الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا)
قَوْلُهُ [1880](كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ فِي زَمَانِهِ (وَنَحْنُ نَمْشِي) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (وَنَشْرَبُ) عَطْفٌ عَلَى نَأْكُلُ (وَنَحْنُ قِيَامٌ) قَيْدٌ لِلْأَخِيرِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مَاشِيًا وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ
فَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى كَرَاهَةِ التنزيه وحديث بن عُمَرَ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ
قَوْلُهُ (وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ) بِمُهْمَلَاتٍ مُصَغَّرًا السَّدُوسِيُّ أَبُو عُبَيْدَةَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَأَبُو الْبَزْرِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا رَاءٌ (اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عُطَارِدٍ) مَقْبُولٌ من الرابعة
قوله [1882](حدثنا هشيم) هو بن بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ (وَمُغِيرَةُ) هو بن مقسم
الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ
قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ) قَالَ السُّيُوطِيُّ هَذَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلْقُعُودِ لِازْدِحَامِ النَّاسِ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ أَوِ ابْتِلَالِ الْمَكَانِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ شَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ
كَذَا فِي الْمُنْتَقَى
وَأَمَّا حَدِيثُ سعد وهو بن أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا فِي الْفَتْحِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ [1883](حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) هُوَ الْمَدَنِيُّ الْبَصْرِيُّ المعروف بغندر (عن حسين المعلم) هو بن ذَكْوَانَ الْعَوْذِيُّ
قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ أَبْصَرْتُهُ حَالَ كَوْنِهِ (يَشْرَبُ قَائِمًا) أَيْ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ (وَقَاعِدًا) أَيْ فِي سَائِرِ أَوْقَاتِهِ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَأَحَادِيثُ الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَسَلَكَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَسَالِكَ أَحَدُهَا التَّرْجِيحُ وَأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ أَثْبَتُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ فَقَالَ حَدِيثُ أَنَسٍ يَعْنِي فِي النَّهْيِ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلَافُهُ يَعْنِي فِي الْجَوَازِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ فِي النَّهْيِ أَثْبَتُ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ فِي الْجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الَّذِي يُقَابِلُهُ أَقْوَى لأن التثبت قَدْ يَرْوِي هُوَ وَمَنْ دُونَهُ الشَّيْءَ فَيُرَجَّحُ عَلَيْهِ فَقَدْ رُجِّحَ نَافِعٌ عَلَى سَالِمٍ فِي بعض الأحاديث عن بن عُمَرَ وَسَالِمٌ مُقَدَّمٌ عَلَى
نَافِعٍ فِي التَّثَبُّتِ وَقُدِّمَ شَرِيكٌ عَلَى الثَّوْرِيِّ فِي حَدِيثَيْنِ وَسُفْيَانُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ أَحَادِيثَ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لابأس بِالشُّرْبِ قَائِمًا
قَالَ الْأَثْرَمُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي النَّهْيِ لَيْسَتْ ثَابِتَةً وَإِلَّا لما قال لابأس به قال ويدل علي وهذه أَحَادِيثُ النَّهْيِ أَيْضًا اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِيءَ
الْمَسْلَكُ الثاني دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وبن شَاهِينٍ فَقَرَّرَا عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْجَوَازِ بِقَرِينَةِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمُعْظَمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالْجَوَازِ وَقَدْ عكس ذلك بن حَزْمٍ فَادَّعَى نَسْخَ أَحَادِيثِ الْجَوَازِ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْجَوَازَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ مُقَرِّرَةٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَمَنِ ادَّعَى الْجَوَازَ بَعْدَ النَّهْيِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ مُتَأَخِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في حديث الباب عن بن عَبَّاسٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَخِيرَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَيَتَأَيَّدُ بِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ فَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ هُنَا الْمَشْيُ يُقَالُ قَامَ فِي الْأَمْرِ إِذَا مَشَى فِيهِ وَقُمْتُ فِي حَاجَتِي إِذَا سَعَيْتُ فِيهَا وَقَضَيْتُهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِلَّا مَا دُمْتُ عَلَيْهِ قائما أَوْ مُوَاظِبًا بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى تَأْوِيلٍ آخَرَ وَهُوَ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَمِّ عِنْدَ شُرْبِهِ وَهَذَا إِنْ سُلِّمَ لَهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فِي بَقِيَّتِهَا
وَسَلَكَ آخَرُونَ فِي الْجَمْعِ حَمْلَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَحَادِيثَ الْجَوَازِ عَلَى بَيَانِهِ وهي طريقة الخطابي وبن بَطَّالٍ فِي آخَرِينَ
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَسَالِكِ وَأَسْلَمُهَا وَأَبْعَدُهَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَقَدْ أَشَارَ الْأَثْرَمُ إِلَى ذَلِكَ أَخِيرًا فَقَالَ إِنْ ثَبَتَتِ الْكَرَاهَةُ حُمِلَتْ عَلَى الْإِرْشَادِ وَالتَّأْدِيبِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا ثُمَّ حَرَّمَهُ أَوْ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ جَوَّزَهُ لَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ بَيَانًا وَاضِحًا فَلَمَّا تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِهَذَا
وَقِيلَ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ مَخَافَةَ وُقُوعِ ضَرَرٍ بِهِ فَإِنَّ الشُّرْبَ قَاعِدًا أَمْكَنُ وَأَبْعَدُ مِنَ الشَّرَقِ وَحُصُولِ الْوَجَعِ فِي الكبد أو الحلق وكل ذلك قد لايأمن مِنْهُ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ النَّهْيَ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَمَّا شُرْبُهُ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا فَبَيَانٌ لِلْجَوَازِ فَلَا إِشْكَالَ وَلَا تَعَارُضَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ نَسْخًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا وَكَيْفَ يُصَارُ إِلَى النَّسْخِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَوْ ثبت