الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدَّجَّالِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً بَدِيهِيَّةً يُدْرِكُهَا كُلُّ أَحَدٍ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى كَوْنِهِ جِسْمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ لِكَوْنِ بَعْضِ الْعَوَامِّ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
1 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ بن صَيَّادٍ)
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يُقَالُ له بن صياد وبن صَائِدٍ وَسُمِّيَ بِهَا فِي الْأَحَادِيثِ وَاسْمُهُ صَافٍ
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ وَأَمْرُهُ مُشْتَبِهٌ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أَمْ غَيْرُهُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ وَلَا غَيْرُهُ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إليه بصفات الدجال وكان في بن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمَلَةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ الدَّجَّالُ وَلَا غَيْرُهُ وَلِهَذَا قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِأَنَّهُ هُوَ مُسْلِمٌ وَالدَّجَّالُ كَافِرٌ وَبِأَنَّهُ لَا يُولَدُ لِلدَّجَّالِ وَقَدْ وُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وأن بن صَيَّادٍ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَكَّةَ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ صِفَاتِهِ وَقْتَ فِتْنَتِهِ وَخُرُوجِهِ فِي الْأَرْضِ
وَمِنَ اشْتِبَاهِ قِصَّتِهِ وَكَوْنِهِ أَحَدَ الدَّجَاجِلَةِ الْكَذَّابِينَ قَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ صَادِقٌ وَكَاذِبٌ وَأَنَّهُ يَرَى عَرْشًا فَوْقَ الْمَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالُ وَأَنَّهُ يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ
وَقَوْلُهُ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ وَانْتِفَاخَهُ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ وَأَمَّا إِظْهَارُهُ الْإِسْلَامَ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَإِقْلَاعُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي أَنَّهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَمْرِهِ بَعْدَ كِبَرِهِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَشَفُوا عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ وَقِيلَ لهم اشهدوا
قال وكان بن عُمَرَ وَجَابِرٌ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا يَحْلِفَانِ أَنَّ بن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ لَا يَشُكَّانِ فِيهِ فَقِيلَ لِجَابِرٍ إِنَّهُ أَسْلَمَ فَقَالَ وَإِنْ أَسْلَمَ فَقِيلَ إِنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ
فَقَالَ وَإِنْ دَخَلَ
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بإسناد صحيح عن جابر قال فقدنا بن صَيَّادٍ يَوْمَ الْحِرَّةِ وَهَذَا يُبْطِلُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَنَّ بن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ وَأَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رضي الله عنه يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ
يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
وَرَوَى أبو داود بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَشُكُّ في أن بن صَيَّادٍ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِ بن صَيَّادٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا هَلْ هُوَ الدَّجَّالُ قَالَ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ احْتَجَّ بِحَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ تُوَافِقَ صفة بن صَيَّادٍ صِفَةَ الدَّجَّالِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ بِالدَّجَّالِ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ قَطَنٍ وَلَيْسَ هُوَ هُوَ
قَالَ وَكَانَ أَمْرُ بن صَيَّادٍ فِتْنَةً ابْتَلَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عِبَادَهُ فَعَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا الْمُسْلِمِينَ وَوَقَاهُمْ شَرَّهَا
قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَكْثَرُ مِنْ سُكُوتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُ عُمَرَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَالْمُتَوَقِّفِ فِي أَمْرِهِ ثُمَّ جَاءَهُ الْبَيَانُ أَنَّهُ غَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ وَاخْتَارَ أَنَّهُ غَيْرُهُ
وقدمنا أنه صح عن عمرو عن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ رضي الله عنهم أَنَّهُ الدَّجَّالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ لَمْ يَقْتُلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ ادَّعَى بِحَضْرَتِهِ النُّبُوَّةَ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْجَوَابَ
وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ فِي أَيَّامِ مُهَادَنَةِ الْيَهُودِ وَحُلَفَائِهِمْ وَجَزَمَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ بِهَذَا الْجَوَابِ الثَّانِي قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ كَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِ كِتَابَ صُلْحٍ عَلَى أَنْ لَا يُهَاجُوا وَيُتْرَكُوا على أمرهم وكان بن صَيَّادٍ مِنْهُمْ أَوْ دَخِيلًا فِيهِمْ
[2246]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ) هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّوَّاسِيُّ (أخبرنا عبد الأعلى) هو بن عَبْدِ الْأَعْلَى الْبَصْرِيُّ الشَّامِيُّ (عَنِ الْجَرِيرِيِّ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ) هُوَ الْعَبْدِيُّ
قَوْلُهُ (إِمَّا حُجَّاجًا وَإِمَّا مُعْتَمِرِينَ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ صَحِبَ وَمَفْعُولُهُ (وَتُرِكَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَلَمَّا خَلَصَتْ بِهِ) أَيِ انْفَرَدَتْ بِهِ (اقْشَعْرَرَتْ مِنْهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ أَخَذَتْهُ قُشَعْرِيرَةٌ أَيْ رِعْدَةٌ (حَيْثُ تِلْكَ الشَّجَرَةُ) أَيْ عِنْدَهَا (هَذَا الْيَوْمُ يَوْمٌ صَائِفٌ) أَيْ حَارٌّ (ثم اختنق
أَيْ أَعْصِرُ حَلْقِي بِذَلِكَ الْحَبْلِ وَأَمُوتُ (وَهُوَ) ضمير الشأن (ذا) أي بن صَيَّادٍ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ (فَلَعَلَّهُ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ) أَيْ ظَنَنْتُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ النَّاسُ فِي حَقِّهِ مِنْ أَنَّهُ دَجَّالٌ هُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ وَالِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ السَّاعَةَ مِنَ الْأَرْضِ) زَادَ مُسْلِمٌ قَالَ فَلَبَسَنِي قَالَ النَّوَوِيُّ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ جَعَلَنِي أَلْتَبِسُ فِي أَمْرِهِ وَأَشُكُّ فِيهِ قَالَ القارىء يَعْنِي حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا أَنَا مُسْلِمٌ ثُمَّ ادَّعَى الْغَيْبَ بِقَوْلِهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَ الْغَيْبِ فَقَدْ كَفَرَ فَالْتَبَسَ عَلَيَّ إِسْلَامُهُ وَكُفْرُهُ (فَقُلْتُ تَبًّا لَكَ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ هَلَاكًا وَخُسْرَانًا (سَائِرَ الْيَوْمِ) أَيْ جَمِيعَ الْيَوْمِ أَوْ بَاقِيهِ أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْيَوْمِ قَدْ خَسِرْتُ فِيهِ فَكَذَا فِي بَاقِيهِ
قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم
[2249]
قَوْلُهُ (عِنْدَ أُطُمٍ) بِضَمَّتَيْنِ الْقَصْرُ وَكُلُّ حِصْنٍ مَبْنِيٌّ بِحِجَارَةٍ وَكُلُّ بَيْتٍ مُرَبِّعٍ مُسَطَّحٍ الْجَمْعُ آطَامٌ وَأُطُومٌ (بَنِي مَغَالَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بني مغالة وفي بعضها بن مَغَالَةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَغَالَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ الْحَسَنَ الْحَلْوَانِيَّ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ أَنَّهُ أُطُمُ بَنِي مُعَاوِيَةَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ
قَالَ الْقَاضِي وَبَنُو مَغَالَةَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى يَمِينِكَ إِذَا وَقَفْتَ آخِرَ الْبَلَاطِ مُسْتَقْبِلَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَهُوَ غُلَامٌ) وفي رواية مسلم وقد قارب بن صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ (فَلَمْ يَشْعُرْ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ظهره) أي ظهر بن صَيَّادٍ (ثُمَّ قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ) قَالَ الْقَاضِي يُرِيدُ بِهِمُ الْعَرَبَ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كانوا لا يكتبون ولا يقرأون
وما ذكره
وَإِنْ كَانَ حَقًّا مِنْ قِبَلِ الْمَنْطُوقِ لَكِنَّهُ يُشْعِرُ بِبَاطِلٍ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْعَرَبِ غَيْرُ مَبْعُوثٍ إِلَى الْعَجَمِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْيَهُودِ وَهُوَ إِنْ قَصَدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَاذِبُ الَّذِي يَأْتِيهِ وَهُوَ شَيْطَانُهُ انْتَهَى
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مسلم فَقَالَ لَا بَلْ تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَلَامُ خَارِجٌ عَلَى إِرْخَاءِ الْعِنَانِ أَيْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَتَفَكَّرْ هل أنت منهم انتهى
قال القارىء وَفِيهِ إِبْهَامُ تَجْوِيزِ التَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ مِنَ الرُّسُلِ أَمْ لَا وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ
فَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَمِلَ بِالْمَفْهُومِ كَمَا فَعَلَهُ الدَّجَّالُ
فَالْمَعْنَى أَنِّي آمَنْتُ بِرُسُلِهِ وَأَنْتَ لَسْتَ مِنْهُمْ فَلَوْ كُنْتَ مِنْهُمْ لَآمَنْتُ بِكَ
وَهَذَا أَيْضًا عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْخَاتِمَةِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ بِهِ انْتَهَى
(يَأْتِينِي صَادِقٌ) أَيْ خَبَرٌ صَادِقٌ تَارَةً (وَكَاذِبٌ) أَيْ أُخْرَى
وَقِيلَ حَاصِلُ السُّؤَالِ أَنَّ الَّذِي يَأْتِيكَ مَا يَقُولُ لَكَ وَمُجْمَلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ يُحَدِّثُنِي بِشَيْءٍ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا (فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خُلِّطَ) بصيغة المجهول من التخليط
قال النَّوَوِيُّ أَيْ مَا يَأْتِيكَ بِهِ شَيْطَانُكَ مُخَلَّطٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ تَارَاتٌ يصيب في بعضها ويخطىء فِي بَعْضِهَا فَلِذَلِكَ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ (وَإِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ) أَيْ أَضْمَرْتُ فِي نَفْسِي (خَبِيئًا) أَيِ اسْمًا مُضْمَرًا لَتُخْبِرَنِّي بِهِ (وَهُوَ الدُّخُّ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي الدُّخَانِ وَحَكَى صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ فِيهِ فَتْحَ الدَّالِ وَضَمَّهَا وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ ضَمُّهَا فَقَطْ
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخِّ هُنَا الدُّخَانُ وَأَنَّهَا لُغَةٌ فِيهِ وَخَالَفَهُمُ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ لَا مَعْنَى لِلدُّخَانِ هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُخَبَّأُ فِي كَفٍّ أَوْ كُمٍّ كَمَا قَالَ بَلِ الدُّخُّ بَيْتٌ مَوْجُودٌ بَيْنَ النَّخِيلِ وَالْبَسَاتِينِ قَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَبَّأْتُ أَضْمَرْتُ لَكَ اسْمَ الدُّخَانِ فَيَجُوزُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَضْمَرَ لَهُ آيَةَ الدُّخَانِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَقِيلَ كَانَتْ سُورَةُ الدُّخَانِ مَكْتُوبَةً فِي يَدِهِ صلى الله عليه وسلم
وَقِيلَ كَتَبَ الْآيَةَ فِي يَدِهِ
قَالَ الْقَاضِي وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي أَضْمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا لِهَذَا اللَّفْظِ النَّاقِصِ عَلَى عَادَةِ الْكُهَّانِ إِذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ إِلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَخْطَفُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ
الشِّهَابُ انْتَهَى
قَالَ صَاحِبُ اللُّمَعَاتِ هَذَا إِمَّا لِكَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوْ كَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَسَمِعَهُ الشَّيْطَانُ فَأَلْقَاهُ إِلَيْهِ انْتَهَى (اخْسَأْ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الهمزة كلمة زجر واستهانة من الخسؤ وَهُوَ زَجْرُ الْكَلْبِ أَيِ امْكُثْ صَاغِرًا أَوِ ابْعُدْ حَقِيرًا أَوِ اسْكُتْ مَزْجُورًا (فَلَنْ تَعْدُوَ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ فَلَنْ تُجَاوِزَ (قَدْرَكَ) أَيِ الْقَدْرَ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْكُهَّانُ مِنَ الِاهْتِدَاءِ إِلَى بعض الشيء ومالا يَبِينُ مِنْهُ حَقِيقَتُهُ وَلَا يَصِلُ بِهِ إِلَى بَيَانِ وَتَحْقِيقِ أُمُورِ الْغَيْبِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا تَتَجَاوَزْ عَنْ إِظْهَارِ الْخَبِيَّاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْكَهَنَةِ إِلَى دَعْوَى النُّبُوَّةِ فَتَقُولُ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ (إِنْ يَكُ حَقًّا) أَيْ إِنْ يَكُ بن صياد دجالا (فلن تسلط عليه) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ دَعْهُ فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي تَخَافُ لَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ (فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ) أَيْ إِمَّا لِكَوْنِهِ صَغِيرًا أَوْ ذِمِّيًّا
وَفِي حَدِيثٍ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ إِنْ يَكُنْ هُوَ فلست صاحبه إنما صاحبه عيسى ومريم
وَإِلَّا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رجلا من أهل العهد
وحديث بن عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ
[2247]
قَوْلُهُ (وَلَهُ ذُؤَابَةٌ) بِالضَّمِّ النَّاصِيَةُ أَوْ مَنْبَتُهَا مِنَ الرَّأْسِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الذُّؤَابَةُ الشَّعْرُ الْمَضْفُورُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ (قَالَ أَرَى عَرْشًا) أَيْ سَرِيرًا (قَالَ أَرَى صَادِقًا وَكَاذِبَيْنِ أَوْ صَادِقَيْنِ وَكَاذِبًا) هَذَا الشَّكُّ من بن صياد فِي عَدَدِ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ يَدُلُّ عَلَى افْتِرَائِهِ إِذِ الْمُؤَيَّدُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ (لُبِسَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ اللَّبْسِ أَوِ التَّلْبِيسِ أَيْ خُلِطَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ (فَدَعَاهُ) بِصِيغَةٍ الأمر لِلتَّثْنِيَةِ مِنْ وَدَعَ يَدَعُ أَيِ اتْرُكَاهُ
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ دَعُوهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَحُسَيْنِ بْنِ علي الخ) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ مَرَّ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ مُسْلِمٍ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَأَمَّا حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرُجهُمَا مُسْلِمٌ
وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وَحَدِيثُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[2248]
قَوْلُهُ (وَأَقَلُّهُ مَنْفَعَةً) أَيْ أَقَلُّ شَيْءٍ مَنْفَعَةً (تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ) قَالَ الْقَاضِي أَيْ لَا تُقْطَعُ أَفْكَارُهُ الْفَاسِدَةُ عَنْهُ عِنْدَ النَّوْمِ لِكَثْرَةِ وَسَاوِسِهِ وَتَخَيُّلَاتِهِ وَتَوَاتُرِ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ إِلَيْهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ يَنَامُ قَلْبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَفْكَارِهِ الصَّالِحَةِ بِسَبَبِ ما تواتر عليه من الوحي وا لهام (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَبُوهُ طُوَالٌ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ مُبَالَغَةُ طَوِيلٍ وَالْمُشَدَّدُ أَكْثَرُ مُبَالَغَةً لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الرِّوَايَةُ (ضَرْبُ اللَّحْمِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْخَفِيفُ اللَّحْمُ الْمُسْتَدَقُّ وَفِي صِفَةِ مُوسَى عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ (كَأَنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (أَنْفَهُ مِنْقَارٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ فِي أَنْفِهِ طُولٌ بِحَيْثُ يُشْبِهُ مِنْقَارَ طَائِرِ (وَأُمُّهُ امْرَأَةٌ فِرْضَاخِيَّةٌ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أي ضخمة عظيمة ذكره الْقَاضِي
وَفِي الْفَائِقِ هِيَ صِفَةٌ بِالضَّخْمِ وَقِيلَ بِالطُّولِ وَالْيَاءُ مَزِيدَةٌ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ كَأَحْمَرِيٍّ
وَفِي الْقَامُوسِ رَجُلٌ فَرِضَاخٌ ضَخْمٌ عَرِيضٌ أَوْ طَوِيلٌ وَهِيَ بِهَاءٍ أَوِ امْرَأَةٌ فِرْضَاخَةٌ أَوْ فِرْضَاخِيَّةٌ عَظِيمَةُ الثَّدْيَيْنِ
وَفِي النِّهَايَةِ فِرْضَاخِيَّةٌ ضَخْمَةٌ عَظِيمَةُ الثَّدْيَيْنِ (فَإِذَا نَعَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمَا) أَيْ وَصْفُهُ مَوْجُودٌ
فِيهِمَا (فَإِذَا هُوَ) أَيِ الْغُلَامُ (مُنْجَدِلٌ بِكَسْرِ الدَّالِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مُلْقًى عَلَى الْجَدَالَةِ وهي الأرض
ومنه الحديث أنا خاتم الأنبياء فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَآدَمُ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ (فِي قَطِيفَةٍ (أَيْ دِثَارٍ مُخَمَّلٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ (وَلَهُ هَمْهَمَةٌ) أَيْ زَمْزَمَةٌ
وَقِيلَ أَيْ كَلَامٌ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْهُ شَيْءٌ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ تَرْدِيدُ الصَّوْتِ فِي الصَّدْرِ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ وَأَصْلُ الْهَمْهَمَةِ صَوْتُ الْبَقَرِ (فَكَشَفَ) أي بن صَيَّادٍ (عَنْ رَأْسِهِ) أَيْ غِطَاءَهُ (فَقَالَ مَا قُلْتُمَا) فَكَأَنَّهُ وَقَعَ كَلَامٌ بَيْنَهُمَا فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي سَنَدِهِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ
2 -
باب [2250] قَوْلُهُ (مَا عَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ) أَيْ مَوْلُودَةٌ (يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَعِيشُ بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ سَوَاءٌ قَلَّ عُمُرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَيْشِ أَحَدٍ يُوجَدُ بَعْدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ وَمَعْنَى نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ أَيْ مَوْلُودَةٍ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَوْتِ الْخَضِرِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْخَضِرَ كَانَ حِينَئِذٍ مِنْ سَاكِنِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ
قَالُوا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَبْقَى مِمَّنْ تَرَوْنَهُ أَوْ تَعْرِفُونَهُ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَقِيلَ احْتَرَزَ بِالْأَرْضِ عَنِ الْمَلَائِكَةِ وَقَالُوا خَرَجَ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ حَيٌّ لِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ لَا فِي الْأَرْضِ
وَخَرَجَ إِبْلِيسُ لِأَنَّهُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ
وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّامَ فِي الأرض عهدية والمراد أرض المدينة والحق وأنها لِلْعُمُومِ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْمُرَادُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ وَأُمَّةُ الدَّعْوَةِ وَخَرَجَ عِيسَى وَالْخَضِرُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أُمَّتِهِ فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ عِيسَى يَحْكُمُ بِشَرِيعَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ
وَالْقَوْلُ فِي الْخَضِرِ إِنْ كَانَ حَيًّا كَالْقَوْلِ فِي عِيسَى وَقَالَ فِي بَابِ حَدِيثِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى عليهما السلام وَالَّذِي جَزَمَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ الْآنَ الْبُخَارِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْمُنَادِي وَأَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ وَأَبُو طَاهِرٍ الْعَبَّادِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَطَائِفَةٌ
وَعُمْدَتُهُمُ الحديث المشهور عن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ ممن هو عليها اليوم أحد
قال بن عُمَرَ أَرَادَ بِذَلِكَ انْخِرَامَ قَرْنِهِ
وَمِنْ حُجَجِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا جَعَلْنَا لبشر من قبلك الخلد
وحديث بن عَبَّاسٍ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَلَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا قَاتَلَ مَعَهُ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ
فَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ مَوْجُودًا لَمْ يَصِحَّ هَذَا النَّفْيُ
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا
فَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ مَوْجُودًا لَمَا حَسُنَ التَّمَنِّي وَلَأَحْضَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَرَاهُ الْعَجَائِبَ
وَكَانَ أَدْعَى لِإِيمَانِ الْكَفَرَةِ لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْكِتَابِ
وَجَاءَ فِي اجْتِمَاعِهِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف أخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ كَلَامًا فَقَالَ يَا أَنَسُ اذْهَبْ إِلَى هَذَا الْقَائِلِ فَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرُ لِي فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ قُلْ لَهُ إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِمَا فَضَّلَ بِهِ رَمَضَانَ عَلَى الشُّهُورِ
قَالَ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَإِذَا هُوَ الْخَضِرُ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
ثُمَّ ذَكَرَ الحافظ أحاديث واثار مَعَ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ وأبو عروبة من طريق رياح بالتحتانية بن عُبَيْدَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا يُمَاشِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ لَهُ مَنِ الرَّجُلُ قَالَ رَأَيْتُهُ قُلْتُ نَعَمْ
قَالَ أَحْسِبُكَ رَجُلًا صَالِحًا ذَاكَ أَخِي الْخَضِرُ بَشَّرَنِي أَنِّي سَأُوَلَّى وَأَعْدِلُ
لَا بَأْسَ بِرِجَالِهِ
وَلَمْ يَقَعْ لِي إِلَى الْآنَ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ غَيْرُهُ
وَهَذَا لَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ فِي مِائَةِ سَنَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْمِائَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَضِرَ مَوْجُودٌ الْآنَ والله تعالى أعلم
قوله (وفي الباب عن بن عمر وأبي سعيد وبريدة) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ
وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[2251]
قَوْلُهُ (وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ عَارِفٌ بِالنَّسَبِ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) جَاءَ مُقَيَّدًا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم بِشَهْرٍ (فَقَالَ أَرَأَيْتَكُمْ) قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ لِأَنَّهَا ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ وَالْكَافُ ضَمِيرٌ ثَانٍ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ وَالْهَمْزَةُ الْأُولَى لِلِاسْتِفْهَامِ وَالرُّؤْيَةُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ أَوِ الْبَصَرِ
وَالْمَعْنَى أُعْلِمْتُمْ أَوْ أَبْصَرْتُمْ لَيْلَتَكُمْ وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَاضْبُطُوهَا انْتَهَى (عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ عِنْدَ انْتِهَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ (لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) أَيْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ (فَوَهَلَ النَّاسُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطُوا يُقَالُ وَهَلَ بِفَتْحِ الْهَاءِ يَهِلُ بِكَسْرِهَا وَهَلًا أَيْ غَلِطَ وَذَهَبَ وَهْمُهُ إِلَى خلاف الصواب وأما وهلت بكسرها أو هل بِفَتْحِهَا وَهَلًا كَحَذِرْتُ أَحْذَرُ حَذَرًا فَمَعْنَاهُ فَزِعْتُ
وَالْوَهَلُ بِالْفَتْحِ الْفَزَعُ (فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ نَحْوَ مِائَةِ سَنَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ