المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌17 - أبو العباس أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر الأندلسي الأنصاري الجزيري - إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس - جـ ١

[ابن زيدان السجلماسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة هذه الطبعة

- ‌المؤلف وإسهاماته في الحياة الثقافية بالمغرب:

- ‌الإهداء

- ‌كلمة تقديم

- ‌تصدير تواريخ المغرب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌المقدمة

- ‌[المطلب الثالث][في تراجم السلاطين والأمراء والأعيان والعلماء]

- ‌[حرف الألف]

- ‌1 - منهم: أبو إسحاق إبراهيم بن يحيي بن أبي حفاظ مهدي الأمام المكناسي

- ‌2 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى المصمودي التلمساني

- ‌3 - ومنهم: إبراهيم بن عبد الكريم أبو إسحاق

- ‌5 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد القادر الزرهوني

- ‌6 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز الخياطي

- ‌7 - ومنهم: أبو إسحاق إبراهيم بن القائد الطبيب الأندلسي المراكشي ثم المكناسي ثم التونسي

- ‌8 - أحمد الذهبي السلطان أبو العباس أحمد

- ‌علائقه السياسة

- ‌9 - أبو العباس أحمد بن محمد بن حماد بن محمد بن زغبوش المكناسي التاودي

- ‌10 - أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن الولي الصالح المتبرك به عبد المغيث زغبوش القرشي المكناسي النشأَة والدار والإقبار

- ‌12 - أبو العباس أحمد بن على الزرهوني المكناسي

- ‌13 - أبو العباس أحمد: هو الفقيه القاضي أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد البكري

- ‌14 - الولي الصالح المولي أحمد الشبلي الشريف الحسني

- ‌15 - أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن تميم اليَفَرتِي الشهير بالمكناسي

- ‌16 - أبو العباس أحمد بن العربي الغُمَاري الكَومي، قاضي مكناس

- ‌17 - أبو العباس أحمد بن عمر بن محمَّد بن عاشر الأندلسي الأنصاري الجزيري

- ‌18 - أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبد المنان أبو العباس الخزرجي

- ‌19 - أبو العباس أحمد بن سعيد القيجميسي

- ‌20 - أحمد بن سعيد المكناسي يكني أبا العباس

- ‌21 - أحمد بن محمَّد الحباك المكناسي

- ‌22 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد بن بن محمَّد بن محمَّد بن على بن غازي العثماني المكناسي

- ‌23 - سيدي أحمد الشبيه بن عبد الواحد بن عبد الرحمن

- ‌24 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن ميمون المسطاسي المكناسي

- ‌25 - قاضيها أبو العباس أحمد بن أحمد بن على بن عبد الرحمن بن القاضي الأعدل الخير الدين أبي العز بن أبي العافية المكناسي

- ‌26 - أبو العباس أحمد بن على بن عبد الرحمن بن عبد الله المنجور

- ‌27 - أبو العباس أحمد بن عمر الحارثي السفياني

- ‌28 - أحمد بن إبراهيم الأوسي الجنان أبو جعفر

- ‌29 - أبو العباس أحمد بن سعيد المِجْلَدِى

- ‌30 - أبو العباس أحمد الغماز أستاذها

- ‌31 - الشاب أبو العباس أحمد بن عمر بن مبارك الحصيني المكناسي

- ‌32 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن محمَّد المكناسي الزناتي الشهير بابن القاضي

- ‌33 - الولي الشهير. المجذوب الكبير. سيدي أحمد بن بلعيد المدعو ابن خضراء

- ‌34 - أحمد بن عبد القادر بن عبد الوهاب بن موسى بن الشيخ سيدي محمَّد بن مبارك التاستاوتي

- ‌35 - أبو العباس أحمد الخضر بن أبي عبد الله محمَّد بن أبي محمد عبد القادر زغبوش المكناسي النشأة والدار

- ‌36 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بصري

- ‌37 - القاضي أبو العباس أحمد بن ناجي السجلماسي الأصل المكناسي الوفاة والإقبار

- ‌38 - أبو العباس أحمد بن محمَّد العربي بن محمَّد الكَومى عرف بالغماري

- ‌39 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن محمَّد بن يعقوب الوَلَّالي -بفتح الواو وتشديد اللام دفين مكناس

- ‌40 - أبو العباس أحمد بن أبي يَعْزَى الأودي قاضيها

- ‌41 - أبو العباس أحمد الصيقال المكناسي

- ‌42 - أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمَّد الشدادي الشريف الحسني الإدريسي العمراني

- ‌43 - الفقيه سيدي أحمد بن عزو

- ‌44 - الفقيه سيدي أحمد الحزميري

- ‌45 - الفقيه سيدي أحمد بن سعيد السوسي

- ‌46 - الفقيه السيد أحمد بن مومو

- ‌47 - الفقيه السيد أحمد بن مسطار

- ‌48 - السيد أحمد بن عبد الرحمن زغبوش الفقيه النبيه العدل الرضي الثقة

- ‌49 - أبو العباس أحمد بن العباس النسب السيد الأتقى، الزكي الأنقى

- ‌50 - أبو العباس أحمد بن عبد القادر النسب الفقيه المعظم. المرتضى المحترم

- ‌51 - أبو العباس أحمد بن الولي الصالح سيدي مغيث زغبوش القرشي الفقيه المرتضى الزكي الأحظى

- ‌52 - أبو العباس أحمد بن سعيد العميري

- ‌53 - أحمد بن عبد الرحمن المجاصي الشهير بالمكناسي الشيخ الأستاذ المقرئ الصالح

- ‌55 - الشريف أبو العباس أحمد بن على بن الحسن

- ‌56 - أبو العباس أحمد بن أحمد الحَكمِي الأول الرباطي

- ‌57 - أبو العباس أحمد العمراني الفقيه الشريف

- ‌58 - أبو العباس أحمد المكناسي

- ‌59 - مولاي أحمد بن عبد المالك العلوي

- ‌60 - أبو العباس أحمد بن الرضي بن عثمان المكناسي

- ‌61 - أبو العباس أحمد بن على العلوي

- ‌62 - أبو العباس أحمد بن المجذوب ابن عزوز المكناسي

- ‌63 - أبو العباس الحاج أحمد بن محمَّد المعروف بالمزيان

- ‌64 - السيد أحمد بن عبد الرحمن بن محمَّد بن الطيب بصري

- ‌65 - أبو العباس أحمد بن على السوسي

- ‌66 - الأستاذ السيد أحمد بن عبد الله بن محمَّد بن يوسف بن محمَّد الكبير ابن الشيخ محمَّد -فتحا- الناصري

- ‌67 - السيد أحمد بن عبد الله الناصري: المقرئ من ذرية سيدي محمَّد الصغير ابن الشيخ سيدي محمَّد

- ‌68 - أبو العباس أحمد بن محمَّد بن أحمد بن الطاهر بن محمَّد فتحا ابن أحمد الكنكسي الشهير بالجبلي

- ‌69 - أبو العباس أحمد بن على بن أحمد بن على بن عبد الكريم بن على: ابن طاهر بن مولانا الحسن الحسيني العلوي

- ‌70 - أبو العباس أحمد بن مبارك

- ‌71 - أبو العباس أحمد بن الطاهر بادو

- ‌72 - أبو العباس أحمد بن عمر بن العربي بن عمر

- ‌73 - الوزير الأعظم أحمد بن موسى بن أحمد بن مبارك

- ‌إسقاطه وزارة الجامعيين وسبب ذلك:

- ‌وزارته وصدارته العظمى:

- ‌بعثة السفارة لأسبانيا وما حصل لها:

- ‌ثورة الرحمانة بزعامة مبارك ابن سليمان:

- ‌ثورة الأعشاش:

- ‌قصوره وجنّاته:

- ‌عبقريته السياسية:

- ‌أمانته:

- ‌متخلفه وما وقع فيه:

- ‌ونص الثاني بعد الحمدلة والصلاة والطابع:

- ‌اختلال الأحوال بعده:

- ‌بعث السفارات لأوروبا ونتائج ذلك:

- ‌ثورة أبي حمارة:

- ‌ثورة الريسولى:

- ‌مقتل الدكتور موشان واحتلال وجدة:

- ‌احتلال الدار البيضاء:

- ‌البيعة الحفيظية:

- ‌74 - أحمد أبو العباس ابن الحاج عبد القادر بن علال العرائشى المكناسى النشأة والدار والإقبار

- ‌75 - أحمد بن الطالب بن سودة المَرِّى

- ‌76 - أحمد بن إدريس الخطابى أبو العباس المرابط الزرهونى

- ‌77 - أحمد بن الفاطمى بن محمد بن محمد بن النقيب مولاى عبد القادر الشريف الإدريسى الشبيهى

- ‌78 - أحمد بن محمد بن عزوز أبو العباس

- ‌79 - أحمد بن شيخ الجماعة في وقته بمكناس السيد مبارك بن عبد الله السلجلماسى

- ‌80 - أحمد بن الحاج رحال البخارى

- ‌81 - أحمد بن محمد بن المأمون بن هشام بن محمد بن عبد الله بن فخر الملوك وجد سلاطين المغرب المولى إسماعيل

- ‌83 - أحمد بن القائد محمد الشاذلى البخارى

- ‌84 - أحمد بن العالم -اسما- ابن عبد الله الشريف القادرى

- ‌85 - أحمد بن الصديق المعروف بالتواتى

- ‌86 - أحمد بن العربى بن الحنفى بن الطالب بن العربى بن الطالب الشريف الحسنى العلوى الأمْرانى يدعى صميم

الفصل: ‌17 - أبو العباس أحمد بن عمر بن محمد بن عاشر الأندلسي الأنصاري الجزيري

والجلالة، ولم أعرف شيئًا من أحواله ولا من الولادة والوفاة، إلا أنه كان متوليا خطبة القضاء بمكناس سنة 959 تسع وخمسين وتسعمائة (1).

‌17 - أبو العباس أحمد بن عمر بن محمَّد بن عاشر الأندلسي الأنصاري الجزيري

.

نزيل سلا، ودفينها، أصله من شمينة وبها نشأ.

حاله: أفضل أهل زمانه علمًا وعملاً، وقال ابن سعد في "النجم الثاقب" في حقه ما ملخصه: كان أحد الأولياء الأبدال، معدودا في كبار العلماء ممن جمع له العلم والعمل وألقي عليه القبول من الخلق، شديد الهيبة، عظيم الوقار، كثير الخشية، طويل التفكر والاعتبار، قصده السلطان أبو عنان وارتحل عام سبعة وخمسين فوقف ببابه طويلاً فلم يأذن له وكرر ذلك مرارًا فلم يأذن له، وتبعه يوم الجمعة على رجله والناس ينظرونه وهو لا ينظر فقال: منعنا من هذا الولي، ثم أرسل إليه ولده مستعطفا فأجابه بما قطع رجاءه منه. اهـ (2).

ودونك نص ما أجابه به:

"الحمد لله من العبد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن عمر بن محمَّد بن عاشر وفقه الله تعالى بمنه وكرمه، إلى أمير المؤمنين أبي عنان أيده الله تعالى بتقواه ورد حاله إلى ما كان عليه الخلفاء الراشدون ومن تعرض لنصيحة المسلمين آمين، وصلى الله تعالى على مولانا سيدنا محمَّد وآله وسلم تسليما، أما بعد:

(1) هذا في المطبوع. وقد ترجم صابح الأعلام بمن غير -4/ 1455 موسوعة- لمن اسمه أحمد بن محمَّد العربي الغمارى، فقال: وفي هذه السنة -أعنى سنة 1063 هـ- توفي الفقيه الأصولى أبو العباس أحمد بن الفقيه العلامة أبي عبد الله محمَّد العربي بن محمَّد الكومى عُرف بالغُمارى، ولى قضاء بلده مكناسة فحمدت سيرته، وكان فقيها مدرسا. أخذ عن الفقيه المفتى أبي عبد الله الهوارى، ثم عن العلامة أبي عبد الله بن بد الحليم وغيرهما.

قال خال الوالد الشيخ أبو عبد الله محمَّد المهدي الفاسى: قرأت على صاحب الترجمة الرسالة والمختصر.

17 -

من مصادر ترجمته: درة الحجال 1/ 148، شجرة النور الزكية 2/ 34، كفاية المحتاج 1/ 37، نيل الابتهاج 1/ 92.

(2)

كفاية المحتاج 1/ 37.

ص: 356

فقد ورد على كتابكم المشرف بذكر الله تعالى وولدكم المكرم جعله الله تعالى من المتقين، وأنبته نباتا حسنا وعلمه علماً نافعا ولا يجعله من المبعدين، من رحمة رب العالمين، وصلي الله على سيدنا ومولانا محمَّد الكريم، ولتعلم أني ما شككت فيكم وقد أيقنت أنكم ما أرسلتموه إلا من أجل الله عز وجل وطلب مرضاته، وبعد: فإني لم أكن للزيارة أهلا، ولا للقربة محلا، وإنما سترني الكريم بفضله، ولطف بي بحلمه، ولله الحمد على نعمته الظاهرة والباطنة، ولتعلم أنى قصدت بنصيحتى لك وجه الله العظيم خاصة فإني لا أطمع في مخلوق أن يكسبني مالا ولا جاها لاكتفائي بمولاي جل جلاله وتقدست أسماؤه.

ولتعلم يا أمير المؤمنين وفقك الله للخير أن الله عز وجل ناظر إليك في كل حين وفي كل ساعة وكل نفس وكل طرفة، ولابد لك من لقائه، ويسألك عما دق وجل، وينشر عليك عدله، ويسألك عن أمر خلقه وما صنعت، هذا إِن طالبك جل جلاله. وأما إِن عفا عنك ونشر عليك رحمته وفسح لك فلا راد لفضله ولا لحكمه جل جلاله وتقدست أسماؤه.

وليكن أمير المؤمنين مشفقا على نفسه، وليعمل في يومه لما فرط في أمسه، ومن كان يومه شرا من أمسه فيا حسرته ويا وحشته ويا فجعته، وأعظم المصائب إعراضه عن ربه عز وجل، وقد أشفق الصالحون والأولياء والمتقون على أنفسهم، كان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه يقرأ قوله تعالى {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} وقال الله عز وجل:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من يأخذها بما فيها يعني من الأجر الذي يعطي الإمام العادل إشفاقا على نفسه. وقد وقف الفضيل بن عياض بعرفة فقال: ظننت أن هذا الخلق غفر لهم حتى رأيت نفسي فيهم. وكان عطاء يقول: لو مات عطاء استراح الناس. وكسفت الشمس يوما فصاح عتبة الغلام بذنوبي كسفت الشمس. وعرك عثمان بن عفان أذن غلام له لأدب فقال: آه أوجعتني. فقال: عثمان خذ أذني فاعركها، فأبي الغلام فقال عثمان: لا بد من ذلك لأن تقتص مني في الدنيا خير من أن يقتص مني في الآخرة فعرك الغلام أذن عثمان فقال له: اشدد وزد، فقال: أمير المؤمنين

ص: 357

إن كنت تخاف القصاص فإني أخاف أيضًا، فهذا يدلك كله على شفقة الأولياء والأصفياء على نفوسهم لما علموا عدل الله عز وجل في خلقه، ولك عبرة في آبائك وأجدادك فقد صاروا إلى الله عز وجل ولا تدري ما قال لهم ولا ما قالوا له.

وروي عن عيسى عليه السلام أنه مر بجمجمة فضربها برجله وقال تكلمي بإذن الله تعالى، قال: يا روح الله، أنا ملك زمان كذا وكذا فبينما أنا جالس في ملكي على تاجي على سرير ملكي وحولي جندي وحشمي إذ بدا لي ملك الموت، فزال عني كل عضو على حاله، ثم خرجت نفسي إليه، فيا ليت ما كان من الاجتماع كان فرقة، ويا ليت ما كان ذلك إلا حسرة ووحشة.

وروي عن أبي بكر الصديق أنه قال في خطبته: أين الوضأَة وجوههم، أين الصباح الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم، أصبحوا تحت الثرى.

وروي عنه أيضًا أنه قال في خطبته: أين الذين بنوا المدائن، وحصنوا الحصون والحوائط، أين الذين كانوا يعطون من الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الحرب فأصبحوا تحت التراب والآكام.

وروي عن حذيفة بن اليمان أنه قال لابن مسعود وبه ألم من آخر الليل: قم وانظر لي أي ساعة هذه، قال قد طلعت الجمرة يعني الزهرة، فقال حذيفة أعوذ بالله من صباح إلى النار.

وقال معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة لجاريته: ويحك انظرى هل أصبحنا؟ فنظرت فقالت: لا. ثم تركها ساعة فقال لها: انظري فقالت: نعم، فقال أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار.

وقيل لعامر بن عبد الله بن قيس عند الموت وقد بكي: ما يبكيك؟ فقال: ما أبكي فرارا من الموت ولا حرصا على الدنيا، ولكني أصبحت في صعود مهبطة ثم لا أدري أين أهبط هل إلى الجنة أو إلى النار أو يعفو الله تعالى.

ص: 358

وقال محمَّد بن واسع عند الموت: يا إخواني، عليكم السلام إلى النار، أو يعفو الله تعالى.

وروي جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث أن نفرا من بني إسرائيل مروا بمقبرة فقال بعضهم لبعض: لو دعوتم الله عز وجل أن يخرج لكم من هذه المقبرة ميتا فنسأله، فدعوا الله عز وجل فإذا هم برجل جلس بين عينيه أثر السجود قد خرج من قبر من تلك القبور فقال: ما أردتم مني؟ لقد ذقت الموت منذ خمسين عاما فما سكنت من قلبي مرارته.

وروي عن كعب الأحبار أنه قال لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو لقيت الله بعمل سبعين نبيا لخشيت لك أن لا تنجو من هول ذلك اليوم.

فعليك عافاك الله بالشفقة على نفسك فإن الدنيا لا تدوم لك، فقد كان في زمن من الأزمان على ما حكي: ملك من الملوك كان عادلا في رعيته فقد سمعه، فقالوا برحوا في الناس من كان مظلوما فليلبس ثوبا أحمر، فإني إن فقدت سمعي فما فقدت بصري، فهذا عافاك الله قد نصح لرعيته ولا أدري هل كان مؤمنا أو كان كافرا، وإن رجع أمير المؤمنين وأشفق على نفسه ورعيته رجوت أن يقبله الله تعالى وأن يمن عليه بفضله إنه جواد كريم.

وقد قال بعض المشايخ: إذا وقع منك ذنب فلا يكن سببا يقصيك عن الاستقامة مع ربك، فقد يكون ذنبك ذلك آخر ذنب قدر عليك وليطالع أمير المؤمنين الرعاية للمحاسبي، أو كتاب النصائح للمحاسبي فلعل ببركة الشيخ يكسبك الله خوفا ورحمة فيكون سبب نجاتك، وإن سمعت بأمير المؤمنين أنه اجتهد في نصيحة رعيته وكف يد ظالمهم ونصر مظلومهم اجتهد له في السؤال لله عز وجل في الأسحار، وأطراف النهار، وليعلم أمير المؤمنين أنه لا يخلصه أحد من خدامه ولا من حشمه بل يفرون منه يوم القيامة ويفر منهم، ولا عليك في هذا الأمر إلا أن تراقب الله تعالى وتعمل بما أمرك ونهاك يسهل الله عليك الخير فعساك

ص: 359

تموت وأنت مقبل على الله عز وجل وهو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وفقك الله لما يحبه ويرضاه وسخرك لخلقه ولا أدار عليك رحي المحنة، على قطب الفتنة، وصلي الله على سيدنا محمَّد وعلى آله فرحم الله امرءا نظر لنفسه وعمل ما يخلصه عند ربه.

فلما وصل كتابه هذا للسلطان أبي عنان رحمه الله أيس من لقائه واشتد حزنه وقال: هذا ولي من أولياء الله حجبه الله عنا.

وقد أجابه أبو عنان عن هذا الكتاب بما لفظه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، صلى على سيدنا محمَّد وعلى آله وسلم، من عبد الله المعترف بذنبه، الراجي رحمة ربه، فارس أمير المؤمنين بن على بن عثمان ابن يعقوب بن عبد الحق وفقه الله عز وجل لطاعته، وجعله بفضله من أهل جنته، إلى وليي في الله وناصحي في ذات الله عز وجل الولي العالم الزاهد الخاشع أبي العباس أحمد بن عمر بن محمَّد بن عاشر، أمتع الله بحياته أولياءه، ونفع بصالح دعواته أصفياءه، وأبقاه ذخرا للمسلمين ونوراً يهدي إلى سبيل المتقين، وبعد حمد الله بارئي النسم، على تتابع النعم، والسلام على سيدنا محمَّد خاتم أنبيائه ورسله إلى خيرة الأمم، وعلى آله وأصحابه ليوث الهيجاء ونجوم الظلم، فإنه وصلني كتابكم الذي ذكرتني بموعظته، وعرفتني مصالح نفسي بنصيحته، أعرب بلسان الصدق، ودعا إلى سبيل الحق، وأيقظ من النومة، ونبه من الغفلة، فجزاك الله خيرا يا أيها القاصد وجه الله العظيم في سره وجهره، الواقف عند حدوده عز وجل في أمره ونهيه، لقد نصحتني وما غششتني، وندبتني لسعادتي وما كذبتني، فالله أسأل أن ينور بصيرتي، ويأخذ للخير بناصيتي، ويسلك بي فيما قلدني سبيل أوليائه المتقين. ويعينني على القيام بأمور عباده المسلمين.

وهأنا إن شاء الله تعالى أجتهد في كف أيدي الظالمين، وأبذل جهدي في

ص: 360

إنصاف المظلومين، وأبتهل إلى الله تعالى بالضراعة في إعانتي بتوفيقه، وهدايتي لنهج طريقه، وهو سبحانه يعلم -وإن كنت مسرفا على نفسي مقصرا في عملي- أني لا اضمر إهمال مظلوم ولا إعانة ظالم، وكفي بالله شهيدا، وقد قل أعوان الحق، وكاد أن نعدم منقبة الصدق، فلا رجل ولي عملا إلا ظلم وتجبر، ولا مؤتمن يركن إليه إلا خان وفجر، ولا جليس يستعان بنهاه إلا آثر دنياه، واتبع هواه، لكن بالله أستعين في جميع الأمور، وعليه سبحانه أَتوكل وإن لم أُوف بحق التوكل في الورود والصدور، ونسأله جل وعلا أن يلهمنا ما يقربنا منه، ولا يجعلنا من المبعدين عنه.

وأسألك أنت بمن كانت هذه المكاتبة ابتغاء وجهه الكريم إلا ما اجتهدت لي في الدعاء في غلس الأسحار، وأطراف النهار، أن يمكنني الله عز وجل نفسي ويلهمني رشدي، ويجعلني من الناطقين بالحق، الفاصلين بالعدل، ويبلغني تعالى أملي في جهاد الكافرين، وينيلني قصدي في حج بيت الله الكريم، وزيارة قبره عليه أفضل الصلاة وأذكي التسليم، وأن يجعل ذريتي من عباده الصالحين ومن أهل القرآن العظيم وزوار قبر نبيه، وأن يختم لي ولهم بالحسنى، ويبلغنا في طاعته جميع المنى، بفضله وجوده.

وأنا قد انتفعت بكتابك، وأنتفع إن شاء الله بنصيحتك وأجد بركة موعظتك، التي أردت بها وجه الله العظيم علام الغيوب فلا تخلني بعد من إشارتك. ولا من صالح دعواتك، ولا توحشنا من أنس جوارك، ولا تفقدنا من صالح إيثارك. وإن كنت قد استغنيت عنا فإني لا أستغنى عن مشاورتك الصالحة، ومكاتبتك الرابحة. إن شاء الله تعالى وهو سبحانه وتعالى يجزيكم أفضل الجزاء ويهدينا إلى الطريقة المثلي والسلام عليكم ورحمة الله".

وذكر المترجم ابن الخطيب في نفاضة الجراب وابن الخطيب القسمطيني في رحلته ووصفه بأوصاف عالية منها: كثرة النفور من أصحاب الولاية في الأعمال

ص: 361

قال: وخرجت على يده تلاميذ نجباء أخيار وطريقه أنه جعل إحياء علوم الدين نصب عينيه واتبع ما فيه بجد واجتهاد، وصدق وانقياد.

قال هو غيره: ولم يكن قوته إلا من نسخ "عمدة الأحكام" في الحديث وكان معجبا بهذا التأليف مؤثرا لحفظه وفهمه كثيرا ما يندب إخوانه لذلك، وكان يقوم على حفظه وربما أقرأه تفهما لكثير من أصحابه ينسخ منه ثلاث نسخ في السنة غالبا ويسفرها بيده، وربما صنع لها أغشية من جلد بيده ويبيعها ممن يعرف طيب كسبه بدينار من الذهب العين للنسخة ولا يأخذ إلا قيمتها.

ولم تزل حالته وبركته في زيادة إلى أن توفي قال ابن عرفة: ما في زماننا مبرر إلا هو وأبو الحسن المنتصر.

قال ابن عاشر الحافي في "تحفة الزائر": رحل يعني المترجم له وحج ثم آب للمغرب فقدم فاسا المحروسة وأقام بها مدة ثم ارتحل إلى مكناسة. اهـ.

وفي "درة الحجال" رحل إلى مكناسة واستوطنها مدة وكانت بها إحدى أختيه والثانية بشمينة، وكان أبو عنان يجري على التي كانت بمكناسة جراية تعيش بها، ثم انتقل إلى سلا وقرأ القرآن والعلم ببلده شمينة، ثم انتقل منها إلى الجزيرة الخضراء وأقام بها زمانا مشتغلاً بتعليم كتاب الله ولقي الأكابر من أهل المقامات كمسعود الأبله -الرجل الصالح- قال وبإشارته خرج من الخضراء.

وفي تحفة الزائر أنه نزل برباط الفتح بعد انتقاله من مكناسة دهرا طويلاً بزاوية الشيخ العظيم الشأن سيدي عبد الله اليابوري، ثم انتقل للعدوة الأخرى من سلا فنزل بها بزاوية الشيخ أبي زكرياء الكائنة بقرب الجامع الأعظم وبدار المقدم عليها إذ ذاك أبي عبد الله محمَّد بن عيسى تلميذ أبي زكرياء المذكور، وكل ذلك بعد وفاة الشيخ اليابوري. اهـ.

ص: 362