا يرى جنابكم العالي إلا ما يسره فتقرر بمجلس النواب وشُورَى الوزراء أنه من شرف إسبانيا واللائق بنخوتها جبر خاطر السفير والاحتفال به كما يجب، وهكذا انقلبت لهجة الأمة كلها فكان لهذه الحادثة أثر عظيم في تعديل العقد المراكشي الممضي من الدولتين في 24 أفريل ومن أهم تعديلاته إسقاط 1،400،000 ريال (دوروس) من 2،300،000 التي كانت مقررة به، وبعد أن كان سيدفع بكيفية خاصة تعدل دفع المقدار في ستة أشهر الموالية للتعديل وعلى ما قرره مؤرخو الإسبان وصرحوا به في عدة مواضع أن دولة المغرب نجحت في هذه السفارة نجاحا لم يتقدم له مثيل.
ثم بعد هذا عينت له بأَخَرَةِ خصوصية تحمله لطنجة زيادة في إرضائه وتكرمته، ولما وصل طنجة ورجعت الباخرة غرقت بما فيها على مقربة من طنجة.
ولما رجع من مدريد رفع نتائج أعماله للمترجم فاستحسنها واستعظمها وأجازه باسم السلطان بخمسين ألف ريال (خمسمائة ألف فرنك) وسماه نائبا في جمعية السفراء بطنجة لسن قوانين إدخال الإصلاحات للمملكة، ولم يزل على وظيفه هذا إلى أن ختمت أنفاسه يوم الجمعة عاشر محرم عام 1315 موافق يوليو سنة 1878.
استخلاصه طرفاية من الإِنجليز: وفي ثاني وعشري قعدة العام أوفد عن إذن السلطان لطرفاية صاحبنا الفقيه الميقاتي الحيسوبي السيد العلمي بن أحمد بن رحال بصفة كونه ميقاتيا والحسين بن خلوق الأودي بصفة كونه مهندسا، وإدريس بن
عبد الجليل خليفة باشا فاس إذ ذاك بصفة كونه أمينا، والعدل السيد العباس التطواني آل أبي عبد الله ابن مرزوق دفين أصيلا، والنجار الطالب الحسين المباركي، والبناء الحاج موسى مارسيل الرباطي، والحاج محمَّد زنيبر السلوي الطبجي، والرئيس البحري وخمسة وعشرين عسكريا بقصد حيازة المرسى التي كان أحدثها الإِنجليز بطرفاية افتياتا وتمكينه مما كان صرفه على بناء ذلك المحل.
وذلك دار بوسط البحر محمولة على الأزهرية وهي على هيئة فندق بالفوقي والسفلي وبها هريان عظيمان لخزن البارود والقرطوس، وبسطح الدارستة مدافع وقصبة مربعة بها دور ثلاث إحداها كبيرة شبيهة بالمرسى المذكورة معدة لسكني رئيس تلك المرسى، والثانية صغيرة كان يسكنها البشير بن بيروك الودنوني، والثالثة يعمرها العسكر على هيئة قشلة إلا أنها بدون فوقي وبوسط القصبة خيام بعض العرب يدعون الأفيكات.
والسبب الوحيد في مد أعناق الأجانب للبناء بذلك الشاطئ هو بيروك الودنوني التكني والد البشير المذكور، وكان ذلك في دولة سيدنا الجد السلطان أبي زيد عبد الرحمن بن هشام حسبما وقفت على التصريح بذلك في ظهير أصدره السلطان سيدي محمَّد لصنوه المولى العباس ودونك لفظه:
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمَّد وآله وصحبه وسلم تسليما ثم الطابع الفخم بداخله محمَّد بن عبد الرحمن الله وليّه.
"أخانا الأعز الأرضى مولاي العباس حفظك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فإن بيروك التكني كان على عهد سيدنا ومولانا قدسه الله تواطأ مع بعض النصارى على البناء بشاطئ أرضهم، فبلغ خبره لمولانا فوجه له نور الله ضريحه من ذكره وحلفه في المصحف الكريم على أن لا يعود لذلك. ولا يسلك مع الكفار تلك المسالك، وظهر منه من التوبة ما أوجب اعتباره ومراعاته
عند سيدنا ونفذ له دارا بالصويرة، وكان محررا من الإعطاء على سلعه التي ترد على الثغر الصويري تأليفا له، وبقي على ذلك إلى أن لقي الله تعالى.
ثم خلفه من أولاده خلف أضاعوا تلك الوصايا، وأرادوا أن يعرضوا بلاد المسلمين للرزايا، ويبيعوا دينهم بدنياهم، فتواطئوا مع النصارى جنس الصبليون على البناء هنالك، فسمعت تلك القبائل المجاورة لهم بذلك واتفقت على قتالهم إن لم يرجعوا عن غيهم.
ولا يخفى ما يترتب على ذلك من الفتن والأهوال واتساع دائرة القتال، وعليه فيتعين الكلام مع الصبليول في هذا الأمر الذي يجر إلى ما لا يليق ليرجعوا عنه إن بدءوك بالكلام فيه وإلا فلا، ومن المعلوم أن أهل تلك البلاد من جملة رعيتنا وإيالتنا، فليس لأحد منهمَ أن يفعل في شبر منها ما شاء ولا تسلمها تلك القبائل ولو أفناهم القتال عن آخرهم، ومرادنا أن تبقي هذا الأمر مكتوما حتى يبدأك به الصبليول، فإن بدءوك به فتجد عندك ما تقول لهم وتردهم به، وها كتاب المرابط السيد الحسين الأليغي يصلك فطالعه لتعلم ما ذكر فيه، وإن ذكروا لك أن أهل تلك الجهة هم الطالبون لذلك والراغبون فيه فأجبهم بأن الأمر بخلاف ذلك وبأن قبائل تلك النواحي رمت ولد بيروك عن قوس واحدة، وليس معه أحد فيما رام فعله، واذكر لهم في ذلك ما يليق أن يذكر، وإن لم يذكروا لك شيئًا فلا تذكر لهم شيئًا، ونسأل الله أن يرد كيده في نحره وقد أخبر خديمنا الطالب عبد الله أبهي بمثل ما أخبر به المرابط المذكور، ونسأل الله أن يعجل بهلاكه آمين والسلام في 11 من ربيع الأول عام 11278 هـ. من أصله بلفظه.
وأدى السلطان في استرجاع ذلك ابرات 50000 خمسين ألف حيزت من طنجة بعد أن كانوا طلبوا ريال 10000 عشرة آلاف وقديما قيل إن للتأخير آفة ووقع الاتفاق على ذلك بشروط نصها:
"الحمد لله وقع الاتفاق بين الواضعين اسمهما عقب تاريخه وهما الفقيه الوزير الأعظم الأجل المبجل السيد أحمد بن الفقيه الوزير المنعم السيد موسى بن أحمد والكبلير المنيسطر (ارنيط ماسن ساطوا) على الشروط الخمسة التي ستذكر أسفله في شأن شراء المخزن لزينة البناء الذي للكبانية النجلزية المسماه (نرف وست افرك) بالمحل المعروف بالطرفايا الكائن ببلاد قبيلة تكنة.
(الشرط الأول) إذا اشترى المخزن زينة المحل المذكور من الكبانية المذكورة لا يبقى كلام لأحد في الأراضي التي من وادي درعة إلى رأس بوخادورا المعروف بالطرفايا المذكورة، وكذلك فيما فوق هذا المحل من الأراضي لكون ذلك كله من حساب أرض المغرب.
(الشرط الثاني) المخزن يعطي الكلمة لمخزن النجليز أنه لا يعطي شيئًا من الأراضي المذكورة أعلاه لأجنبي إلا بموافقة مخزن النجليز.
(الشرط الثالث) إذا اشترى المخزن زينة البناء الذي بالمحل المذكور أعلاه من الكبانية المذكورة أعلاه يكون شراؤه لذلك عاما شاملا لزينة البناء حجراً أو خشبا الذي بالبحر والذي بالبر، كما يكون شاملا أيضًا شراء المخزن لذلك لجميع ما اشتمل عليه جميع البناء المذكور الذي في البر والذي في البحر من مدافع وغيرها، ولا يبقى كلام لأحد في ذلك ولا في قلب الأراضي، والثمن الذي يعطيه المخزن في ذلك للكبانية المذكورة قدره خمسون ألف ابره نصفها معجلا عند عقد هذه الشروط، والنصف الآخر مؤجلا عند حيازة المخزن للمحل المذكور من الكبانية المذكورة.
(الشرط الرابع) مخزن المغرب إذا حاز المحل المذكور من الكبانية المذكورة بالشراء يبقيه مفتوحا للبيع والشراء والمخزن لا يبني فيه من بيت ماله دورا ولا خزائن للتجار لسكناهم ولوضع سلعهم، ولا يجعل فيه فلائك للوسق والوضع إلا
إذا اقتضى نظره الشريف جعل ذلك وقت ما شاء، وتكون أعشار السلع الداخلة له والخارجة منه مثل أعشارها بمراسي الكوشطة.
(الشرط الخامس) من أراد من التجار الإتيان بسلعته للمحل المذكور وأتي بكتاب من باشدور جنسه يعطيه المخزن طرفا من الأرض بذلك المحل بالكراء عن مدة من عشرين عاما وحيث تنصرم يصير للمخزن".
وكتب وزير الخارجية قبل ذلك لباشدور النجليز بما لفظه:
"الحمد لله: لمحل العاقل الناصح الساعي في الخير بين الدولتين المحبتين منيسطر دولة (كريت ابريطن وانبريز) الهند الفخيمة الكبلير فلان، بعد مزيد السلام فقد انهينا لحضرة سيدنا العالية بالله ما تطلبه الكبانية الإِنجليزية من أداء خمسين ألف ابرة في الخسارة الواقعة لها في تعاطيها التجارة بالطرفايا بسبب تعرض ولاة المخزن لها في تجارتها، ووقوع التعطيل لها فأمرتني الحضرة الشريفة أن نجيبك بأنها قبلت أداء الخمسين ألف ابرة المذكورة للكبانية من قبل ذلك مقسطة على خمس سنين، بحيث تدفع للكبانية خمس العدد المذكور كل سنة وهو عشرة آلاف ابرة وتبقى قصبة نزول الكبانية بالطرفايا موقوفة كما كانت قبل وختم في 10 رجب عام 1308 محمَّد بن محمَّد غريط لطف الله به.
ثم كتب تحت الشروط المذكورة يطلب من الباشدور المذكور ما لفظه:
"وبعد فقد أطلعت شريف علم مولانا نصره الله بالشروط الخمسة المرقومة أعلاه الواقع الاتفاق بيننا وبينك عليها في شأن حضرته الشريفة زينة المحل المذكور أعلاه، فسلمها أيده الله وأمضاها كما سلم أيضًا شراء تلك الزينة لحضرته العالية بالله من الكبانية المذكورة أعلاه، بالخمسين ألف ابرة نصفها معجلا ونصفها عند حيازة المخزن للمحل المذكور، وذلك بعد مضي ستة أشهر ولها شهر شوال
وآخرها شهر ربيع الأول الآتيان، وأمرني نصره الله بالكتابة لك بهذا وبأن المخزن له أن يوجه للمحل المذكور من الآن قبل أن يحوزه أناسا من قبله وحيث يريد توجيههم يعلمك لتمكنهم من كتابك لمن هناك من النجليزيين بقبولهم وختم في 16 من رمضان عام 1312".
وكان ذهاب هذا الوفد المذكورة أفراده في البابور المسمى بـ "التريكني" الذي كان اشتراه السلطان مولاي عبد العزيز ونفذت للوفد الكساوي بالصويرة.
وكان وصولهم لطرفاية زوال يوم 10 محرم فاتح 1313 فوجدوا الباخرة الإِنجليزية في انتظارهم حاملة سائر ما كان لهم من القوة بتلك المرسى، وبمجرد ما أرسى البابور في المرسى جاءتهم الساندة حاملة كبراء تلك المرسى الذين بيدهم الحل والربط من الدولة الإنجليزية فيما يرجع لذلك ثم توجهوا بالمكلفين الذين جاءوا من قبل السلطان للمرسى المذكورة بقصد تسليم البناء المحدث جميعه ودفع مفاتيحه، ولم يتركوا لهم من الشئون الحربية عدا المدافع والبارود والقرطوس ومركبا دقاوء، أي كبيرا وبعض المؤن وسافروا حينا لبلادهم.
وبقي الوفد المخزني بتلك المرسى ومكثوا هنالك نحو السنة وكانت المئونة تأتيهم من الصويرة على رأس كل ثلاثة أشهر.
ولما استقر بهم النوى وجه لهم الشيخ ماء العينين ولده أبا عبد الله السيادة وهو أكبر أولاده إذ ذاك وفي معيته صهره على ابنته الشيخ الأمجد وحفيده السيد المحفوظ في لفيف من الأتباع يهنيهم بسلامة القدوم ويستقدمهم عليه ووجه إبلا تحملهم إليه.
وكان وصول هذا الوفد إليهم صبيحة الاثنين 22 محرم وأقام مع الوفد السلطاني أياما خمسة ثم لبوا دعوته، وكان نهوضهم يوم السبت 27 محرم، ووصلوا لخيام الشيخ المذكور يوم الجمعة ثالث صفر وكانت المسافة التي قطعوها في
الوصول إليه ستة أيام كاملة، ومحل نزوله يسمى ذي النبط من ناحية الساقية الحمراء، فأكرم وفادتهم ونحر لهم ناقة هائلة على عادة الكرام، وكان جل ما يقدمه إليهم من الطعام النوع المعروف بالشعرية، وحضروا صلاة العصر مع الشيخ، ولما فرغوا من الصلاة قام بعض تلامذة الشيخ وهو العلامة الأديب السيد إبراهيم بن محمَّد البواري حول زرب المسجد وأنشد:
أهلا بهم من خمسة أعلام
…
بل خمسة كقواعد الإِسلام
رسل الأمير ابن الأمير إمامنا
…
عبد العزيز ابن العزيز الإمام
من خصه المولى بأعلى رتبة
…
تلك الخلافة رحمة الأنام
لازال مخصوصا بكل فضيلة
…
إذ خصنا بأئمة الأقوام
هم خنصر مع بنصر وسطاهم
…
سبابة كبراهم الإبهام
يده إلينا مدها مبسوطة
…
بمواهب مشكورة الإنعام
لا تنس أن تذكرهم وسراتهم
…
أعني ثلاثة سادة خدام
ولأنتم من عند شيخ فاضل
…
ماء العيون المصطفى بمقام
ساقي الورى ساقية الحمرا متى
…
عز الوري أسقاء ضيف ظام
وكانت مبارحتهم لمحل الشيخ يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر المذكور على غير الطريق الذي ذهبوا عليها، حيث إن الشيخ أخبرهم أنه مأذون من قبل الأمير بذلك والبلاد كلها رمال تجد اليوم جبالا منها فإذا هبت الريح نسفتها نسفا ونقلتها لموضع آخر.
وطرفاية هذه هي آخر حجرة المغرب، وسميت طرفاية بذلك لوجود أشجار ثلاثة من الطرفاء بها وهي بلسان الروم (دكاب جوبي) عرضها 28 وطولها 12