الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَجعل السلطات الوريقة فِي الهناب
وأمسكه بِيَدِهِ وَجَاء القاهر فَنَاوَلَهُ الهناب فَقبل الأَرْض وشربه وَقَامَ السُّلْطَان ليبزل فَأخذ الساقي الهناب من يَد القاهر وملأه على الْعَادة ووقف وأتى السُّلْطَان فَتَنَاول الهناب وشربه وَهُوَ لَا يشْعر فَلَمَّا شربه أَفَاق على نَفسه وَعلم أَنه شرب من ذَلِك الهناب وَفِيه آثَار السم فتخل وَحصل لَهُ وعك وتمرض وَمَات وَأما القاهر فَمَاتَ من الْغَد ذكر العلائي أَنه بلغه ذَلِك من مطلع على الْأُمُور لَا يشك فِي أخباره
3 -
(قَاضِي الْقُضَاة ابْن درباس)
عبد الْملك بن عِيسَى بن درباس بن فير بن جهم بن عَبدُوس قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين الماراني الشَّافِعِي
ولد بنواحي الْموصل سنة سِتّ عشرَة وَخمْس ماية وَتُوفِّي سنة خمس وست ماية
كَانَ قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية)
3 -
(الْأَصْمَعِي)
عبد الْملك بن قريب بن عبد الْملك بن عَليّ بن أصمع بن مظهر بن عبد شمس الْأَصْمَعِي الْبَصْرِيّ صَاحب اللُّغَة كَانَ إِمَام زَمَانه فِي اللُّغَة روى عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وقرة بن خَالِد ومسعر بن كدام وَابْن عون وَنَافِع ابْن أبي نعيم وَسليمَان التَّيْمِيّ وَشعْبَة وبكار بن عبد الْعَزِيز ابْن أبي بكرَة وَحَمَّاد بن سَلمَة وَسَلَمَة بن بِلَال وَعمر ابْن أبي زَائِدَة وَخلق قَالَ عمر بن شبة سمعته يَقُول حفظت سِتَّة عشر ألف أرجوزة وَقَالَ الشَّافِعِي مَا عبر أحد عَن الْعَرَب بِمثل عبارَة الْأَصْمَعِي وَقَالَ ابْن معِين لم يكن مِمَّن يكذب وَكَانَ من أعلم النَّاس فِي فنه
وَقَالَ أَبُو دَاوُد صَدُوق وَكَانَ يَتَّقِي أَن يُفَسر حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَمَا يَتَّقِي أَن يُفَسر الْقُرْآن قيل لأبي نواس قد أشخص أَبُو عُبَيْدَة والأصمعي إِلَى الرشيد فَقَالَ أما أَبُو عُبَيْدَة فَإِن مكنوه من سَفَره قَرَأَ عَلَيْهِم أَخْبَار الْأَوَّلين والآخرين وَأما الْأَصْمَعِي فبلبل يطربهم بنغماته وَكَانَ بَخِيلًا وَيجمع أَحَادِيث البخلاء قَالَ لَهُ أَعْرَابِي رَآهُ يكْتب
(مَا أَنْت إِلَّا الحفظه
…
تكْتب لفظ اللفظه)
وتناظر هُوَ وسيبويه فَقَالَ يُونُس بن حبيب الْحق مَعَ سِيبَوَيْهٍ وَهَذَا يغلبه بِلِسَانِهِ وَقَالَ البُخَارِيّ مَاتَ سنة سِتّ عشرَة ومايتين وَقَالَ غَيره سنة خمس عشرَة وَقيل انه عَاشَ ثمانياً وَثَمَانِينَ سنة وروى لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحدث الرياشي قَالَ قَالَ الْأَصْمَعِي لم تتصل لحيتي حَتَّى بلغت سِتِّينَ سنة وَكَانَ الشّعْر للأصمعي وَالْأَخْبَار لأبي عُبَيْدَة قَالَ أَبُو الطّيب عبد الْوَاحِد بن عَليّ اللّغَوِيّ كَانَ الْأَصْمَعِي صَدُوقًا فِي كل شَيْء من أهل السّنة فَأَما مَا يَحْكِي الْعَوام وسقاط النَّاس من نَوَادِر الْأَعْرَاب وَيَقُولُونَ هَذَا مَا افتعله الْأَصْمَعِي ويحكون أَن رجلا رأى ابْن أَخِيه عبد الرَّحْمَن فَقَالَ لَهُ مَا يفعل عمك فَقَالَ قَاعد فِي الشَّمْس يكذب على الْأَعْرَاب فَهَذَا بَاطِل نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ وَمن معرة جهل قائليه وَكَيف يكون ذَلِك وَهُوَ لَا يُفْتِي إِلَّا فِيمَا أجمع عُلَمَاء اللُّغَة عَلَيْهِ وَيقف عَمَّا ينفردون عَنهُ وَلَا يُجِيز إِلَّا أفْصح اللُّغَات وَقَالَ أَبُو قلَابَة عبد الْملك بن مُحَمَّد سَأَلت الْأَصْمَعِي مَا معنى قَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْجَار أَحَق بسقبه فَقَالَ أَنا لَا أفسر حَدِيث رَسُول الله وَلَكِن الْعَرَب تزْعم أَن السقب اللزيق)
وَحدث مُحَمَّد بن زَاهِر سَمِعت الشَّاذكُونِي يَقُول إِذا بعث الله عز وجل الْخلق لم يبْق بالبادية أعربي إِلَّا تظلم إِلَى الله من كذب الْأَصْمَعِي عَلَيْهِ وَقَالَ الْأَصْمَعِي حضرت أَنا وَأَبُو عُبَيْدَة عِنْد الْفضل بن الرّبيع فَقَالَ لي كم كتابك فِي الْخَيل فَقلت مُجَلد وَاحِد فَسَأَلَ أَبَا عُبَيْدَة عَن كِتَابه فَقَالَ خَمْسُونَ مجلداً فَقَالَ لَهُ قُم إِلَى هَذَا الْفرس وَأمْسك عضوا مِنْهُ وسمه فَقَالَ لست بيطاراً وَإِنَّمَا هَذَا شَيْء أَخَذته عَن الْعَرَب فَقَالَ لي قُم يَا أصمعي وَافْعل ذَلِك فَقُمْت وَأَمْسَكت ناصيته وَجعلت أذكر عضوا عضوا وَبَلغت حَافره فَقَالَ خُذْهُ فَأخذت الْفرس قَالَ فَكنت إِذا أردْت أَن أَغيظهُ ركبت ذَلِك الْفرس وأتيته وَقَالَ كنت عِنْد الرشيد فَشرب مَاء بثلج فاستطابه فَقَالَ الْحَمد لله ثمَّ قَالَ لي أتحفظ فِي هَذَا شَيْئا يَا عبد الْملك فَقلت نعم وأنشدته
(وشربة الثَّلج بِمَاء عذب
…
تستخرج الشُّكْر من أقْصَى الْقلب)
شكرا من العَبْد لنعمى الرب فَقَالَ لي يَا أصمعي مَا سمع بمثلك قلت فَالنَّاس معذورون فِيهِ إِذْ قَالُوا إِنَّه يضع فَإِن هَذَا الِاتِّفَاق لاستحضار الأبيات بعيد فَهُوَ إِمَّا أَن تكون الْوَاقِعَة قد وَضعهَا وَإِمَّا أَن يكون الشّعْر ارتجله وَهُوَ أعظم وَقَالَ لَا يَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يدْخل على الْمُلُوك بِغَيْر الْملح من السّعر فَإِن الرشيد أَعْطَانِي فِي أَبْيَات أنشدته فِي لَيْلَة ثَلَاثَة آلَاف دِينَار دخلت عَلَيْهِ لَيْلَة
فَأَنْشَدته
(تزوجت وَاحِدَة مِنْكُم
…
فَنكتَ بشفعتها أربعينا)
(ونكت الرِّجَال ونكت النِّسَاء
…
ونكت الْبَنَات ونكت البنينا)
(وَأرْسلت أيري فِي داركم
…
فطوراً شمالاً وطوراً يَمِينا)
فَقَالَ الرشيد هَذَا يصل الْمَقْطُوع وَيُقِيم النَّائِم فزدني من هَذَا الْمَعْنى فَأَنْشَدته
(أما وَالله لَو يلقاك أيري
…
قبيل الصُّبْح فِي ظلماء بَيت)
(لَكُنْت تَرين أَن السحق زور
…
وَأَن الشَّأْن فِي هَذَا الْكُمَيْت)
وَقَالَ الْأَصْمَعِي وصلت بِالْعلمِ وكسبت بالملح وَقَالَ ذكرت يَوْمًا للرشيد نهم سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَقلت إِنَّه كَانَ يجلس وتحضر بَين يَدَيْهِ الخراف المشوية وَهِي كَمَا أخرجت من تنانيرها فيريد أَخذ كلاها فتمنعه حَرَارَتهَا فَيجْعَل يَده فِي طرف حلته ويدخلها فِي جَوف الخروف فَيَأْخُذ كلاه فَقَالَ لي قَاتلك الله فَمَا أعلمك بأخبارهم إعلم أَنه عرضت عَليّ ذخائر بني أُميَّة فَنَظَرت إِلَى ثِيَاب مذهبَة ثمينة وأكمامها زهكة بالدهن فَلم أدر مَا ذَلِك حَتَّى حَدَّثتنِي)
بِهَذَا الحَدِيث ثمَّ قَالَ عَليّ بِثِيَاب سُلَيْمَان فَنَظَرْنَا إِلَى تِلْكَ الْآثَار فِيهَا ظَاهِرَة فكساني مِنْهَا حلَّة وَكَانَ الْأَصْمَعِي رُبمَا خرج فِيهَا أَحْيَانًا فَيَقُول هَذِه جُبَّة سُلَيْمَان
وَكَانَ جد الْأَصْمَعِي عَليّ بن أصمع سرق بسفوان فَأتوا بِهِ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ جيئوني بِمن يشْهد أَنه أخرجهَا من الرحل فَشهد عَلَيْهِ بذلك فَقطع من أشاجعه فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا قطعته من زنده فَقَالَ يَا سُبْحَانَ الله كَيفَ يتَوَكَّأ كَيفَ يُصَلِّي كَيفَ يَأْكُل فَلَمَّا قدم الْحجَّاج الْبَصْرَة أَتَاهُ عَليّ بن أصمع فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير إِن أَبَوي عقاني فسماني عليا فسمني أَنْت فَقَالَ مَا أحسن مَا توسلت بِهِ قد وليتك سمك البارجاه وأجريت لَك كل يَوْم دانقين فُلُوسًا وَوَاللَّه لَئِن تعديتهما لأقطعن مَا أبقاه عَليّ عَلَيْك وَمن تصانيفه كتاب خلق الْإِنْسَان كتاب الْأَجْنَاس كتاب الأنواء كتاب الْهَمْز كتاب الْمَقْصُور والممدود كتاب الْفرق كتاب الصِّفَات كتاب الأثواب كتاب الميسر والقداح كتاب خلق الْفرس كتاب الْخَيل كتاب الْإِبِل كتاب الشَّاء كتاب الأخبية كتاب الوحوش كتاب فعل وأفعل كتاب الْأَمْثَال كتاب الأضداد كتاب الْأَلْفَاظ كتاب السِّلَاح كتاب اللُّغَات كتاب مياه الْعَرَب كتاب النَّوَادِر كتاب الِاشْتِقَاق كتاب مَعَاني الشّعْر كتاب المصادر كتاب الأراجيز كتاب النَّخْلَة
كتاب النَّبَات كتاب مَا اتّفق لَفظه وَاخْتلف مَعْنَاهُ كتاب غَرِيب الحَدِيث كتاب نَوَادِر الْأَعْرَاب وَغير ذَلِك
قَالَ أَبُو العيناء كُنَّا فِي جَنَازَة الْأَصْمَعِي فجذبني أَبُو قلَابَة الْجرْمِي الشَّاعِر فأنشدني لنَفسِهِ
(لعن الله أعظماً حملوها
…
نَحْو دَار البلى على خشبات)
(أعظماً تبغض النَّبِي وَآل الْبَيْت
…
والطيبين والطيبات)
قَالَ وجذبني أَبُو الْعَالِيَة الشَّافِعِي وأنشدني
(لَا در نَبَات الأَرْض إِذْ فجعت
…
بالأصمعي لقد أبقت لنا أسفا)
(عش مَا بدا لَك فِي الدُّنْيَا فلست ترى
…
فِي النَّاس مِنْهُ وَلَا من علمه خلقا)
قَالَ فعجبت من اخْتِلَافهمَا فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّد ابْن أبي الْعَتَاهِيَة لما بلغ أبي موت الْأَصْمَعِي جزع عَلَيْهِ ورثاه بقوله
(لهفي لمَوْت الْأَصْمَعِي فقد مضى
…
حميدا لَهُ فِي كل صَالِحَة سهم)
(تقضت بشاشات الْمجَالِس بعده
…
وودعنا إِذْ ودع الْأنس وَالْعلم)
)
(وَقد كَانَ نجم الْعلم فِينَا حَيَاته
…
فَلَمَّا انْقَضتْ أَيَّامه أفل النَّجْم)
وَمن شعر الْأَصْمَعِي مَا قَالَه فِي جَعْفَر الْبَرْمَكِي
(إِذا قيل من للندى والعلى
…
من النَّاس قيل الْفَتى جَعْفَر)
(وَمَا إِن مدحت فَتى قبله
…
وَلَكِن بني جَعْفَر جَوْهَر)
دخل الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف يَوْمًا على الرشيد فَقَالَ قد عملت شعرًا لم يسبقني أحد إِلَى مَعْنَاهُ فَقَالَ الرشيد هَات فأنشده
(إِذا مَا شِئْت أَن تصنع
…
شَيْئا يعجب الناسا)
(فصور هَا هُنَا فوزاً
…
وصور ثمَّ عباسا)
(فَإِن لم يدنوا حَتَّى
…
ترى رأسيهما راسا)
(فكذبهما بِمَا قاست
…
وَكذبه بِمَا قاسى)
فَنظر الرشيد إِلَى الْأَصْمَعِي فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد سبق إِلَيْهِ فَقَالَ هَات فأنشده