الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله
مقدمة المؤلف
* * *
حمدا لمن تعالت عظمته عن أن تحيط بها الأخبار. وتقدس في سلطانه فقصرت الأفهام عن كنهه على مر الأجيال والأعصار. لا يعزب عن علمه ما كان وما يكون. ولا تخفى عليه خافية من أحوال الظهور والبطون. كل يوم هو في شأن، وإليه ترجع الشئون. مدارك العقول في موقف الحيرة تحت ذيل القصور. وتحريرات النقول في قصوى العي على بساط الفتور.
عقل العقل أن يكون محيطا
…
ليس ربى مركبا أو بسيطا
حجب الكل عن دراية كنه
…
وهو بالكون لا يزال محيطا
سبحانه ما أجل بره، وأوسع امتنانه، أسدل على كل مكون قبل نشأته وبعدها فضله وإحسانه.
لم يخل قط عن إمداد وإيجاد
…
مكون رائحا قد كان أو غاد
فالاعتراف له بالبر يورث أن
…
يزيد من فضله من غير تعداد
فله الشكر ما تحلت الألسن بذكر الوقائع، وقامت في صحائف الأذهان أخبار الرقائع.
شكرا لرب تعالى
…
وفضله قد توالى
من يصرف العمر منه
…
في طاعة ما تغالى
ونشهد أنه الله الذى لا إله إلا هو شهادة تعصم من الأوهام والشكوك وترشد الجازم بها إلى الاتباع في المآخذ والتروك.
تعالى أن يشارك في صفات
…
وكل خلقه كيف الشريك
تقدس أن تحيط به عقول
…
وجل الله مولانا المليك
ونشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمدا عبده ورسوله الصادق فيما قص من الأنباء، وأبدى من أسرار من تقدمه من الرسل والأنبياء.
برى الله خير العالمين مكملا
…
وأولى علاه فوق ما منه أملا
وصور منه الشكل غير مشارك
…
على كل موجود جلاه مفضلا
فصل اللهم عليه صلاة تملأ الأرض والسماء، وتدوم بدوام ملكك، فلا يأتى عليها إحصاء ولا استقصاء، وعلى آله نجوم الاهتداء وأمان الأمة، القاعدين على صهوة المجد البالغين من كل مقصد همه، وأصحابه الذين نصروه وشدوا أزره، وحملوا عنه إلى من لم يحضره نهيه وأمره.
أما بعد: فيقول خديم العلم والتاريخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن ابن على بن محمد بن عبد المالك بن زيدان ابن فخر ملوك المغرب وجد سلاطينه مولانا إسماعيل بن الشريف الحسنى السجلماسى: إن لله تعالى في أجيال العوالم -من مكنون السر وخفى الدقائق- ما لا تحتوى على بيانه فنون المجازات وأنواع الحقائق، أودع فيها حكما ترجع دون تمام إدراكها الأمانى حسرى، وتقف في مشاهد إبداعها فتخر آونة شكرا وأخرى برقائقها سكرى.
كيف وهى مظاهر قدرته الباهرة، وتجلياته التي تكل أولاها والآخرة. فأعقل الناس من رآها بلب الاعتبار، وعرف أن منها ما سبيله الادكار، وما أبرز للاختبار، فاعتبروا يا أولى الأبصار، فوقف به ما رأى وسمع من أحوال القرون الشاسعة، على هدى يجده في المعاش والمعاد من الأعمال النافعة.
وإن الفن الذى يجمع من ذلك زبدة الأوطاب، ويميز بين ما خبث وطاب، علم التاريخ الذى هو من أجل ما يدخر، وتقدم أهميته ولا تؤخر، يريك من المعدوم موجودا، ومن المقطوع سابقا فصلا ممدودا، حتى كان من انقرض الآن ينطق، وشمس حياته لا زالت تشرق، فلم يفت المتقدم المتأخر إلا بالأشباح والصور، إذا جليت منهم العبر وتليت عليهم السور.
أخبار من سبقوا إدراك عصرهم
…
وجودهم يجتلى في طى نشرهم
ناجوك دون لسان إذ تبين من
…
حديثهم ما خلا في مر عمرهم
فاعرف قدره ما بين الفنون، ومتن فخامته إذا تليت المتون، فقد نوه الذكر الحكيم بإنافة شأنه. وقص على المعتبر فائدته وبدائع حسنه، وناهيك بما ضمنه من أسراره، وكشف للألباب من خبايا أستاره، فقد أرى أخبار المرسلين وحميد سيرهم، وما لقوا من نشأتهم إلى انتقالهم عن عالم الدنيا ورحلتهم، ومن أجل ذلك أمر الله أشرف الموجودات، أن يتأسى بهم في سنى تلك الحالات فقال:(فبهداهم اقتده).
ولهذا ومثله تصدى الأعلام لتدوينه، والتنقير عن تفصيل حوادثه وشئونه، اقتفاء لما ذكر الله في الكتاب، وانتحالا لما يستعذب ويستطاب ما بين موجز ومطنب، ومشرق فيه ومغرب.
بيد أنى لم أجد من يشفى العلة، ويبرد من الصادى الغلة، بشرح أنباء مكناسة الزيتون، ونظم ما تناثر من درها المكنون، بعد بلاغ الجهد في القديم والحديث، فيمن يروى مسند ذلك الحديث، وما صنفه إمام المحققين وخاتمتهم ابن غازى في روضه الهتون، نقطة من بحر ولقطة عجلان لا تأتى على البعض من عجائب بيت الملك وسرها المصون، ولا تروى من هو بقيظ الجهل بها صديان،
وعذرا له لأنه أول قارع لأبوابها، وغير مسبوق بشيء يعتبر في اختراعه من لبابها، وتلك العادة المحكمة في أول متكلم.
غير أن له الفضيلة بسبقيته على العالم والمتعلم، فالهجوم على ما يصعب لا يحكمه إلا البطل، وبعد جناية النحل يجنى العسل، إذ الفضل كل الفضل لمن إذا الليل عسعس، طرق العقيلة في حيها وقد أحدق بها الحرس، ومن تكلم بعده في شيء من هذا الموضوع في ديوان فيه أو في غيره مشروع فعلى أثره عول وبإضاءته فرع ما فرع وأصل ولم أر منهم من هز لنشر طيها عطفا ولا من اقتطف من مشكاة أنوارها قطفا بل هم عن تدوين شئونها في انقباض وكل يدعى أنه خالى الوفاض إجماعا على الوفاق والتراض، وجنوحا إلى الزمانة بدلا عن الانتهاض، وما أراهم إلا لما تكامل فيها الحسن والإحسان، بهتت العقول فكل عنها منهم اللسان وتركوا القول جملة وتفصيلا، وتساقطوا على غيرها قبيلا فقبيلا
تكاثرت الظباء على خداش
…
فما يدري خداش ما يصيد
وليس هذا بالرأى الحميد، ولا بما يلوى اللبيب فيحيد فقد أطبق العقلاء على أن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه أو جله.
وطالما رمت الأخذ بهذه القاعدة فأجد النفس عن الجولان في ذلك الميدان قاعدة، إذ فقد مواد تقص تلك الأنباء يوجب العجز عن أن تتحمل منها الأعباء سيما وقد ضن على أغبياء جهلاء هذه المدينة التي كانت كل البلاد من محاسنها مدينة وتقاعدوا على ما لديهم وطووا كشحا دون الاقتراح فيه عليهم، مما عسى أن يظن به خبر ذلك الحى، ونشر ما أصبح الآن منه في ربقة الطى أو له بسالفه أدنى استمداد، يكون عند النهوض عمدة استعداد، بل آل سؤالى منهم ما أملت من الدفاتر، أن أصبح ودهم من قبيل العفا الداثر فكان تقلص ظل الوداد نتيجة
القضية، وسهام البين عي المعروف والغطية، ظنا منهم أن العلم منحصر في الحصول على ذلك الوطر انحصار المبتدأ المعرف بلام الجنس في الخبر، وما دروا أن في بذل ما لديهم إنقاذها من البلا ورفعها عن أن يحل بها من الأرضة البلا فجمعوا بين رذيلتى البخل وكتم العلم جمعا، والحال أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
فنهض من إجابته عندى فرض عين، وخلافه في سماء الوداد كسوف وغين يحثنى بإزعاج على أن أجوب تلك الفجاج لأنظم ما سعت الأيام في نثره وأكمل من الروض ما يحسب من بتره وأضيف إلى أغراضه ما حدث بعد عصره مرسلا عنان القول غير لاحظ لحصره
بدائع تزهو من سناها الخرائد
…
ونظم نثار ما حوته القلائد
أصول لذى التحقيق يبقر باطنا
…
وفى ظاهر الأرقام تلك زوائد
فقلت حملتنى في قصدك أصرا، وقد فقدت من أبناء العصر تأييدا ونصرا، فلم تزده الإباية إلا حثا واقتراحا ولا نظم البراهين على الإعواز إلا شغفًا وارتياحا فحرك منى ما كان سكن هبوبه وقوى عزمى على فتح ما أغلقت جيوبه فأجبته مستعيذا بربى من حسد سابقى ودونى وتربى لائذا بحوله ومعونته في السر والنجوى سائلا منه سبحانه أن يجعلنا ممن اعتصم بحبله الأقوى، وأدرجه في سلك أهل الطاعة والرضا، ووفاه من قصده ما يحب ويرضى.
وعنونته (بإتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس) ولك أن تسميه عبير الآس من روض تاريخ مكناس، أو حسن الاقتباس من مفاخر الدولة العلوية وتاريخ مكناس.
ورتبته على مقدمة وأربعة مطالب تهذب علم الشيخ، وتفتح ما أغلق على الطالب.