الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِجَارَتِهَا الْمَوْجُودَ عِنْدَهَا لِاسْتِقْلَالِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَجُودَ لَهَا بِمَا تَيَسَّرَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ وَذَكَرَ الْفِرْسِنَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ إِنَّمَا وَقَعَ لِلْمُهْدَى إِلَيْهَا وَأَنَّهَا لَا تَحْتَقِرُ مَا يُهْدَى إِلَيْهَا وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى
وَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى التَّهَادِي وَلَوْ بِالْيَسِيرِ لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِجْلَابِ الْمَوَدَّةِ وَإِذْهَابِ الشَّحْنَاءِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى أَمْرِ الْمَعِيشَةِ وَالْهَدِيَّةُ إِذَا كَانَتْ يَسِيرَةً فَهِيَ أَدَلُّ عَلَى الْمَوَدَّةِ وَأَسْقَطُ لِلْمُؤْنَةِ وَأَسْهَلُ عَلَى الْمُهْدِي لِإِطْرَاحِ التَّكَلُّفِ وَالْكَثِيرُ قَدْ لَا يَتَيَسَّرُ كُلَّ وَقْتٍ وَالْمُوَاصَلَةُ بِالْيَسِيرِ تَكُونُ كَالْكَثِيرِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (أَبُو مَعْشَرٍ اسْمُهُ نَجِيحٌ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ نَجِيحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّنْدِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو مَعْشَرٍ وَهُوَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ أَسَنَّ وَاخْتَلَطَ مَاتَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْهِلَالِ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ في أول الهبة من طريق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصدر الحديث
وقال غريب وأبو معشر يضعف
وَقَالَ الطَّرْقِيُّ إِنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ كَذَا قَالَ وَقَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ نَعَمْ مَنْ زَادَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ فَرِوَايَتُهُمْ أَوْلَى انْتَهَى
(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)
قَوْلُهُ [2131](مَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلَخْ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الرُّجُوعِ في الهبة
وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ بَابَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَصَدَقَتِهِ وَقَدِ اسْتَثْنَى الْجُمْهُورُ مَا يَأْتِي عَنِ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَنَحْوِهِ وَذَهَبَتِ الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلى حل الرجوع في الهبة دون الصَّدَقَةِ إِلَّا الْهِبَةَ لِذِي رَحِمٍ قَالُوا وَالْحَدِيثُ الْمُرَادُ بِهِ التَّغْلِيظُ فِي الْكَرَاهَةِ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُهُ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَإِنِ اقْتَضَى التَّحْرِيمَ لَكِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ كَالْكَلْبِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْكَلْبَ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ فَالْقَيْءُ لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ التَّنَزُّهُ عَنْ فِعْلٍ يُشْبِهُ فِعْلَ الْكَلْبِ وتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ التَّأْوِيلِ وَمُنَافَرَةِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ لَهُ وَعُرْفُ الشَّرْعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الزَّجْرُ الشَّدِيدُ كَمَا وَرَدَ النَّهْيُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَنَقْرِ الْغُرَابِ وَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُفْهَمُ مِنَ الْمَقَامِ إِلَّا التَّحْرِيمُ وَالتَّأْوِيلُ الْبَعِيدُ لا يلتفت إليه
وحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه عن بن عَبَّاسٍ وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عَبَّاسٍ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو) أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
قَوْلُهُ [2132](لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ إِلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي تَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ صَرْفٌ لَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ (ثُمَّ يَرْجِعَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يُعْطِي (فِيهَا) أَيْ فِي عَطِيَّتِهِ (إِلَّا الْوَالِدَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فَقَالُوا لِلْأُمِّ أَنْ تَرْجِعَ إِنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا دُونَ مَا إِذَا مَاتَ وَقَيَّدُوا رُجُوعَ الْأَبِ بِمَا إِذَا كَانَ الِابْنُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَسْتَحْدِثْ دَيْنًا أَوْ يَنْكِحَ وَبِذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا
وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ مُطْلَقًا
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ صَغِيرًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ وَكَذَا إِنْ كَانَ كَبِيرًا وَقَبَضَهَا قَالُوا وَإِنْ كَانَتِ الْهِبَةُ لِزَوْجٍ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ لِذِي رَحِمٍ لَمْ يَجُزِ الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَوَافَقَهُمْ إِسْحَاقُ فِي ذِي الرَّحِمِ وَقَالَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَرْجِعَ بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَالِاحْتِجَاجُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ يَطُولُ
وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْوَلَدَ وَمَالَهُ لِأَبِيهِ
فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ رُجُوعًا وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ رُجُوعًا فَرُبَّمَا اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةُ التَّأْدِيبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ) أَيْ لِغَيْرِ وَلَدِهِ (أَكَلَ) أَيِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْمُوكَلِ كُلَّ شَيْءٍ (حَتَّى إِذَا شَبِعَ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ
قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ لِمَنْ وَهَبَ هِبَةً أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ إِلَخْ) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ أعلم