الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكتب إِلَى وكيلٍ لَهُ أَن يحمل لَهُ مائَة منٍّ قطناً فحملها إِلَيْهِ فَلَمَّا حلجت اسْتَقل المحلوج)
وَكتب إِلَيْهِ أَن هَذَا لم يجِئ مِنْهُ إِلَّا الرّبع فَلَا تزرع بعْدهَا قطناً إِلَّا بِغَيْر حبٍّ وَيكون محلوجاً أَيْضا
وَقَالَ يَوْمًا لصديقه وحياتك الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
وَتردد إِلَى بعض النَّحْوِيين ليصلح لِسَانه فَقَالَ لَهُ بعد مُدَّة الْفرس بِالسِّين أَو بالصين
وَقَالَ قُمْت البارحة إِلَى المستراح وَقد طفئ الْقنْدِيل فَمَا زلت أتلمظ المقعدة حَتَّى وَجدتهَا
وانبثق لَهُ كنيف فَقَالَ لغلامه بَادر أحضر من يصلحه لنتغدى بِهِ قبل أَن يتعشى بِنَا
وَطلب يَوْمًا من البستاني الَّذِي لَهُ بصلاً بخلٍّ فأحضر إِلَيْهِ بصلاً بِلَا خلٍّ فَقَالَ لَهُ لأي شَيْء مَا تزرعه بخل
وَالصَّحِيح أَنه كَانَ يتظاهر بذلك ليرى الوزراء مِنْهُ هَذَا التغفل فيأمنوه على أنفسهم إِذا خلا بالخلفاء
3 -
(الرئيس بن سينا)
الْحُسَيْن بن عبد الله بن سينا البُخَارِيّ أَبُو عَليّ الشَّيْخ الرئيس فيلسوف الْإِسْلَام
قَالَ أَبُو عبيد عبد الْوَاحِد الْجوزجَاني ذكر الرئيس قَالَ كَانَ أبي رجلا من
أهل بَلخ وانتقل إِلَى بُخَارى أَيَّام نوح بن مَنْصُور واشتغل بالتصوف وأحضر لي معلم الْقُرْآن ومعلم الْأَدَب وكملت الْعشْر من الْعُمر وَقد أتيت على الْقُرْآن وعَلى كثيرٍ من الْأَدَب فَكَانَ يقْضى مني الْعجب وَكَانَ أبي مِمَّن أجَاب دَاعِي المصريين ويعد من الإسماعيلية وَقد سمع مِنْهُم ذكر النَّفس وَالْعقل على الْوَجْه الَّذِي يَقُولُونَهُ وَكَذَلِكَ أخي وَرُبمَا تذاكرا بِهِ وَأَنا أسمعهما وَأدْركَ مَا يقولانه وَلَا تقبله نَفسِي وابتدءوا يدعونني إِلَيْهِ ثمَّ جَاءَ إِلَى بُخَارى أَبُو عبد الله الناتلي وَكَانَ يَدعِي الفلسفة فأنوله أبي دَارنَا رَجَاء تعليمي مِنْهُ وَكنت قبل قدومه أشتغل بالفقه والتردد فِيهِ إِلَى إِسْمَاعِيل الزَّاهِد وأبحث وأناظر فِيهِ
ثمَّ ابتدأت بِكِتَاب إيساغوجي على الناتلي وَلما ذكر لي حد الْجِنْس أَنه هُوَ الْمَقُول على كثيرين مُخْتَلفين بالحقائق فِي جَوَاب مَا هُوَ وأخذته فِي تَحْقِيق الْحَد بِمَا لم يسمع مثله وتعجب مني كل الْعجب وحذر وَالِدي من شغلي بِغَيْر الْعلم وَكَانَ أَي مَسْأَلَة قَالَهَا لي أتصورها خيرا مِنْهُ حَتَّى قَرَأت ظواهر الْمنطق عَلَيْهِ وَأما دقائقه فَلم يكن عِنْده مِنْهَا خبرٌ ثمَّ أخذت أَقرَأ الْكتب على نَفسِي وأطالع الشُّرُوح حَتَّى أحكمت الْمنطق وَكَذَلِكَ كتاب أقليدس فَقَرَأت من أَوله)
خَمْسَة أشكالٍ أَو سِتَّة عَلَيْهِ ثمَّ توليت من نَفسِي حل بَقِيَّة الأشكال بأسره ثمَّ انْتَقَلت إِلَى المجسطي وَلما فرغت من مقدماته وانتهيت إِلَى الأشكال الهندسية قَالَ لي الناتلي تول قرَاءَتهَا وحلها بِنَفْسِك ثمَّ اعرضها عَليّ لأبين لَك صَوَابه من خطئه وَمَا كَانَ الرجل يقوم بِالْكتاب وَأخذت أحل ذَلِك الْكتاب فكم من شكلٍ مَا عرفه إِلَّا وَقت مَا عرضته عَلَيْهِ وفهمته إِيَّاه
ثمَّ فارقنا الناتلي واشتغلت أَنا بتحصيل الْعلم من الفصوص والشروح من الطبيعي والإلهي فَصَارَت أَبْوَاب الْعلم تنفتح عَليّ
ثمَّ رغبت فِي علم الطِّبّ وصرت أَقرَأ الْكتب المصنفة فِيهِ وَعلم الطِّبّ فَلَيْسَ من الْعُلُوم الصعبة فَلَا جرم أَنِّي برزت فِيهِ فِي أقل مُدَّة حَتَّى بَدَأَ فضلاء الطِّبّ يقرءُون عَليّ علم الطِّبّ وتعهدت المرضى فانفتح عَليّ من أَبْوَاب المعالجات المقتبسة من التجربة مَا لَا يُوصف وَأَنا مَعَ ذَلِك أختلف إِلَى الْفِقْه وأناظر فِيهِ وَأَنا فِي هَذَا الْوَقْت من أَبنَاء سِتّ عشرَة سنة ثمَّ توفرت على الْعلم وَالْقُرْآن سنة وَنصفا وأعدت قِرَاءَة الْمنطق وَجَمِيع أَجزَاء الفلسفة
وَفِي هَذِه الْمدَّة مَا نمت
لَيْلَة وَاحِدَة وَلَا اشتغلت فِي النَّهَار بِغَيْرِهِ وجمعت بَين يَدي ظهوراً فَكل حجَّة أنظر فِيهَا أثبت مقدماتٍ قياسيةٍ ورتبتها فِي تِلْكَ الظُّهُور ثمَّ نظرت عساها تنْتج وراعيت شُرُوط مقدماته حَتَّى تحقق لي حَقِيقَة الْحق فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَكلما كنت أتحير فِي مَسْأَلَة وَلم أكن أظفر بِالْحَدِّ الْأَوْسَط فِي قياسٍ ترددت إِلَى الْجَامِع وَصليت وابتهلت إِلَى مبدع الْكل حَتَّى فتح لي المنغلق مِنْهُ وتيسر المتعسر
وَكنت أشتغل بِالنَّهَارِ وَاللَّيْل فمهما غلبني النّوم أَو شَعرت بضعفٍ عدلت إِلَى شرب قدحٍ من الشَّرَاب ريثما تعود إِلَيّ قوتي ثمَّ ارْجع إِلَى الْقِرَاءَة وَمهما أَخَذَنِي أدنى نومٍ أحلم بِتِلْكَ الْمسَائِل بِأَعْيَانِهَا حَتَّى إِن كثيرا من الْمسَائِل اتَّضَح لي وجوهها فِي الْمَنَام وَكَذَلِكَ حَتَّى استحكم معي جَمِيع الْعُلُوم ووقفت عَلَيْهَا بِحَسب الْإِمْكَان الإنساني وَدلّ مَا عَلمته ذَلِك الْوَقْت فَهُوَ كَمَا هُوَ عَلَيْهِ لم أزدد فِيهِ إِلَى الْيَوْم حَتَّى أحكمت علم الْمنطق والطبيعي والرياضي ثمَّ عدلت إِلَى الإلهي وقرأت كتاب مَا بعد الطبيعة فَمَا كنت أفهم مَا فِيهِ والتبس عَليّ غَرَض وَاضعه حَتَّى أعدت قِرَاءَته أَرْبَعِينَ مرّة وَصَارَ لي مَحْفُوظًا وَأَنا مَعَ ذَلِك لَا أفهمهُ وَلَا أعلم مَا الْمَقْصُود بِهِ وأيست من نَفسِي وَقلت هَذَا لَا سَبِيل إِلَى فهمه وَإِذا أَنا فِي يَوْم من الْأَيَّام)
قد حضرت الوراقين وبيد دلالٍ مُجَلد يُنَادي عَلَيْهِ فعرضه عَليّ فرددته رد متبرمٍ بِهِ مُعْتَقد أَن لَا فَائِدَة فِي هَذَا الْعلم فَقَالَ لي اشْتَرِ مني هَذَا فَإِنَّهُ رخيصٌ فاشتريته بِثَلَاثَة دَرَاهِم فَإِذا هُوَ كتابٌ لأبي نصرٍ الفارابي فِي أغراض كتاب مَا بعد الطبيعة فَرَجَعت إِلَى بَيْتِي وقرأته فانفتح عَليّ بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت أغراض ذَلِك الْكتاب بِسَبَب أَنه قد كَانَ لي على ظهر قلب وفرحت بذلك وتصدقت ثَانِي يَوْم بِشَيْء كثيرٍ على الْفُقَرَاء شكرا لله تَعَالَى
وَكَانَ سُلْطَان بُخَارى فِي ذَلِك الْوَقْت نوح بن مَنْصُور الساماني فاتفق أَن مرض مَرضا تكع الْأَطِبَّاء فِيهِ وَكَانَ اسْمِي اشْتهر بَينهم بالتوفر على الْعلم وَالْقِرَاءَة فأجروا ذكري بَين يَدَيْهِ فَأمر بإحضاري وشاركتهم فِي مداواته وتوسمت بخدمته فَسَأَلته يَوْمًا دخولي دَار كتبهمْ ومطالعتها وَقِرَاءَة مَا فِيهَا من كتب الطِّبّ فَأذن لي فَدخلت دَارا ذَات بيُوت فِي كل بَيت صناديق كتب منضدة بَعْضهَا على الْبَعْض فِي بيتٍ الْعَرَبيَّة وَالشعر وَفِي آخر الْفِقْه وكل بَيت كتب علمٍ مُفْرد
فطالعت فهرست كتب الْأَوَائِل وَطلبت مَا احتجت إِلَيْهِ وَرَأَيْت هُنَاكَ من الْكتب مَا لم يَقع إِلَيّ اسْمه فَقَرَأت تِلْكَ الْكتب وظفرت بفوائدها فَلَمَّا بلغت ثَمَانِيَة عشر من عمري فرغت من هَذِه الْعُلُوم وَكنت إِذْ ذَاك للْعلم أحفظ وَلكنه الْيَوْم معي أنضج وَإِلَّا فالعلم واحدٌ لم يَتَجَدَّد لي بعده شيءٌ
وَكَانَ فِي جواري رجلٌ يُقَال لَهُ أَبُو الْحسن الْعَرُوضِي فَسَأَلَنِي أَن أصنف لَهُ كتابا جَامعا فِي هَذَا الْعلم فصنفته لَهُ وَهُوَ كتاب الْمَجْمُوع وسميته بِهِ وأتيت فِيهِ على سَائِر الْعُلُوم سوى
الرياضي ولي إِذْ ذَاك إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة
وَكَانَ فِي جواري أَيْضا رجلٌ يُقَال لَهُ أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ البرقي فَقِيه النَّفس متوجهٌ فِي التَّفْسِير فصنفت لَهُ كتاب الْحَاصِل والمحصول فِي قريب من عشْرين مجلداً وصنفت لَهُ فِي الْأَخْلَاق كتاب الْبر وَالْإِثْم وَهَذَا الكتابان فَلَا يوجدان إِلَّا عِنْده
ثمَّ مَاتَ وَالِدي وتصرفت فِي الْأَعْمَال وتقلدت شَيْئا من أَعمال السُّلْطَان ودعتني الضَّرُورَة إِلَى الْإِخْلَال ببخارى لما اضْطَرَبَتْ أَحْوَال الدولة السامانية والانتقال إِلَى كركانج وقدمت إِلَى الْأَمِير بهَا وَهُوَ عَليّ بن الْمَأْمُون وَكنت على زِيّ الْفُقَهَاء بطيلسانٍ وَتَحْت الحنك وتنقلت فِي الْبِلَاد إِلَى جرجان وَكَانَ قصدي الْأَمِير قَابُوس فاتفق فِي أثْنَاء هَذَا أَخذ قَابُوس وحبسه)
فِي بعض القلاع وَمَوته فمضيت إِلَى دهستان ومرضت وعدت إِلَى جرجان فاتصل بِي أَبُو عبيد الْجوزجَاني وأنشدت فِي حَالي قصيدةً فِيهَا الْبَيْت الْقَائِل من الْكَامِل
(لما عظمت فَلَيْسَ مصرٌ واسعي
…
لما غلا ثمني عدمت المُشْتَرِي)
قَالَ أَبُو عبيد هَذَا مَا حَكَاهُ لي وَأما مَا شاهدته أَنا من أَحْوَاله فَإِنَّهُ كَانَ بجرجان رجلٌ يُقَال لَهُ أَبُو مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ يحب هَذِه الْعُلُوم فَاشْترى للشَّيْخ دَارا فِي جواره وأنزله إِلَيْهِ وَأَنا أختلف إِلَيْهِ فِي كل يَوْم أَقرَأ المجسطي وأستملي الْمنطق فأملى عَليّ الْمُخْتَصر الْأَوْسَط وصنف لأبي مُحَمَّد كتاب المبدأ والمعاد وَكتاب الأرصاد الْكُلية وصنف هُنَاكَ كتبا كَثِيرَة كأول القانون ومختصر المجسطي وَكَثِيرًا من الرسائل
ثمَّ صنف فِي أَرض الْجَبَل بَقِيَّة كتبه وَذكر مِنْهَا جملَة ثمَّ انْتقل إِلَى الرّيّ واتصل بِخِدْمَة السيدة وَابْنهَا مجد الدولة وعرفوه بِسَبَب كتب وصلت مَعَه تَتَضَمَّن تَعْرِيف قدره وَكَانَ بمجد الدولة إِذْ ذَاك عِلّة السَّوْدَاء فاشتغل بمداواته وصنف هُنَاكَ كتاب الْمعَاد ثمَّ اتّفقت لَهُ أَسبَاب أوجبت خُرُوجه إِلَى قزوين وَمِنْهَا همذان واتفقت لَهُ معرفَة شمس الدولة وَحضر مَجْلِسه بِسَبَب قولنج أَصَابَهُ وعالجه فشفاه الله وفاز من ذَلِك الْمجْلس بخلعٍ كَثِيرَة وَصَارَ من ندمائه
وسألوه تقلد الوزارة فتقلدها ثمَّ اتّفق تشويش الْعَسْكَر عَلَيْهِ وَأَشْفَقُوا على أنفسهم مِنْهُ فكبسوا دَاره وأخذوه إِلَى الْحَبْس وأغاروا على أَسبَابه وَجَمِيع مَا يملكهُ وساموا الْأَمِير قَتله فَامْتنعَ
وعزل نَفسه عَن الدولة طلبا لمرضاتهم وتوارى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فعاود شمس الدولة القولنج فَأحْضرهُ مَجْلِسه وَاعْتذر الْأَمِير شمس الدولة إِلَيْهِ بِكُل عذرٍ واشتغل بمعالجته وَأقَام عِنْده مكرماً مبجلاً وأعيد إِلَى الوزارة ثَانِيًا وَسَأَلته أَن يشْرَح لي كتب أرسطو فَذكر أَن لَا فرَاغ لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت وَلَكِن إِن رضيت مني بتصنيف كتابٍ أورد فِيهِ مَا صَحَّ عِنْدِي من هَذِه الْعُلُوم بِلَا مناظرة مَعَ الْمُخَالفين وَلَا الِاشْتِغَال بِالرَّدِّ عَلَيْهِم فعلت ذَلِك فرضيت مِنْهُ بذلك
فابتدأ بالطبيعيات من كتاب سَمَّاهُ الشِّفَاء وَكَانَ قد صنف الأول من القانون فَكُنَّا نَجْتَمِع كل لَيْلَة فِي دَار طلبة الْعلم وَكنت أَقرَأ من الشفاد نوبَة وَيقْرَأ غَيْرِي من القانون نوبَة فَإِذا فَرغْنَا حضر المغنون على اخْتِلَاف طبقاتهم وعبئ مجْلِس الشَّرَاب بآلاته وَكُنَّا نشتغل بِهِ وَكَانَ التدريس
بِاللَّيْلِ لعدم الْفَرَاغ بِالنَّهَارِ خدمَة للأمير فقضينا على ذَلِك زَمنا ثمَّ توجه شمس الدولة لِحَرْب أَمِير الطرم وعاوده القولنج وانضاف إِلَى ذَلِك أمراضٌ أُخْرَى جلبها سوء)
تَدْبيره وَعدم قبُول إشارات الشَّيْخ فخاف الْعَسْكَر وَفَاته فَرَجَعُوا بِهِ وَتُوفِّي فِي الطَّرِيق
وبويع ابْن شمس الدولة وطلبوا وزارة الشَّيْخ فَأبى عَلَيْهِم وَكَاتب عَلَاء الدولة أَبَا جَعْفَر ابْن كاكويه سرا يطْلب خدمته والمسير إِلَيْهِ وَأقَام فِي دَار أبي غَالب الْعَطَّار مُتَوَلِّي الْمُهَذّب فطلبت مِنْهُ إتْمَام كتاب الشِّفَاء فَطلب الكاغد والمحبرة وَكتب فِي قريب من عشْرين جُزْءا رُءُوس الْمسَائِل فكتبها كلهَا بِلَا كتابٍ يحضرهُ وَلَا أصلٍ يرجع إِلَيْهِ وَفرغ مِنْهَا فِي يَوْمَيْنِ ثمَّ ترك تِلْكَ الْأَجْزَاء بَين يَدَيْهِ وَأخذ الكاغد فَكَانَ ينظر فِي كل مَسْأَلَة وَيكْتب شرحها فَكَانَ يكْتب كل يومٍ خمسين ورقة حَتَّى أَتَى على جَمِيع طبيعيات الشِّفَاء والإلهيات مَا خلا كتاب الْحَيَوَان
وابتدأ بالْمَنْطق وَكتب مِنْهُ جُزْءا ثمَّ اتهمه تَاج الْملك بمكاتبة عَلَاء الدولة فَحَث فِي طلبه فَدلَّ عَلَيْهِ بعض أعدائه وودوه إِلَى قلعةٍ يُقَال لَهَا فردجان وَأنْشد هُنَاكَ قصيدةً مِنْهَا من الوافر
(دخولي بِالْيَقِينِ كَمَا ترَاهُ
…
وكل الشَّك فِي أَمر الْخُرُوج)
وَبَقِي فِيهَا أَرْبَعَة أشهر ثمَّ قصد عَلَاء الدولة همذان وَأَخذهَا وَانْهَزَمَ تَاج الْملك ثمَّ رَجَعَ عَلَاء الدولة عَن همذان وَعَاد تَاج الْملك وَابْن شمس الدولة إِلَى همذان وحملوا الشَّيْخ مَعَهم إِلَى همذان وَنزل فِي دَار الْعلوِي واشتغل بتصنيف الْمنطق من كتاب الشِّفَاء وَكَانَ قد صنف بالقلعة كتاب الهدايات ورسالة حَيّ بن يقظان وَكتاب القولنج وَأما الْأَدْوِيَة القلبية فَإِنَّمَا صنفها أول وُرُوده إِلَى همذان وتقضى على هَذَا زمانٌ وتاج الْملك يمنيه بمواعيد جميلةٍ
ثمَّ عَن لَهُ التَّوَجُّه إِلَى أَصْبَهَان فَخرج متنكراً وَأَنا وَأَخُوهُ وغلامان مَعَه فِي زِيّ الصُّوفِيَّة فقاسينا شَدَائِد إِلَى أَن قربنا من أَصْبَهَان فَخرج أصدقاؤه وندماء عَلَاء الدولة وخواصه وحملوا إِلَيْهِ المراكب الْخَاصَّة وَالثيَاب الفاخرة وَأنزل فِي مَكَان فِيهِ من الْآلَات جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ورسم لَهُ فِي ليَالِي الْجمع بمجالس النّظر بَين يَدَيْهِ ويحضره الْعلمَاء على اخْتِلَاف طبقاتهم فَمَا كَانَ يُطَاق فِي شيءٍ من الْعُلُوم
وتمم بأصبهان كتاب الشِّفَاء ففرغ من الْمنطق والمجسطي وَكَانَ قد اختصر أقليدس والأرثماطيقي والموسيقى وَأورد فِي كل كتاب من الرياضيات زياداتٍ رأى أَن الْحَاجة إِلَيْهَا داعيةٌ أما فِي المجسطي فأورد فِيهِ عشرَة أشكال فِي اخْتِلَاف المنظر وَأورد فِي آخر المجسطي فِي الْهَيْئَة إيراداتٍ لم يسْبق إِلَيْهَا وَأورد فِي أقليدس شبها وَفِي الأرثماطيقي حَسَنَة
وَفِي الموسيقى مسَائِل غفل عَنْهَا الْأَولونَ وَتمّ الْكتاب الْمَعْرُوف بالشفاء مَا خلا كتاب)
النَّبَات وَكتاب الْحَيَوَان فَإِنَّهُمَا صنفا فِي السّنة الَّتِي توجه فِيهَا عَلَاء الدولة إِلَى سَابُور فِي الطَّرِيق وصنف فِي الطَّرِيق أَيْضا كتاب النجَاة
واختص بعلاء الدولة ونادمه إِلَى أَن عزم عَلَاء الدولة على قصد همذان وَخرج الشَّيْخ صحبته فَجرى لَيْلَة بَين يَدي عَلَاء الدولة ذكر الْخلَل الْحَاصِل فِي التقاويم المعمولة بِحَسب الأرصاد الْقَدِيمَة فَأمر الشَّيْخ بالاشتغال برصد هَذِه الْكَوَاكِب وَأطلق لَهُ من الْأَمْوَال مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وولاني اتِّخَاذ آلاتها واستخدام صناعتها حَتَّى ظهر كثيرٌ من الْمسَائِل وَكَانَ يَقع الْخلَل فِي الرصد لِكَثْرَة الْأَسْفَار وعوائقها وصنف الْكتاب العلائي
وَكَانَ الشَّيْخ يَوْمًا جَالِسا بَين يَدي الْأَمِير عَلَاء الدولة وَأَبُو مَنْصُور حاضرٌ فَجرى فِي اللُّغَة مسألةٌ فَتكلم فِيهَا الشَّيْخ بِمَا حَضَره فَالْتَفت أَبُو مَنْصُور إِلَى الشَّيْخ وَقَالَ نقُول إِنَّك حكيمٌ وفيلسوفٌ وَلَكِن لم تقْرَأ من اللُّغَة مَا يُرْضِي كلامك فِيهَا فاستنكف الشَّيْخ من هَذَا الْكَلَام وتوفر على درس كتب اللُّغَة ثَلَاث سِنِين واستهدى كتاب تَهْذِيب اللُّغَة من خُرَاسَان وَبلغ فِي اللُّغَة طبقَة قَلما يتَّفق مثلهَا ونظم ثَلَاث قصائد وضمنها ألفاظاً غَرِيبَة وَكتب بهَا ثَلَاثَة كتب أَحدهَا على طَريقَة الصابي وَالْأُخْرَى على طَريقَة الصاحب وَالْأُخْرَى على طَريقَة ابْن العميد وجلدها وأخلق جلدهَا وورقها ثمَّ أوعز الْأَمِير عَلَاء الدّين فَعرض تِلْكَ المجلدات على أبي مَنْصُور وَقَالَ ظفرنا بهَا فِي الصَّيْد فِي الصَّحرَاء فَتَقول لنا مَا فِيهَا فَنظر فِيهَا أَبُو مَنْصُور وأشكل عَلَيْهِ كثيرٌ مِمَّا فِيهَا فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ إِن مَا تجهله من هَذَا فَهُوَ مذكورٌ فِي الْموضع الْفُلَانِيّ من كتاب فلانٍ وَذكر لَهُ كتبا كَثِيرَة من اللُّغَة الْمَعْرُوفَة فَفطن أَبُو مَنْصُور أَن تِلْكَ من وضع الشَّيْخ وَأَن الَّذِي حمله مَا جبهه بِهِ ذَلِك الْيَوْم فتنصل وَاعْتذر إِلَيْهِ ثمَّ صنف الشَّيْخ كتابا سَمَّاهُ لِسَان الْعَرَب لم يصنف فِي اللُّغَة مثله وَلم يَنْقُلهُ إِلَى الْبيَاض حَتَّى توفّي وَلم يهتد أحدٌ إِلَى تَرْبِيَته
وَكَانَ قد حصل لَهُ تجارب كَثِيرَة فِيمَا بَاشَرَهَا من المعالجات وعزم على تدوينها فِي كتاب القانون وَكَانَ قد علقها فِي أجزاءٍ فَضَاعَت قبل تَمَامه كتاب القانون من ذَلِك أَنه صدع يَوْمًا فتصور أَن مَادَّة تُرِيدُ النُّزُول إِلَى حجاب رَأسه وَأَنه لَا يَأْمَن ورماً يحصل فِيهِ فَأمر بإحضار ثلج كثير ودقه ولفه فِي خرقةٍ وتغطية رَأسه بهَا فَفعل ذَلِك حَتَّى قوي الْموضع وَامْتنع من قبُول مادته وعوفي)
وَمن ذَلِك امرأةٌ مسلولة بخوارزم أمرهَا أَن لَا تتَنَاوَل شَيْئا من الْأَدْوِيَة سوى الجلنجبين السكرِي حَتَّى تناولت على الْأَيَّام مِقْدَار مائَة منٍّ وشفيت الْمَرْأَة
وَكَانَ قد صنف بجرجان الْمُخْتَصر الْأَوْسَط فِي الْمنطق وَهُوَ الَّذِي وَضعه بعد ذَلِك أول النجَاة وَوَقعت نسخةٌ إِلَى شيراز فَنظر فِيهَا جماعةٌ من أهل الْعلم هُنَاكَ فَوَقَعت لَهُم شبهٌ فِي مسَائِل مِنْهَا فكتبوها فِي جُزْء وَكَانَ قَاضِي شيراز من جملَة الْقَوْم فأنفذ الْجُزْء إِلَى أبي الْقَاسِم الْكرْمَانِي صَاحب إِبْرَاهِيم بن بَابا الديلمي المشتغل بِعلم المناظر وأنفذها على يَدي ركابي
قاصدٍ فَعرض الْجُزْء على الشَّيْخ عِنْد اصفرار الشَّمْس فِي يومٍ صائفٍ فَترك الْجُزْء بَين يَدَيْهِ وَنظر فِيهِ وَالنَّاس يتحدثون ثمَّ خرج أَبُو الْقَاسِم فَأمرنِي بإحضار الْبيَاض وَقطع أَجزَاء مِنْهَا فشددت خَمْسَة أَجزَاء كل وَاحِد عشرَة أوراق بِالربعِ الفرعوني وصلينا الْعشَاء وَقدم الشمع وَأمر بإحضار الشَّرَاب وأجلسني وأخاه وأمرنا بمناولة الشَّرَاب وابتدأ هُوَ بِجَوَاب تِلْكَ الْمسَائِل وَكَانَ يكْتب وَيشْرب إِلَى نصف اللَّيْل حَتَّى غلبني وأخاه النّوم فَأمرنَا بالانصراف وَعند الصَّباح قرع الْبَاب فَإِذا رَسُول الشَّيْخ يستحضرني فحضرته وَهُوَ على الْمصلى وَبَين يَدَيْهِ الْأَجْزَاء الْخَمْسَة فَقَالَ خُذْهَا وصر بهَا إِلَى الشَّيْخ أبي الْقَاسِم الْكرْمَانِي وَقل لَهُ استعجلت فِي الْإِجَابَة عَنْهَا لِئَلَّا بتعوق الركابي فَصَارَ هَذَا الحَدِيث تَارِيخا بَينهم
وَوضع فِي حَال الرصد آلَات مَا سبق إِلَيْهَا وصنف فِيهَا رِسَالَة وَبقيت أَنا ثَمَانِي سِنِين فِي خدمَة الرصد وَكَانَ غرضي تبين مَا يحكيه بطليموس عَن نَصبه فِي الأرصاد وصنف الشَّيْخ كتاب الْإِنْصَاف
وَكَانَ أَبُو عليٍّ قوي المزاج يغلب عَلَيْهِ حب النِّكَاح حَتَّى أنهكه مُلَازمَة ذَلِك وأضعفه وَلم يكن يُدَارِي مزاجه وَعرض لَهُ قولنج فحقن نَفسه فِي يَوْم وَاحِد ثَمَانِي مراتٍ فقرح بعض أمعائه وَظهر بِهِ سحجٌ وَاتفقَ سَفَره مَعَ عَلَاء الدولة فَحدث لَهُ الصرع الْحَادِث عقيب القولنج فَأمر باتخاذ دانقين من كرفس فِي جملَة مَا يحقن بِهِ وخلطه بهَا طلبا لكسر الرِّيَاح فقصد بعض الْأَطِبَّاء الَّذِي كَانَ يتَقَدَّم هُوَ إِلَيْهِ بمعالجته وَطرح من بزر الكرفس خَمْسَة دَرَاهِم لست أَدْرِي فعله عمدا أَو خطأ لأنني لم أكن مَعَه فازداد السحج بِهِ من حِدة ذَلِك البزر وَكَانَ يتَنَاوَل المثرود يطوس لأجل الصرع فَقَامَ بعض غلمانه وَطرح فِيهِ شَيْئا كثيرا من الأفيون وناوله فَأَكله وَكَانَ سَبَب ذَلِك خيانتهم لَهُ فِي مالٍ كثيرٍ من خزانته فتمنوا إهلاكه ليأمنوا)
عَاقِبَة أَعْمَالهم
وَنقل الشَّيْخ إِلَى أَصْبَهَان فاشتغل بتدبير نَفسه وَكَانَ من الضعْف بِحَيْثُ لَا يقدر على الْقيام وَلم يزل يعالج نَفسه حَتَّى قدر على الْمَشْي وَحضر مجْلِس عَلَاء الدولة وَلكنه مَعَ ذَلِك لَا يتحفظ وَيكثر التَّخْلِيط فِي أَمر المجامعة وَلم يبرأ كل الْبُرْء وَكَانَ ينتكس كل وقتٍ وَيبرأ
ثمَّ قصد عَلَاء الدولة همذان فَسَار مَعَه الشَّيْخ فعاودته تِلْكَ الْعلَّة فِي الطَّرِيق إِلَى أَن وصل همذان وَعلم أَن قوته قد سَقَطت وَأَنَّهَا لَا تفي بِدفع الْمَرَض فأهمل مداواة نَفسه وَقَالَ الْمُدبر الَّذِي كَانَ يدبر بدني قد عجز عَن التَّدْبِير فَلَا تَنْفَع المعالجة
ثمَّ اغْتسل وَتَابَ وَتصدق بِمَا مَعَه على الْفُقَرَاء ورد الْمَظَالِم على من عرفه وَأعْتق مماليكه وَجعل يخْتم فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام ختمةً
ثمَّ انْتقل إِلَى جوَار ربه عز وجل يَوْم الْجُمُعَة فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وعمره ثَمَانِيَة وَخَمْسُونَ سنة وَكَانَ مولده فِي صفر سنة سبعين وثلاثمائة انْتهى
قلت وَلم يَأْتِ فِي الْإِسْلَام بعد أبي نصر الفارابي من قَامَ بعلوم الفلسفة مثل الشَّيْخ الرئيس أَبُو عليٍّ إِلَّا أَن عِبَارَته أفْصح وأعذب وَأحلى وَأجلى وَمَا كَانَ كَلَام الْأَطِبَّاء قبله إِلَّا كَلَام عَجَائِز حَتَّى جَاءَ الرئيس وأتى بالقانون فَكَأَنَّهُ خطب لبلاغة مَعَانِيه وفصاحة أَلْفَاظه
وَكَانَ الإِمَام فَخر الدّين لَا يُطلق لفظ الشَّيْخ إِلَّا عَلَيْهِ وَكَانَ يحفظ الإشارات الَّتِي لَهُ بِالْفَاءِ وَالْوَاو ويكتبها من حفظه وحكايته مَعَ القطب الْمصْرِيّ فِيمَا يدل على تَعْظِيم الرئيس مرت فِي تَرْجَمَة قطب الدّين إِبْرَاهِيم بن عيل الْمصْرِيّ
وَلما اختصر الإِمَام فَخر الدّين الإشارات الَّتِي للرئيس جَاءَ إِلَى مقامات العارفين وَأوردهُ بِلَفْظِهِ لِأَنَّهُ لم يقدر على الْإِتْيَان بأحلى من تِلْكَ الْعبارَة وَقَالَ هَذَا الْبَاب لَا يقبل الانتخاب لِأَنَّهُ فِي غَايَة الْحسن وَمَا محَاسِن شَيْء كُله حسنٌ
وَجَاء فِي كَلَام الرئيس فِي النمط التَّاسِع أَن قَالَ جلّ جناب الْحق أَن يكون شَرِيعَة لكل وَارِد أَو يطلع عَلَيْهِ إِلَّا واحدٌ بعد وَاحِد وَلذَلِك فَإِن مَا يشْتَمل عَلَيْهِ هَذَا الْفَنّ ضحكةٌ للمغفل عِبْرَة للمحصل فَمن سَمعه فاشمأز عَنهُ فليتهم نَفسه فَلَعَلَّهُ لَا يُنَاسِبه وكل ميسرٌ لما خلق لَهُ انْتهى
قلت وَقد رَأَيْت القَاضِي الْفَاضِل رحمه الله قَالَ فِي بعض فصوله وَقَالَ ابْن سينا قلقل الله)
أنيابه بِكَلَالِيب جَهَنَّم جلّ جناب الْحق أَن يكون شرعةً لكل وَارِد أَو يطلع عَلَيْهِ إِلَّا واحدٌ بعد وَاحِد وَأخذ يعاكسه ويظن أجساد أَلْفَاظه تكون لهَذِهِ الْأَرْوَاح هياكل أَو أَن كَلِمَاته المزوقة تكون للباب هَذِه الْمعَانِي قشوراً فتشدق وتفيهق وتمطى وتمطق من الْبَسِيط
(من أَيْن أَنْت وَهَذَا الشَّأْن تذكره
…
أَرَاك تقرع بَابا عَنْك مسدودا)
إِلَّا أَن الرئيس أَبَا عليٍّ كَانَ من فلاسفة الْإِسْلَام وعدة الْعلمَاء فِي الْحُكَمَاء
قَالَ تَاج الدّين مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الشهرستاني فِي كتاب الْملَل والنحل الْمُتَأَخّرُونَ من فلاسفة الْإِسْلَام مثل يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْكِنْدِيّ وحنين بن إِسْحَاق وَيحيى النَّحْوِيّ وَأبي الْفَرح الْمُفَسّر وَأبي سُلَيْمَان السجْزِي وَأبي سُلَيْمَان مُحَمَّد بن مسعر الْمَقْدِسِي وَأبي بكر ثَابت بن قُرَّة الْحَرَّانِي وَأبي تَمام يُوسُف بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي وَأبي زيد أَحْمد بن سهل الْبَلْخِي وَأبي محَارب الْحُسَيْن بن سهل بن محَارب القمي وَأحمد بن الطّيب السَّرخسِيّ وَطَلْحَة بن مُحَمَّد النَّسَفِيّ وَأبي حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد الإِسْفِرَايِينِيّ وَعِيسَى بن عَليّ ابْن عِيسَى الْوَزير وَأبي عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد بن مسكويه وَأبي زَكَرِيَّا يحيى ابْن عَليّ الصَّيْمَرِيّ وَأبي الْحسن العامري وَأبي نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن طرخان الفارابي وَغَيرهم وَإِنَّمَا عَلامَة الْقَوْم أَبُو عليٍّ الْحُسَيْن بن عبد الله بن سينا كلهم قد سلكوا طَريقَة أرسطاليس فِي جَمِيع مَا ذهب إِلَيْهِ وَانْفَرَدَ بِهِ سوى كلماتٍ يسيرةٍ رُبمَا رَأَوْا فِيهَا رَأْي أفلاطون والمتقدمين وَلما كَانَت طَريقَة
ابْن سينا أدق وَنَظره فِي الْحَقَائِق أغوص اخْتَرْت نقل طَرِيقَته من كتبه على إيجاز واختصار فَإِنَّهَا عُيُون كَلَامه ومتون مرامه وأعرضت عَن نقل طرق البَاقِينَ وكل الصَّيْد فِي جَوف الفرا
وَقَالَ القَاضِي شهَاب الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن عبد الْمُنعم الْمَعْرُوف بِابْن أبي الدَّم فِي كتاب الْفرق الإسلامية إِلَّا أَنه لم يقم أحدٌ من هَؤُلَاءِ بِعلم أرسطاليس مثل مقَام أبي نصرٍ الفارابي وَأبي عَليّ بن سيناء وَلَا صنف أحدٌ مِنْهُم مثل تصانيفهما وَكَانَ الرئيس أَبُو عَليّ بن سينا أقوم الرجلَيْن بذلك وأعلمهما بِهِ
ثمَّ قَالَ فِيمَا بعد وَاتفقَ الْعلمَاء على أَن ابْن سينا كَانَ يَقُول بقدم الْعَالم وَنفى الْمعَاد الجسماني وَأثبت الْمعَاد النفساني وَنقل عَنهُ أَنه قَالَ إِن الله تَعَالَى لَا يعلم الجزئيات بعلمٍ جزئي وَإِنَّمَا يعلمهَا بعلمٍ كليٍّ وَقطع عُلَمَاء زَمَانه وَمن بعده الْأَئِمَّة الْمُعْتَبرَة أَقْوَالهم أصولاً)
وفروعاً من الْحق بِكُفْرِهِ وبكفر أبي نصرٍ الفارابي بِهَذِهِ الْمسَائِل الثَّلَاث واعتقاده فِيهَا بِمَا يُخَالف اعْتِقَاد الْمُسلمين
قلت وَكَانَ رَأْيه فِي الْفُرُوع رَأْي الإِمَام أبي حنيفَة
ذكر تصانيفه كتاب الشِّفَاء جمع فِيهِ الْعُلُوم الْأَرْبَعَة وصنف طبيعياته وإلهياته فِي مُدَّة عشْرين يَوْمًا بهمذان وَلَا مزِيد لأحد على مَا فِيهِ من الْمنطق كتاب اللواحق يذكر أَنه شرحٌ للشفاء كتاب الْحَاصِل والمحصول صنفه أول عمره فِي قريب من وَعِشْرُونَ مجلدة كتاب الْبر وَالْإِثْم مجلدان كتاب الْإِنْصَاف جمع فِيهِ كتب أرسطو جَمِيعهَا وأنصف فِيهِ بَين المشرقيين والمغربيين ضَاعَ فِي نهب السُّلْطَان مَسْعُود وَهُوَ فِي عشْرين مجلداً كتاب الْمَجْمُوع وَيعرف بالحكمة العروضية صنفه لأبي حسن الْعَرُوضِي وعمره إِحْدَى وَعشْرين سنة كتاب القانون صنف بعضه بجرجان وتممه بِالريِّ وعول على أَن يعْمل لَهُ شرحاً
قلت وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُسمى هَذَا القانون كتاب الشِّفَاء لكَونه فِي الطِّبّ وعلاج الْأَمْرَاض وَأَن يُسمى كتاب الشِّفَاء كتاب القانون لِأَن الشِّفَاء فِيهِ الْعُلُوم الْأَرْبَع الَّتِي هِيَ الْحِكْمَة والقانون هُوَ الْأَمر الْكُلِّي الَّذِي ينطبق على جَمِيع جزئيات ذَلِك الشَّيْء
كتاب الْأَوْسَط الْجِرْجَانِيّ فِي الْمنطق كتاب المبدأ والمعاد فِي النَّفس كتاب الأرصاد الْكُلية كتاب الْمعَاد كتاب لِسَان الْعَرَب فِي اللُّغَة عشر مجلدات لم يَنْقُلهُ من الْبيَاض كتاب الإشارات والتنبيهات وَهُوَ آخر مَا صنف وأجوده
وَقد سقت فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشرواني سنداً بِهَذَا الْكتاب كتاب الْهِدَايَة فِي الْحِكْمَة صنفه وَهُوَ مَحْبُوس بقلعة مردوخان لِأَخِيهِ عَليّ كتاب القولنج صنفه بِهَذِهِ القلعة كتاب الْأَدْوِيَة القلبية رِسَالَة حَيّ بن يقظان صنفها بِهَذِهِ القلعة وَقد عارضها جمَاعَة مِنْهُم ابْن رشد المغربي وَغَيره مقَالَة فِي النبض بِالْفَارِسِيَّةِ مقَالَة فِي مخارج
الْحُرُوف مقَالَة فِي القوى الطبيعية رِسَالَة الطير مرموزة فِيمَا يُوصل إِلَى علم الْحق كتاب الْحُدُود كتاب عُيُون الْحِكْمَة يجمع الْعُلُوم الثَّلَاث مقَالَة فِي عكوس ذَوَات الْجِهَة الْخطْبَة التوحيدية فِي الإلهيات والموجز الْكَبِير فِي الْمنطق وَأما الموجز الصَّغِير فَإِنَّهُ منطق النجَاة القصيدة المزدوجة فِي الْمنطق مقَالَة فِي تَحْصِيل السَّعَادَة تعرف بالحجج الْعشْر مقَالَة فِي الْقَضَاء وَالْقدر مقَالَة فِي الهندباء مقَالَة فِي الْإِشَارَة إِلَى علم الْمنطق مقَالَة فِي تقاسيم الْعُلُوم وَالْحكمَة رِسَالَة فِي)
السكنجبين مقَالَة فِي أَن لَا نِهَايَة تعاليق علقها عَنهُ بعض الأفاضل مقَالَة فِي خَواص خطّ الاسْتوَاء المباحثات سُؤال بهمنيار تِلْمِيذه وَجَوَابه لَهُ عشر مسَائِل أجَاب عَنْهَا لأبي الريحان البيروني جَوَاب سِتّ عشرَة مَسْأَلَة لأبي الريحان مقَالَة فِي هَيْئَة الأَرْض وَكَونهَا فِي الْوسط كتاب الْحِكْمَة المشرقية وَلم يتم مقَالَة فِي تعقب الْمَوَاضِع الجدلية الْمدْخل إِلَى صناعَة الموسيقى وَهُوَ غير الَّذِي فِي النجَاة مقَالَة فِي الأجرام السماوية مقَالَة فِي الْخَطَأ الْوَاقِع فِي التَّدْبِير الطبي مقَالَة فِي كَيْفيَّة الرصد ومطابقته مَعَ الْعلم الطبيعي مقَالَة فِي الْأَخْلَاق رِسَالَة فِي الكمياء مقَالَة فِي آلةٍ رصدية صنفها عِنْد عمل الرصد لعلاء الدولة مقَالَة فِي غَرَض قاطيغورياس الرسَالَة الأصحوية فِي الْمعَاد معتصم الشُّعَرَاء فِي الْعرُوض مقَالَة فِي حد الْجِسْم الْحِكْمَة العرشية وَهُوَ كَلَام متفرعٌ فِي الإلهيات عهدٌ لَهُ مَعَ الله عَاهَدَ بِهِ نَفسه مقَالَة فِي أَن علم زيد غير علم عَمْرو كتاب تَدْبِير الْجند والممالك والعساكر وأرزاقهم وخراج الممالك مناظرات جرت لَهُ مَعَ أبي عَليّ النَّيْسَابُورِي فِي النَّفس خطبٌ وتحميداتٌ وأسجاعٌ جَوَاب يتَضَمَّن الِاعْتِذَار عَمَّا نسب إِلَيْهِ فِي الْخطب مُخْتَصر أوقليدس مقَالَة الأرثماطيقي عشر قصائد وأشعار فِي الزّهْد وَوصف أَحْوَاله رِسَالَة بالفارسي والعربي مخاطبات ومكاتبات وهزليات تعاليق مسَائِل حنين فِي الطِّبّ قوانين ومعالجات طبية عشرُون مَسْأَلَة سَأَلَهَا أهل الْعَصْر مسَائِل عدَّة طبية مسَائِل ترجمها بالتذكير جَوَاب مسَائِل كَثِيرَة رِسَالَة إِلَى عُلَمَاء بَغْدَاد يسألهم الْإِنْصَاف بَينه وَبَين رجل ادّعى الْحِكْمَة رِسَالَة إِلَى صديق لَهُ يسْأَله الْإِنْصَاف بَينه وَبَين الهمذاني الَّذِي يَدعِي الْحِكْمَة كَلَام لَهُ فِي تَبْيِين مَاهِيَّة الْحُرُوف شرح كتاب النَّفس لأرسطو يُقَال إِنَّه من الْإِنْصَاف مقَالَة فِي النَّفس تعرف بالفصول مقَالَة فِي إبِْطَال علم النُّجُوم كتاب الْملح فِي النَّحْو فُصُول إلهية فِي إِثْبَات الأول فُصُول فِي النَّفس وطبيعيات رِسَالَة إِلَى أبي سعد بن أبي الْخَيْر فِي الزّهْد مقَالَة فِي أَنه لَا يجوز أَن يكون الشَّيْء جوهراً وعرضيا مسَائِل جرت بَينه وَبَين بعض الْفُضَلَاء فِي فنون الْعُلُوم تعليقات استفادها أَبُو الْفرج الطَّبِيب الهمذاني من مَجْلِسه وجوابات مقَالَة فِي الممالك وبقاع الأَرْض مُخْتَصر فِي أَن الزاوية الَّتِي من الْمُحِيط والمماس لَا كمية لَهَا كتاب تَعْبِير الرُّؤْيَا
قَالَ ابْن أبي الدَّم وَرُوِيَ أَنه رُوِيَ بعد مَوته فَقيل لَهُ مَا الْخَبَر فَأَنْشد من السَّرِيع
(أعوم فِي بحرك كَيْمَا أرى
…
لَهُ على طول المدى قعرا)
)
(فَلَا أرى فِيهِ سوى لجةٍ
…
تسلمني مِنْهَا إِلَى أُخْرَى)
وَقَالَ ابْن خلكان كَانَ الشَّيْخ كَمَال الدّين بن يُونُس رحمه الله يَقُول إِن مخدومه سخط عَلَيْهِ واعتقله وَمَات فِي السجْن وَكَانَ ينشد من المتقارب
(رَأَيْت ابْن سينا يعادي الرِّجَال
…
وبالحبس مَاتَ أخس الْمَمَات)
(فَلم يشف مَا نابه بالشفا
…
وَلم ينج من مَوته بالنجاة)
يُرِيد بِالْحَبْسِ انحباس الْبَطن الَّذِي أَصَابَهُ
وَمن شعر الرئيس أبي عَليّ بن سينا من الطَّوِيل
(أَقَامَ رجَالًا فِي معارفه ملكي
…
وأقعد قوما فِي غوايتهم هلكى)
(نَعُوذ بك اللَّهُمَّ من شَرّ فتنةٍ
…
تطوق من حلت بِهِ عيشةً ضنكا)
(رَجعْنَا إِلَيْك الْآن فاقبل رجوعنا
…
وقلب قلوباً طَال إعراضها عنكا)
(فَإِن أَنْت لم تبرئ شكايا عقولنا
…
وَتصرف عماياها إِذا فَلِمَنْ يشكى)
(فقد آثرت نَفسِي رضاك وَقطعت
…
عَلَيْك جفوني من جواهرها سلكا)
وَمن شعره يصف النَّفس وَلم يكن لغيره مثلهَا من الْكَامِل
(هَبَطت إِلَيْك من الْمحل الأرفع
…
وَرْقَاء ذَات تعززٍ وتمنع)
(وصلت على كرة إِلَيْك وَرُبمَا
…
كرهت فراقك فَهِيَ ذَات تفجع)
(محجوبةٌ عَن كل مقلة عارفٍ
…
وَهِي الَّتِي سفرت وَلم تتبرقع)
(أنفت وَمَا ألفت فَلَمَّا واصلت
…
ألفت مجاورة الخراب البلقع)
(وأظنها نسيت عهوداً بالحمى
…
ومنازلاً بفراقها لم تقنع)
(حَتَّى إِذا اتَّصَلت بهاء هبوطها
…
من مِيم مركزها بِذَات الأجرع)
(علقت بهَا ثاء الثقيل فَأَصْبَحت
…
بَين الْمعلم والطلول الخضع)
(تبْكي وَقد نسيت عهوداً بالحمى
…
بمدامعٍ تهمي وَلما تقلع)
(حَتَّى إِذا قرب الْمسير إِلَى الْحمى
…
ودنا الرحيل إِلَى الفضاء الأوسع)
(وغدت تغرد فَوق ذرْوَة شاهقٍ
…
وَالْعلم يرفع كل من لم يرفع)
(إِن كَانَ أهبطها الْإِلَه لحكمةٍ
…
طويت عَن الفطن اللبيب الأروع)
(فهبوطها لَا شكّ ضَرْبَة لازبٍ
…
لتَكون سامعةً بِمَا لم تسمع)
)
(وتعود عَالِمَة بِكُل خفيةٍ
…
فِي الْعَالمين فخرقها لم يرقع)
(فلأي شَيْء أهبطت من شاهقٍ
…
سامٍ إِلَى قَعْر الحضيض الأوضع)
(إِذْ عاقها الشّرك الكثيف فصدها
…
قفصٌ عَن الأوج الفسيح الأرفع)
(فَكَأَنَّهَا برقٌ تألق بالحمى
…
ثمَّ انطوى فَكَأَنَّهُ لم يلمع)
وَقد خمسها جمَاعَة ونظم فِي مَعْنَاهَا جمَاعَة وَتقدم فِي تَرْجَمَة شهَاب الدّين السهروردي مُحَمَّد بن حبش أبياتٌ قافية فِي هَذِه الْمَادَّة
وينسب إِلَيْهِ البيتان اللَّذَان أوردهما الشهرستاني فِي أول نِهَايَة الْإِقْدَام وهما من الطَّوِيل
(لقد طفت فِي تِلْكَ الْمعَاهد كلهَا
…
وسيرت طرفِي بَين تِلْكَ المعالم)
(فَلم أر إِلَّا وَاضِعا كف حائرٍ
…
على ذقنٍ أَو قارعاً سنّ نادم)
وَنسب إِلَيْهِ أَيْضا من الْكَامِل
(خير النُّفُوس العارفات ذواتها
…
وحقيق كميات ماهياتها)
(وَبِمَ الَّذِي حلت ومم تكونت
…
أَعْضَاء بنيتها على هيآتها)
(نفس النَّبَات وَنَفس حسٍّ ركبا
…
هلا كَذَاك سماته كسماتها)
(يَا للرِّجَال لعظم رزءٍ لم تزل
…
مِنْهُ النُّفُوس تخب فِي ظلماتها)
وَنسب إِلَيْهِ أَيْضا من الْخَفِيف
(هذب النَّفس بالعلوم لترقى
…
وذر الْكل فَهِيَ للْكُلّ بَيت)
إِنَّمَا النَّفس كالزجاجة وَالْعلم سراجٌ وَحِكْمَة الله زَيْت وَنسب إِلَيْهِ أَيْضا من الطَّوِيل
(شربنا على الصَّوْت الْقَدِيم قديمَة
…
لكل قديم أولٌ هِيَ أول)
(وَلَو لم تكن فِي حيزٍ قلت إِنَّهَا
…
هِيَ الْعلَّة الأولى الَّتِي لَا تعلل)
وَنسب إِلَيْهِ أَيْضا من الرمل
(نزل اللاهوت فِي ناسوتها
…
كنزول الشَّمْس فِي أبراج يُوح)
(قَالَ فِيهَا بعض من هام بهَا
…
مثل مَا قَالَ النَّصَارَى فِي الْمَسِيح)
(هِيَ والكأس وَمَا مازجها
…
كأب متحدٍ وَابْن وروح)
وَنسب إِلَيْهِ أَيْضا من الْكَامِل)
(هَات اسقنا كأس الطلا كَدم الطلى
…
يَا صَاحب الكأس الملا بَين الملا)
(خمرًا تظل لَهَا النَّصَارَى سجدا
…
وَلها بَنو عمرَان أخلصت الولا)
(لَو أَنَّهَا قَالَت وَقد مَالَتْ بهم
…
سكرا أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى)
وَنسب إِلَيْهِ أَيْضا من مجزوء الرمل
(صبها فِي الكأس صرفا
…
غلبت ضوء السراج)
(ظَنّهَا فِي الكأس نَارا
…
فطفاها بالمزاج)
قلت لَا يُقَال طفاه وَلَكِن أطفأه والرئيس يحاشى من ذَلِك
وينسب إِلَيْهِ الأبيات الَّتِي يَقُولهَا بعض النَّاس عِنْد رُؤْيَة عُطَارِد عِنْد وَقت شرفه ويعتقد أَنَّهَا تفِيد علما وَخيرا وَهِي من الطَّوِيل
(عُطَارِد قد وَالله طَال ترددي
…
مسَاء وصبحاً كي أَرَاك فأغنما)
(وَهَا أَنْت فامددني بِمَا أدْرك المنى
…
وأحوي الْعُلُوم الغامضات تكرما)
(ووقني الْمَحْذُور وَالشَّر كُله
…
بِأَمْر مليكٍ خَالق الأَرْض والسما)
وينسب إِلَيْهِ القصيدة الرائية وَهِي من الْكَامِل
(احذر بني من الْقرَان الْعَاشِر
…
وانفر بِنَفْسِك قبل نفر النافر)
(لَا تشغلنك لذةٌ تلهو بهَا
…
فالموت أولى بالظلوم الْفَاجِر)
(واسكن بلاداً بالحجاز وقم بهَا
…
واصبر على جور الزَّمَان الجائر)
(لَا تركنن إِلَى الْبِلَاد فَإِنَّهَا
…
سيعمها حد الحسام الباتر)
(من فتيةٍ فطس الأنوف كَأَنَّهُمْ
…
سيلٌ طما أَو كالجراد الناشر)
(خزر الْعُيُون تراهم فِي ذلةٍ
…
كم قد أبادوا من مليكٍ قاهر)
(مَا قصدهم إِلَّا الدِّمَاء كَأَنَّهُمْ
…
ثأرٌ لَهُم من كل ناهٍ آمُر)
(وخراب مَا شاد الورى حَتَّى يرى
…
قفراً عمارتهم برغم العامر)
مِنْهَا بَعْدَمَا ذكر خراب الْبِلَاد
(ويفر سفاك الدما مِنْهُم كَمَا
…
فر الْحمام من الْعقَاب الكاسر)
(فَهُوَ الْخَوَارِزْمِيّ يكسر جيشها
…
فِي نصف شهرٍ من ربيع الآخر)
(وَيَمُوت من كمدٍ على مَا ناله
…
من ملكه فِي لج بَحر زاخر)
)
مِنْهَا وَقد ذكر وَلَده
(وَيكون آخر عمره فِي آمدٍ
…
يسري إِلَيْهِ وَمَا لَهُ من سَائِر)
(وَيعود عظم جيوشه مرتدةً
…
عَنهُ إِلَى الْخصم الألد الْفَاجِر)
(وديار بكر سَوف يقتل بَعضهم
…
بِالسَّيْفِ بَين أصاغرٍ وأكابر)
(وَالْوَيْل مَا تلقى النَّصَارَى مِنْهُم
…
بالذل بَين أصاغرٍ وأكابر)
(وَالْوَيْل إِن حلوا ديار ربيعةٍ
…
مَا بَين دجلتها وَبَين الجازر)
(ويخربون ديار بابل كلهَا
…
من شهر زور إِلَى بِلَاد السامري)
(وخلاط ترجع بعد بهجة منظرٍ
…
قفراً تداس على اخْتِلَاف الْحَافِر)