الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْتَ مَوْلَايَ وَلَكَ وَلَائِي
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَلَاءَ الْعِتْقِ لِعَطْفِهِ عَلَى قَوْلِهِ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْوَعِيدِ فَإِنَّ الْعِتْقَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ فَإِذَا نُسِبَ إِلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ كَانَ كَالدَّعِيِّ الَّذِي تَبَرَّأَ عَمَّنْ هُوَ مِنْهُ وَأَلْحَقَ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ بِالطَّرْدِ وَالْإِبْعَادِ عَنِ الرَّحْمَةِ انْتَهَى
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي غِلَظِ تَحْرِيمِ انْتِمَاءِ الْإِنْسَانِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتِمَاءِ الْعَتِيقِ إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرِ النِّعْمَةِ وَتَضْيِيعِ حُقُوقِ الْإِرْثِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْعُقُوقِ (وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ عَهْدُهُمْ وَأَمَانُهُمْ (وَاحِدَةٌ) أَيْ أَنَّهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَرَاتِبِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهَا لِتَفَرُّدِ الْعَاقِدِ بِهَا (يَسْعَى بِهَا) أَيْ يَتَوَلَّاهَا وَيَلِي أَمْرَهَا (أَدْنَاهُمْ) أَيْ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ مَرْتَبَةً
والْمَعْنَى أَنَّ ذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ صَدَرَتْ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ شَرِيفٍ أَوْ وَضِيعٍ فَإِذَا أَمَّنَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا وَأَعْطَاهُ ذِمَّةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ وَفِي الْجِزْيَةِ وَفِي الْفَرَائِضِ وَفِي الِاعْتِصَامِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْحَافِظُ هَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ وَخَالَفَهُمْ شُعْبَةُ فَرَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ سُوَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ
(بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَنْتَفِي مِنْ وَلَدِهِ)
أَيْ بِالتَّعْرِيضِ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّلَاقِ عَلَى حديث الباب إذا عرض بنفي الولد
قَوْلُهُ [2128](جَاءَ رَجُلٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
قَالَ الْحَافِظُ وَاسْمُ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ ضَمْضَمُ بْنُ قَتَادَةَ (إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ أَيِ اسْتَنْكَرْتُهُ بِقَلْبِي وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَنْكَرَ كَوْنَهُ ابْنَهُ بِلِسَانِهِ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ وَهُوَ حِينَئِذٍ يَعْرِضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ لَيْسَ قَذْفًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِذَلِكَ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ مَفْهُومًا وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ أَنَّ التَّعْرِيضَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْقَذْفُ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَذْفُ كَمَا يُفْهَمُ مِنَ التَّصْرِيحِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِدَفْعِ ذَلِكَ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُرِدْ قَذْفًا بَلْ جَاءَ سَائِلًا مُسْتَفْتِيًا عَنِ الْحُكْمِ لِمَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الرِّيبَةِ فَلَمَّا ضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ أَذْعَنَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَالَ حُمْرٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ أَحْمَرَ (فَهَلْ فِيهَا أَوْرَقُ) قَالَ الْحَافِظُ الْأَوْرَقُ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ لَيْسَ بِحَالِكٍ بَلْ يَمِيلُ إِلَى الْغَبَرَةِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَمَامَةِ وَرْقَاءُ (إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ أَوْرَقَ (أَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيْنَ أَتَاهَا اللَّوْنُ الَّذِي خَالَفَهَا هَلْ هُوَ بِسَبَبِ فَحْلٍ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهَا طَرَأَ عَلَيْهَا أَوْ لِأَمْرٍ آخَرَ (لَعَلَّ عِرْقًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (نَزَعَهَا) الْمَعْنَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي أُصُولِهَا مَنْ هُوَ بِاللَّوْنِ الْمَذْكُورِ فَاجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ فَجَاءَ عَلَى لَوْنِهِ
وَالْمُرَادُ بِالْعِرْقِ الْأَصْلُ مِنَ النَّسَبِ شَبَّهَهُ بِعِرْقِ الشَّجَرَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ عَرِيقٌ فِي الْأَصَالَةِ أَيْ إِنَّ أَصْلَهُ مُتَنَاسِبٌ وَكَذَا مُعْرِقٌ فِي الْكَرَمِ أَوِ اللُّؤْمِ وَأَصْلُ النَّزْعِ الْجَذْبُ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَيْلِ (قَالَ فَهَذَا) أَيِ الْغُلَامُ الْأَسْوَدُ (لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَهُ) أَيْ لَعَلَّهُ فِي أُصُولِكَ أَوْ فِي أُصُولِ امْرَأَتِكَ مَنْ يَكُونُ فِي لَوْنِهِ أَسْوَدُ فَأَشْبَهَهُ وَاجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ وَأَظْهَرَ لَوْنَهُ عَلَيْهِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ وَإِنْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ أَبْيَضَ وَالْوَلَدُ أَسْوَدَ أَوْ عَكْسَهُ لَحِقَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ نَفْيُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ فِي اللَّوْنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ أَبْيَضَيْنِ فَجَاءَ الْوَلَدُ أَسْوَدَا وَعَكْسُهُ الِاحْتِمَالُ أَنَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ مِنْ أَسْلَافِهِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجه