الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاحمِلْهم موثَّقين إلى عسكر أمير المؤمنين ليسألهم. فإنْ لم يرجعوا حملهم على السيف [1] .
قال: فأجابوا كلّهم عند ذلك، إلّا أحمد بن حنبل، وسجّادة، ومحمد بن نوح، والقواريريّ. فأمرَ بهم إسحاق فقُيِّدوا، ثم سألهم من الغد وهم في القيود فأجاب سجّادة. ثم عاودهم ثالثًا فأجاب القواريريّ ووجَّه بأحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح المضروب إلى طَرَسُوس. ثم بلغ المأمون أنهم إنما أجابوا مُكْرَهينَ، فغضِب وأمر بإحضارهم إليه. فلما صاروا إلى الرَّقَّةِ بَلَغَتهم
وفاةُ المأمون
. وكذا جاء الخبر بموت المأمون إلى أحمد [2] . ولطف الله تعالى وفرج.
وأمّا محمد بن نوح فكان عديلًا لأحمد بن حنبل في المَحْمل، فمات.
فوليه أحمد بالرَّحْبة وصلّى عليه ودفنه، رحمه الله تعالى.
[وفاة المأمون]
وأما المأمون فمرض بالروم، فلما اشتدّ مرضه طلب ابنَه العبّاس لِيَقْدم عليه، وهو يظنّ أنّه لَا يدركه، فأتاه وهو مجهود، وقد نفذت الكُتُب إلى البلدان، فيها: مِن عبد الله المأمون وأخيه أبي إسحاق الخليفة من بعده، بهذا النّصّ.
فقيل إنّ ذلك وُقِّع بأمر المأمون.
وقيل: بل كتبوا ذلك وقت غَشْيٍ أصابه، فأقام العبّاس عنده أيّامًا حتّى مات [3] .
[ذِكر وصيّة المأمون]
«هذا ما أشهد عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين أنّ الله وحده لَا شريك له في مُلكه، وأنّه خالقٌ وما سواه مخلوق. ولا يخلو القرآن من أن يكون
[1] انظر نصّ الكتاب كاملا في: تاريخ الطبري 8/ 640- 644.
[2]
تاريخ الطبري 8/ 644، 645، العيون والحدائق 3/ 377، الكامل في التاريخ 6/ 426، 427، نهاية الأرب 22/ 236، البداية والنهاية 10/ 273، 274، النجوم الزاهرة 2/ 222، تاريخ الخلفاء 311، 312.
[3]
تاريخ الطبري 8/ 645- 647، تاريخ الخلفاء 313.
شيئًا له مثلٌ، والله لَا مثل له» إلى أن قال:«والبعث حقّ، وإنّي مذنب أرجو وأخاف، فإذا متُّ فوجّهوني وليُصّلّ عليّ أقربكم منّي نَسَبًا، وليُكبّرْ خمسًا» .
وذكر وصايا من هذا النّوع، إلى أن قال: «فرحِم الله عبدًا اتَّعظ وفكّر فيما حتّم الله على جميع خلقه من الْفَنَاءِ، وقضى عليهم من الموت الذي لَا بدّ منه.
فالحمد للَّه الّذي توحّد بالبقاء. ثم لينظُر المرءُ ما كنت فيه من عزّ الخلاقة، هل أغنى عنّي شيئًا إذا جاء أمر الله؟ لَا والله. ولكن أضعِف به عليّ الحسنات. فيا لَيْتَ عبد الله بن هارون لم يكن بَشَرًا، بل ليته لم يكن شيئًا.
يا أبا إسحاق ادْنُ منّي واتَّعِظْ بما ترى، وخُذ بسيرة أخيك في القرآن، واعمل في الخلافة إذ طوّقَكَها اللَّهُ تعالى عمل المريد للَّه، الخائف من عقابه، ولا تغترّ باللَّه وتَمْهيله، فكأنْ قد نزل بك الموت. ولا تغفل عن أمر الرعيّة، الرعيّةَ الرعيّةَ، الْعَوَامَّ الْعَوَامَّ، فإنّ المُلْك بهم، اللَّهَ اللَّهَ فيهم وفي غيرهم.
يا أبا إسحاق عليك عهد الله، لتقَومّن بحقّ الله في عباده، ولتؤثِرَنّ طاعة الله على معصيته.
قال: اللَّهمّ نعم.
قال: فانظُر مَن كنت تسمعني أُقَدِّمه فأضْعِف له في التقدمة. وعبد الله بن طاهر أقرّه على عمله، وقد عرفت بلاءه وغَنَاءه.
وأبو عبد الله بن أبي دُؤاد لَا يُفارقك، وأشْرِكْه في المشورة في كل أمرك، ولا تتّخذنّ بعدي وزيرًا، فقد علمت ما نكبني به يحيى بن أكثم في معاملة الناس، وخُبْث سريرته حتّى أبعدْتُهُ. هؤلاء بنو عمّك من ذُرِّيَّة أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه أحسِنْ صُحْبتهم، وتجاوَزْ عن مُسِيئهم، وأَعطهِم الصِّلات [1] .
ثم تُوُفّي في رجب، ودفن بطرسوس [2] .
[1] تاريخ الطبري 8/ 647- 650، الكامل في التاريخ 6/ 429- 431، نهاية الأرب 22/ 437، 438.
[2]
انظر عن وفاة المأمون، في:
تاريخ خليفة 475، والمعرفة والتاريخ 1/ 202، وبغداد لابن طيفور 191، وتاريخ اليعقوبي