الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولن يتساوى سادة وعبيدهم
…
على أن أسماء الجميع موالي
وحيث أن زكريا عليه السلام كان أمينا على إقامة الدين حال وجوده بما أعطاه الله من ملكة قال «مِنْ وَرائِي» أي بعد موتي «وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً» فضلا عن أنها عجوز «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا» 5 يلي أمر الناس من بعدي لإقامة دينك ممن يرضون بحكمه لأنه «يَرِثُنِي» النبوة التي شرفتني بها «وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» النبوة والعلم والحكمة لأنه عليه السلام بن آزر وقيل بن برخيا من أولاد هارون أخي موسى عليهما السلام وهما من سبط يهوذا أولاد يعقوب والنبوة في عقبه لأنه إسرائيل الله صفوته من عباده وزوجته ايساع أخت مريم بنت عمران من ذرية داود عليهم السلام، وبما أن النبوة والملك محصوران في أولاد يعقوب، أراد أن يكون ابنه الذي سيمنّ عليه به ربه وارثا للجهتين النبوة والملك لأن زكريا كان نبيا ورسولا لا ملكا، ومن قال إنه أراد وراثة المال فقد أخطأ وعن الحقيقة مال، لأن الأنبياء لا يورثون، قال عليه الصلاة والسلام نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. ومن البعد بمكان أن يشفق نبي من أنبياء الله على مال الدنيا، وكذلك القول بأن المراد أن يلي الخلافة بعده أي شخص كان فقد زل لأنه عليه السلام أراد ولدا ذكرا من صلبه، يؤيد هذا قوله تعالى (قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) الآية 38 من آل عمران في ج 3 «وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا» 6 برا تقيا أرضاه وترضاه ويرضاه خاصة خلقك، وهذا أيضا يؤيد أن المراد بالولي ولدا صلبيا، ومما يؤكد هذا استجابة دعوته ومناداته له على الفور من قبل ربه
مطلب في الأسماء وما يستحب منها ويجوز ويحرم:
«يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى» وهو أسم خصصناه به «لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ» في الدهور الماضية «سَمِيًّا» 7 قط تشريفا له وفيه إعلام بأن الغريب جدير بالأثرة وكان ذلك لأنه لم يكن له مثل في أنه يعص الله قط ولم يهمّ بمعصية قط، وانه ولد بين شخصين هرمين، وأنه كان حصور لا يأتي النساء مع القدرة، لأن الأنبياء كاملين لا يعتريهم خلل، ولم يشرب الخمر
مع أنه غير محرم عليه، ولم يلعب مع الصبيان. قالوا كانت العرب تسمي بالأسماء النادرة لهذه الغاية، قال بعضهم في مدح قوم:
شنع الأسامي مسبلي أزر
…
حمر تمس الأرض أهدابها
وقيل للصلت بن عطاء: كيف تقدمت عند البرامكة وعندهم من هو آدب منك؟
فقال: لأني غريب الدار غريب الاسم خفيف الجرم. وكانت تختار الأسماء التي يتفاءل بها بعيدهم: كسعد وسعيد ومبارك ورزق ومرزوق ومسعود ومهنأ وبشير وشبهها، ويختارون الأسماء الدالة على الغلظة والشر لأنفسهم: كغضبان وعذاب وجدعان ومرار وذباح وهامة ونمر وفهد وما أشبه ذلك. ولما قيل لهم في ذلك قالوا إن اسماء عبيدنا لنا فنختار الأحسن، وأسماؤنا لأعدائنا فنختار لهم ما يوقع مهابتنا فيهم، مثل الضاري والسبع والهيثم والعادي، أما الأسماء المطلوبة في الإسلام فهي كما قال عليه الصلاة والسلام: خير الأسماء ما عبد وحمد كعبد الله وعبد الرحمن وعبد اللطيف ومحمد وأحمد ومحمود وما أشبه ذلك، وكرهوا اسم نافع ورابح وخير وشبهها لتفاؤل الشر بنفيها من قولهم لا نافع ولا رابح ولا خير في الدار إلى غير ذلك، وحرموا التسمية بعبد الحارث وعبد العزى وعبد الدار وغيرها من اسماء الجاهلية لما فيها من نسبة العبودية لغير الله تعالى «قالَ رَبِّ أَنَّى» كيف «يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا» 8 يبسا وعساوة في المفاصل والعظام وصرت في حالة يأس، وهذا الاستفهام منه عليه السلام ليس على طريق الاستبعاد، وسيأتي توضيحه في تفسير الآية 40 من آل عمران في ج 3 إن شاء الله فراجعه، إذ جاءت هذه القصة فيها أوضح من غيرها في سائر السور، وهكذا نؤخر بيان القصص إلى السور التي هي فيها أوسع لأنها أوفى بالمقصود منها «قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ» مثل هذا الأمر الذي ترونه صعبا أولا يكون «هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ» ليس بشيء كيف «وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ» يحيى يا رسولي «وَلَمْ تَكُ شَيْئاً» 9 موجودا أو خلقت أباك آدم من العدم، أفلا أخلق لك ولدا من أبوين مهما كانا
في الهرم؟ وفي هذه الآية دلالة كافية على أن المعدوم ليس بشيء كما هو معتقد أهل السنة والجماعة قال في بدء الأمالي:
وما المعدوم مرثيا وشيئا
…
لفقه لاح في بمن الهلال
فما قاله الغير من أن المعدوم شيء لا قيمة له لمخالفته الإجماع. ومفهوم هذه الآية كما قال بعض المحققين. المراد، ابتداء خلق البشر إذ هو واقع إثر العدم المحض المستفاد من قوله (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) لأن ما كان بعد ذلك كان بطريق التوالد المعتاد، فكأنه قيل وقد خلقتك من قبل في تضاعيف خلق آدم، ولم تك إذ ذاك شيئا أصلا، بل كنت عدما بحتا. وهذا المعنى مستفاد من قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) وقد المعنا إليه في تفسير الآية 10 من سورة فاطر المارة، وسنأتي على توضيحه في تفسير الآية 49 من سورة الأنعام في ج 2 إن شاء الله، وإنما لم يقل وقد خلقنا أباك آدم من قبل ولم يك شيئا مع كفايته في إزالة الاستبعاد لقياس حال ما بشر به على حاله عليه السلام، لتأكيد الاحتجاج وتوضيح منهاج القياس من حيث نبّه على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشائه عليه السلام من العدم، لأنه أبدع أنموذج طوي على سائر آحاد جنسه، فكان إبداعه على ذلك الوجه إبداعا لكل أحد من فروعه إلى آخر الدوران، ولما كان خلقه عليه السلام على هذا النمط المساوي إلى جميع ذريته أبدع من أن يكون مقصودا على نفسه كما هو المفهوم من نسبة الخلق المذكور إليه، وأدلّ على عظيم قدرته تعالى وكمال علمه وحكمته، وكان عدم زكريا حينئذ أظهر عنده، وكان حاله أولى بأن يكون معيارا لحال ما بشّر به لينسب الخلق المذكور إليه، كما نسب الخلق المذكور إليه، كما نسب الخلق والتصوير إلى المخاطبين في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) الآية 10 من سورة الأعراف المارة توفية لمقام الامتنان في حقه، وقرأ الكسائي وغيره خلقناك على التعظيم، وإنما جوز هذه القراءة لما يقصد فيها من تعظيم العظيم ليس إلا، وإلا فالقياس عدم جوازها لما فيها من تغيير التاء بالنون وزيادة الألف، والشرط