الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِطُولِهِ (قَالُوا) أَيْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنَ الْحَاضِرِينَ (فَمَا أَوَّلْتَهُ) أَيْ فَمَا عَبَّرْتَ جَرَّ الْقَمِيصِ لِعُمَرَ (قَالَ الدِّينَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَوَّلْتُهُ الدِّينَ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيِ الْمُأَوَّلُ بِهِ هُوَ الدِّينُ
قَالَ النَّوَوِيُّ الْقَمِيصُ الدِّينُ وَجَرُّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ آثَارِهِ الْجَمِيلَةِ وَسُنَّتِهِ الْحَسَنَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِيُقْتَدَى بِهِ
وَأَمَّا تَفْسِيرُ اللَّبَنِ بِالْعِلْمِ فَلِكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا وَفِي أَنَّهُمَا سَبَبًا لِلصَّلَاحِ فَاللَّبَنُ غِذَاءُ الْإِنْسَانِ وَسَبَبُ صَلَاحِهِمْ وَقُوَّةُ أَبْدَانِهِمْ وَالْعِلْمُ سَبَبٌ لِلصَّلَاحِ وَغِذَاءٌ لِلْأَرْوَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ قَالُوا وَجْهُ تَعْبِيرِ الْقَمِيصِ بِالدِّينِ أَنَّ الْقَمِيصَ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينُ يَسْتُرُهَا فِي الْآخِرَةِ وَيَحْجُبُهَا عَنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ولباس التقوى ذلك خير
الْآيَةَ
وَالْعَرَبُ تُكَنِّي عَنِ الْفَضْلِ وَالْعَفَافِ بِالْقَمِيصِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ إن الله سيلبسه قميصا فلا تخلعه
أخرجه أحمد والترمذي وبن ماجة وصححه بن حِبَّانَ وَاتَّفَقَ أَهْلُ التَّعْبِيرِ عَلَى أَنَّ الْقَمِيصَ يُعَبَّرُ بِالدِّينِ وَأَنَّ طُولَهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ آثَارِ صَاحِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ
[2286]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) الزُّهْرِيُّ أَبُو يُوسُفَ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ بِلَا قَادِحٍ مِنَ الثَّامِنَةِ (وَهَذَا أَصَحُّ) أَيْ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ الْحُسَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ
0 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
الْمِيزَانَ وَالدَّلْوَ [2287] قَوْلُهُ (كَأَنَّ مِيزَانًا) كَأَنَّ بِتَشْدِيدِ النُّونِ مِنَ الْحُرُوفِ المشبهة بالفعل (فوزنت) بصيغة الْمَجْهُولِ الْمُخَاطَبِ (أَنْتَ) ضَمِيرُ فَصْلٍ وَتَأْكِيدٌ لِتَصْحِيحِ الْعَطْفِ (فَرَجَحْتَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ
الْحَاءِ أَيْ ثَقُلْتَ وَغَلَبْتَ (ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ) فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى وَجْهِ مَا اخْتُلِفَ فِي تفضيل علي وعثمان قاله القارىء (فَرَأَيْنَا الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَاكَ لَمَّا عَلِمَ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَ رَفْعِ الْمِيزَانِ انْحِطَاطُ رُتْبَةِ الْأُمُورِ وَظُهُورُ الْفِتَنِ بَعْدَ خِلَافَةِ عُمَرَ وَمَعْنَى رُجْحَانِ كُلٍّ مِنَ الْآخَرِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرْجُوحِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ وُقُوفَ التَّخْيِيرِ وَحَصْرَ دَرَجَاتِ الْفَضَائِلِ فِي ثَلَاثَةٍ وَرَجَا أَنْ يَكُونَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّفْضِيلَ انْتَهَى إِلَى الْمَذْكُورِ فِيهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ انْتَهَى
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ إِنَّمَا سَاءَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنَ الرُّؤْيَا الَّتِي ذَكَرَهَا مَا عَرَفَهُ مِنْ تَأْوِيلِ رَفْعِ الْمِيزَانِ فَإِنَّ فِيهِ احْتِمَالًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْأَمْرِ فِي زَمَانِ الْقَائِمِ بِهِ بَعْدَ عُمَرَ رضي الله عنه عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَاذِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ بِالتَّأْيِيدِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْوَزْنِ مُوَازَنَةَ أَيَّامِهِمْ لِمَا كَانَ نُظِرَ فِيهَا مِنْ رَوْنَقِ الْإِسْلَامِ وَبَهْجَتِهِ ثُمَّ إِنَّ الْمُوَازَنَةَ إِنَّمَا تُرَاعَى فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَارِبَةِ مَعَ مُنَاسَبَةٍ مَا فَيَظْهَرُ الرُّجْحَانُ فَإِذَا تَبَاعَدَتْ كُلَّ التَّبَاعُدِ لَمْ يُوجَدْ لِلْمُوَازَنَةِ مَعْنًى فَلِهَذَا رُفِعَ الْمِيزَانُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ
[2288]
قَوْلُهُ (عَنْ ورقة) بفتحات أي بن نوفل بن عَمِّ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَرَأَ الْكُتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ (فَقَالَتْ) بَيَانُ السُّؤَالِ وَالسَّائِلِ (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِ وَرَقَةَ وَتَحْقِيقِ أَمْرِهِ (خَدِيجَةُ إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ أَوْ أَنَّ وَرَقَةَ (كَانَ) أَيْ فِي حَيَاتِهِ (صَدَّقَكَ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ فِي نُبُوَّتِكَ (وَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ) تَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ دَعْوَتِكَ لِيُصَدِّقَكَ وَيَأْتِيَ بِالْأَعْمَالِ عَلَى مُوجِبِ شَرِيعَتِكَ لَكِنْ صَدَّقَكَ قَبْلَ مَبْعَثِكَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (أُرِيتُهُ فِي الْمَنَامِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أَرَانِيهِ اللَّهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْيِ لِلْأَنْبِيَاءِ
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِنِي وَحْيٌ جَلِيٌّ وَدَلِيلٌ قَطْعِيٌّ لَكِنِّي رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ (وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ) وَفِي الْمِشْكَاةِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ (وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَكَانَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ غير ذلك
فِيهِ أَنَّهُ إِذَا رَأَى مُسْلِمٌ فِي الْمَنَامِ الثِّيَابَ الْبِيضَ عَلَى مَيِّتٍ مُسْلِمٍ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ حَالِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِالْقَوِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ الْوَقَّاصِيُّ أَبُو عمرو المدني متروك وكذبة بن مَعِينٍ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ هَارُونَ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي ذِكْرِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ
[2289]
قَوْلُهُ (فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبًا) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الدَّلْوُ فِيهَا مَاءٌ وَالْمَلْأَى أَوْ دُونَ الْمَلْأَى كَذَا فِي الْقَامُوسِ
قَالَ الْحَافِظُ وَاتَّفَقَ مَنْ شَرَحَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الذَّنُوبِ إِشَارَةٌ إِلَى مُدَّةِ خِلَافَتِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَلِيَ سَنَتَيْنِ وَبَعْضَ سَنَةٍ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَقَالَ ذَنُوبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فُتِحَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْفُتُوحِ الْكِبَارِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ
وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ في ذكر عمر إلى عدد مَا نَزَعَهُ مِنَ الدِّلَاءِ وَإِنَّمَا وَصَفَ نَزْعَهُ بِالْعَظَمَةِ إِشَارَةً إِلَى كَثْرَةِ مَا وَقَعَ فِي خِلَافَتِهِ مِنَ الْفُتُوحَاتِ
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ تَفْسِيرَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْأُمِّ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ قِصَرُ مُدَّتِهِ وَعَجَلَةُ مَوْتِهِ وَشُغْلِهِ بِالْحَرْبِ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ عَنِ الِافْتِتَاحِ وَالِازْدِيَادِ الَّذِي بَلَغَهُ عُمَرُ فِي طُولِ مُدَّتِهِ انْتَهَى
فَجَمَعَ فِي كَلَامِهِ مَا تَفَرَّقَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ
انْتَهَى (فِيهِ ضَعْفٌ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ
قَالَ الحافظ أي على مهل ورق (وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا دُعَاءٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ
وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ وَفَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عليه السلام فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كان توابا
فَإِنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ الْحَافِظُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قِلَّةِ الْفُتُوحِ فِي زَمَانِهِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ سَبَبَهُ قِصَرُ مُدَّتِهِ
فَمَعْنَى الْمَغْفِرَةِ لَهُ رَفْعُ الْمَلَامَةِ عَنْهُ (فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا) أَيِ انْقَلَبَتِ الدَّلْوُ الَّتِي كَانَتْ ذَنُوبًا غَرْبًا أَيْ دَلْوًا عَظِيمَةً وَالْغَرْبُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (فَلَمْ أر عبقريا
بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ رَجُلًا قَوِيًّا (يَفْرِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ (فَرِيَّهُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ وَرُوِيَ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَخَطَّأَهُ الْخَلِيلُ
وَمَعْنَاهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ الْبَالِغَ (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِالْعَطَنِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ نُونٌ هُوَ مَنَاخُّ الْإِبِلِ إِذَا شَرِبَتْ ثُمَّ صَدَرَتْ
وَسَيَأْتِي فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ بِلَفْظِ حَتَّى رَوَى النَّاسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَيْنَا أَنَا أَنْزِعُ اللَّيْلَةَ إِذْ وَرَدَتْ عَلَيَّ غَنَمٌ سُودٌ وَعُفْرٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ فِي عُمَرَ فَمَلَأَ الْحِيَاضَ وَأَرْوَى الْوَارِدَةَ وَقَالَ فِيهِ فَأُوِّلَتِ السُّودُ الْعَرَبَ وَالْعُفْرُ الْعَجَمَ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (هذا حديث صحيح غريب من بن عُمَرَ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[2290]
قَوْلُهُ (قَالَ رَأَيْتُ) أَيْ فِي شَأْنِ الْمَدِينَةِ (ثَائِرَةَ الرَّأْسِ) أَيْ مُنْتَشِرَةً شَعْرَ الرَّأْسِ (حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْعَيْنِ الْأَرْضُ الْمَبْسُوطَةُ الْوَاسِعَةُ (وَهِيَ الْجُحْفَةُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَظُنُّ قَوْلَهُ وَهِيَ الْجُحْفَةُ مَدْرَجًا مِنْ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ خَلَا عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ
وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ جُرَيْحٍ (فَأَوَّلْتُهَا) مِنَ التَّأْوِيلِ هُوَ تَفْسِيرُ الشيء بما يؤول إِلَيْهِ (وَبَاءَ الْمَدِينَةِ) وَهُوَ بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ مَرَضٌ عَامٌّ أَوْ مَوْتٌ ذَرِيعٌ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَرْضِ الْوَخِمَةِ الَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا الْأَمْرَاضُ لَا سِيَّمَا لِلْغُرَبَاءِ أَيْ حُمَّاهَا وَأَمْرَاضُهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
[2291]
قَوْلُهُ (قَالَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ إِنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ من ستة وأربعين جزءا من النبوة
[2292]
قوله (أخبرنا أَبُو الْيَمَانِ) اسْمُهُ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْبَهْرَانِيُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْحِمْصِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ يُقَالُ إِنَّ أَكْثَرَ حَدِيثِهِ عَنْ شُعَيْبٍ مُنَاوَلَةً من العاشرة (عن بن أَبِي حُسَيْنٍ) اِسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْمَكِّيِّ النَّوْفَلِيِّ ثِقَةٌ عَالِمٌ بِالْمَنَاسِكِ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ (سِوَارَيْنِ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ قَلْبَيْنِ
قَالَ الْحَافِظُ السِّوَارُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ أُسْوَارٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَوَّلَهُ (فَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا) أَيْ أَحْزَنَنِي وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فَكَبُرَا عَلَيَّ
قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بِمَعْنَى الْعِظَمِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَإِنَّمَا عَظُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِ الذَّهَبِ مِمَّا حُرِّمَ عَلَى الرِّجَالِ (فَأُوحِيَ إِلَيَّ) قَالَ الْحَافِظُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ
وَفِي رِوَايَةِ الْكَشْمِيهَنِيِّ فِي حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ هَذَا الْوَحْيَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَحْيِ الْإِلْهَامِ أَوْ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ (أَنِ انْفُخْهُمَا) بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ هِيَ مُفَسِّرَةٌ لِمَا فِي الْوَحْيِ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ وَعَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَجَوَّزَ الطِّيبِيُّ أَنْ تَكُونَ نَاصِبَةً وَالْجَارُّ مَحْذُوفٌ وَالنَّفْخُ
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ يُقَالُ نَفَخْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ (فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا) قَالَ الْحَافِظُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْمَقْبُرِيِّ وَزَادَ فَوَقَعَ وَاحِدٌ بِالْيَمَامَةِ وَالْآخَرُ بِالْيَمَنِ
وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى حَقَارَةِ أَمْرِهِمَا لِأَنَّ شَأْنَ الَّذِي يَنْفُخُ فَيَذْهَبُ بِالنَّفْخِ أَنْ يَكُونَ فِي غَايَةِ الْحَقَارَةِ
وَرَدَّهُ بن الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ أَمْرَهُمَا كَانَ فِي غَايَةِ الشِّدَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ بِالْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْإِشَارَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْحَقَارَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا الْحِسِّيَّةِ وَفِي طَيَرَانِهِمَا إِشَارَةٌ إِلَى اضْمِحْلَالِ أَمْرِهِمَا (فَأَوَّلْتُهُمَا كَاذِبَيْنِ) قَالَ الْمُهَلِّبُ هَذِهِ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِهَا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَإِنَّمَا أَوَّلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السِّوَارَيْنِ بِالْكَذَّابَيْنِ لِأَنَّ الْكَذِبَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَمَّا رَأَى فِي ذِرَاعَيْهِ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَلَيْسَا مِنْ لُبْسِهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حِلْيَةِ النِّسَاءِ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ مَنْ يَدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ وَأَيْضًا فَفِي كَوْنِهِمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالذَّهَبُ مَنْهِيٌّ عَنْ لُبْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى الْكَذِبِ وَأَيْضًا فَالذَّهَبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الذَّهَابِ فَعُلِمَ أَنَّهُ شَيْءٌ يَذْهَبُ عَنْهُ وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي نَفْخِهِمَا فَطَارَا فَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا أَمْرٌ وَأَنَّ كَلَامَهُ بِالْوَحْيِ الَّذِي جَاءَ بِهِ يُزِيلُهُمَا عَنْ مَوْضِعِهِمَا وَالنَّفْخُ يَدُلُّ عَلَى الْكَلَامِ انْتَهَى مُلَخَّصًا (يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي)
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ الْذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا
قَالَ الْحَافِظُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُمَا كَانَا حِينَ قَصَّ الرُّؤْيَا مَوْجُودَيْنِ وهو كذلك لكن وقع في رواية بن عَبَّاسٍ يَخْرُجَانِ بَعْدِي وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِخُرُوجِهِمَا بَعْدَهُ ظُهُورُ شَوْكَتِهِمَا وَمُحَارَبَتُهُمَا وَدَعْوَاهُمَا النُّبُوَّةَ
نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ ظَهَرَ لِلْأَسْوَدِ بِصَنْعَاءَ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم فَادَّعَى النُّبُوَّةَ وَعَظُمَتْ شَوْكَتُهُ وَحَارَبَ الْمُسْلِمِينَ وَفَتَكَ فِيهِمْ وَغَلَبَ عَلَى الْبَلَدِ وَآلَ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ قُتِلَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَدَّمْتُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي
وَأَمَّا مُسَيْلَمَةُ فَكَانَ ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ لَمْ تَعْظُمْ شَوْكَتُهُ وَلَمْ تَقَعْ مُحَارَبَتُهُ إِلَّا فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ
فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بَعْدِي أَيْ بَعْدَ نُبُوَّتِي (يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مَسْلَمَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَبَيْنَهُمَا سِينٌ سَاكِنَةٌ هُوَ الْمَشْهُورُ بِمُسَيْلَمَةَ مُصَغَّرًا قَتَلَهُ الْوَحْشِيُّ قَاتِلُ حَمْزَةَ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَقِيلَ لَمَّا قَتَلَهُ وَحْشِيٌّ قَالَ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَشَرَّ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ (صَاحِبُ الْيَمَامَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْيَمَامَةُ الْقَصْدُ كَالْيَمَامِ وَجَارِيَةٌ زَرْقَاءُ كَانَتْ تُبْصِرُ الرَّاكِبَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبِلَادُ الْجَوِّ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهَا وَسُمِّيَتْ بِاسْمِهَا وَهِيَ أَكْثَرُ نَخِيلًا مِنْ سَائِرِ الْحِجَازِ وَبِهَا تَنَبَّأَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ وَهِيَ دُونَ الْمَدِينَةِ فِي وَسَطِ الشَّرْقِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ مَرْحَلَةً مِنَ الْبَصْرَةِ وَعَنِ الْكُوفَةِ نَحْوَهَا انْتَهَى
(وَالْعَنْسِيُّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ) هُوَ بَلْدَةٌ بِالْيَمَنِ وَصَاحِبُهَا الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ تَنَبَّأَ بِهَا فِي آخِرِ عَهْدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَقَتَلَهُ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مَرَضِ وَفَاةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صلى الله عليه وسلم فاز فيروز
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
[2293]
قوله (حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْجَرِيرِيُّ الْبَلْخِيُّ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عتبة الْهُذَلِيِّ الْمَدَنِيِّ
قَوْلُهُ (إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ ظُلَّةً) بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَحَابَةً لَهَا ظُلَّةٌ وَكُلُّ مَا أَظَلَّ مِنْ سَقِيفَةٍ وَنَحْوِهَا يُسَمَّى ظلة
قاله الخطابي وفي رواية بن مَاجَهْ ظُلَّةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (يَنْطُفُ) أَيْ يَقْطُرُ مِنْ نَطَفَ الْمَاءُ إِذَا سَالَ وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ فِي الطَّاءِ (يَسْتَقُونَ بِأَيْدِيهِمْ) أَيْ يَأْخُذُونَ بِالْأَسْقِيَةِ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ يَتَكَفَّفُونَ أَيْ يَأْخُذُونَ بِأَكُفِّهِمْ (فَالْمُسْتَكْثِرُ) مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ فِيهِمُ الْمُسْتَكْثِرُ فِي الْأَخْذِ أَيْ يأخذ كثيرا (والمستقل) أمي وَمِنْهُمُ الْمُسْتَقِلُّ فِي الْأَخْذِ أَيْ يَأْخُذُ قَلِيلًا (وَرَأَيْتُ سَبَبًا) أَيْ حَبْلًا (وَاصِلًا) مِنَ الْوُصُولِ وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الْمَوْصُولِ كَقَوْلِهِ عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ مَرْضِيَّةٍ (فَعَلَوْتُ) مِنَ الْعُلُوِّ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ فَأَعْلَاكَ اللَّهُ (ثُمَّ وُصِلَ له) على بناء المجهول (بأبي أنت وأبي) أي مفدى بهما (والله لتدعني) بفتح اللَّامِ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ لَتَتْرُكُنِي
وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ ائْذَنْ لِي (أَعْبُرُهَا) وَفِي رِوَايَةٍ فَلَأَعْبُرَنَّهَا بِزِيَادَةِ لَامِ التَّأْكِيدِ وَالنُّونِ (اعْبُرْهَا) أَمْرٌ مِنْ عَبَرَ يَعْبُرُ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَبَرَ الرُّؤْيَا عَبْرًا وَعِبَارَةً وَعَبَرَهَا فَسَّرَهَا وأخبر باخر ما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهَا وَأَسْتَعْبِرُهُ إِيَّاهَا سَأَلَهُ عَبْرَهَا (وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ) الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْوِلَايَةُ الَّتِي كَانَتْ بِالنُّبُوَّةِ ثُمَّ صَارَتْ
بِالْخِلَافَةِ (ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ) أَيْ بِالسَّبَبِ (بَعْدَكَ رَجُلٌ) وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه وَيَقُومُ بِالْحَقِّ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَهُ (ثُمَّ يَأْخُذُ بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ) وَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (ثُمَّ يَأْخُذُ آخَرُ) وَهُوَ عُثْمَانُ (فَيَنْقَطِعُ به ثم يوصل) وفي حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ (أَصَبْتُ بَعْضًا وَأَخْطَأْتُ بَعْضًا) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في معناه
فقال بن قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ أَصَبْتُ فِي بَيَانِ تَفْسِيرِهَا وَصَادَفْتُ حَقِيقَةَ تَأْوِيلِهَا وَأَخْطَأْتُ فِي مُبَادَرَتِكَ بِتَفْسِيرِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ آمُرَكَ بِهِ
وَقَالَ آخَرُونَ هذا الذي قاله بن قُتَيْبَةَ وَمُوَافِقُوهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ اعْبُرْهَا وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي تَرْكِهِ تَفْسِيرَ بَعْضِهَا فَإِنَّ الرَّائِيَ قَالَ رَأَيْتُ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَفَسَّرَهُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بِالْقُرْآنِ حَلَاوَتَهُ وَلِينَهُ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعَسَلِ وَتَرَكَ تَفْسِيرَ السَّمْنِ وَتَفْسِيرَهُ السُّنَّةَ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ
وَقَالَ آخَرُونَ الْخَطَأُ وَقَعَ فِي خَلْعِ عُثْمَانَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ أَخَذَ بِالسَّبَبِ فَانْقَطَعَ بِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْخِلَاعِهِ بِنَفْسِهِ
وَفَسَّرَهُ الصِّدِّيقُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ وَعُثْمَانُ قَدْ خُلِعَ قَهْرًا وَقُتِلَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ
فَالصَّوَابُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يُحْمَلَ وَصْلُهُ عَلَى وِلَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ قَوْمِهِ
وَقَالَ آخَرُونَ الْخَطَأُ فِي سُؤَالِهِ لِيَعْبُرَهَا
قَالَ الْمُهَلِّبُ وَمَوْضِعُ الْخَطَأِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ وُصِلَ لَهُ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ وُصِلَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ
قَالَ الْحَافِظُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ لَهُ قَدْ ثَبَتَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ فَذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ وَبَنَى الْمُهَلَّبُ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ فَقَالَ كَانَ يَنْبَغِي لِأَبِي بَكْرٍ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ وَقَفَتِ الرُّؤْيَا وَلَا يَذْكُرُ الْمَوْصُولَ لَهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ عُثْمَانَ انْقَطَعَ بِهِ الْحَبْلُ ثُمَّ وُصِلَ لِغَيْرِهِ أَيْ وَصَلَتِ الْخِلَافَةُ لِغَيْرِهِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ لَفْظَةَ لَهُ ثَابِتَةٌ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ
فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ عُثْمَانَ كَادَ يَنْقَطِعُ عَلَى اللِّحَاقِ بِصَاحِبَيْهِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْقَضَايَا الَّتِي أَنْكَرُوهَا فَعَبَّرَ عَنْهَا بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ فَاتَّصَلَ بِهِمْ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَبْلَ وَصَلَ لَهُ فَاتَّصَلَ فَالْتَحَقَ بِهِمْ فَلَمْ يَتِمَّ فِي تَبْيِينِ الْخَطَأِ فِي التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ مَا تَوَهَّمَهُ الْمُهَلَّبُ انْتَهَى
وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي الْفَتْحِ (لَا تُقْسِمْ) أَيْ لَا تُكَرِّرْ يَمِينَكَ فَإِنِّي لَا أُخْبِرُكَ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ إِبْرَارَ الْقَسَمِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إنما
هُوَ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْإِبْرَارِ مَفْسَدَةٌ وَلَا مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِبْرَارِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبَرَّ قَسَمَ أَبِي بَكْرٍ لِمَا رَأَى فِي إِبْرَارِهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا
[2294]
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ (عَنْ أَبِي رَجَاءٍ) اسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ مِلْحَانَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللام بعدها مهملة ويقال بن تَيْمٍ الْعُطَارِدِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي اسْمِ أَبِيهِ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ مُعَمِّرٌ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً
قَوْلُهُ (وَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا) عَلَى وَزْنِ فُعْلَى بِلَا تَنْوِينٍ وَيَجُوزُ تَنْوِينُهُ كَمَا قُرِئَ بِهِ فِي الشَّاذَّةِ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَكَذَا رُوِيَ مُنَوَّنًا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ وَمَنْ كَانَ هِجْرَتُهُ لدنيا (الليلة) أَيْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا (وَيُرْوَى عَنْ عَوْفٍ وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِالْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ فِي آخِرِ أَبْوَابِ التَّعْبِيرِ (وَهَكَذَا رَوَى لَنَا بُنْدَارٌ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا) بُنْدَارٌ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْمَذْكُورُ في السند المتقدم