الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ أَبوهُ شمس الدّين من أجلاء الْأُمَرَاء
وَتُوفِّي مرابطاً بالسَّاحل سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة
وَكَانَ الظَّاهِر قد أقطعه إقطاعاً جيدا وَجعله مقدم العساكر بالسَّاحل فَمَاتَ بِهِ وَعمل عزاؤه بالجامع
وَكَانَ يضاهي الْمُلُوك فِي مركبه وتجمله وغلمانه وحاشيته وَقيل إِنَّه غرم على السَّاعَات الَّتِي على بَاب مدرسته مَا يزِيد على أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم
3 -
(ابْن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهما
الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهما رَيْحَانَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَابْن ابْنَته فَاطِمَة الزهراء رضي الله عنها وَأحد سَيِّدي شباب أهل الْجنَّة هُوَ وَأَخُوهُ وَأمه وَأَبوهُ أهل الْبَيْت الَّذين أذهب الله عَنْهُم الرجس وطهرهم تَطْهِيرا
حدث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ووفد على مُعَاوِيَة رضي الله عنه وَتوجه غازياً إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فِي الْجَيْش الَّذِي كَانَ أميره يزِيد بن مُعَاوِيَة
ولد لليالٍ خلون من شعْبَان سنة أَربع من الْهِجْرَة وَقطع النَّبِي صلى الله عليه وسلم سرته وتفل فِي فِيهِ وَسَماهُ حُسَيْنًا وَدفعه إِلَى أم الْفضل وَكَانَت ترْضِعه بِلَبن قثم
وَقيل بَين الْحسن وَالْحُسَيْن طهرا وَاحِدًا وَقيل سنة وَعشرَة أشهر
وَكَانَ عليٌّ سَمَّاهُ جعفراً وَقيل حَربًا فَغَيره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَكَانَ الْحُسَيْن يشبه النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النّصْف الْأَسْفَل من جسده وَالْحسن رضي الله عنه يشبه النّصْف الْأَعْلَى
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حُسَيْن مني وَأَنا من حُسَيْن أحب الله من أحب حُسَيْنًا
حُسَيْن سبطٌ من الأسباط من أَحبَّنِي فليحب حُسَيْنًا وَكَانَ يَقُول لفاطمة ادعِي لي ابْني فيشمهما ويضمهما إِلَيْهِ
وَقد مرت الْأَحَادِيث الَّتِي يشْتَرك هُوَ وأخيه فِي فَضلهَا فِي تَرْجَمَة أَخِيه الْحسن رضي الله عنهما
وَعَن عَليّ رضي الله عنه أَنه قَالَ إِن ابْني هَذَا سيخرج من هَذَا الْأَمر وأشبه أَهلِي بِي الْحُسَيْن
وَكَانَ الْحسن يَقُول للحسين وددت أَن لي بعض شدَّة قَلْبك فَيَقُول الْحُسَيْن وَأَنا وددت أَن يكون لي بعض مَا بسط لَك من لسَانك
وَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَة لَو يعلم النَّاس مِنْك مَا أعلم لحملوك على رقابهم
وَكَانَ على ميسرَة أَبِيه يَوْم الْجمل وَفِيه يَقُول الشَّاعِر من الْبَسِيط
(مطهرون نقيات وُجُوههم
…
تجْرِي الصَّلَاة عَلَيْهِم أَيْنَمَا ذكرُوا)
وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أَنه يقتل بِأَرْض الْعرَاق بالطف بكربلاء وَأَتَاهُ جِبْرِيل عليه السلام بتربة الأَرْض الَّتِي يقتل بهَا فشمها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَاهَا أم سَلمَة وَقَالَ لَهَا إِذا تحولت هَذِه التربة دَمًا فاعلمي أَن ابْني قتل ثمَّ جعلت تنظر)
إِلَيْهَا وَتقول إِن يَوْمًا تحولين دَمًا ليومٌ عظيمٌ فَقتل يَوْم الْجُمُعَة وَقيل يَوْم السبت يَوْم عَاشُورَاء سنة سِتِّينَ أَو إِحْدَى وَسِتِّينَ أَو اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ وَله سِتّ وَخَمْسُونَ سنة
وَكَانَ أهل الْمَدِينَة قد نصحوه وَقَالُوا لَهُ تثبت فَإِن هَذَا موسم الْحَاج فَإِذا وصلوا اخْطُبْ فِي النَّاس وادعهم إِلَى نَفسك فنبايعك نَحن وَأهل هَذَا الْمَوْسِم ويتذكر بك النَّاس جدك ونمضي حينئذٍ فِي جُمْلَتهمْ فِي جمَاعَة ومنعةٍ وسلاحٍ وعدة فَلم يصبر فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق لقِيه الفرزدق الشَّاعِر فَقَالَ الْحُسَيْن يَا أَبَا فراس كَيفَ تركت النَّاس وَرَاءَك فَعلم عَن أَي شَيْء يسْأَله فَقَالَ يَا ابْن بنت رَسُول الله تركت الْقُلُوب مَعكُمْ وَالسُّيُوف مَعَ بني أُميَّة فَقَالَ هَا إِنَّهَا مملوءةٌ كتبا وَأَشَارَ إِلَى حقيبة كَانَت تَحْتَهُ ثمَّ كَانَ مَا كَانَ
وَرُوِيَ عَن أبي سعيد المَقْبُري قَالَ وَالله لرأيت حُسَيْنًا وَإنَّهُ ليمشي بَين رجلَيْنِ يعْتَمد على هَذَا مرّة وَمرَّة على هَذَا حَتَّى دخل مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُول من الْخَفِيف لَا ذعرت السوام فِي غلس الصُّبْح مغيراً وَلَا دَعَوْت يزيدا
(يَوْم أعطي مَخَافَة الْمَوْت ضيماً
…
والمنايا يرصدنني أَن أحيدا)
قَالَ فَعلمت عِنْد ذَلِك أَنه لَا يلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يخرج فَمَا لبث حَتَّى لحق بِمَكَّة لما أخذت الْبيعَة ليزِيد بن مُعَاوِيَة لم يبايعه الْحُسَيْن
وَكَانَ أهل الْكُوفَة كتبُوا إِلَى الْحُسَيْن يَدعُونَهُ إِلَى الْخُرُوج زمن مُعَاوِيَة وَهُوَ يَأْبَى فَقدم قومٌ مِنْهُم ثمَّ غلب على رَأْيه فَخرج وَمَعَهُ من أهل الْمَدِينَة تِسْعَة عشر رجلا نسَاء وصبيان وَتَبعهُ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وأعلمه أَن الْخُرُوج لَيْسَ بِرَأْي فَأبى الْحُسَيْن فحبس محمدٌ وَلَده
وَخرج من مَكَّة مُتَوَجها إِلَى الْعرَاق فِي عشر ذِي الْحجَّة فَكتب يزِيد إِلَى عبيد الله بن زِيَاد أَن حُسَيْنًا صائرٌ إِلَى الْكُوفَة وَقد ابْتُلِيَ بِهِ زَمَانك من بَين الْأَزْمَان وبلدك من بَين الْبلدَانِ وَعِنْدهَا تعْتق أَو تعود عبدا
فندب لَهُ عبيد الله بن زِيَاد عمر بن سعد بن أبي وَقاص فَقَاتلهُمْ فَقَالَ الْحُسَيْن يَا عمر اختر مني إِحْدَى ثَلَاث إِمَّا تتركني أرجع أَو تسيرني إِلَى يزِيد فأضع يَدي فِي يَده فَيحكم فِي مَا يرى فَإِن أَبيت فسيرني إِلَى التّرْك فأقاتلهم حَتَّى أَمُوت فَأرْسل عمر بذلك إِلَى ابْن زِيَاد فهم أَن يسيره إِلَى يزِيد فَقَالَ شمر بن ذِي الجوشن لَا أَيهَا الْأَمِير إِلَّا أَن ينزل على حكمك)
فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ الْحُسَيْن وَالله لَا أفعل وَأَبْطَأ عمر عَن قِتَاله فَأرْسل إِلَيْهِ ابْن زِيَاد شمراً وَقَالَ إِن تقدم عمر وَقَاتل وَإِلَّا فاقتله وَكن مَكَانَهُ
فقاتلوه إِلَى أَن أَصَابَهُ سهمٌ فِي حنكه فَسقط عَن فرسه فَنزل الشمر وَقيل غَيره فاحتز رَأسه إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
وَقتل مَعَه يَوْم عَاشُورَاء إخْوَته بَنو أَبِيه جَعْفَر وعتيق وَمُحَمّد وَالْعَبَّاس الْأَكْبَر بَنو عَليّ وَابْنه الْأَكْبَر عَليّ وَهُوَ غير عَليّ زين العابدين وَابْنه عبد الله بن الْحُسَيْن وَابْن أَخِيه الْقَاسِم بن الْحسن وَمُحَمّد بن عبد الله بن جَعْفَر ابْن أبي طَالب وَأَخُوهُ عون وَعبد الله وَعبد الرَّحْمَن ابْنا مُسلم بن عقيل رضي الله عنهم
وَحمل رَأس الْحُسَيْن إِلَى يزِيد فَوَضعه فِي طستٍ بَين يَدَيْهِ وَجعل ينكت ثناياه بقضيبٍ فِي يَده وَيَقُول إِن كَانَ لحسن الثغر فَقَالَ لَهُ زيد ابْن أَرقم ارْفَعْ قضيبك فطالما رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يلثم مَوْضِعه فَقَالَ إِنَّك شيخ قد خرفت فَقَامَ زيدٌ يجر ثَوْبه
وَعَن مُحَمَّد بن سوقة عَن عبد الْوَاحِد الْقرشِي قَالَ لما أُتِي يزِيد بِرَأْس الْحُسَيْن تنَاوله بقضيب فكشف عَن ثناياه فوَاللَّه مَا الْبرد بأبيض من ثناياه ثمَّ قَالَ من الطَّوِيل
(نفلق هاماً من رجالٍ أعزةٍ
…
علينا وهم كَانُوا أعق وأظلما)
فَقَالَ لَهُ رجل كَانَ عِنْده يَا هَذَا ارْفَعْ قضيبك فوَاللَّه لربما رَأَيْت هُنَا شفتي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فرفعه متذمماً عَلَيْهِ مغضباً
وَذكر ابْن سعد أَن جسده دفن حَيْثُ قتل وَأَن رَأسه كَفنه يزِيد وأرسله إِلَى الْمَدِينَة فَدفن عِنْد قبر فَاطِمَة رضي الله عنهما
وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين ثمَّ علق الرَّأْس على مَا قيل بِدِمَشْق ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ مكث الرَّأْس فِي خَزَائِن السِّلَاح حَتَّى ولي سُلَيْمَان الْخلَافَة فَبعث فجيء بِهِ وَقد بَقِي عظما أَبيض فَجعله فِي سفطٍ وطيبه وكفنه وَدَفنه فِي مَقَابِر الْمُسلمين فَلَمَّا دخلت المسودة نبشوه وأخذوه وَالله أعلم بمكانه الْآن من ذَلِك الْوَقْت
قلت وَبَعْضهمْ زعم أَن الْخُلَفَاء الفاطميين لما كَانُوا بِمصْر تَتبعُوهُ فوجدوه فِي علبة رصاص بعسقلان فَحَمَلُوهُ إِلَى مصر وجعلوه فِي الْمَكَان الَّذِي هُوَ الْيَوْم مَعْرُوف بمشهد الْحُسَيْن بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ ذَلِك عِنْدهم فِي دَاخل الْقصر يزورونه وَالله أعلم)
وَقيل اسودت السَّمَاء يَوْم قتل الْحُسَيْن وَسقط ترابٌ أَحْمَر وَكَانُوا لَا يرفعون حجرا إِلَّا وجدوا تَحْتَهُ دَمًا
وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز لَو كنت فِي قتلة الْحُسَيْن وَأمرت بِدُخُول الْجنَّة لما فعلت حَيَاء أَن تقع عَيْني على مُحَمَّد
وَلما قتل قَالَت مرْجَانَة ابْنة عبيد الله بن زِيَاد خَبِيث قتلت ابْن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا ترى الْجنَّة أبدا
وَقَالَ أَعْرَابِي انْظُرُوا ابْن دعيها قتل ابْن نبيها
وَعَن رَأس الجالوت وَالله إِن بيني وَبَين دَاوُد سبعين أَبَا وَإِن الْيَهُود لتلقاني فتعظمني وَأَنْتُم لَيْسَ بَيْنكُم وَبَين نَبِيكُم إِلَّا أبٌ وَاحِد قتلتم وَلَده
وَلما أصبح الْحُسَيْن يَوْم قتل قَالَ اللَّهُمَّ أَنْت ثقتي فِي كل كرب ورجائي فِي كل شدَّة وَأَنت لي فِي كل أمرٍ نزل بِي ثقةٌ وَأَنت ولي كل نعْمَة وَصَاحب كل حَسَنَة
وعطش وَقد قَاتل أَشد الْقِتَال فَاسْتَسْقَى فجيء بِمَاء فرام الشّرْب فَرمي بِسَهْم فِي فِيهِ فَجعل يتلَقَّى الدَّم بِيَدِهِ ويحمد الله وَقيل إِنَّه رمى بِالدَّمِ نَحْو السَّمَاء وَقَالَ اطلب بِدَم ابْن بنت نبيك وَتوجه نَحْو الْفُرَات فعرضوا لَهُ وحالوا بَينه وَبَين المَاء أَشَارَ بذلك رجلٌ من بني أبان بن دارم فَقَالَ الْحُسَيْن اللَّهُمَّ أظمئه فَمَا لبث الأباني إِلَّا قَلِيلا حَتَّى رُؤِيَ وَإنَّهُ ليؤتى بعسٍّ يروي عدَّة فيشربه فَإِذا نَزعه عَن فِيهِ قَالَ اسقوني فقد قتلني الْعَطش وَبَقِي الْحُسَيْن رضي الله عنه فريداً وَقد قتل جَمِيع من كَانُوا مَعَه من الْمُقَاتلَة أَهله وَغَيرهم فَلم يَجْسُر أحدٌ أَن يتَقَدَّم إِلَيْهِ حَتَّى حرضهم شمر بن ذِي الجوشن فَتقدم إِلَيْهِ من طعنه وَمن ضربه بِالسَّيْفِ حَتَّى صرع عَن جَوَاده ثمَّ حز رَأسه
قَالَ الزبير قَتله سِنَان بن أبي أنس النَّخعِيّ وأجهز عَلَيْهِ خولي بن يزِيد الأصبحي من حمير
وَعَن ابْن عباسٍ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام وعَلى رَأسه ولحيته ترابٌ فَقتل مَالك يَا رَسُول الله قَالَ شهِدت قتل الْحُسَيْن آنِفا
وَعَن ابْن عَبَّاس رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيمَا يرى النَّائِم بِنصْف النَّهَار أغبر أَشْعَث وَبِيَدِهِ قَارُورَة فِيهَا دم فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا هَذَا فَقَالَ دم الْحُسَيْن وَأَصْحَابه لم أزل مُنْذُ الْيَوْم ألتقطه فأحصى ذَلِك الْيَوْم فوجدوه قد قتل يَوْمئِذٍ)
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قد قتلوا سَبْعَة عشر شَابًّا كلهم قد ارتكضوا فِي رحم فَاطِمَة وَنَجَا ذَلِك الْيَوْم من الْقَتْل الْحسن وعمرٌو ابْنا الْحُسَيْن وعليٌّ الْأَصْغَر ابْن الْحُسَيْن وَالقَاسِم بن عبد الله بن جَعْفَر وَمُحَمّد الْأَصْغَر ابْن عقيل لصغرهم وضعفهم