المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ذِكر المِحْنة في أثناء السنة كتب المأمون إلى نائبه على بغداد - تاريخ الإسلام - ت تدمري - جـ ١٥

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الخامس عشر (سنة 211- 220) ]

- ‌الطَّبَقَةُ الثانية والعشرون

- ‌دخلت سنة إحدى عشرة ومائتين

- ‌[عودة عبد الله بن طاهر من مصر]

- ‌[تشيُّع المأمون]

- ‌سنة اثنتي عشرة ومائتين

- ‌[توجيه الطوسي لمحاربة بابَك]

- ‌[الولاية على اليمين]

- ‌[إظهار المأمون خلق القرآن]

- ‌[الحج هذا الموسم] [2]

- ‌سنة ثلاث عشرة ومائتين

- ‌[خروج القيسية واليمانية في مصر وولاية المعتصم مصر والشام]

- ‌[ولاية الجزيرة]

- ‌[تفريق المأمون للأموال]

- ‌[استعمال غسّان بن عبّاد على السِّنْد]

- ‌سنة أربع عشرة ومائتين

- ‌[خروج بلال الشاري ومقتله]

- ‌[ولاية أصبهان وآذربيجان والجبال]

- ‌سنة خمس عشرة ومائتين

- ‌[غزوة المأمون إلى الروم]

- ‌[تهذيب قواعد الديار المصرية]

- ‌[قدوم المأمون إلى دمشق]

- ‌سنة ستّ عشرة ومائتين

- ‌[عودة المأمون لغزو الروم]

- ‌[دخول المأمون الديار المصرية]

- ‌سنة سبْع عشرة ومائتين

- ‌[قتل عبدوس الفهري بمصر]

- ‌[عودة المأمون إلى دمشق وغزو الروم]

- ‌[حريق البصرة]

- ‌سنة ثمان عشرة ومائتين

- ‌[بناء طُوَانة]

- ‌ذِكر المِحْنة

- ‌ وفاةُ المأمون

- ‌[ذِكر وصيّة المأمون]

- ‌[خلافة المعتصم]

- ‌[ما ذكره المسبّحي عن المحنة في مصر]

- ‌[الوباء والغلاء بمصر]

- ‌[هدم الطُّوانة]

- ‌[اشتداد أمر الخُرَّمِيّة]

- ‌سنة تسع عشرة ومائتين

- ‌[ظهور محمد بن القاسم بالطالقان]

- ‌[قدوم السبْي من الخُرَّميّة]

- ‌[إفساد الزُّطّ بالبصرة]

- ‌ثم دخلت سنة عشرين ومائتين

- ‌[دخول الزُّطّ بغداد]

- ‌[مسير الأفشين لحرب بابك]

- ‌[محنة الإمام أحمد]

- ‌[إنشاء المعتصم لمدينة سُرّ من رأى]

- ‌[غضب المعتصم على وزيره الفضل]

- ‌[عناية المعتصم باقتناء التُّرْك]

- ‌ذكر أَهْلِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ عَلَى الْحُرُوفِ

- ‌[حَرْفُ الأَلِفِ]

- ‌[حرف الباء]

- ‌[حرف الثاء]

- ‌[حرف الجيم]

- ‌[حرف الحاء]

- ‌[حرف الخاء]

- ‌[حرف الدال]

- ‌[حرف الذال]

- ‌[حرف الراء]

- ‌[حرف الزاي]

- ‌[حرف السين]

- ‌[حرف الشين]

- ‌[حرف الصاد]

- ‌[حرف الضاد]

- ‌[حرف الطاء]

- ‌[حرف العين]

- ‌فصل

- ‌محنة أَبِي مُسهر مَعَ المأمون

- ‌فصل

- ‌[مطلب ترجمة عفّان شيخ أحمد والبخاري]

- ‌[حرف الغين]

- ‌[حرف الفاء]

- ‌[حرف القاف]

- ‌[حرف الكاف]

- ‌[حرف اللام]

- ‌[حرف الميم]

- ‌[حرف النون]

- ‌[حرف الهاء]

- ‌[حرف الواو]

- ‌[حرف الياء]

- ‌[الكنى]

الفصل: ‌ ‌ذِكر المِحْنة في أثناء السنة كتب المأمون إلى نائبه على بغداد

‌ذِكر المِحْنة

في أثناء السنة كتب المأمون إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخُزَاعيّ، ابن عمّ طاهر بن الحُسين، في امتحان العلماء، كتابًا يقولُ فيه: «وقد عرف أمير المؤمنين أنّ الجمهور الأعظم والسَّواد الأكبر مِن حَشو الرَّعيّة، وسَفْلَة العامّة، ممّن لَا نظر له ولا رَوِيّة ولا استضاءة بنور العِلم وبرهانه، أهل جهالةٍ باللَّه تعالى وعَمًى عنه، وضلالةٍ عن حقيقة ديِنه، وقُصورٍ أن يَقْدُرُوا الله حق قَدْره، ويعرفوه كُنْه معرفته، ويُفرّقوا بينه وبين خلْقه. وذلك أنّهم ساوَوْا بين الله وبين خلْقِهِ، وبين ما أُنزل من القرآن. فأطبقوا على أنّه قديم لم يخلقْه الله ويخترعه. وقد قال تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 43: 3 [1] فكلّ ما جعله الله فقد خلقه كما قال: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ 6: 1 [2] وقال: نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ 20: 99 [3] فأخبر أنّه قصصٌ لأمور أحدثهُ بعدها. وقال: أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ 11: 1 [4] ، والله مُحْكم كتابَه ومُفَصِّلُهُ، فهو خالقه ومُبْتَدِعُهُ. ثم انتسبوا إلى السُّنّة، وأنّهم أهل الحقّ والجماعة، وأنّ مَن سواهم أهل الباطل والكُفْر.

فاستطالوا بذلك وغرّوا به الجهّال، حتّى مال قوم من أهلِ السَّمْت الكاذب والتَّخَشُّع لغير الله إلى موافقتهم، فنزعوا الحقّ إلى باطلهم، واتّخذوا دون الله وليجةً إلى ضلالهم» .

إلى أن قال: «فرأى أمير المؤمنين أنّ أولئك شرّ الأمّة، المنقوصون من التّوحيد حظًا، أوعيةُ الجهل وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق في أوليائه والهائل على أعدائه مِن أهل دِين الله، وأحقُّ أن يُتَّهم في صِدْقه، وتُطرح شهادته، ولا يُوثَق به ذلك أعمى وأضلّ سبيلًا. ولَعَمْرو أمير المؤمنين، إنّ أكْذَب النّاس مَن كذب على الله ووحْيه. وتخرّص الباطل، ولم يعرف الله حقيقة معرفته. فاجْمَعْ مَن بحضرتك من القُضاة، فاقرأ عليهم كتابنا وامتحنهم فيما

[1] سورة الزخرف، الآية 3.

[2]

سورة الأنعام، الآية 1.

[3]

سورة طه، الآية 99.

[4]

سورة هود، الآية 2.

ص: 20

يقولون، واكشفهم عمّا يعتقدون في خلق الله وإحداثه. ولِعلمهم أنّي غير مستعينٍ في عملٍ ولا واثقٌ بمن لَا يوثق. فإذا أقرّوا بذلك ووافقوا فمُرهم بنصّ مَن بحضرتهم من الشهود، ومسألتهم عن علمهم في القرآن، وترْك شهادة مَن لم يُقِرّ أنّه مخلوق. واكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم، والأمر لهم بمثل ذلك» [1] .

وكتب المأمون إليه أيضًا في إِشخاص سبعة أنفُس، وهم: محمد بن سعْد كاتب الواقديّ، ويحيى بن مَعِين، وأبو خَيْثَمَة، وأبو مسلم مُسْتملي يزيد بن هارون، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدَّوْرقيّ. فأُشْخِصوا إليه، فامتحنهم بخلْق القرآن فأجابوه، فردّهم من الرَّقّة إلى بغداد [2] .

وسبب طَلَبهم أنّهم توقّفوا أولًا، ثم أجابوه تَقِيّةً. وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بأن يحضر الفقهاء ومشايخ الحديث ويخبرهم بما أجاب به هؤلاء السبعة، ففعل ذلك، فأجابه طائفة وامتنع آخرون [3] . فكان يحيى بن مَعِين وغيره يقولون: أَجَبْنا خوفًا من السيف [4] .

ثم كتب المأمون كتابًا آخر من جنس الأول إلى إسحاق، وأمره بإحضار من امتنع، فأحضرَ جماعةً منهم: أحمد بن حنبل، وبِشْر بن الوليد الكِنْدِيّ، وأبو حسّان الزّياديّ، وعليّ بن أبي مقاتل، والفضل بن غانم، وعبيد الله بن عمر

[1] راجع نصّ الكتاب بكاملة في:

بغداد لابن طيفور 185- 187، وتاريخ الطبري 8/ 631- 634، والنجوم الزاهرة 2/ 218، 219، وتاريخ الخلفاء للسيوطي 308، 309.

[2]

بغداد لابن طيفور 187، وقد أخطأ ناشره فقال:«وزهير بن حرب، وأبو خيثمة» فجعلهما اثنين، وهما واحد إذ أن زهير بن حرب هو أبو خيثمة، وهذه كنيته، وانظر: تاريخ الطبري 8/ 634، والكامل في التاريخ 6/ 423، والعيون والحدائق 3/ 376، ونهاية الأرب 22/ 233، والبداية والنهاية 10/ 272، والنجوم الزاهرة 2/ 219، 220، وتاريخ الخلفاء 309.

[3]

بغداد لابن طيفور 187، تاريخ اليعقوبي 2/ 467، تاريخ الطبري 8/ 634، العيون والحدائق 3/ 376، الكامل في التاريخ 6/ 423، 424، نهاية الأرب 22/ 233، البداية والنهاية 10/ 272.

[4]

النجوم الزاهرة 2/ 220، تاريخ الخلفاء 310.

ص: 21

القَوَاريريّ، وعليّ بن الْجَعْد، وسَجّادة، والذّيّال بن الهيثم، وقُتَيبة بن سعيد وكان حينئذٍ ببغداد، وسَعْدويْه الواسطيّ، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وابن الهِرْش [1] ، وابن عُلَيّة الأكبر، ومحمد بن نوح العِجْليّ، ويحيى بن عبد الرحمن العُمَريّ، وأبو نصر التّمّار، وأبو مَعْمَر القطِيعيّ، ومحمد بن حاتم بن ميمون، وغيرهم.

وعُرِض عليهم كتاب المأمون فَعَرَّضوا ووَرَّوْا ولم يُجيبوا ولم يُنكروا.

فقال لبِشْر بن الوليد: ما تقول؟

قال، قد عرَّفْتُ أميرَ المؤمنين غيرَ مرّة.

قال: وإن، فقد تجدد من أمير المؤمنين كتاب.

قال: أقول: كلام الله.

قال: لم أسألك عن هذا. أمخلوقٌ هو؟

قال: ما أحُسِنُ غيرَ ما قلت لك. وقد استعهدتُ أميرَ المؤمنين أن لَا أتكلم فيه.

ثم قال لعليّ بن أبي مقاتل: ما تقول؟

قال: القرآن كلام الله، وإنْ أمَرَنَا أميرُ المؤمنين بشيءٍ سمِعنا وأطعنا.

وأجاب أبو حسان الزّياديّ بنحو من ذلك.

ثم قال لأحمد بن حنبل: ما تقول؟

قال: كلام الله.

قال: أمخلوقٌ هو؟

قال: هو كلام الله لَا أزيد على هذا.

ثم امتحن الباقين وكتب بجواباتهم.

وقال ابن البكّاء الأكبر: أقول القرآن مجعولٌ ومُحْدَثٌ لوُرُود النّصّ بذلك.

فقال له إسحاق بن إبراهيم: والمجعول مخلوق؟

قال: نعم.

قال: فالقرآن مخلوق؟

[1] في تاريخ الخلفاء 310 «ابن الهرس» بالسين المهملة، وهو تحريف.

ص: 22

قال: لَا أقول مخلوق [1] .

ثم وجّه بجواباتهم إلى المأمون، فورد عليه كتاب المأمون: بَلَغَنا ما أجاب به مُتَصَنِعَةُ أهل القِبْلة، ومُلْتَمِسُوا الرئاسة، فيما ليسوا له بأهلٍ. فمن لم يُجِب أنّه مخلوق فامنعْه من الفتوى والرواية.

ويقول في الكتاب: فأمّا ما قال بِشْر فقد كذب. لم يكن جرى بين أمير المؤمنين وبينه في ذلك عهد أكثر من إخبار أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص، والقول بأنّ القرآن مخلوق. فادعُ به إليك، فإنْ تاب فأَشْهِرْ أمره، وإِنْ أصرّ على شِرْكه، ودفع أن يكون القرآن مخلوقًا بكُفْره وإلحاده، فاضربْ عُنُقه، وابعث إلينا برأسه.

وكذلك إبراهيم بن المهْدي فامتَحِنْه، فإنْ أجاب، وإلّا فاضربْ عُنُقه.

وأمّا عليّ بن أبي مقاتل، فقُل له: ألستَ القائل لأمير المؤمنين: إنّك تحلِّل وتحرِّم.

وأما الذَّيّال، فأعلمه أنّه كان في الطّعام الذي سرقه من الأنبار ما يشغله.

وأمّا أحمد بن يزيد أبو العوّام وقوله إنّه لَا يُحْسِن الجواب في القرآن، فأَعْلِمْه أنّه صبيُّ، في عقله لَا في سِنِّه، جاهلٌ سيُحْسِن الجواب إذا أُدِّب. ثم إنْ لم يفعل كان السيفُ من وراء ذلك.

وأمّا أحمد بن حنبل، فأَعْلِمْه أنّ أمير المؤمنين قد عرف فحوى مقالته، واستدّل على جَهْله وآفته بها.

وأمّا الفضل بن غانم، فأَعلْمِهْ أنّه لم يَخْفَ على أمير المؤمنين ما كان منه بمصر، وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة، يعني في ولايته القضاء.

وأمّا الزّياديّ، فأَعلِمْه أنّه كان مُنتحلًا ولا كأوّلِ دَعِيٍّ. فأنكر أبو حسّان أن يكون مولى لزياد بن أبيه، وإنّما قيل له الزّياديّ لأمرٍ من الأمور.

[1] تاريخ الطبري 8/ 637- 639، العيون والحدائق 3/ 376، 377، الكامل في التاريخ 6/ 423- 425، نهاية الأرب 22/ 233- 235، البداية والنهاية 10/ 273، النجوم الزاهرة 2/ 220، 221، تاريخ الخلفاء 310، 311.

ص: 23

قال: وأمّا أبو نصر التّمّار، فإنّ أمير المؤمنين شبَّه خساسة عقله بخساسة متجره.

وأمّا ابن نوح، وابن حاتم، فأعْلِمْهم أنّهم مشاغيل بأكل الرِّبا عن الوقوف على التوحيد، وإنّ أمير المؤمنين لو لم يستحلّ محاربتهم في الله إلّا لإربائهم، وما نزل به كتابُ الله في أمثالهم لَاستحلّ ذلك. فكيف بهم وقد جمعوا مع الإرباء شِرْكًا، وصاروا [1] للنَّصارى شَبَهًا؟

وأمّا ابن شجاع، فأَعْلِمْه أنّك صاحبه بالأمس، والمستخرج منه ما استخرجه من المال الذي كان استحلَّه من مال الأمير عليّ بن هشام.

وأمّا سَعدويْه الواسطيّ، فقل له: قبّح الله رجلًا بلغ به التصنُّع للحديث والحِرص على الرئاسة فيه، أنْ تمنّى وقت المحنة.

وأمّا المعروف بسَجّادة، وإنكاره أن يكون سمع ممّن كان يجالس من الفقهاء القولَ بأنّ القرآن مخلوق، فأَعْلِمْه أنّ في شُغله بإعداد النَّوَى، وحُكمه لإصلاح سجّادته، وبالودائع الّتي دفعها إليه عليّ بن يحيى وغيره ما أذهله عن التوحيد.

وأمّا القواريريّ ففيما انكشف من أحواله، وقبوله الرّشا والمصانعات، ما أبان عن مذهبه وسوء طريقته وسخافة عقله ودينه.

وأمّا يحيى العُمريّ، فإنْ كان من ولد عمر بن الخطّاب فجوابه معروف.

وأمّا محمد بن الحسن بن عليّ بن عاصم، فإنّه لو كان مُقْتديًا بمن مضى من سلفه لم ينتحل النِّحْلَةَ التي حُكِيَتْ عنه، وأنّه بعدَ صبيٌّ يحتاج إلى أن يُعلَّم.

وقد كان أمير المؤمنين وجّه إليك المعروف بأبي مُسْهِر، بعد أن نصّه أمير المؤمنين عن محنته في القرآن، فجمجم عنها ولَجْلج فيها، حتّى دعا له أمير المؤمنين بالسيف، فأقرّ ذميمًا فأَنْصِصْه عن إقراره، فإنْ كان مقيمًا عليه فأشْهِر ذلك وأظْهِرْه. ومَن لم يرجع عن شِرْكه ممّن سمَّيتُ بعد بِشر، وابن المهديّ،

[1] في تاريخ الطبري 8/ 642 «وصار للنصارى مثلا» .

ص: 24