الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ)
يُقَالُ عَقَّ وَالِدَهُ يَعُقُّهُ عُقُوقًا إِذَا آذَاهُ وَعَصَاهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ
قَوْلُهُ [1901](أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) الْكَبَائِرُ جَمْعُ الْكَبِيرَةِ وَهِيَ السَّيِّئَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي خَطِيئَتُهَا فِي نَفْسِهَا كَبِيرَةٌ وَعُقُوبَةُ فَاعِلِهَا عَظِيمَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَعْصِيَةٍ لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ وَقِيلَ الْكَبِيرَةُ مَا أَوْعَدَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ بِخُصُوصِهِ وَقِيلَ مَا عُيِّنَ لَهُ حَدٌّ وَقِيلَ النِّسْبَةُ إِضَافِيَّةٌ فَقَدْ يَكُونُ الذَّنْبُ كَبِيرَةً بِالنِّسْبَةِ لِمَا دُونَهُ صَغِيرَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَوْقَهُ وَقَدْ يَتَفَاوَتُ بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ
وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِرِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ
وَقَوْلُهُ (أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْحَصْرِ بَلْ مَنْ فِيهِ مُقَدَّرَةٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ أَنَّهَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قَتْلِ النَّفْسِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والترمذي والنسائي
وحديث بن مسعود أي الذنب أعظم فذكر فيه الزنى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةُ المرء في عرض رجل مسلم أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا مَنْعَ فَضْلِ الْمَاءِ وَمَنْعَ الْفَحْلِ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
وحديث بن عمررفعه أكبر الكبائر سوء الظن بالله أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْمُرَادُ بِهِ صُدُورُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إِلَّا فِي شِرْكٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ ما لم يتعنت الوالد وضبطه بن عَطِيَّةَ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي الْمُبَاحَاتِ فِعْلًا وَتَرْكًا وَاسْتِحْبَابُهَا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَفُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَذَلِكَ وَمِنْهُ تَقْدِيمُهُمَا عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ كَمَنْ دَعَتْهُ أُمُّهُ لِيُمَرِّضَهَا مَثَلًا بِحَيْثُ يَفُوتُ عَلَيْهِ فِعْلُ وَاجِبٍ إِنِ اسْتَمَرَّ عِنْدَهَا وَيَفُوتُ مَا قَصَدَتْهُ مِنْ تَأْنِيسِهِ لَهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنْ لَوْ تركها
وَفَعَلَهُ وَكَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ مَعَ فَوَاتِ الْفَضِيلَةِ كَالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ فِي الْجَمَاعَةِ (قَالَ وَجَلَسَ) أَيْ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْأَمْرِ وَهُوَ يُفِيدُ تَأْكِيدَ تَحْرِيمِهِ وَعِظَمَ قُبْحِهِ (وَكَانَ مُتَّكِئًا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَسَبَبُ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ كَوْنُ قَوْلِ الزُّورِ أَوْ شَهَادَةُ الزُّورِ أَسْهَلُ وُقُوعًا عَلَى النَّاسِ وَالتَّهَاوُنُ بِهَا أَكْثَرُ فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ
وَالْعُقُوقُ يَصْرِفُ عَنْهُ الطَّبْعُ وَأَمَّا الزُّورُ فَالْحَوَامِلُ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ كَالْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا فَاحْتِيجَ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِتَعْظِيمِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِظَمِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنَ الْإِشْرَاكِ قَطْعًا بَلْ لِكَوْنِ مَفْسَدَةِ الزُّورِ مُتَعَدِّيَةً إِلَى غَيْرِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ الشِّرْكِ فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُ قَاصِرَةٌ غَالِبًا
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَأْتِي أَيْضًا بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي الشَّهَادَاتِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ [1902](مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ سَبَّ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ
وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ تَقْتَضِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْكَبَائِرَ مُتَفَاوِتَةٌ وَبَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ (وَهَلْ يَشْتِمُ) بِكَسْرِ عَيْنِهِ وَيُضَمُّ أَيْ يَسُبُّ (الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ) أَيْ هَلْ يَقَعُ ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِبْعَادٌ مِنَ السَّائِلِ لِأَنَّ الطَّبْعَ الْمُسْتَقِيمَ يَأْبَى ذَلِكَ فَبَيَّنَ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاطَ السَّبَّ بِنَفْسِهِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ لَكِنْ قَدْ يَقَعُ التَّسَبُّبُ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ كَثِيرًا (قَالَ نَعَمْ) أَيْ يَقَعُ حَقِيقَةً تَارَةً وَهُوَ نَادِرٌ وَمَجَازٌ أُخْرَى وَهُوَ كَثِيرٌ لَكِنْ مَا تَعْرِفُونَهُ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ) أَيِ الرَّجُلَ (أَبَاهُ) أَيْ أَبَا مَنْ سَبَّهُ (وَيَشْتُمُ) أَيْ تَارَةً أُخْرَى وَقَدْ يَجْمَعُ وَيَشْتُمُ أَيْضًا (أُمَّهُ) أَيْ أُمَّ الرَّجُلِ (فَيَشْتُمُ) أَيِ الرَّجُلَ (أُمَّهُ) أَيْ أُمَّ سَابِّهِ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّتْمِ وَالسَّبِّ تَفَنُّنٌ فَفِي الْقَامُوسِ شَتَمَهُ يَشْتُمُهُ وَيَشْتِمُهُ سَبَّهُ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ السَّبُّ أَعَمُّ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلَّعْنِ أَيْضًا بخلاف الشتم